اختلاف المسيرة الحياتية للإنسان تؤثر في عملية إستباط الحكم الشرعي

شبكة المنير منتدى العوامية

أستضاف منتدى العوامية بمحافظة القطيف مساء الخميس ضمن انشطته الثقافية للموسم الثقافي الثاني السيد منير الخباز في ندوة بعنوان «فقه الزمان والمكان» حضرها جمع من المثقفين والاكاديمين ورجال دين.

بدأت الندوة بمقدمة لمدير الندوة الأستاذ/ حسين علي آل نمر تحدث فيها بإيجاز عن عن الجوانب الحياتية المتعلقة بالموضوع.

ثم بدأ السيد منير الخباز حديثه عن ”الدين الإسلامي وتميزه عن الأديان الأخرى بمواكبته لمسيرة الإنسان عبر الحضارات وعبر الأزمنة المختلفة وإنه الدين الصالح لتنظيم حياة الفرد وحياة المجتمع على مختلف التغيرات والتطورات التي تعرض على مسيرة الإنسان“.

وطرح الخباز: سؤالاً كمدخل لموضوع الندوة قائلاً ”ما مدى انسجام الفقه الإسلامي الذي ُيعد واجهة للفكر الإسلامي مع التغيرات والتطورات للمسيرة الإنسانية؟“

وفي هذا الصدد بين الخباز بأنه قد ”عُقدت مؤتمرات في مصر وإيران حول تأثير اختلاف الزمان والمكان في الحكم الشرعي من حيث حدوده ومساحة موضوعه على حياة الإنسان“.

وأوضح ”إن للحديث عن تأثير الزمان والمكان في الحكم الشرعي لابد من أن نحدد «مصطلح الزمان والمكان»“.

وذكر الخباز مصطلحان للزمان والمكان مفصلاً عن تأثير كل منهما على الحكم الشرعي:

• المصطلح الأول: المقصود به اختلاف المسيرة الحياتية الثقافية الحضارية للإنسان وتأثيرها في نفس عملية الاستنباط. أي في نفس عملية استنطاق النصوص التي يستخرج منها الفقيه الحكم الشرعي، فهذه العملية قد تتغير تبعاً لتغير المسيرة الثقافية الحضارية للإنسان.

أمثلة:

أ» تأثير علم الألسنيات على عملية استنباط الحكم من النصوص: فالفقيه حين يأتي للنص ويستظهر معنى من المعاني.. لابد من معرفة مدرك حجية الفقيه، فمثلاً حين يقف الفقيه عند قوله تعالى ﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ هل الربا يشمل شرط الفائدة الذي هو ناشئ عن عامل التضخم في العملة أو لايشمل؟...

فمثلاُ عندما يقوم البنك بإقراض شركة من الشركات مبلغ مليون ريال لمدة 5 سنوات مثلاً مع نسبة فائدة 2 أو 3 % ولاحظ البنك في هذه النسبة عامل تضخم بحيث يتدارك نقصان قيمة العملة لمدة 5 سنوات قادمة،، فهل يُعد هذا من الربا؟ أو إذا أقرض البنك قرضاً استهلاكياً وأحياناً استثمارياً فهل يٌعد هذا مصداقاً الربا؟ فحين يقول الفقيه بأنه يفهم من الآية بأن الربا هو أي قرض يشترط فائدة سواء كانت الفائدة لتعويض نقص مالية النقد أو لم تكن لذلك... فهل فهم الفقيه هنا حجة.. هنا نضع أيدينا على نقطة خطيرة وهو كيف يكون فهم الفقيه حجة؟

هناك رأي فقهي يقول بأن الحجة هو ما يفهمه العرف العربي من النص وقت صدوره من النبي أو من المعصوم ، أي العرف العربي المعاصر للنص، لأن النصوص ألقيت لذلك العرف... هنا تظهر نقطة أخرى وهي كيف يكون فهم الفقيه الذي لم يكن معاصراً للنص حجة مع أن الحجة هو الفهم العربي المعاصر؟

هنا تدخل نقطة يسميها الفقهاء في علم الأصول «أصالة الثبات»، وهي إن الأعراف اللغوية لا تتغير بل تبقى ثابتة لأن تغير المداليل اللغوية إلى معاني أوسع أو أضيق أو معاني مغايرة يحتاج إلى عوامل كثيرة وإلى زمن طويل لذلك فإننا نقول بأن ما يفهمه العرف العربي من النص في زماننا هو ما يفهمه العرف العربي في زمان النص بضمينة أصالة الثبات.

