درس الفقه | 080

تحرير دروس الحوزة

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

المسألة «16»: وهي: «لا يجوز التصرف حتى الصلاة في ملك الغير إلا بإذنه». وتفصيل الكلام فيه هذه المسألة يقع في جهات:

الجهة الأولى: المعروف بينهم ان التصرف الاعتباري في مال الغير ببيعه أو هبته أو اجارته، لا يكفي في صحته مجرد الرضا، فلو احرزنا ان الغير رضي ببيع ماله أو هبته أو اجارته، فهو لا يكفي في الصحة، فلابد من الإذن، أي لابد من ابراز ذلك الرضا بقول أو فعل وما اشبه ذلك. واستدلوا عليه كما في كتاب البيع للشيخ الاعظم: بوجهين:

الوجه الاول: ان ظاهر قوله تعالى: «اوفوا بالعقود» أن موضوع النفوذ: العقد المنتسب، لأنه عندما يقول: «أوفوا بالعقود» فظاهره: اوفوا بعقودكم، اذ لا معنى لان يخاطب الانسان بالوفاء بعقد غيره، فبما أن ظاهر قوله «أوفوا بالعقود» أي اوفوا بعقودكم، إذن موضوع النفوذ العقد المنتسب، ولا ينتسب العقد للمكلف الا إذا ابرز رضاه بقول أو فعل، واما ما لم يبرز رضاه فلا ينتسب العقد اليه، واذا لم ينتسب اليه فلا دليل على نفوذه. وقد اشكل على ذلك في محله:

أولاً: لا يستفاد من قوله «اوفوا بالعقود» العقد المنتسب، بل غاية ما يستفاد منه خروج العقد الاجنبي، لا اختصاص موضوع النفوذ بالعقد المنتسب، إذ لا معنى لأن يخاطب الإنسان بالوفاء بعقد شخص اجنبي، هذا صحيح، فهذا خارج عن العموم، أما ان موضوع النفوذ في قوله «أوفوا بالعقود» العقد المنتسب حتى ندور مدار صدق الانتساب شرعاً، فهذا مما لا ظهور للدليل فيه.

ثانياً: على فرض اختصاص «أوفوا بالعقود» العقد المنتسب فهذا لا يوجب اختصاص الأدلة الأخرى، نحو «احل الله البيع و«تجارة عن تراضٍ» فإنه مطلقة، أي ان ظاهرها ان موضوع النفوذ اعم من ان يكون منتسبا أو غير منتسب ولا تنافي بين المثبتين، هذا الدليل يقول: كل بيع نافذ، ولم يقل البيع المنتسب، وهذا الدليل يقول: العقد المنتسب يجب الوفاء به، لا تنافي بينهما حتى نخصص موضوع النفوذ بالعقد المنتسب فندور مدار الانتساب. هذا بالنسبة الى الدليل الاول.

الدليل الثاني: دعوى اعتبار الإذن. قالوا: بأن عنوان التراضي في قوله «الا ان تكون تجارة عن تراض» ظاهر في التراضي المعاملي، والتراضي المعاملي هو ان ابرز رضاي بتعاملك معي والعكس، ولا يصدق التراضي المعاملي بمجرد الرضا الباطني وإن لم يبرز ذلك حين التعامل. وهذ ايضاً محل تأمل. كما ذكر ذلك مفصلا المحقق الاصفهاني في حاشيته على المكاسب، حيث ناقش الادلة التي اقيمت على اعتبار ابراز الرضا، على اعتبار الإذن في صحة التصرفات الاعتبارية، وإنه لولا الشهرة أو الاجماع المدعى لقلنا بكافية الرضا الباطني.

الجهة الثانية: ان محل الكلام في بحث مكان المصلي. هو: التصرفات الخارجية. هل يجوز التصرفات الخارجية في ملك الغير من دون إذنه كأن ينام أو يجلس أو يأكل أو يصلي أم لا؟ فالكلام فعلا في التصرفات الخارجية لا التصرفات الاعتبارية.

