لقاء العلامة المنير بعميد الدراسات الإسلاميّة بجامعة جورج واشنطن

شبكة المنير
  • قسمٌ جديد في الجامعة يدرس الإسلام وفق الفهم الشيعيّ والسُّنّي.
  • فكرة مشروع للتبادل العلميّ بين الجامعة وحوزتي النجف وقم.
  • دراسة الظواهر والفهم الاجتماعيّ للإسلام.

في جامعةٍ من أعرق جامعات الولايات المتحدة الأمريكيّة، زار سماحة الحجّة السيد منير الخباز - دامت توفيقاته - يوم الخميس 1 شهر ربيع الأول 1438هـ، الموافق 1 ديسمبر 2016م، في العاصمة الأمريكية واشنطن، قسم الدراسات الإسلاميّة، في جامعة جورج واشنطن George Washington University، والتي يرجع تأسيسها إلى أول رئيسٍ للولايات المتحدة، وقد رافقه في هذه الزيارة المباركة:

1 - سماحة السيد محمد باقر الكشميريّ - حفظه الله -، الوكيل الشرعيّ للمرجعيّة الدينيّة العليا، والمشرف العام على مؤسسة إمام Imam Mahdi Association of Marjaeya «I. M. A. M».

2 - الدكتور عباس كاظم، مؤسس ورئيس مركز الدراسات الشيعية في واشنطن.

3 - الأستاذ مصطفى حسن المدير العام لمؤسسة إمام.

وكان في استقبالهم من جانب الجامعة:

1 - البروفيسور روبرت آيزن، عميد قسم الدراسات الإسلاميّة، يهوديّ الديانة.

2 - الأستاذ المشرف الدكتور محمد فغفوري. دكتوراه في دراسات الشرق الأوسط.

واستهلَّ عميد القسم الدكتور آيزن الجلسة الحوارية بالإعراب عن سعادته، بهذه المبادرة الجميلة، والتي من شأنها تبادل الأفكار، وفتح آفاقٍ لتبادل الخبرات، ثمَّ استعرض الصورة الواقعية لما عليه هذا القسم المستحدَث، وما يُترقَب منه، وقال:

افتتحنا قسماً جديداً لدراسات الدين الإسلاميّ، لكي نتمكن من بناء برنامجٍ للدراسات العليا، ونحن الآن في السنة الرابعة لدينا عددٌ من الطلبة أكثر من العدد المتوقَّع، ومجموع الطلبة في هذا القسم 17 طالباً، وبالنسبة لقسمٍ جديدٍ يعتبر هذا العدد مشجعاً جدّاً، والعدد في اطِّراد سنةً تلوَ أخرى، ومما يجعل هذا البرنامج خاصّاً هو ما اتفقنا عليه أنا والدكتور محمد من تدريس المدرستين الإسلاميتين: الشيعيّة والسنيّة، وهذه الطريقة - في وجهة نظرنا - الأكثر أمانةً في نقل الصورة الصحيحة عن الإسلام، وكلَّما طالعنا الصُّحف اليوميّة نرى الخلاف الكبير بين هاتين المدرستين، ولذلك كان أحد أهدافنا من تدريس هاتين المدرستين إعطاء الفرصة للطلبة في تقييم هذين الفرعين بما يعطي صورةً عن الإسلام بعموميته، وحتّى الآن أعتبر هذا البرنامج ناجحاً بشكلٍ كبير، والدكتور فغفوري هو الذي يحمل البرنامج كاملاً على كتفيه، وهو صديقي الأفضل.

ثمَّ تحدَّث سماحة السيد مبدياً سعادته المتبادلة بهكذا لقاءات وحوارات بنّاءة، وأعربَ عن تطلعهم في الاستفادة من نظرات أساتذة هذا القسم في دراسته وتدريسه للإسلام، بشقيه: المدرسة الشيعيّة، والدرسة السنيّة.