هنا يدخل علم الألسنيات الحديث، والذي يطرح آليات لتحديد ما يفهمه العرف العربي المعاصر لزمان النص، وهو يطرح قراءتين للنص قراءة تزامنية وقراءة إسقاطيه وهي أن أسقط فهم زمن على لغة زمن آخر وهذه القراءة لا اعتبار لها، فالمناط يكون بالقراءة التزامنية، بمعنى إن هذا اللفظ مثلاً لفظ «الربا» صدر زمن معين وبمراجعة المفردات اللغوية في خطب العرب وشعر العرب في ذلك الزمان لنجد ماذا تعني هذه الكلمة ولنعرف ماذا يفهمه العرف العربي العام لهذا اللفظ.

بطبيعة الحال فإن هذا العلم ليس علماً تاماً وفيه يقول المفكر «محمد أركون» الفكر الإسلامي: نقد واجتهاد وكتاب الفكر الإسلامي: قراءة علمية بأن علم الألسنيات ما زال في طور التكوين وهناك صراع بين علماء هذا العلم لتحديد الخطوط العامة لهذا العلم ولكن الباب مفتوح هذا العلم كآليات جديدة لا تطوير عملية استنطاق النصوص الواردة في الكتاب والسنة.

ب» مسألة الهلال: قوله «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليك الشهر فأتموا العدة ثلاثين يوماً».

كلمة «رؤيته» يقف عندها الفقهاء، فيقولون «الرؤية ليست ملحوظة على نحو الطريقية المحضة وليست ملحوظة على نحو الموضوعية المحضة» أي أن ليس الرؤية مجرد موضوع والمدار على الرؤية بحيث إن الهلال لا يثبت بغير الرؤية، أي أن الرؤية ليست الموضوع التام وإنما هي طريق لمعرفة تمام الشهر، إذاً الرؤية طريق ولكنها ليست طريق محض، فلو تمكنا بالطرق المجهرية الحديثة تحديد خروج القمر في أول ثانية من تحت ظلمة المحاق، فهل هذا يؤخذ به؟ يقول الفقهاء لا.

لابد أن يصل القمر بعد خروجه من المحاق إلى مرحلة من حيث حجمه ومن حيث مدة بقائه ومن حيث خطوط الطول والعرض المؤثرة على ارتفاعه، أن يصل إلى مرحلة يمكن رؤيته فيها بالعين المجردة... إذا نحن لاحظنا الرؤية هنا على نحو من الموضوعية وهي أن يصل القمر إلى هذه المرحلة.

من هنا نأتي لأطروحة تأثير المسيرة الحضارية للإنسان في هذه المسألة الشرعية، فعلم الفلك علم تطور ويستطيع اليوم أن يحدد أوقات الصلوات بدقة، ووصل بشكل دقيق تحديد مسيرة القمر في كل مرحلة من مراحله، فإذا كان الشهر الشرعي هو أن يصل القمر إلى درجة يمكن رؤيته بالعين المجردة، إذن إذا شهد الفلكيون بدقة بأن القمر قد وصل إلى تلك المرحلة إذاً ثبت الهلال حتى لو لم يراه أحد بل حتى لو تمكن الفلكيون من تحديد ذلك قبل سنة أو 5 سنوات. ما دام إن الرؤية لم تؤخذ على نحو الموضوعية المحضة بل على نحو الطريقية، إذاً الرؤية هي طريق لإحراز تلك المرحلة وهذه المرحلة يمكن إحرازها بطريق آخر وهي ما يشهد به الفلكيون بحسب الموازين الدقيقة.

إذاً تطور علم الفلك ممكن أن يساهم في استنطاق النصوص أي يكون عاملاً مساعداً في تغير الحكم الشرعي نتيجة تطور هذا العلم.

ج» علم الطب: من المعروف إن فقهاء المسلمين إلى قبل 30 أو 40 سنة يفتون أن الموت هو موت القلب، أي إذا توقف قلبه عن الحركة توقفاً دائماً تجري عليه الأحكام الشرعية للموت.

علم الطب نتيجة تطوره أكتشف إن نبع الحياة في الجسم وبذرة الحياة توجد في الدماغ وليست في القتغير. ذن بعد هذا التطور يستطيع أن يقول الفقيه: كان العرف العربي في ذلك الزمان يفهم أن الموت هو توقف نبع الحياة، لكنه كان يطبق مصدر نبع الحياة على القلب خطأً لأنه لم يكن يعرف وظيفة القلب، الآن عرف إن وظيفة القلب وإنها لا تعادل وظيفة الدماغ وإنه هو مصدر نبع الحياة...

