درس الفقه | 075

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

تلخص مما مضى: أن الصحيح: شمول روايات التحليل لفرض الاعواز سواء كان من خمس المال المنتقل او من خمس نفس المال. كما تشمل الروايات خمس المال المنتقل، وتشمل أيضاً المناكح بإطلاقها، بمعنى انه سواء انتقلت اليها الجارية وهي متعلقة للخمس، او ربحها في ملكه. ووصل الكلام: الى ما يدّعى انه دليل على التحليل المطلق، كصحيحة الفضلاء: «هلك الناس في بطونهم وفروجهم لانهم لم يؤدوا الينا حقنا الا ان شيعتنا وآبائهم في حل». فيقال: بان مثل هذه الرواية تتعارض مع ادلة ثبوت الخمس في أرباح المكاسب، وبالتالي فلا بد من حل هذا التعارض. وهنا وجوه:

الوجه الاول: مقتضى احتفاف الرواية بقوله «هلك الناس في بطونهم وفروجهم»: ان المنظور في الرواية الى تحليل المناكح من خلال قوله «فروجهم» وتحليل المأكل والمشرب، لا مطلق الربح، بمعنى ان الخمس اذا تعلق بالزوجة، كما اذا كانت أمة، او اذا كانت زوجة بالعقد المنقطع وكان مهرها متعلقا للخمس، وكان على نحو المهر الشخصي، وإذا كان الخمس متعلقا بالمأكل والمشرب، هنا يشمله التحليل، فلا إطلاق فيه لتحليل مطلق الخمس، حتى تتعارض مع أدلة الخمس في الفائدة، وإنما مقتضى هذ التعبير «هلك الناس في بطونهم وفروجهم» اختصاص التحليل بالمناكح او بالمأكل والمشرب.

الوجه الثاني: لو ادعى شخص انها مطلقة، تشمل حتى ما يربحه الانسان وهو زائد على مؤنته، اي لا يحتاج اليه في الاكل والشرب. «هلك الناس في بطونهم وفروجهم، لانهم لم يؤدوا الينا حقنا، الا وان شيعتنا من ذلك وآبائهم في حل». تشمل تحليل مطلق الخمس حتى خمس الربح الذي لا يحتاج اليه. وهو زائد على مؤنته. لو افترضنا ذلك. فقد يقال: بانه لا تعارض بين التحليل المطلق وبين أدلة ثبوت الخمس في الفائدة، والوجه في ذلك: ان التحلل المطلق صدر من امير المؤمنين، وثبوت الخمس في مطلق الفائدة صدر من ابي الحسن الاول «الكاظم ع» فربما وقع التحلي في زمان والإيجاب في زمان آخر، فما هو وجه التعارض بين الأمرين، نعم، بالنسبة لتحليل المناكح، ورد هذا التعبير «الى يوم القيامة» أما بالنسبة الى التحليل الآخر، كالتحليل الوارد عن أمير المؤمنين لم يرد فيه لفظ التأبيد الى يوم القيامة او الى ظهور قائمنا، وإنما قال: «الا وان شيعتنا من ذلك وآبائهم في حل» فيتصور ان يكون التحليل صادرا من علي بلحاظ زمانه، والايجاب لخمس الفائدة صادر من الكاظم . فأي مانع من الجمع بين الروايات بهذه النحو؟!. فدعوى ان التحليل مؤبد فلا يجتمع مع الإيجاب لخمس الفائدة أول الكلام.