فأتبعه الدكتور فغفوري بنفس هذه الرغبة، وعلّق بالقول: نتطلع إلى التعاون بيننا، وتبادل الزيارات للأساتذة والطلبة بيننا وبين مدارس النجف وكربلاء، ولِنحقق أهدافنا بالشكل المنشود، علينا التأمّل بكيف وأين نبدأ؟

فأجابه سماحة السيد المنير بجمال وأهميّة هذا المقترح، وهو بحاجةٍ إلى وضع خطّةٍ وبرنامج، ليُعرَف مدى الإمكانيات المتاحة، والظروف المناسبة، وما هي الأماكن المناسبة لتبادل الطلبة والأساتذة؟

فأبدى الدكتور فغفوري الرغبة الشديدة لديهم لهذه الفكرة، وأنَّهم يسعون لخلق هذه الإمكانيات، لإعطاء الطلبة منحةً أو بعثةً دراسية، وأعربَ عن استعدادهم في المضيّ في هذا السبيل بكلِّ ما يستطيعون بدون أيِّ ترددٍ، وأردف أنَّ ذلك التفكير في خلق هذه الإمكانيات أمرٌ مهمٌّ بالنسبة للطرف الآخر كذلك من المسلمين «الشيعة».

فتداخل السيد الكشميري - حفظه الله - مؤكداً على أهميّة هذه الفكرة، وأنَّ مشروع الجامعة الإسلامية سيكون رافداً مهمّاً لكلِّ الباحثين والدارسين للإسلام، ولكنه تساءل عن فُرص التعاون المتصوَّرة على وجه التحديد؟

ثمَّ تفضّل سماحة السيد المنير بتنويع البحث، وتأصيلٍ فنّيٍّ جميلٍ لأهميّة الدراسات الميدانيّة، فقال - دامت فوائده -:

إنَّ الدراسات الإسلاميّة على نوعين: نوعٌ يتعلّق بدراسة النظريات، ويمكن استفادتها من الكتب والمصادر المعرفيّة، والنوع الثاني: هو دراسة الظواهر، أو الشعائر والطقوس، أو الفهم الاجتماعيّ للإسلام، وهذا النوع من الدراسات لا يمكن أن يستقى من الكتب، وإنما يستقى من الحضور في المجتمع الإسلاميّ، ولذلك فإنَّ تهيئة رحلات لأساتذةٍ أو طلبةٍ من هنا، ليدخلوا في المجتمع الإسلاميّ في بعض الظروف، أمرٌ مهمٌّ ليعرفوا من خلال دخولهم لهذا المجتمع الفهم الاجتماعيّ للإسلام.

فمثلاً: حينما نريد دراسة ظاهرة «زيارة الأولياء» كظاهرةٍ إسلاميّةٍ، فهذه الدراسة لا يمكن لها أن تعتمد على الكتب، لتتحصّل على أجوبة هذه التساؤلات: ماذا تقول عن هذه الظاهرة؟ ما هي درجة تفعيلها وتأثيرها على المجتمع الإسلاميّ؟ وإنما تعرف أبعادها السلوكيّة وتأثيرها السّلوكيّ من خلال حضور نفس الزيارة، وملاحظة حجمها، وتأثيرها.

وأشار الدكتور عباس كاظم، الذي يتفضّل بالترجمة الفورية لكلام سماحة السيد، إلى زيارة الأربعين المليونية، والتي تأمّها الملايين من مختلف بقاع الأرض، كشاهدٍ لهذه الزيارات التي لا يمكن أن تدرس من دون الوقوف على مراسيمها خارجاً.

وتساءل البروفيسور آيزن: عن تواجد أبناء الديانات الأخرى في هذه الطقوس من عدمه؟

فأجابه السيد الكشميري - حفظه الله - بتواجدها السنويّ ومشاركتها في تلك المراسيم.

وتناول سماحة السيد المنير البُعد الفلسفيّ لهذا التلاقي في الطقوس والممارسات بين الشيعة والمسيحيين والصابئة في العراق، والتلاحم في ممارستها، وقال:

إنَّ ذلك التلاقي له جذرٌ معرفيٌّ، وليس مجرّد انبعاث عن حالةٍ من الجيريّة، أو العفويّة، بمعنى أنَّه ليس الدافع إلى ممارسة هذه الطقوس أنَّهم جيران في بلدٍ واحدٍ، أو أنَّ روح التسامح تدفعهم إلى ممارسة هذه الطقوس بل لهذا جذورٌ معرفية، ّ، إذ أنَّ الفكر الشيعيّ المعرفيّ مصبوغٌ بصبغةٍ فلسفيّةٍ، وهذه الصِّبغة الفلسفيّة لها جذورٌ في علم اللاهوت، وهذه الجذور المعرفيّة المشتركة هي التي تدفع إلى حضور هذه الطقوس، واستحسانها، أو ممارستها.