لذلك إن فهم العرف العربي للموت لم يتغير وهو توقف نبع الحياة وإنما مصدر نبع الحياة هو الذي تغير... لذلك فإن الفقيه يفتي بالأحكام الشرعية للموت إذا مات الدماغ.

والعرف العربي في ذلك الزمان لو اطلع على ما اطلعنا عليه اليوم لقال إن مصدر نبع الحياة هو الدماغ وليس القلب.

لذلك من هذه الأمثلة نقول: عملية استنطاق النصوص تتغير وتتأثر بالمسيرة الحضارية للإنسان ولخصوص الفقيه وبالتالي يتغير الحكم الشرعي تبعاً لذلك.

• الموطن الثاني: علم الفقه متداخل مع علم القانون والنتيجة إن تطور علم القانون ينعكس على علم الفقه.

المرتكزات العقلائية القانونية تؤثر بتطورها عبر الزمن على تحديد الفقيه لموضوع الحكم الشرعي وليس عن نفس الحكم الشرعي. فموضوع الحكم الشرعي يضيق ويتسع بتطور المرتكزات العقلائية القانونية للإنسان.

أمثلة على ذلك: بالرجوع إلى أي كتاب فقهي تجد الفقهاء يقولون عقد المضاربة عقد صحيح وكذلك عقد التجارة وعقد الصلح. لأن الله تعالى يقول ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ.

قوله تعالى ﴿أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ تحدد الحكم ولا تحدد الموضوع، بل ما يحدد الموضوع هو الارتكازات العقلائية، فكل عقد يتولد في أي زمان يشمله قول تعالى ﴿أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ، فقبل 100 سنة لم يكن لدينا عقود للتأمين أما اليوم فلدينا عقد فشمله قوله تعالى ﴿أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ لأن الآية تحدد الحكم ولا تتعرض للموضوع، الموضوع تٌرك للارتكاز العقلائي، والارتكاز العقلائي بتطور علم القانون تتوسع آفاقه وتتوسع مداركه، فالارتكاز العقلائي يرى من جملة العقود في زماننا هذا عقد التأمين والاستصلاح وعقود حديثة أخرى.

مثال آخر: النصوص الشرعية تقول «ما تركه الميت فهو لوارثه»، أي ما يقبل الانتقال من شخص لآخر فهو يورث.

لكن هل الحقوق تورث... مثل حق التأليف أو حق البراءة العلمية... هل هذه الحقوق تدخل في قولهم «ما تركه» ويرثه ورثته.. وأمثال ذلك من الحقوق الأخرى.

هنا النص أيضاً يوضح حكم، لكن الموضوع مناط بالارتكازات العقلائية، والارتكازات العقلائية بتطور علم القانون تقول إن هذه الحقوق أموال لذلك فإنها تورث.

من هذه الأمثلة هذه نقول: تطور المرتكزات العقلائية نتيجة تطور علم القانون تؤثر في توسعة مساحات الموضوعات الشرعية.

المصطلح الثاني: تأثير الزمان المكان بمعنى اختلاف البيئة ولو ضمن حضارة واحدة وزمان واحد.

• في عقلية الفقيه نفسه.

• في تحديد العرف العام الذي يناط به الحكم الشرعي.

أ» عقلية الفقيه: الفقيه الذي يعيش في بيئة منفتحة يختلف عن الفقيه الذي يعيش في بيئة محافظة، فعقلية الفقيه وهو يمارس عملية الاستنباط تتأثر بطبيعة البيئة التي يعيش فيها وبمكتسباتها الثقافية، وهذا يعتبر من التأثير القسري الذي لا سيطرة للفقيه فيها.

أمثلة: قوله: إذا خرجت المرأة من بيت زوجها لعنتها ملائكة السماء وملائكة الأرض حتى ترجع إلى بيت زوجها. كيف يتعامل الفقيه مع هذه النص، فهل من تعمل طبيبة وتخرج من بيت زوجها لإنقاذ حياة إنسان تلعنها ملائكة الله؟

هنا.. الفقيه في استنطاق معنى الخروج يتأثر بالبيئة التي يعيش فيها، فإذا كان فقيها يعيش في بيئة محافظة يعتبر حرمة الخروج حرمة مطلقة إلا بإذن زوجها حتى لو كانت لزيارة أهلها أو لأي سبب آخر.

