درس الفقه | 073

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

ما زال الكلام في الوجوه التي اقيمت لإثبات أن مورد التحليل في روايات تحليل الخمس هو المال المنتقل للإمامي وهو متعلق للخمس، وقد سبق الكلام في الوجه الاول وهو ما افاده سيدنا الخوئي «قده» وسبقت فيه المناقشة.

الوجه الثاني: ان التحليل المستفاد من الروايات اما شرعي أو مالكي، أو ولايتي؟ وفي كل من هذه المحتملات وجه للخدش. المحتمل الاول: إن قلنا بأن التحليل من هذه الروايات شرعي، بمعنى ان من جملة أحكام الشرع: أن المال المنتقل للإمامي وهو محقوق لا خمس فيه بالنسبة للإمامي، فهذه الأدلة تنفي ثبوت الخمس شرعاً، لا أن مالك الخمس عفى عنه، ولا ان ولي الامر اذن باستخدامه في ولايته، بل ان هناك حكم شرعي بعدم الخمس في هذا المورد. فيقال: هذا المحتمل مخدوش بمنافاته لظاهر الادلة، حيث قال في معتبرة يونس بن يعقوب «ما انصفناكم إن كلفناكم ذلك» فإن ظاهره أنه ليس حكماً شرعياً، وإلا لو كان الخمس منتفياً شرعاً لما صح ان يقول «ما انصفناكم إن كلفناكم». أو كما في «حديث10، الباب4 من ابواب الانفال» رواية الوشّاء عن القاسم بن بريد عن الفضيل عن أبي عبد الله : «قال: من وجد برد حبنا في كبده فليحمد الله على أول النعم، قال، قلت: جعلت فداك ما أول النعم؟ قال ع: طيب الولادة. ثم قال ع: قال أمير المؤمنين علي لفاطمة أحلي نصيبك من الفيء لأبناء شيعتنا ليطيبوا. ثم قال أبو عبد الله ع: أننا أحلننا امهات شيعتنا لآبائهم ليطيبوا». هذا المحتمل الاول.

المحتمل الثاني: ان التحليل مالكي، أي بما ان الامام مالك للخمس فمقتضى مالكيته أن يأذن في استخدامه أو يأذن في تفويته أو يأذن في ترك دفعه، فالتحليل تحليل مالكي. ولكن هذا المحتمل محل خدشة، باعتبار ان لازم التحليل المالكي عدم امتداده لسهم السادة، لأن الإمام ليس مالكا لسهم السادة كي يقوم بتحليله تحليلاً مالكياً. مضافاً لاختصاص التحليل المالكي بزمان الحضور، إذ لا معنى لان يحلل المالك ما لم يملكه، فإنه إذا مات الامام المحلل وحل إمام آخر محله اصبح الخمس ملكا للثاني لا للاول، فكيف يحلل الاول الخمس الذي يفد بعد موته؟! مضافاً الى أن التحليل المالكي يقتضي المعاصرة، معاصرة المباح والمباح له حتى يتصور عملية الاباحة المالكية، بينما التحليل في الروايات مطلق حتى يوم القيامة، كما في معتبرة ابي خديجة.

المحتمل الثالث: أن يقال بأن التحليل ولايتي، والتحليل الولايتي بمعنى أن ولي الامر قام بتحليل ذلك لأجل مصلحة المولى عليه، فهل تحليله لسهم السادة مناسب لمصلحة المولى عليه؟ مع ان الشارع حرم عليهم الزكاة، فسدَّ عليهم الابواب، فلو كان التحليل ولايتياً لم ينل سهم السادة، لأنه خلف مصلحة المولى عليه. بل هو _التحليل الولايتي_ منافة لحاجة الأئمة انفسهم كما يظهر من هذه الرواية: «حديث2، باب3، من أبواب الانفال»: رواية محمد بن زيد الطبري، قال: «كتب رجل من تجار فارس من بعض موالي أبي الحسن الرضا يسأله الإذن في الخمس، فكتب اليه: بسم الله الرحمن الرحيم: إن الله واسع كريم، ضمن على العلم الثواب، وعلى الضيق الهم، لا يحل مال إلا من وجه أحله الله، إن الخمس عوننا على ديننا وعلى عيالاتنا وعلى أموالنا وما نبذله ونشتري من أعراضنا ممن نخاف سطوته، فلا تزهوه عنّا ولا تحرموا أنفسكم دعائنا، ما قدرتم عليه، فإن إخراجه مفتاح رزقكم وتمحيص ذنبوكم وما تمهدون لأنفسكم يوم فاقتكم، والمسلم من يفي لله بما عهد اليه وليس المسلم من أجاب باللسان وخالف بالقلب، والسلام». فإن ظاهره ان تحليل الخمس يتنافى مع مصالحهم الضرورية والأساسية ومنهم حفظ اعراضهم ممن يخاف سطوته.