ولذلك هذا يدعونا إلى التساؤل حول وجود مصادر مكتوبة باللغة الانجليزية تتكلّم عن الفلسفة الشيعيّة، ومدى تأثيرها على المعتقدات الشيعيّة، وما هي أوجه التلاقي والافتراق بين البناء المعرفيّ الفلسفيّ للشيعة، وعلم اللاهوت لدى الأديان السماويّة الأخرى؟

فأجاب سماحتَه البروفيسور آيزن بالقول: إنَّنا نستلهم من دراسة مختلف الديانات، وقد يبدو غريباً دراسة اليهوديّ للإسلام، ولكن في العمل الأكاديميّ ذلك طبيعيٌّ جدّاً، وهناك بعض الدراسات لدى بعض الباحثين تهتمّ بهكذا دراسات، خصوصاً في السنوات الأولى من الإسلام.

ثمَّ تابع سماحة السيد المنير حديثه عن فلسفة التلاقي بين الإسلام والأديان السماوية الأخرى ضارباً لذلك مثلاً معرفيّاً مشتركاً، فقال - حفظه الله -:

من المفاهيم التي هي رائجة في الفلسفة الإشراقيّة لدى الشيعة، التي من روّادِها ملاّ صدرا الشيرازيّ، وملاّ هادي السبزواريّ، وأمثالهم، هو مفهوم التجليّ الإلهيّ، من خلال الإنسان والأشخاص، فالله - سبحانه وتعالى - يتجلّى - مثلاً - في محمّدٍ، في عليٍّ، في الحسين، وأنَّ هذه التجلّيات بأشكالٍ مختلفةٍ، وقد ذُكِرَ في روايات أهل البيت وأدعيتهم: ”اللهمَّ إنِّي أسألك بالتجلّي الأعظم“، وهذا التجّلي وإن ذكر لفظه في القرآن الكريم: ﴿فلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقًا، إلاّ أنَّ هناك فرقاً في تناول هذا المصطلح «التجلِّي»، ومفردات هذه الآية، بين المدرسة الشيعيّة والسُّنيّة، فالمدرسة السُّنيّة تتناولها بالفهم الحرفيّ للفظ، بخلاف المدرسة الشيعيّة، فإنَّها في تناولها لهذا المفهوم تقوم بالربط بينه وبين علم اللاهوت المشترك، بين القرآن، والتوراة، والإنجيل، لأنَّ الوحي ماءٌ واحدٌ، فليس القرآن الكريم استثناءً منفصلاً عن الكتب السماويّة الأخرى، وكأنَّه ابتداعٌ جديدٌ لا سابقة له، بل القرآن يقع في نفس هذا السياق، وفي نفس هذا الماء الذي ابتدأ من «إبراهيم» وحتّى «محمّد ، لذلك يُفهم «التجلّي» عند المدرسة الشيعيّة على أنَّه ظهورٌ ملكوتيٌّ في شخصيّة الإنسان، وعندما نقرأ في القرآن الكريم، نجده أحياناً يُعبِّر ب «مُلْك»، ﴿تبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ، وأحياناً يعبِّر ب «ملكوت»، ﴿فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ، فإذا أخذنا القرآن الكريم بالفهم اللّغويّ المحض، وتعاملنا مع ألفاظه كألفاظٍ جديدةٍ في اللُّغة العربيّة، فإنَّنا سنصل بالقول إلى أنَّ لفظ «ملكوت» مبالغةٌ في «المُلْك»، ولكنَّ هذا التفسير في المدرسة الشيعيّة غير مقبولٍ، فهي تربط بين هذه المصطلحات المذكورة في القرآن الكريم، وبين المصطلحات الموجودة في علم اللاّهوت قبل نزول القرآن الكريم، فتُفهَم في هذا السِّياق، بأنَّ «المُلْك» هو البُعد الماديّ للكون، و«الملكوت» هو البُعد الغيبيُّ لهذا الكون.

فأكَّد البروفيسور آيزن وجود مفردة «مالكوت» في العبرية، والتي تقابل «ملكوت» في العربيّة.