إذا كان الفقيه يعيش في بيئة منفتحة أو لديه ثقافة أخرى يعتبر الخروج إذا كان خروجاً إعراضياً عن الزوج فهو محرم وليس مطلق الخروج كما ذكر ذلك السيد الخوئي وهو كان يعيش في بيئة محافظة.

ب» تحديد العرف العام الذي يناط به الحكم الشرعي.

هناك الكثير من الأحكام الشرعية مربوطة بالحكم العام، ولا يتدخل فيها الفقيه وحتى لو تدخل فيها الفقيه فتدخله ليس حجة. فالمدار على العرف العام.

مثلاً الفقيه يقول «يحرم بيع أدوات القمار» من الذي يحدد أدوات القمار هل «الأونو» أو «الكيرم» من أدوات القمار؟

هنا لا يحدد الفقيه... العرف العام هو الذي يحدد، فما ُيعد أداة من أدوات القمار في العرف العام للبلد يعتبر محرماً، لذلك يختلف العرف العام باختلاف البيئة، وإذا أختلف العرف العام اختلف موضوع الحكم الشرعي من بلد لآخر.

مثال آخر: الدم قبل 100 سنة لا يجوز بيعه لأنه لم يكن مال، اليوم الدم من أهم الأموال لأنه يساهم في إنقاذ حياة البشر، لذلك يجوز بيعه بل يجب في بعض الموارد لإنقاذ النفس المحترمة، هنا اختلف الحكم نتيجة اختلاف الموضوع، واختلاف الموضوع نتيجة اختلاف البيئة وبالتالي اختلف العرف العام.

الإمام الخميني حين أفتى بجواز الشطرنج صارت ضجة وأرسل له عدد من العلماء رسائل ورد عليها، قال قدس سره «الشطرنج محرم لأنه من أدوات القمار وليس بخصوصيته، وما يحدد إنه من أدوات القمار هو العرف العام، فإذا كان العرف العام في زماننا يرى الشطرنج أداة رياضية لتنشيط الذهن فليس محرم هنا الشطرنج»..

إذا كثير من الأحكام التي تربط بالعرف العام تختلف باختلاف العرف العام.

ثم جائت بعد ذلك أسئلة ومداخلات الحضور وهي كالتالي:

الأستاذ فؤاد عبدالله المرهون:

صيرورة الزمان أو المكان ليس لها اعتبارية بالحكم وإنما ما يلحق هذا الزمان أو هذا المكان من ظرف، وعندما نقول ظرف فإنها حاجة أو مصلحة، بينما نجد في الفقه الشيعي هناك إشكال حول المصالح المرسلة باعتبار عدم القدرة على تحديد ملاك الحكم الواقعي باعتبار إنه لا يقوم على الحكمة وإنما يقوم على العلة، بل أن مسألة الحسن والقبح العقليين لا يغطيهما هذا الباب..

ورغم ما ذكرت من أمثلة مثل مثال الدم والشطرنج أرى إنه لا يوجد فيهما نص حول علة الحكم إنما فقط هي الحكمة أو الفهم من خلال الحكم خصوصاً إذا أغلقنا هذا الباب وباب الذرائع تحصل لدينا الكثير من الإنسدادات وتظهر لنا مسألة كثرة الاحتياطات وكأنه لا حكم في المسألة، النقطة الأخرى هل الواقع ينسخ النص أو ينسخ الحكم خاصة إننا نرى مسألة نسخها الواقع وهي مسألة الإماء والرق... وشكراً.

هناك فرق بين ملاك الحكم وموضوع الحكم، نحن نقول بأن ملاك الحكم مجهول لدينا إلا في الموارد التي قام عليها الحسن والقبح العقليان بقاعدة ما حكم به العقل حكم الإسلامية الأخرى لا نؤمن بمسألة المصالح المرسلة ومسألة سد الذرائع لأنهما متعلقان بملاك الحكم، أما موضوع الحكم هو ما تم أخذه في لسان الدليل، إمَّا ُأخذ لفظاً في لسان الدليل أو أُخذ بقرينة مناسبة الحكم للموضوع كما يراه الفقهاء..

في موضوع الحكم مثلاً حين نأتي لمثال الدم، الدم يحرم بيعه حرمة وضعية أي بيعه فاسد لأنه ليس بمال، باعتبار إن ما دل على مشروعية البيع هو قوله تعالى ﴿أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ والبيع هو مبادلة مال بمال، فلابد أن يثبت أن المبيع مال حتى يكون بيعه نافعاً، فقبل 100 سنة لم يكن مال، أصبح مالاً بعد 100 سنة، مسألة المالية ليس بملاك للحكم بل موضوع للحكم فحرمة بيع الدم ليس لأنه دم بل لأنه ليس بمال.