الوجه الثالث: على فرض التعارض، أي على فرض ان التحليل مطلق ولجميع الازمنة وانه يتعارض مع إيجاب خمس الفائدة، فتقدم روايات المطالبة بالخمس على روايات التحليل المطلق، إما لمرجح صدوري، او لمرجح مضموني، او لمرجح جهتي. أما المرجح الصدوري: فهو الشهرة، حيث اشتهر العلم بروايات الخمس ولم يشتهر العمل بروايات التحليل المطلق، والشهرة العملية من المرجحات الصدورية، إن لم نقل بأنها موجبة لسقوط الآخر أصلاً عن الحجية. او لمرجح مضموني: وهو موافقة الكتاب، بناء على أن آية الغنيمة شاملة لكل فائدة، فروايات المطالبة بخمس الفائدة مقدمة على روايات التحليل لموافقتها للكتاب. واما لمرجح جهتي: وهو ان روايات المطالبة هي المخالفة للعامة. بالنتيجة: نقدم روايات المطالبة بخمس الفائدة على روايات التحليل المطلق. فان لم يكن هناك مرجح، لو ناقشنا جميع هذه المرجحات، فتعارضت الطائفتان وتساقطتا. فعلى فرض التعارض والتساقط فالمرجع عموم: «لا يحل لأحد أن يتصرف في مال غيره بغير إذنه». بالنتيجة هذا مال الغير وهو مقدار الخمس ولا ندري انه أحله ام لم يحله؟ لتعارض الطائفتين، فالمرجع بعد تعارضهما الى عموم: «لا يحل لأحد أن يتصرف في مال غير إلا بإذنه» كما في المكاتبة، الإمام صاحب العصر «عج» يقول في المكاتبة: «فإنه لا يحل لأحد ان يتصرف في مال غيره، فكيف بأموالنا». على فرض عدم العموم، وصلت النوبة للأصل العملي، فما هو الاصل الموضوعي في المقام؟ فيجري استصحاب الخمس على ملك اهله، وهو الإمام والساد. او فقل: عدم استصحاب صاحب اليد لمقدار الخمس، فإن لم يجري الاستصحاب الموضوعي تصل النوبة للأصل الحكمي. فيجري الاستصحاب الحكمي، وهو الشك في الولاية على التصرف، فيجري استصحاب عدم الولاية. هذا تمام الكلام في مفاد روايات التحليل، وقد ثبنا لدينا ان مفادها يشمل الخمس في فرض الاعواز، ويشمل المناكح مطلقا، ويشمل خمس المال المنتقل، ولا يشمل خمس الفائدة بالمعنى الأخص لصراحة علي بن مهزيار الطويلة، في ذلك.

بقي فرعان من المسألة:

الفرع الاول: هل يشمل التحليل عن المخالف؟ أو يشمل التحليل بما ينتقل عن الشيعي الإمامي لشيعي مثله؟. فلو أن إمامياً باع عيناً متعلقة للخمس على إمامي آخر، فهل يشمله التحليل؟ او ان الامامي مات عن ميراث متعلق للخمس فانتقل الى وارثه فهل يحل لوارثه من دون تخميس ام لا؟

هل يختص التحليل بما ينتقل عن المخالف؟ أو يشمل بم ينتقل عن الإمامي؟. المشهور قالوا بالاختصاص، وقربه سيدي المستمسك «قده» قال: ان المقابلة بين الشيعة وغيرهم في روايات التحليل حيث قال: «هلك الناس في بطونهم وفروجهم لأنهم لم يؤدوا الينا حقنا الا وأن شيعتنا من ذلك وآبائهم في حل». فمقتضى المقابلة بين الشيعة وغيرهم: ان التحليل للشيعي مما يصل اليه من غيره، لا ان التحليل للشيعي حتى مما يصل اليه من شيعي مثله، فمقتضى المقابلة هو اختصاص التحليل بما يصل عن المخالف. ولكن سيدنا الخوئي «قده» استدل على العموم، وكذلك جمع من فقهائنا، بعدة نكات:

النكتة الاولى: التمسك بإطلاق بعض الروايات. مثل: معتبرة يونس بن يعقوب: «تقع بأيدنا الأموال والأرباح وتجارات نعلم أن حقك فيها ثابت». سواء وقعت بأيدينا من مخالف، او من إمامي، او معتبرة أبي خديجة: «ليس يسألك ان يعترض الطريق، وإنما يسألك خادما يشتريها او امرأة يتزوجها، شيئاً أعطي، ميراثاً». من أي شخص. ولكن أشكل على هذا الاستدلال بالإطلاق، بان الرواية من جهة تحليل الخمس، وليست ناظرة لمصدر الخمس ما هو؟ ففي معتبرة يونس بن يعقوب يقول: «في يدي حق لك فهل أنا ضامن له؟ قال: ما انصفناكم» فليس مفادها الا عدم ضمان الحق بيد الإمامي، وليست ناظرة الى الجهة التي جاء منها الحق حتى يتمسك بالإطلاق من هذه الجهة فتشمل المخالف وغير المخالف. وكذلك في معتبرة ابي خديجة، هو قال: الحرمة القائمة في الجارية، هل يمكن تحليلها؟ قال: نعم يمكن تحليلها. اما الجارية من اين أتت؟! فليست في مقام البيان من هذه الجهة كيف يستفاد منها الإطلاق. ولكن ذلك يدفع: انه لو لم يتم الاطلاق اللفظي فكون الرواية في مقام البيان والتفصيل هو الإطلاق المقامي، حيث لم ينبه الإمامي انه إن جاءت من عامي فهي لك حلال، وإما إذا جاءت من إمامي فلا. فعدم التنبيه على كونه في مقام بيان التحليل والامتنان على الشيعة وانصافهم هو عدم الفرق بين الموردين. النكتة الثانية: ان العرف يلغي الخصوصية، فالعرف اذا تلقى هذه العبارة وهي: «تقع في ايدنا وأموال وارباح وتجارات نعلم ان حقك فيها ثابت، وانا عن ذلك مقصرون» يفهم من قوله: «وإنا عن ذلك مقصرون» ان وضع اليد على الحق سواء كان منتقلا من عامي او من إمامي فليس مضموناً، فلا يرى العرف خصوصية لانتقال المال من عامي، المدار على ان اليد اللاحقة لا تضمن بسبب تقصير في اليد السابقة، ظاهر السياق ان اليد اللاحقة هل تحاسب بتقصير اليد السابقة؟ يقول: لا تؤاخذ. وهذه النكتة لا فرق فيها بين ان تكون اليد السابقة من العامة او من الإمامية. النكتة الثالثة: عموم التعليل في قوله «ما انصفناكم» فإن ظاهر قوله «ما انصفناكم» أن تضمين الخمس خلاف الانصاف. ولا فرق في هذه العلة بين ان ينتقل الخمس من عامي او من إمامي مثله. ذهب السيد الخوئي وتلامذته: الى ان الخمس من العامي الى الإمامي، او الخمس المنتقل من الإمامي العاصي مورد للتحليل، او انتقل من إمامي غير عاصي لكنه لم يدفع الخمس غفلة منه واشتباهاً. او مات في اثناء سنته، ووصلت امواله الى وارثه وهي متعلقة للخمس. قال السيد الخوئي: الروايات ما تشمله، فإن الروايات منصرفة إلى ما اذا كان المنتقل عنه عاصياً. لكن المرحوم آقا تقي القمي، في «مباني المنهاج» عمّم، بأن الروايات مطلقة، لا فرق فيها بين ان يكون المنتقل عنه عاصياً او غير عاصي، بالنتيجة، وصلك مال وفيه خمس. الرواية تقول هكذا: «تقع في أيدنا الاموال والأرباح وتجارات نعلم أن حقك فيها ثابت وإنا عن ذلك مقصرون؟ قال: ما انصفناكم إن كلفناكم». ولا يبعد الاطلاق في هذه الروايات بناء على الوجوه السابقة بناء على الوجوه السابقة التي استدل بها على شمول التحليل لما اذا كان واصلاً من قبل عامي او إمامي، تشمل الامامي الذي لم يكن عاصياً. الفرع الثاني: هل ان مفاد اخبار التحليل الاباحة او التمليك؟ «ما انصفناكم إن كلفناكم» هل الخمس الذي وقع بأيد الامامي حلال له؟ يعني يتصرف فيه او ملك له؟ هل مفاد اخبار التحليل الإباحة المالكية او الملك؟ والثمرة المترتبة على ذلك: انه بناء على أنه ملك ينتقل بالميراث، وبناء على انه إباحة يباح لوارثه كما أبيح له، وبالتالي لا موجب لتوزيعه حسب سهام الميراث. لو بقي عنده ولم يتصرف فيه حتى مات فإنه يباح لورثته ما ابيح له، لا انه يوزع عليهم بحسب سهام الميراث، لأنه ليس ميراثاً، إذ الميراث فرع الملك. أما مفاد الروايات: فهل ان مفاد الروايات: التحليل او التمليك؟ قيل: بأن مفادها مجرد التحليل وهذا هو المشهور بين المتقدمين، ان ادلة التحليل لا يستفاد منها أكثر من الإباحة. الوجه الاول: التعبير بالإباحة والتحليل: فإنه لا يستفاد من هذا التعبير «حللنا» «ابحنا» اكثر من الإباحة المالكية، ولو كان الامام يريد الملك لقال: فهو له. كما ورد عن النبي في الانفال: «من أحيا ارضا مواتا فهي له». قال أحللنا له ابحنا له.