وتبعه الدكتور فغفوري بالقول: إنَّ المدرسة الشيعية منفتحةٌ على بقية المِلل، ثمَّ عرض الدكتور وجهة نظره في التبادل المعرفيّ بين الطلبة والأساتذة بين الجامعة في أمريكا والحواضر العلميّة للمسلمين، وأكّد على ضرورة وجود أساسٍ معرفيٍّ نظريٍّ يتحلّى به الطالب أو الأستاذ قبل إرساله للمحلِّ الآخر، وهكذا يصبح الباحث الأمريكيّ - مثلاً - مؤهّلاً لإرساله للنجف، ويمكن لحوزة النجف كذلك تأهيل أساتذة للتدريس بمعاهد أمريكا، ولكن علينا أن نبحث الآن عن خطوة عملية في هذا الاتجاه.

وأشار السيد الكشميري - حفظه الله - إلى وجود فارقٍ جوهريٍّ بين الدراسة الحوزوية والأكاديميّة، إذ أنَّ الدراسة في الحوزة لا تعتمد على إعطاء شهاداتٍ أكاديمية، مما ينبغي أن نتأمل فيه حينما نرسل شخصاً من أمريكا إلى الحوزة.

فعلّقَ الدكتور فغفوري بحلٍّ يمكنه الدفع بهذا الإشكال المتصوّر، فقال: يمكن لنا الاعتماد على الطلبة والأساتذة الذين تزكِّيهم لنا الحوزة، ويمكنهم الحصول على شهادة تخدم هذا النوع من برامج التبادل المعرفيّ، ويمكن أن يكون توقيع هؤلاء على رسائلهم العلميّة ب «الدكتور حجّة الإسلام»، وقدمتُ لفظة «الدكتور» على «حجّة الإسلام» لكونها أهمّ - حسب وجهة نظري -، وهذا التبادل المعرفيّ لا يجب أن يكون دائماً، ويهدف إلى الحصول على شهادات، وبالطبع مَن يذهب إلى حوزة النجف لن يستطيع أن يكون مجتهداً، لكونه يحتاج إلى تعلّم اللُّغة أولاً، فالمطلوب التأهيل الجيّد قبل الذهاب، فيمكن أن تكون الزيارة الأولى لهؤلاء هادفةً لتعلّم الأشياء الأساسيّة والضرورية، والخبرة العمليّة، ثمَّ إذا أحبوا إكمال البرنامج يمكن الالتحاق ببرنامج الماجستير والدكتوراه.

واقترح سماحة السيد المنير خطوةً عمليةً في سبيل تفعيل هذه الفكرة من التبادل المعرفيّ، وقال: لتبدأ الخطوة الأولى في هذا المجال بالمقترحات، كما تفضل الدكتور بوضع نظامٍ تعليميٍّ أساسيٍّ لهذا المشروع ”كيف يمكن أن يَتحرّك؟“، ويوضع مقترحٌ آخر من قِبل الحوزة في النجف أو في قم، وتُدرَّس أوجه المقارنة، ويُنتخب الأفضل، ثمَّ نتجه إلى خطواتٍ أخرى.

ثمَ أشار الدكتور فغفوري إلى ما تتميّز به تجربتهم في الجامعة من تدريس الدراسات الإسلاميّة، وقال: كثيرٌ من الطلبة حينما يأتون للدراسة هنا؛ يتفاجؤون بهذا النوع من التدريس الذي يشمل جميع المدارس الإسلاميّة، ونقل أحد طلبة الأزهر بمصر أنَّه لأول مرّة تمرّ عليه بعض المعلومات التي لا تُدرَّس في الأزهر، فالتدريس الشامل للإسلام مهمٌ جدّاً للطلاب، ويجب أن نبتعد عن تدريس جهةٍ إسلاميّةٍ دون أخرى، وهناك ملاحظة يمكن رصدها في المدرسة السُّنيّة، وهي توقف تدريس الفلسفة في المدارس السنيّة من بعد وفاة «ابن رشد»، خصوصاً في السنوات المائة والخمسين الماضية، فمعظم الجامعات والمدارس السُّنيّة تدرس فقط «الفقه» وبعض «علم الكلام»، وأما في برنامجنا هنا في الجامعة؛ فقد ضمنّا معظم العلوم الشيعيّة إضافةً إلى غيرها من المواد، ومعظم الجامعات الأمريكيّة لا تقوم بهذا.