وهنا اقوال ثلاثة:

القول الاول: لا حاجة حتى على اعتبار الرضا، بل يكفي في صحة التصرف الخارجي في ملك الغير عدم ظهور كراهته وعدم كون التصرف منقصاً لماله. وادعى الشيخ المجلسي «ره» بأن هذا هو البناء العقلائي، فإن البناء العقلائي قائم على صحة الدخول في ارض الغير والصلاة فيها والأكل منها، ما لم يظهر كراهته أو يكون التصرف مؤثراً، مضراً منقصاً، واما إذا لم يكن مضراً ولم تظهر كراهته فإن البناء العقلائي قائم.

القول الثاني: وهو القول المشهور: لا يكفي مجرد عدم ظهور الكراهة وعدم الضررية بل لابد من احراز الرضا النفسي وانه راض بذلك، سواء احرزنا بقول أو فعل أو شاهد حال. المهم انه لابد من احراز الرضا النفسي. فالمناط في جواز التصرف الرضا، ولا يكفي مجرد عدم ظهور الكراهة.

استدل المشهور على ذلك بعدة ادلة، تعرّض لها سيدنا الخوئي في «ج13، من الموسوعة، ص46»:

الدليل الاول: السيرة المتشرعية والعقلائية، القائمة على انه لابد من احراز الرضا ولا يكفي مجرد عدم ظهور الكراهة. ولكن السيرة المتشرعية والعقلائية دليل لبي القدر المتيقن منه ما إذا كان الرضا عن قناعة، وهو ما يعبر عنه بطيب النفس لا مجرد الرضا، فلو اضطر، فلو كان رضاه عن اضطرار أو حياء أو خوف، فإنه لا يحرز بناء العقلاء على جواز التصرف، فلو دخل داره من يخاف منه فرضي بتصرفه، أو من يستحي من طرده، أو كما لو كان رحما أو ذا شأن، فإنه لا يحرز بناء العقلاء على جواز التصرفات الحسية ما لم يكن الرضا عن طيب.

الدليل الثاني: النبوي المشهور عند الفريقين. تعرض له علماؤنا بسند صحيح. روى الكليني عن علي بن ابراهيم عن ابيه عن ابن ابي عمير عن ابي اسامة زيد الشحام، عن ابي عبد الله : «أن رسول الله وقف بمنى، حتى قضى مناسكها في حجة الوداع، الى ان قال: أي يوم اعظم حرمة؟ قالوا: هذا اليوم. قال أي شهر اعظم حرمة؟ قالوا: هذا الشهر. أي بلد اعظم حرمة؟ قالوا: هذا البلد، قال: فإن دمائمكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا الى يوم تلقونه فيسألكم عن اعمالكم، الا هل قد بلغتك؟ قالوا: نعم. فقال: اللهم اشهد: الا من كانت عنده امانة فليؤدها الى من ائتمنه عليها فإنه لا يحل دم امرأ مسلم ولا ماله الا بطيبة نفسه، ولا تظلموا انفسكم، ولا ترجعوا بعدي كفاراً». وهذا النبوي نفسه رواه سماعة عن الإمام الصادق . «فإنه لا يحل دم امرأ مسلم ولا ماله إلا بطيبة نفسه». والكلام في هذا النبوي من نواحي عديدة بحثها الاعلام:

الناحية الاولى: ان قوله «لا يحل دم امرأ مسلم» هل مقتضاه حلية دم غير المسلم؟ فقد يقال ان متقضى هذا القيد عدم الحرمة لدم الكافر. ولكن مفهوم الوصف لا يستفاد منه انتفاء الحكم عند انتفاء الوصف، وإنما غايته أن الحكم لم يثبت لطبيعي الموضوع. يعني ليس موضوع الحرمة مطلق الانسان، اذ لو كان موضوع الحرمة مطلق الانسان لم يكن وجه للتقييد، إذن فالتقييد يكشف عن عدم إطلاق الموضوع وإن كان لم يحدد ما هو موضوع الحرمة. لكن قد يقال: اننا لا نستفيد ذلك من الوصف حتى يقال: ان الوصف لا مفهوم له، وانما نقول: ان ظاهر السياق ونكتة مناسبة الحكم للموضوع أن عدم الحلية لأجل الحرمة، أي لأنه ذو حرمة لذلك لا يحل دمه ولا ماله، فظاهر السياق ان هذه الاحكام موضوعها الانسان ذو الحرمة لذلك لا تمتد الى من ثبت حرمته.