الوجه الثاني: نفس التحليل «قد طيّبناه لك»، ظاهر في التحليل المالكي. او في قوله «ما انصفناكم إن كلفناكم» يعني المطالبة هي التي رفعت، «ما انصفناكم إن كلفناكم»، لا ان هناك تمليكاً. الوجه الثالث: ان هذا التحليل ورد ضمن تحليل الفيء والانفال، ومن الواضح ان التحليل والإنفال كان على نحو الإباحة ولم يكن على نحو التمليك. فلاحظ: «الحديث19، باب4، من أبواب الانفال»: عن ابي جعفر ع في حديث قال: «إن الله جعل لنا اهل البيت سهاماً ثلاثة في جميع الفيء، فقال تبارك وتعالى: واعملوا أن ما غنتم من شيء فإن لله خمسه، فنحن أصحاب الخمس والفيء وقد حرّمناه على جميع الناس ما خلا شيعتنا» فالتحليل للخمس ورد ضمن تحليل الفيء والانفال، «والله يا أبو حمزة ما من أرض تفتح ولا خمس يخمس فيضرب على شيء منه إلا كان حراماً على من يصيبه فرجاً كان أو مالاً». هذه وجه استفادة الإباحة.

وذهب السيد الخوئي وتلامذته طرّاً، إلى أن مفاد اخبار التحليل التمليك. قالوا: لأن التحليل ورد في سياق الانتقال، أي انتقال المال من يد الى يد، ورد في هذا السياق، «تقع بأيدنا أموال من غيرنا فما قولك؟ فقال هذا حلال» فبما ان التحليل ورد في سياق الانتقال، فان السؤال المترقب حينئذ: هل هو ملك أم لا؟ هذا هو السؤال المرتقب. فقال الامام في هذا السياق: انه حلال، فظاهر التحليل في سياق الانتقال هو بيان الملك، أي ما تسأل عنه إن مقدار الخمس دخل في ملكك ام لم يدخل؟ فقد دخل في ملكك. هذا بلحاظ القرينة السياقية.

ثانيا: ان التحليل في هذه الروايات، تعلق بالمعاملة، وظاهر التحليل المتعلق بنفس المعاملة، هو التحليل الوضعي: كما في قوله: «أحل الله البيع»، حيث قالوا: ظاهر تعلق الحلية بنفس البيع ليس هو التحليل التكليفي، بل هو التحليل الوضعي، يعني نفوذ البيع، هنا قال: ميراثا، تجارة، شيئا أعطيه، فسأل عن نفس المعاملة، والإمام قال: هذا لشيعتنا حلال. وظاهره تعلق التحليل بنفس المعاملة، ومقتضى تعلق التحليل بنفس المعاملة نفوذها وضعاً. فتأمل.

فإن ظاهر الرواية ليس هو المعاملة. بل ظاهر الرواية المال الذي انتقل بالميراث، والمال الذي انتقل بالتجارة، والمال الذي انتقل بالإهداء. لم يسئل عن في التجارة والاهداء حتى يقال ان الحلية تعلقت بالمعاملة، بل يسأله عن شيء جاء عن طريق الميراث، عن شيء جاء عن طريق التجارة، لا أنه يسأله عن التجارة كي يقال: بأن الحلية تعلقت بالمعاملة، ومقتضى تعلقها بالمعاملة تعلقها بالتحليل الوضعي. إذن فلا يبعد القول بالإباحة.

ولكن سواء قلنا بالإباحة او قلنا بالملك تصح الصلاة في الثوب المتعلق للخمس المنتقل من غير الإمامي الى الإمامي، او من الإمامي العاصي الى الإمامي المطيع. سواء قلنا بالإباحة أم بالملك. تمت هذه المسألة.

والحمد لله رب العالمين.