لذلك هناك فرقاً بين ملاك الحكم وموضوع الحكم موضوع الحكم ما أُستفيد من لسان الدليل لفظاً أو بقرينة مناسبة النص للموضوع لذلك المذهب الشيعي يختلف عن المذاهب الإسلامية الأخرى في موضوع الدم والشطرنج لدخولها تحت موضوع الحكم لا ملاك الحكم. أما مسألة الاحتياط فإنها لا تعني أن هناك خللاً في الأدلة المتوفرة للفقيه، وإنما الفقيه وصل للحكم الشرعي لكنه لا يفتي به من باب رفع الحرج عن المقلدين ولكي يتمكنوا من تقليد فقيه آخر يسهل لهم الدخول في هذا الموضوع.

أما عن مسألة نسخ الواقع للحكم، فهذا ليس من باب نسخ الحكم وإنما من باب رفع الموضولذلك ارتفعذاً رفع الموضوع يرتفع الحكم بارتفاع الموضوع، ارتفاع الحكم بارتفاع الموضوع هو ليس من النسخ في شيء، نسخ الحكم هو ارتفاع الحكم مع بقاء موضوعه. أما مسألة الإماء لا يوجد غزو أو جهاد بإذن الإمام المعصوم حتى يصبح هناك غنائم وإماء لذلك ارتفع الحكم لارتفاع الموضوع.

المهندس عبدالعزيز الفرج:

ذكرتم في الأمثلة مثال الربا واشتراك الفائدة المقترضة، إذا رجعنا لعصر النص نجد إنه لا يوجد التضخم في العملة لذلك وٌجد الربا..

أما في يومنا فالربا غير موجود فالأموال لها تكلفة أيضاً، فهل من الحق أن تقترض من إنسان 1000 ريال وترجعها له 1300 ريال بفائدة 3 في المائة.. لماذا لم يتغير الحكم هنا؟

أنا ذكرت إن هذا محل بحث، فلو افترضنا إن 1000 ريال لمدة سنة تنقص قيمتها السوقية بنسبة 50 ريال في السنة مثلاً..

لو أن المقرض قال أقرضك 1000 ريال ب1050 ريال بعد سنة هذا يراه بعض الفقهاء ليس ربا إذا كان الشرط فقط لضمان القيمة المالية ومن ضمن العلماء السيد الصدر قدس سره لا يرى هذا ربا، والبعض من العلماء يراه ربا.

الأستاذ علي الدبيسي:

التطورات العلمية التي ذكرتها وذكرت الألسنيات في الضمن وذكرت إن الشريعة في الوقت الحالي استفادت ولازالت في طور بلورة الاستفادة من هذه العلوم..

والسؤال الذي ينطلق من اعتزازنا من الشريعة الإسلامية هو ألا تحمل الشريعة الإسلامية ذاتها في نصوصها في القرآن والأحاديث أدوات تمكننا من الاستعاضة عن هذه العلوم ليس قدحاً في هذه العلوم أو تجاهلاً للاجتهاد البشري بقدر ما هو مساحة من الاعتزاز نبحث ما يؤيدها داخل نصوصنا الإسلامية.

- ذكرت تطور المنجزات القانونية العلمية إنها مساعدة لإيضاحات أخرى في الشريعة أو لأحكام في الشريعة، في وجهة نظري البسيطة إن الاعتبارات العقلائية يجب أن لا تفرض نفسها على النص بل يجب أن يكون النص بما يحمله من روح ومواكبة أن يكون مهيمن والمرجح لاعتباريتها بل يجب أن يكون سابقاُ لدى الزمان مثل بعض الفتاوى لدى السيد الشيرازي «قدس سره» كانت لديه بعض الفتاوى لا أدري هل أفتى بها بعض الفقهاء أم لا، لكنها كانت تعتبر في زمانها سابقة للتصورات لذلك يجب أن يكون الفقيه سابقاً للزمن بدل من أن تكون الاعتبارات العقلائية هي التي تقد.

- في المعنى الثاني للزمان والمكان الذي حددته بالبيئة، وفي مثال «خروج المرأة» نفترض أن يكون الفقيه مرشداً للسلوكيات البيئية وليس متماشياً معها، فحين ينظر المجتمع إن خروج المرأة لعنة عليها يجب أن يضع الفقيه الميزان والفرقان وليس مسايراً، هذا فقط معارضة بسيطة للمعنى الذي ذكرته... وشكراً.