فإذن إذا لم يكن التحليل لا شرعياً ولا مالكياً ولا ولايتياً، والمفروض انه قد قامت الروايات على التحليل، إذن بما انه تحليل لم يثبت له وجه شرعي فيقتصر على القدر المتيقن منه، فيقال: القدر المتيقن منه تحليل المال المنتقل للإمامي. يلاحظ على ذلك:

أولاً: الصحيح انه تحليل ولايتي، أي ان مقتضى ولايته على خمس الفائدة ان له السلطنة على العفو والإذن في استخدام هذا الخمس. ودعوى انه خلف المصلحة يقال هذا تحليل من باب ترجيح الاهم على المهم عند التزاحم، صحيح ان حاجة السادة امر مهم، وحاجة الائمة امر مهم، الا ان الرفق بالشيعة مع كونهم في معرض سطوة الظلمة من حيث نهب اموالهم ومنع ارزاقهم والتضييق عليهم كان الرفق بالشيعة مصلحة اهم، فمن باب تقديم الأهم على المهم صدر التحليل الولايتي، مع تعويض سهم السادة مثلاً بالصدقات ومن أموال بيت المال وما أشبه ذلك.

ثانياً: إن غاية ذلك _غاية الخروج عن التحليل المطلق_: أن يقال: إن التحليل ولايتي مطلق إلا إذا لزم منه تفويت حاجة السادة أو تفويت حاجة الإمام، فيخرج من التحليل مقدار ما يعوض به حاجة السادة وحاجة الائمة لا ان هذا يؤدي إلى تخصيص التحليل إلى خمس المال المنتقل. هذا بالنسبة للوجه الثاني لتحليل خمس المال المنتقل فقط.

الوجه الثالث: أن هناك مجموعة من القرائن الارتكازية واللفظية التي بلحاظ مجموعه يستفاد اختصاص التحليل بخمس المال المنتقل لا شمول التحليل لأي خمس. وهذه القرائن هي:

القرينة الأولى: وهي قرينة ارتكازية. قامت السيرة العملية على اخذ خمس الفوائد والتشديد على اخذها، والتغليظ على أخذ خمس الفوائد في زمن الأئمة المتأخرين، كما يلاحظ ذلك في عدة أحاديث: منها: «حديث8، باب 1 من أبواب ما يجب فيه الخمس»: معتبرة الحلبي عن ابي عبد الله ع: «في الرجل من اصحابنا يكون في إيوانهم فيكون معهم فيصيب غنيمة، قال: يؤدي خمسنا ويطيب له». ومنها: «حديث3، الباب8 من ابواب ما يجب فيه الخمس» صحيحة علي بن مهزيار، قال: قال لي علي بن راشد، قلت له: أمرتني بالقيام بأمرك وأخذ حقك، فأعلمت مواليك بذلك، فقال لي بعضهم وأي شيء حقه؟ فلم ادري ما اجيبه؟ قال: يجب عليهم الخمس، قلت: ففي أي شيء؟ قال: في امتعتهم وصنائعهم، قلت: والتجار عليه؟ والصانع بيده؟ فقال: إذا امكنهم بعد مؤونتهم». ومنها «حديث6 الباب1» محمد بن حسن الصفار في بصائر الدرجات، عن عمران بن موسى، عن موسى بن جعفر : «قال قرأت عليه آية الخمس، فقال: ما كان لله فهو لرسوله، وما كان لرسوله فهو لنا، _ثم قال_: والله قد يسر الله على المؤمنين ارزاقهم بخمسة دراهم، جعلوا لربهم واحداً وأكلوا أربعة احلاء، ثم قال: هذا من حديثنا صعب مستصعب، لا يعمل به ولا يصبر عليه الا ممتحن قلبه للإيمان». فإذن: هذه الأحاديث التي تدل على التغليظ في مسألة الخمس والمطالبة به ونصب الوكلاء عليه، فهذه السيرة العملية مانع من شمول التحليل الصادر من الأئمة المتأخرين لما قامت السيرة عليه، _يعني كيف تقوم السيرة عليه مع ذلك أحلوا؟! _ فقيام السيرة من الائمة المتأخرين مانع من شمول التحليل في كلمات الأئمة المتأخرين لما قامت عليه السيرة وهو اخذ خمس الفوائد. وحيث إن التحليل الصادر من المتأخرين عين التحليل الصادر من المتقدمين بل هو امضاء له، لأن ظاهر سياق الالسنة انه تحليل واحد، ففي جميع الالسنة علل بطيب الولادة، في جميع الالسنة علل بتحليل الفروج والبطون مما يظهر ان التحليل واحد من المتقدمين والمتأخرين، فإذا كان تحليل المتأخرين لا يشمل خمس الفوائد بحكم جريان سيرتهم على أخذه، إذن التحليل الصادر من المتقدمين أيضاً لا يشمل خمس الفوائد، فلم يبقى تحته الا خمس المال المنتقل.