الجهة الثانية: ان موضوع الحرمة المال، «لا يحل ماله» فقد يقال: ان المال اخص من الملك، فإن المال ما له قيمة سوقية، واما ما فقد القيمة السوقية فليس بمال وان كان ملكاً، فلو ان بساط الغير متمزق بالٍ متروك لا قيمة له لو بيع في السوق، لكن مع ذلك فهو ملك الغير فهل تشمله هذه الرواية؟ «لا يحل مال امرأ مسلم».

ولكن قد يقال: اننا إذا استفدنا من السياق ان منشأ هذه الاحكام هي الحرمة فإن مقتضى حرمته شمول الحكم لمطلق ملكه.

الجهة الثالثة: _وقد سبق بحثها في مكان المصلي_ وهي: هل ان المقدر في المقام مطلق الملابسة؟ أم ان المقدر في المقام التصرف؟ أو ان المقدر في المقام الاستيلاء؟ فإذا قال: «لا يحل دمه، ولا يحل ماله»، عدم حلية المال في مطلق الملابسات، بحيث لو اراد ان ينتفع بملك الغير من دون تصرف فيه، كما لو استضاء بنار الغير أو استضل بظل الغير أو تدفئ به مثلا، فهل مطلق الملابسة ولم لم تكن تصرفا تكون مقدرة في المقام؟ أم ان المقدر خصوص التصرف وهو التقليب والتقلب في ملك الغير؟ أم ان المقدر هو الاستيلاء؟ أي مزاحمة الغير في سلطانه على ماله، فلو فرضنا: ان شخصا توضأ بمال الغير مع رجوع نفس القطرات الى الماء. كوقوف شخص على نهر مملوك لشخص آخر وتوضأ من هذا الماء ثم رجع الماء الذي توضأ به الى النهر نفسه، فهنا وإن صدق التصرف الا انه لم يصدق الاستيلاء، لانه لم يزاحم الغير في سلطانه، فما هو المقدر في المقام؟ هل المقدر مطلق الملابسة؟ كما احتمله في الجواهر؟ أو المقدر خصوص التصرف؟ أم المقدر خصوص الاستيلاء؟ الاعلام قدروا انه مطلق التصرف، لا مطلق الملابسة. كل ما صدق عليه تصرف في مال الغير فهو لا يحل وان لم يكن استيلاء.

الجهة الرابعة: ان طيب النفس أخص من الرضا، فلا يصح الاستدلال بهذه الرواية على كفاية الرضا بل لابد من احراز طيب النفس وهو الرضا عن قناعة لا الرضا عن منشأ آخر.

الجهة السادسة: المعارضة. فإن هذه المعارضة الشريفة وهي: النبوي، وموثق سماعة، معارضان بالتوقيع الشريف، الوارد عن الحجة «عج» رواه الصدوق في «إكمال الدين» عن أربعة من مشائخه عن ابي الحسين محمد بن جعفر الاسدي قال: كان في ما ورد على الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان العمري «قدس الله روحه» في جواب مسائلي على صاحب الدر . الى ان قال: وأما ما سألت عن امر الضياع التي لناحيتنا هل يجوز القيام بعمارتها؟ واداء الخراج منها وصرف ما يفضل من دخلها الى الناحية؟ احتسابا للأجر وتقرباً اليكم؟ فلا يحل ان يتصرف في مال غيره بغير إذنه فيكف يحل ذلك في مالنا؟ «الوسائل، باب 3 من أبواب الانفال، حديث 6». فيقال: بأن هناك معارضة بين النبوي وبين التوقيع، فإن النسبة بينهما عموما من وجه، لأن التوقيع يدل على اعتبار الإذن سواء كان هناك رضى أم لم يكن هناك. المهم انه قال اذنت. والنبوي يقول: لابد من الرضا، اذن أو لم يبرز الإذن، ويجتمعان فيما إذا لم يحرز الرضا ولم يأذن، فيتعارضان في هذه النقطة. فإن مقتضى التوقيع الشريف عدم الحل، لأنه لم يأذن، ومقتضى النبوي الحل لأنه رضي. فما هو جواب هذه المعارضة؟.