وأكَّد سماحة السيد المنير على ضرورة تظافر الجهود حول هذه النقطة، وعلى الاستفادة من إدخال الفكر الشيعيّ المعرفيّ الفلسفيّ في جميع هذه الدراسات.

ثم تقدّمَ سماحة السيّد بسؤالٍ وجهه للبروفيسور آيزن، وهو عن كيفيّة تصوّر الديانة اليهوديّة لتكليم الله - تعالى - لنبيِّه موسى ؟ وما معنى كلام الله - تعالى - لموسى ؟ كما ورد في القرآن الكريم ﴿وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيمًا.

فأجابه البروفيسور آيزن: حقيقةً؛ هذا سؤالٌ صعبٌ، ولنا أن نسأل: كيف يفهم الإسلام أنَّ الله كلَّم محمّداً؟ هناك عدة أجوبةٍ تختلف باختلاف المدرسة الكلاميّة، أنا شخصياً أميل لعدةِ أجوبةٍ لهذا التساؤل، وكلّ الأجوبة في التراث اليهوديّ هو أنَّ الله كانت له علاقةٌ خاصةٌ مع موسى، وطريقةٌ خاصةٌ في التكلّم معه، تختلف عن تكلُّمِه مع بقية الأنبياء بطريقةٍ أكثر خصوصيّة، وهناك جواب ابن ميمون لهذا السؤال، وهو أنَّ الفرق بين كلامه لموسى وبقيّة الأنبياء، أنَّ الله أوحى لموسى بطريقة العقل لا التصوّر، فاستخدم التعامل مع عقله، وليس تصوُّرِه، وهذا أحد الأجوبة التي أفضِّلها، وهناك مقولةٌ في التلمود: «هنالك سبعون وجهاً للتوراة»، ومن الصعب أن أقول أيّ الأوجه التي أفضِّلها.

ثمَّ أجاب سماحة السيد المنير عن وجهة نظر المدرسة الإماميّة في ذلك، فقال: نحن لدينا آية في القرآن الكريم ﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ، وحينما نقرأ الآية نفهم منها أنَّ الوحي انكشافٌ وجدانيٌّ للمعنى، كما أنَّ الإنسان يشعر بالجوع شعوراً وجدانيّاً، لا يقبل الشك، ويقبل بالحبّ شعوراً وجدانياً، لا يقبل الشكّ، فالوحي كذلك، ليس متقوقعاً في العقل، وإنَّما يهبِط إلى الوجدان بحيث يشعر به الرسول، كما يشعر بالجوع والعطش، بشكلٍ لا يقبل الشكَّ عنده، وأمّا بالنسبة إلى موسى فله خصوصيّةٌ بأنَّ القرآن قد نصَّ عليه من دون بقية الأنبياء، ﴿وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيمًا، ومعنى أنَّه كلَّم موسى، أنَّه جعل موسى معدناً لكلماته، والقرآن الكريم قد عبّر عن عيسى أنَّه ”كلمة“، ﴿إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ، وأمّا موسى فهو أعظم من ذلك، فموسى ليس كلمةً، وإنَّما «معدن الكلام».

ونبَّه البروفيسور آيزن على أنَّ هذه الفكرة هي أحد المعاني التي يتصارع الفلاسفة اليهود في فهمها - كما هو عليه معهم -، لأنَّه من الصعب جدّاً أن يفهم البشر كيف يتكلّم الله مع موسى، لأنَّ هذه الفكرة من الأفكار الصعبة، والتي يصعب التعبير عنها بشكلٍ مفهومٍ.

واختُتِم اللِّقاء بتثمين هذا الحوار وأهميته في تأسيس وتجسير التبادل المعرفيّ بين الحواضر العلميّة الشيعيّة والجامعات الأكاديميّة في أمريكا.

ويأتي هذا اللقاء ضمن سلسلةٍ من اللقاءات العلميّة، بجهودٍ مباركةٍ لمؤسسة إمام، وبعنايةٍ شخصيّةٍ من مشرفها العام سماحة السيد محمد باقر الكشميري - دامت توفيقاته -.