ويلاحظ عليه: أنه يمكن دعوى العكس، بأن نقول: ظاهر التحليل الصادر من المتقدمين كالتحليل الصادر من أمير المؤمنين أنه تحليل مطلق: «هلك الناس في بطونهم وفروجهم لأنهم لم يؤدوا الينا حقنا، ألا وأن شيعتنا وآبائهم من ذلك في حل». فإنه ظاهر في تحليل كل ما يوجب خدشة في البطون والفروج، تحليل مطلق.

وكذلك في معتبرة أبي بصير: «إن امير المؤمنين حللهم من الخمس». وكذلك في الرواية «قال امير المؤمنين ع لفاطمة ع: أحلي نصيبك من الفيء لآباء شيعتنا ليطيبوا». فإن مقتضى هذه الروايات ان التحليل كان مطلقاً. وبما أن تحليل المتأخرين هو عين تحليل المتقدمين به بل هو إمضاء له كان تحليل المتأخرين تحليلاً مطلقاً، فيتعارض مع السيرة العملية أو الروايات الأخرى التي دلّت على أخذ خمس الفوائد، فالنتيجة هي التعارض بين الأدلة لا أن النتيجة هي اختصاص التحليل بخمس المال المنتقل.

القرينة الثانية: إن التحليل الصادر من المتأخرين لا يشمل خمس ارباح المكاسب جزماً، لعدم معروفيته في أزمنتهم، حيث إن خمس أرباح المكاسب لم يبلغ وينادى به الا منذ زمن الصادق فما بعد، إذن ففي زمن أمير المؤمنين وفاطمة ، لم يكن خمس ارباح المكاسب معروفاً ولا معهوداً بين المتشرعة، فحيث انه لم يكن معروفاً ولا معهوداً إذن التحليل الصادر من علي وفاطمة «عليهما السلام» لا يشمله، لأنه أساساً لم يكن وارداً لدى المتشرعة آنذاك.

وبما أن تحليل المتأخرين على نسق تحليل المتقدمين، فالنتيجة: أن التحليل الصادر من المتأخرين لا يشمل خمس الفوائد.

ويلاحظ على ما أفيد:

أن مقتضى عموم التعليل في صحيحة الفضلاء: «هلك الناس في بطونهم وفروجهم لأنهم لم يؤدوا الينا حقنا» مقتضى عموم التعليل ان المشكلة في الحق، «ألا وأن شيعتنا من ذلك وآبائهم في حل»، «من ذلك» يعني من حقنا في حل. فمقتضى عموم التعليل شمول التحليل لحقهم، سواء كان مصداقه متحققا في زمانهم أم لم يكن. المدار مدار حقهم، بل ان التحليل الصادر من الإمام امير المؤمنين يشمل لا محالة الركاز والمعدن والكنز، لأن الخمس قد شرع فيها منذ تلك الأزمنة.