علم الألسنيات أو أي علم آخر هو من أدوات الاستفادة من النصوص، لا يمكن أن تستفيد من النصوص إلا بأدوات ولابد أن تحدد الأدوات أولاً في رتبة سابقة من علوم أخرى قبل النصوص حتى تستفيد من النصوص عبر هذه الأدوات أدوات أخرى للاستنباط.

- تفضلتم بأن الارتكاز العقلائي لا يفرض نفسه على النص وإنما النص هو الذي يتحكم في إدارة ترشيد الارتكاز العقلائي، وقد ذكرت في المحاضرة بأن هناك فرق بين الحكم والموضوع، النص لا يتعرض للموضوع وإنما للحكم، فنحن نأخذ من الارتكاز العقلائي الموضوع وليس الحكم فالارتكاز العقلائي لا يفرض نفسه على النص، النص يحدد لنا حكماً والارتكاز العقلائي يحدد لنا موضوعا وهنا حالة تكامل بينهما.

- تفضلتم إن الفقيه هو الذي يجب أن يرشد سلوكيات البيئة لا أن يسايرها... نعم هذا حين نتحدث عن وظيفة الفقيه وما يجب أن يكون عليه.... لكن حين نتحدث عن عقلية الفقيه أي عن مسألة قسرية لاشعورية عند الفقيه فهذا أمر مؤثر في الحكم الشرعي والفقهاء يقرون بذلك فلا يوجد فقيه يقول إنه لا يمكن أن يتأثر ببيئته.

المهندس نبيه آل إبراهيم:

راقني ما توصلت إليه الإنسانية من علوم في جميع المجالات وتأثير ذلك في عملية استنباط الشرع، وأريد أن أدخل إلى الموضوع برؤية الانتقال من حرفية النصوص إلى روح النصوص، في الواقع هناك الكثير من المسائل تحتاج لحسم من فقهاء العصر، فهناك الكثير من المسائل لم تحسم بعد وظاهرة، من هذه المسائل أوردت 3 مسائل:

- حسم مسألة دخول الشهر القمري بالطرق الفلكية التكنولوجية المضمونة.

- مسألة السفر دون مشقة خصوصاً مع توفر وسائل الراحة في السفر.

- موضوع قيمومة المرأة أو ولاية البكر الرشيد على نفسها خصوصاً إذا وصلت إلى مستوى من العلم والمكانة.

هذه المسائل بجملتها بطبيعتها خلافية، وتأخذ مخاضها من بحث حتى يستقر الرأي العام على فتوى معينة، فحين اختلط المسلمين بأهل الكتاب وطٌرحت مسألة طهارة الكتابي أو نجاسته حدثت نقاشات وأبحاث حتى استقر الرأي على طهارة الكتابي بعد مخاض بحثي علمي، أيضاً هذه المسائل تأخذ مخاضها إلى أن تصل إلى رأي فقهي سائد، فمثلاُ مسألة ولاية البكر الرشيد هناك فقهاء يرون أن البكر الرشيد هي ولية أمرها مثل السيد السبزواري والسيد الكلبيكاني وهناك من يرى خلاف ذلك، أما مسألة السفر فإن الرأي السائد عن الفقهاء هو أن السفر لا يرتبط بمسألة الحرج والمشقة كما في الروايات إن الرسول: «خرج مع أصحابه فلما وصل إلى كراع الغميم أفطر» كراع الغميم ليست بعيدة عن المدينة ولم يكن تعباً أو مشقة.. هذا والله أعلم.

الأستاذ عبدالعزيز اليوسف:

هل موضوع الحيل الشرعية تدخل في مجال الزمان والمكان للفقه وتغيرات الفقيه ونظرته وتعامله مع المسائل فبعض الفقهاء يتعامل مع المسائل بروح الحكم والبعض الآخر بأصل الحكم، وأرى كأن موضوع الحيل الشرعية لا يعتقد به الكثير بكثر ما يتعامل به البعض، أي أتعامل معه كمسألة فقهية مثل قول السيد الخوئي في موضوع اللهو أن يكون على آلة غير آلات اللهو بينما الإمام الخميني يتعامل مع روح الحكم في هذه المسألة... فمثل هذه الشبهات وهذه المسائل الموجودة التي بدأت تدخل الآن في إطار تفكير شبابنا بهذه الطريقة كيف نتوصل إلى حل سليم أو فيصل يكون بالعبادات وبالتفكير متوافق جداً؟

