درس الفقه | 079

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

ذكرنا فيما سبق: ان الخمس اذا كان دينا على الميت فهل يملك الميت من التركة بمقدار اداء دين الخمس ام ان التركة نتنقل الى الوارث محقوقة بالدين، على الخلاف الذي سبق بين الاعلام، وقلنا: إن ظاهر بعض الروايات تأييد كلام سيدنا الخوئي «قده».

الجهة الاخيرة: هل ان روايات التحليل تشمل الدين والعين بالنسبة الى الخمس ام لا؟ أي اذا ورث الامامي تركة، وكان المورث مدينا بالخمس فهل تشمل روايات التحليل هذه التركة؟ او كان الخمس في عين التركة، فهل تشمل روايات التحليل هذه التركة؟ فلا يجب على الوارث اخراج الخمس ام لا؟

فالكلام في موردين: الاول: مورد الدين، الآخر: مورد العين. أما المورد الاول: وهو الدين. فقد ذكرنا ان هناك مسلكين:

المسلك الاول: ما ذهب اليه صاحب الجواهر «ره» من ان التركة تنتقل بتمامها للوارث، ويبقى للديان حق في التركة بمقدار الدين. فبناء على هذا المسلك: الخمس ليس في التركة، لأن المفروض ان التركة انتقلت بتمامها للوارث، والخمس كان في ذمة الميت قبل موته، فليس للدائن وهو الامام والسادة الا حق الاستيفاء من التركة قبل الميراث لان هذا دين، فليس للورثة السلطنة على التصرف في التركة الا بعد اخرج دين الخمس، فهل روايات التحليل هنا تشمل دين الخمس فتقول: للوارث حلية التصرف في التركة مطلقا وان كان الميت مدينا بالخمس؟ ذكر السيد الاستاذ «دام ظله» حسب ما ورد في التقرير: ما دامت التركة ملكا للوارث غاية ما في الباب ان للإمام والسادة حق الاستيفاء من هذه التركة. فحينئذ متقضى اطلاق روايات التحليل هو تحليل هذه التركة للوارث، اما بحسب معتبرة ابي خديجة: فلشمول عنوان «او ميراثا يصيبه» وهذا ميراث اصابه الوارث وهو متعلق لحق الامام والسادة في الاستيفاء، وكذا معتبرة: يونس بن يعقوب، «تقع في أيدنا اموال، نعلم ان حقك ثابت» يعني ولو حق الاستيفاء. فيقول على مبنانا واضح من شمول التحليل لما اذا كان الخمس ديناً. ولكن قد يقال: إذا كان المدعى في اصل الكبرى: أن الميت بموته تفرغ ذمته من الدين، ويبقى للدائن حق في التركة، الميت كان مدينا في حياته، بموته فرغت ذمته الدين، فالدائن لا يفوت حقه فيكون له حق في التركة كحق الرهانة او أي حق في المال. الدائن له حق في التركة، هنا يتضح شمول روايات التحليل في المقام، يقال: ان للإمام والسادة لهم حق في التركة، وبما ان الامام والسادة لهم حق في التركة، إذن يصدق على ذلك: «نعلم أن حقك فيها ثابت» او: «أو ميراثاً يصيبه». اما اذا قلنا في الكبرى: الدين لا يسقط عن ذمة الميت بموته، فما يملكه الدائن هو في ذمة الميت، الدائن ما زال يملك دينه على ذمة الميت، غاية ما في الباب ان الدائن يقول التركة وثيقة لي ان استطيع ان اتمسك بها ان لم يوفى ولو من بيت مال المسلمين او من متبرع. فبناء على ذلك ليس للإمام والسادة حق في التركة، كي يشملها «نعلم ان حقنا فيها ثابت» او يشملها «او ميراثاً يصيبه». فالتركة مجرد وثيقة للدين لا اكثر. قد يجاب عن هذا الاشكال بجوابين:

الجواب الاول: قد يقال: إن مفاد روايات التحليل، «إنا قد أحللنا ذلك لشيعتنا» و«هلك الناس في بطونهم وفروجهم لأنهم لم يؤدوا الينا حقنا» مفادها: ان كل حرمة دخلت على المال بسبب الخمس فالإمامي منها في إباحة، سواء كانت تلك الحرمة هي الخمس او ناشئة عنه، والمفروض في المقام: ان الامام والسادة وان لم يكن لهم سهم في التركة ولا حق في التركة، وملكهم ما زال في ذمة الميت، إلا انه بالنتيجة يحرم التصرف في التركة قبل أداء ذلك الدين، حرمة دخلت على التركة بسبب الخمس، لولا مديونة الميت بالخمس لم حرم التصرف في التركة. فالتركة يصدق عليها انهي يصدق عليها انه دخلت عليها حرمة نتيجة الخمس وبسبب الخمس، وان لم تكن تلك الحرمة هي حرمة الخمس نفسه، فتشملها روايات التحليل. الجواب الثاني: ان يقال بالأولوية. لو كان الخمس بالتركة لشملته روايات التحليل، فكيف اذا لم يكن هناك خمس في التركة وإنما حرمة في التصرف بسب مديونية الميت بالخمس. فمن باب اولى ان يكون حلالا للشيعة، اصلا مقتضى الامتنان على الشيعي هو ذلك. وإلا لا يحتمل ان يقول له الشارع: إذا يوجد في التركة خمس فحلال، وإلا لم يوجد في التركة لكن حرمة التصرف في التركة لعلقة بين هذه الحرمة وبين الخمس فلا احلل ذلك؟! فنحن وسياق روايات التحليل، ونكتة الامتنان. يعني تارة نستند الى السياق: ان ظاهر السياق من «هلك الناس في بطونهم وفروجهم لأنهم لم يؤدوا الينا حقنا». ن ظاهر هذا السياق أن الامام يريد ان يرفع عن الشيعة تبعة الخمس، فلا فرق في التبعة بين ان يتعلق الخمس بالمال، او يحرم التصرف بالمال بسبب الخمس. وتارة نلغي النظر عن السياق وننظر الى النكتة: نقول: نكتة الامتنان، انه اذا امتن برفع الحرمة الناشئة عنه من باب اولى. وأما بناء على المسلك الثاني: مسلك السيد الخوئي، من ان مقدار الدين يبقى على ملك الميت. الميت مدين بالخمس ومقدار دينه وهو الخمس باقٍ على ملكه، فهل تشمل روايات التحليل مثل هذا المورد ام لا؟ منع من شمول روايات التحليل من كلام العلمين: سيدنا «قده» وشيخنا الاستاذ «قده». والوجه في ذلك احدى نكتتين: النكتة الاولى: عدم صدق الميراث، والوارد في معتبرة أبي خديجة «أو ميراثاً يصيبه»، ومقدار الدين ليس ميراثاً لأنه ما زال باقيا على ملك الميت، فكيف تشمله الرواية؟ فإن محط الروايات _أي روايات التحليل_ الميراث المشتمل على سهم الإمام، وهذا المقدار ليس ميراثاً بل ما زال باقيا على ملك الميت كي يؤدى به دينه، فكيف تشمله روايات التحليل؟ والحال بانه لا يصدق عليه عنوان الميراث؟ والجواب عن ذلك: قالوا: المراد من عنوان الميراث، اللولائية، يعني: ما لولاه لكان ميراثا، كما يقيل في الغنيمة، حيث إن المكلف اذا غنم تعلق الخمس، مع ان مقدار الخمس ليس غنيمة، ان غنم المكلف ففيما غنم الخمس، مع ان مقدار الخمس ليس غنيمة بل هو ملك للإمام والسادة، فكيف يقال: «فيما غنم الخمس» ومقدار الخمس ليس غنيمة، فيقال: معنى غنم: انه لولا ثبوت الخمس لكان المال بتمامه غنيمة، هنا ايضاً لو لولا مديونة الميت بالخمس، لكان تمام المال ميراثاً، فالمراد بالميراث الولائي، «او ميراثا يصيبه» يعني لولا دين الخمس لكان قد أصابه.

النكتة الثانية: ان دين الخمس ليس في التركة، وانما في ذمة الميت، وما في التركة مجرد الاستيثاق والا مقدار الدين من التركة ما زال على ملك الميت.

فيقال كما ذكرنا في المسلك الاول: بأن مقتضى سياق التحليل او نكتة التحليل شموله لهذا المورد، صحيح هنا الخمس ليس في التركة، لكن بقاء هذا المقدار على ملك الميت إنما هو بسبب مديونته بالخمس فتشمله روايات التحليل.

فإن قلت: بان روايات التحليل تشمل الحق الثابت في رتبة سابقة على الانتقال لا الحق الثابت بالانتقال، حق أرباب الخمس في رتبة سابقة، يعني بعد ان حكم الشارع بانتقال التركة الى الورثة، وحكم بأن مقدار الخمس باقي على ملك الميت، في طول هذا الحكم صار لأرباب الخمس حق الاستيثاق في التركة، فهو حق في رتبة لاحقة للانتقال. بعد انتقلت توفى الشخص وانتقلت اليهم التركة، قال الشارع: أن لأرباب الخمس حق الاستيفاء، فحق الاستيفاء حق لاحق للانتقال، فكيف يصدق عليه: أنه انتقلت الينا: «وحقك فيها ثابت قبل الانتقال» بل حقه ثابت بعد الانتقال. وروايات التحليل ناظرة للحق الثابت في رتبة سابقة على الانتقال لا في الحق الثابت في طول الانتقال.