القرينة الثالثة: هناك مجموعة من القرائن اللفظية التي تدل على اختصاص التحليل بخمس المال المنتقل، منها: «ما انصفناكم إن كلفناكم ذلك اليوم». فإن ظاهر كلمة «ما انصفناكم» هو أن نطالبكم بخمس لم يثبت عليكم وإنما ثبت على غيركم ثم انتقل اليكم. فيقال: بما ان خمس المال المنتقل اليكم بميراث أو هبة أو شراء أو صلح أو مهر لم يثبت عليكم وإنما ثبت على غيركم ثم انتقل اليكم، فمن غير الانصاف ان نطالبكم به، وأما لو ثبت الخمس في أموالكم ابتداءً فالمطالبة به ليست خلاف الانصاف، لأن أداء الواجب الشرعي ليس خلاف الانصاف، فنفس التعبير بقوله «ما انصفناكم» شاهد عرفي على النظر لخصوص خمس المال المنتقل. والا فتكليفهم بالخمس في مورد ثبوته في ملكهم ليس خلاف الانصاف.

ولو كانت المطالبة بأداء الخمس الثابت في أموالهم خلاف الانصاف لكونه حرجياً لكان لازم ذلك عدم تشريع اصل الخمس، لأنه أمر حرجي، مع ذلك شرّع. والجواب عن ذلك: أننا إذا لاحظنا صحيحة علي بن مهزيار الطويلة، حيث إنه ذكر أن من موارد الامتنان على الشيعة، هو عدم مطالبتهم بالخمس نتيجة لما يغتال السلطان من أموالهم ولما ينوبهم في ذاتهم. قال في الصحيحة: «ولم أوجب عليهم ذلك _يعني الخمس_ في كل عام في متاع ولا آنية ولا دواب ولا خدم ولا ربح ربحه في تجارة، ولا في ضيعة، الا في ضيعة سأفسر لك امرها إن شاء الله تخفيفاً منّي عل مواليّ ومناً منّي عليهم لما يغتال السلطان من أموالهم ولما ينوبهم في ذاتهم». فظاهر هذا التعبير: ان موارد الانصاف عدم المطالبة بالخمس بلحاظ ما يغتال السلطان من أموالهم وما ينوبهم في ذاتهم، خصوصاً أن نفس هذه المعتبرة وهي معتبرة يونس بن يعقوب التي عبر فيها بالانصاف، تشمل حتى خمس المال غير المنتقل، تشمل حتى خمس الربح، لتصريح السائل بالربح، حيث قال: تقع في أيدنا الاموال والارباح وتجارات نعلم أن حقك فيها ثابت وإنا عن ذلك مقصرون، قال: ما انصفناكم إن كلفناكم ذلك، اليوم». القرينة الثانية _اللفظية_: التعبير بطيب الولادة في عدة نصوص، ودخول الزنا على الناس من جهة الخمس. فلاحظ: «حديث3، وحديث5 باب 4 من أبواب الانفال». ففي «حديث 3» معتبرة الكناسي، قال: «قال ابو عبد الله أتدري من أين دخل على الناس الزنا؟ قلت: لا ادري، فقال: من قبِل خمسنا أهل البيت، إلا لشيعتنا الأطيبين فإنه محلل لهم ولميلادهم». وفي «حديث5» معتبرة محمد بن مسلم عن احدهما : «قال: إن أشد ما فيه الناس يوم القيامة، ان يقوم صاحب الخمس فيقول يا رب خمسي، وقد طيب ذلك لشيعتنا لتطيب ولادتهم ولتزكوا أولادهم». فيقال: إن ظاهر هذا التعبير هو النظر لخمس المال المنتقل، وإلا فكيف يطيب الولد بالتحليل من الخمس، إنما يطيب الولد بالتحليل من الخمس إذا تعلق التحليل بخمس أمه، وإنما يتصور تعلق التحليل بخمس أمه وإنما يتصور تعلق التحليل بخمس أمه إذا كانت متعلقة للخمس في رتبة سابقة على الشراء ثم اشتريت مثلاً، أو تزوجها بالعقد المنقطع مثلا، وكان المهر متعلقاً للخمس، ونحو ذلك.

والحمد لله رب العالمين.