موضوع الحيل الشرعية بحث قائم بذاته ذكر صاحب الجواهر في باب «العدة بالطلاق» بحث فيه الحيل الشرعية مدى حجيتها واختلاف العلماء حولها، والإمام الخميني «قده» لا ينكر الحيل الشرعية إلا في باب الربا فقط فيقول فيها «إن الحيل الشرعية لا ترفع الظلم، والربا سواء غيرت العبارة أم لن تغيرها فالنتيجة واحدة» ولا ينكره في أبواب أخرى، والحيل الشرعية لها روايات في الوارد عندنا ما ورد عن محمد بن إسحاق بن عمار حينما سأل الإمام الصادق قائلا: «إن أهل المدينة يقولون إن هذا فرار» أي في الحيلة التي طرحتها هي فرار من شيء إلى شيء آخر فأجاب الإمام الصادق: إني أبي كان أجرأ على أهل المدينة مني وكان يقول «نعم الفرار من الحرام إلى الحلال» فبالنتيجة إذا كانت الصيغة التي وصلنا لها حلالاً فهذا فرار من الحرام إلى الحلال، ومن هذه الرواية تم الاستفادة من مشروعية الحيل الشرعية، هذا طبعاً بالعنوان الأولي أما إذا ترتب عليه عنوان ثانوي يوجب حرمته فهذا مسألة أخرى.

الشيخ سعود اللباد:

بالنسبة لتأثر الفقيه بالزمان والمكان والثقافة المحيطة به وبالتالي يؤثر على تغير الحكم الشرعي فيؤدي إلى اختلاف الفقهاء في حكم واحد، فبالتالي المؤثرات المحيطة بالفقيه قد تبعد الفقيه عن واقع الحكم الشرعي وقد تقربه وبالتالي لا تطمئن إلى أن يصل فقيه إلى الواقع الحقيقي أو الحكم الشرعي الصحيح.

- ما هي المساحة المتاحة للفقيه في إعمال عقله في فهم النص الشرعي، فأحياناً تكون نصوص واضحة وصريحة صادرة من المعصوم وفيها تشديد ببعض المحرمات مثل الشطرنج فحسب علمي إنه يوجد تشديد بحرمته، فإذا كان النص الصريح فيه هكذا ما هي المساحة المتاحة للفقيه بحيث إنه يعمل بعقله فيقول إن الشطرنج ينشط العقل وماذا لو فهم آخر قاد صاحبه إن الشطرنج تتلف العقل؟

بالنسبة للنقطة الأولى فإن الفقيه ليس مطلوباً منه أن يصل لواقع الحكم ولو طلبنا واقع الحكم لما قلدنا أحد، المطلوب من الفقيه هو أن يصل للحكم الظاهري، أي الحكم بحسب الآليات المتاحة لديه لا أكثر من ذلك، فإذا تأثرت ذهنية الفقيه بالبيئة المحيطة به فهذا ليس أسوأ حالاً في اختلاف الفقهاء في الاستظهارات وما أكثرها، فمثلاً الشيخ إسحاق الفياض والسيد علي السيستاني «أدام الله ظلهما» وهما يعيشان في بيئة واحدة وزمن واحد، رغم ذلك إننا نرى اختلاف بينهما في مسألة السعي فالشيخ الفياض يرى إن السعي من الطابق الفوقي سعي صحيح بين الصفا والمرة وتنطبق عليه النصوص، بينما السيد السيستاني يرى إنه سعي فوق الصفا والمروة فلا تنطبق عليه النصوص... لذلك فإن اختلاف الفقهاء نتيجة اختلاف الثقافة المحيطة ليس أسوأ حالاً الاستظهارات من النصوص، لذلك مطلوب من الفقيه تحديد الحكم الظاهر حسب الآليات المتاحة إليه.

بخصوص الشطرنج، وأنا هنا مجرد أذكر رأي السيد الإمام الخميني «قده» ولست مدافعاً عن تحليل الشطرنج، فالإمام يقول إنه حين يقرأ الروايات التي تشدد على حرمة الشطرنج فإنه يقرأ جو هذه الروايات ويفهم إن الشطرنج ليس محرماً لأنه «شطرنج» وإنما موضوع التحريم لكونه أداة قمار، وفي زماننا هذا حسب تشخيص الإمام الخميني فإنها في زماننا هذا ليست أداة قمار، إذا اختلف موضوع الحكم وبالتالي اختلف الحكم.