أجيب عن هذه المعارضة بوجوه في كلمات الاعلام:

الجواب الاول: ما ذكره السيد الأستاذ «دام ظله» حسب التقرير المنسوب اليه «ص75»، قال: ان الرواية «التوقيع» خارجا موضوعا عن محل كلامنا، فإن كلامنا في التصرفات الخارجية إذا لم يحرز طيب النفس. والحال بأن التوقيع خارج عن هذا، أولاً: ان التوقيع احرز فيه طيب النفس، لانه قال: «احتسابا للأجر وتقرّباً اليكم»، يعني أنه محرز رضاكم. من يتصرف في أراضيكم بإعمارها تقربا اليكم من دون طلب اجر، هذا محرز طيب النفس لانه يعمر هذه الاراضي لا بداعي المعاوضة بل بداعي التقرب لأهل البيت واحتساباً للمثوبة من قبلهم، فهو محرز لطيب النفس إنما يسال عن امر آخر. والا طيب النفس محرز، أي هل تشترط إذنكم أو يشترط طيبكم أم لا؟ فالرواية اولا ناظرة الى فرض احراز طيب النفس. ثانياً: هي ناظرة الى التصرفات الاعتبارية، فإنه بالنتيجة إذا عمر هذه الارض، يترتب على ذلك ان يستخرج الخراج منها وهذا يقتضي ان يبيع ثمارها وأن يؤجر بعضها على يستطيع اخراج الخراج منها، فلا شك ان التصرفات الاعتبارية مما يشترط فيها الاذن، فالرواية خارجة موضوعا عن محل كلامنا لأنها خارجة موضوعا عن محل كلامنا لأنها ناظرة الى التصرفات الاعتبارية التي احرز فيه طيب النفس. ولكن لا يستفاد من مجرد قوله «احتسابا للأجر وتقربا اليكم» احراز طيب النفس، فإن لممتلكات أهل البيت حيثيات أخرى لا يحرز رضاهم بمجرد اعمارها.

وأما بلحاظ الجهة الثانية: فإن بعض التصرفات من التصرفات الخارجية، كإعمار الارض، فإن إعمار الارض من اوضح التصرفات الخارجية ولم ينحصر محل السؤال بالتصرفات الاعتبارية، لكن يمكن ان يكون مقصود السيد الاستاذ: من انه: حيث إن منظور السائل هو مجموع التصرفات من العمارة واخراج الخراج، فحيث انه من مجموع التصرفات التي بعضها خارجي وبعضها اعتباري، فقول الإمام : «لا يحل ذلك إلا بالإذن» لا يدل على اشترط الإذن فيما لو كان التصرف الخارجي مستقلاً، فلا تعارض بين الروايتين، يعني النبوي ناظر الى التصرفات الخارجية، بينما هذا ناظر الى مجموع التصرفات بما فيها الاعتبارية، فاشتراط الإذن في المجموع لا يعني اشتراط الإذن في التصرف الخارجي لو خلي وحده.