فيقال في جواب ذلك: ان حق الاستيفاء وان كان لاحقا للانتقال الا انه منشأه وهو الخمس ثابت في رتبة سابقة، بهذا اللحاظ تشمله روايات التحليل. إذن مقتضى نكتة روايات التحليل الشمول للخمس إذا كان ديناً على ذمة الميت على كلا المسلكين روايات التحليل شاملة. يعني قلنا بمسلك صاحب الجواهر وهو ان تمام التركة تنتقل الى الوراث محقوقة، او قلنا بمسلك سيدنا الخوئي وهو: ان مقدار الدين يبقى على ملك الميت، على كلا المسلكين روايات التحليل شاملة.

المورد الثاني: ما اذا كان الخمس عينا لا ديناً، بمعنى ان التركة فيها خمس، أي ان نفس التركة شاملة للخمس. فهنا هل تشمله روايات التحليل ام لا؟ يقول السيد الخوئي: الاحوط لزوما عدم الشمول.

فما هو سر عدم شمول روايات التحليل لما اذا كان الخمس عيناً؟ فعدم الشمول لأحد وجهين:

الوجه الاول: ما ذكره شيخنا الاستاذ مراراً: من أن لازم الشمول عدم الشمول.

هناك نكتة عقلية في المقام تمنع. لو شملت روايات التحليل مقدار الخمس لانتقل الخمس الى ذمة الميت، مثله مثل الهبة، لو وهب الإمامي العين المتعلقة للخمس لإمامي آخر، فروايات التحليل تحلل المال الموهوبة لمن انتقل اليه، ومعنى تحليلها لمن انتقل اليه، اشتغال ذمة الواهب بالخمس. حلله لمن انتقل اليه فاشتغلت به ذمة من انتقل عنه. فإذا كانت روايات التحليل شمل الخمس الموجود في التركة لازمه ان تشتغل ذمة الميت بهذا الخمس ذمة الميت بهذا الخمس، لأن الشارع حلله للوارث، فاذا اشتغلت ذمة الميت به صار الخمس دينا، واذا صار ديناً حرم التصرف في التركة، واذا حرم التصرف في مقدار الخمس لم يصدق على الخمس انه ميراث، واذا لم يصدق لم تشمله روايات التحليل. فلزم من ثبوته عدم ثبوته.

ولكن يجاب عن ذلك: ان ما دلَّ من النصوص على ان الميت يملك مقدار دينه في التركة فهي منصرفة الى الدين الثابت في رتبة سابقة على الموت، لا الدين اللاحق للموت بعلّة وبسبب من الأسباب.

النكتة الثانية: إن مقدار الخمس ملك للإمام والسادة فليس ميراثا كي يشمله قوله «أو ميراثاً يصيبه».

والجواب عن ذلك: إمّا بإرادة الملك اللولائي، او يجاب عن ذلك: بانه يكفينا معتبرة يونس، إن لم تشمله معتبرة أبو خديجة القائلة: «أو ميراثاً يصيبه» فلتشمه معتبرة يونس: «تقع في أيدنا أموال وأرباح وتجارات نعلم أن حقك فيها ثابت»، وهو يصدق على التركة المشتملة على سهم الخمس.

وينقض عليهما: انه اذا لم يصدق الميراث فيمتى يصدق؟ لانه ان كان الخمس دينا لم يصدق على مقداره ان ميراث، فلم يبقى لقوله في معتبرة أبي خديجة «أو ميراثاً يصيبه» مورد. ودعوى: ان له مورد، كما لو ورثت مالا فيه الخمس، «أي الخمس في العين» ثم وهبته الى الآخر، فيصدق على الآخر انه اصاب ميراثاً مشمولا بالخمس، لكن اصابه بالهبة، لكن العرف يقول: اصبت ميراثاً مشمولاً للخمس.

فإن هذا خلاف الظاهر. فإن قوله «او ميراثاً» ظاهره على حذو قوله «او شيئا أعطيه او تجارة» أي انتقل المال المتعلق للخمس اليه بالتجارة او بالهبة او الإرث. فتأمل. يأتي الكلام في مسألة جديدة.

والحمد لله رب العالمين.