الأستاذ عبدالله ضيف الزاهر:

في الرواية «أما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم» في الوقت الراهن أشبع فقهائنا الجانب الفقهي أو العبادي في قضية الأحداث الواقعة وسماحتكم ضرب أمثلة على هذا الأمر، لكن لماذا نجد الفقهاء مقلين جداً في إبداء آرائهم في القضايا السياسية فهل زماننا والجغرافية التي نعيش فيها أثر على فقهائنا؟

- بالنسبة لقضية تأثر البيئة على الفقيه، أليس منافية لقضية «مخالفاً إلى هواه» فمثلاً فقيه يعيش بمكان ما يقول الأغاني حلال، فلو خرج وذهب إلى قم وعاش بها فترة وتأثر بها يفتي بحرمة الأغاني؟

بالنسبة للرواية التي ذكرتها فبعضهم يستفيد منها بأنها ناظرة إلى الولاية أي ولاية الفقيه، وبعضهم يرى إن هذه الولاية مرتبطة بمسألة الحكم الشرعي أي الفتوى، وهناك فرق بين الفتوى وبين الحكم الولايتي وهل الرواية تدل على حجية الفتوى أو حجية الحكم الولايتي هذا بحث بين الفقهاء.

أما عن تكلم الفقيه في القضايا السياسية، فكل فقيه يكون متصدي للقضايا السياسية يبدي رأيه فيها ويتكلم فيها، طبعاُ هناك فقهاء غير متصدين للأمور السياسية وهذا باختلاف مقدار ما يراه الفقيه من مسؤولية، والفقيه الذي فتح المجال لغيره فجزاه الله خيراً للإفساح وهذا ليس نقصاً في الفقيه.

أما عن البيئة ومخالفة الهوى، فالفقيه إذا أدرك إن الحكم الشرعي هو الحرمة وخالف فهنا يكون وافق هواه، وإذا أدرك إن الحكم الشرعي هو الحرمة وأجتنب فهنا يكون خالف هواه، نحن لا نتكلم عن ما يدركه الفقيه من حكم شرعي فيوافقه أو يخالف فيقال هذا منسجم مع مخالفة الهوى وهذا منسجم مع موافقة الهوى، بل نحن نتكلم عن ثقافة لاشعورية يعيشها الفقيه وهذه لا دخل لها بموافقة الهوى أو مخالفته.

الشيخ عباس السعيد:

لاشك بأن الفقيه مطالب بالحكم الظاهري وليس مطالباً بالحكم الواقعي، ولكن ألا تعتقدون إن الفقيه مطالب بإحراز الأدوات الأقرب للحكم الواقعي، فمثلاً حين نأتي للمواضيع الجديدة مثل الطب والاقتصاد التي يفرزها الواقع، هل تعتقدون في عدم وجود النص في هذه المواضيع أن يكتفي الفقيه بالرجوع إلى الأصول العملية؟ أليس الفقيه هنا مطالب باستحداث أدوات جديدة مثل دراسة قيم التشريع ومقاصد التشريع التي تمكن الفقيه من إعطاء حكم أقرب إلى الدين وروح التشريع من الأصول العملية والمواضيع التي يفتقر فيها الفقيه للنصوص.

- في المواضيع الحديثة المعقدة كالطب والاقتصاد والغير مبحوثة، الفقيه يواجه مشكلة في تشخيص الموضوع، هنا أرى أن يستعين الفقيه بأهل التخصص لتشخيص الموضوع وبالتالي يأتي دوره في البحث عن الحكم.

لاشك إنه يجب على الفقيه استفراغ وسعه وطاقته في استنباط الحكم الشرعي، لذلك أي أداة من أدوات الاستنباط قام الدليل على حجيتها فعلى الفقيه أن يمارسها في الاستنباط، أما إذا كانت هناك أدوات مستجدة وفي مسائل حديثة لكن هذه الأدوات لم يقم الدليل بحجيتها بالنسبة للفقيه، لذلك بالطبيعي سيتنقل لإجراء الأصل العملي.

النقطة الثانية مهمة وجديرة بالبحث وهي خبرة الفقيه بالموضوعات المستجدة، لذلك يجري سنويا في إيران مؤتمر لبحث الموضوعات المستجدة في شتى المجالات، فالفقيه يحتاج إلى متابعة هذه المؤتمرات لاكتساب الخبرة بالموضوعات، بل يجب أن تكون عنده لجنة لتشخيص الموضوعات حتى يفتي على طبق الموضوع المخصص.

ثم قام المنظمون ضمن الفقرة التكريمية التي خصصها المنتدى لطالبات العوامية المتفوقات واللاتي حققن المراكز الأولى على مستوى المملكة في إختبار الثانوية العامة لهذا العام، حيث إستلم أولياء أمورهن دروع التكريم.