الجواب الثاني: ما ذكره السيد الاستاذ، من انه لا تنافي بين الروايتين، فإنهما من قبيل المثبتين، هذا يقول: «لا يحل مال امرأ مسلم إلا بطيب نفسه». وذاك يقول: «لا يحل إلا بإذنه» فمقتضى ذلك: الجمع بنيهما، أي تنافي بينهما؟ كما لو قال: لا صلاة الا بطهور، وقال: لا صلاة الا الى القبلة، فإن مقتضى ذلك الجمع بين الشرطين. لا يوجد تنافي بين اللسانين حتى نقول بالتعارض ونضطر لإيجاد وجوه للجمع بينهما، فإنما من قبيل المثبتين. هذا يقول: لا صلاة الى بطهور، وذاك يقول: لا صلاة الا بفاتحة الكتاب. ولا يرى العرف أي تنافي بينهما، بل يقول كلاهما شرط في صحة الصلاة، فلما يدعى التنافي بين هاتين الموجبتين. يقول: الا ان يقال ان استثناء الموجب من النفي يدل على الموجبة الكلية، وقد منعنا ذلك في الاصول. يعني: إذا قال: «لا يكلف الله نفسا الا ما اتاها». فهل يستفاد منه: انه كل ما اتاها فقد كلفها؟! هل استثناء الموجب من النفي يعني ان المستثنى موجبة كلية؟! أو يريد ان يقول: يشترط في التكليف الإيتاء، لا ان الإيتاء علة تامة للتكليف. كما إذا قال: «لا صلاة الا بطهور» غاية ما يستفاد منه اصل الشرطية، ان الطهور شرط، لا انه كلما حصل الطهور حصلت الصلاة. فلا يستفاد من استثناء النفي الموجبة الكلية، بل غايته بيان اصل الشرطية. هنا يريد ان يقول: «لا يحل مال امرأ مسلم الا بطيب نفسه» لا يعني ذلك الا اشتراط طيب النفس، لا انه كلما حصل طيب النفس كفى. وكذلك قوله: «فإنه لا يحل ان يتصرف في مال غيره إلا بإذنه»، لا يستفاد منه إنه كلما حصل إذنه جاز التصرف ولم لم يكن طيب النفس. فإذن بما ان الاستثناء من النفي لا يستفاد منه الموجبة الكلية وإنما غاية ذلك بيان اصل الشرطية، فلأجل ذلك لا تنافي اصلاً بين الدليلين حتى نضطر للجمع بينهما بما ذكر من الوجوه، بل نقول: كلاهما معتبر. ولكن لا يبعد القول ان هاتين الروايتين في مقام التحديد. ومقتضى ورودهما في سياق التحديد انعقاد المفهوم، يعن يعلى نحو الموجبة الكلية. نعم اصل استثناء الموجب من النفي لا يدل على الموجبة الكلية، ولكن إذا كان في مكان التحديد، أي في مقام بيان ما يسوغ التصرف، فإن ظاهره: أن مجرد طيب النفس كافٍ، أو ان ظاهره مجرد الإذن كافٍ، وبالتالي يقع التعارض بينهما في مورد الافتراق، كما لو رضي من جهة ولم يأذن من جهة أخرى.

الوجه الثالث: ما ذكره سيدنا الخوئي «قده» في «ص46، ج13 من الموسوعة» قال: ان التنافي بينهما انما يتم إذا حملنا عنوان الاذن في التوقيع على الموضوعية. لكن التوقيع لا يصلح للمعارضة، اذ لا دلالة فيه على اعتبار الإذن بما هو كذلك «يعني بما هو إذن، يعني الاذن مأخوذ على نحو الموضوعية» بحيث يكون لهذا العنوان وهو الإذن مدخلية في جواز التصرف، بل المتبادر عرفا بمناسبة اخذ العلم للموضوع ان اخذ الإذن بعناية الطريقية وأنه كاشف عن الرضا الباطني الذي هو مناط الجواز، فهو مأخوذ على موضوع الدليل على سبيل الطريقية دون الموضوعية، نظير التبين المعلق عليه الامساك في آية الصوم، «كلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود». التبين قطعا لا موضوعية له، والمدار على الخيط الابيض نفسه لا على تبينه، حيث إن الموضوع لوجوب الإمساك طلوع الفجر واقعاً والتبين طريق اليه لا انه هو الموضوع. ذيل الرواية «فمن فعل ذلك بغير امرنا» ظاهره ان للإذن موضوعية، مضافا الى ذلك: انه إذا كان العنوان المأخوذ في لسان الدليل هو من العناوين الطريقية عرفا كعنوان العلم، وعنوان التدين، نقول نعم، هو العنوان اصلا عنوان طريقي، فإذن اخذه لا يفيد الموضوعية كما ذكر ذلك الاعلام، كما في موثقة ابي بكير: «اذا علمت انه ذكي قد ذكاه الذابح». فيقولون: العلم لا موضوعية له، يعني إذا كان ذكياً بعبارة اخرى. يعني صح الصلاة فيه إذا كان ذكياً. إذا كان العنوان من العناوين الطريقية فكما يقول. أما عنوان الإذن محتمل الموضوعية عرفاً، فمقتضى اصالة الاحتراز اعتباره. فتأمل.

والحمد لله رب العالمين.