درس الفقه | 083

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

الجهة الرابعة: إذا كان التصرف مصداقاً للرضا والكراهة الفعليين بعنوانين. فما هو حكم المكلف في هذا الفرض؟

مثلاً: لو منع المالك دخول زيد المعين داره لاعتقاده ان زيداً عدوه، مع انه في الواقع اخوه، وهو راضٍ بدخول الاخ، فهنا دخول زيد للدار مصداق للرضا والكراهة، مصداق للكراهة الفعلية: لاعتقاد المالك انه عدوه، لذلك منع منه، والمالك يكره دخول عدوه داره. ومصداق للرضا التقديري لا الفعلي: لأن المالك راضٍ بدخول أخيه لكن لا يعلم انه هذا اخوه ولو علم انه اخوه لرضي بدخوله، فدخول زيد الدار الآن مصداق للكراهة، لان المالك منعه معتقدا انه عدوه، ومصداق للرضا لأنه في الواقع أخوه، والمالك راضٍ بدخول أخيه داره، فإيهما يقدم؟. وبالعكس: اذا افترضنا ان المالك اجاز لزيد المعين الدخول الى داره باعتقاد انه اخوه وهو في الواقع عدوه، فدخول زيد هنا مصداق للرضا الفعلي لأن المالك إذن له باعتقاد أنه اخوه. ومصداق للكراهة التقديرية لأنه كاره لدخول عدوه، وهو مصداق واقعا للعدو، فإيهما يقدم؟

فهنا افاد سيدنا «قده» في الصورتين يجوز الدخول. منعه او اجاز له. وأبان ذلك بذكر امور ثلاثة كما في «ج13، ص49»:

الأمر الاول: مقتضى اطلاق النبوي «لا يحل مال امرأ مسلم الا بطبيبة نفسه»، أن طيب النفس على نحو الموجبة الجزئية كافي في الجواز، أي متى حص طيب نفس بالدخول جاز الدخول، فطيب النفس على نحو الموجبة الجزئية كاف في الجواز، هذا مقتضى إطلاق النبوي، والمفروض في المقام انه في كلتا الصورتين أنه يوجد طيب نفس على نحو الموجبة الجزئية. أما في فرض الاذن، فواضح، فقد اذن لزيد باعتقاد انه اخوه فطيب النفس حاصل.

وأما في صورة المانع، فواضح، لانه منعه باعتقاد انه عدوه، لكنه في واقع نفسه راض بدخول أخيه وهذا أخوه جزماً، فيوجد رضا على نحو الموجبة الجزئية بدخول الأخ المنطبق على هذا الإنسان واقعاً.

الأمر الثاني: كما يوجد رضا على النحو الموجبة الجزئية وهو كاف في الجواز، يوجد كراهة على نحو الموجبة الجزئية وهي كافية في المنع فيتعارضان. قال: لا، لأن مقتضى المفهوم ان المانع من التصرف ليس الكراهة، بل المانع من التصرف عدم الرضا على نحو السالبة الكلية، إذ بعد ان استفدنا من المنطوق أن الرضا على نحو الموجبة الجزئية كافي في الجواز، اذ بعد ان استفدنا من المنطوق ان الرضا على نحو الموجبة الجزئية كافية في الجواز، إذن المفهوم أن الجوز يرتفع اذا لم يكن هناك أي رضا، فنقيض الموجبة الجزئية سالبة كلية، والحال في المقام يوجد رضا، فإذن عدم الرضى على نحو السالبة لكلية لم يتحقق، فلم يتحقق مناط عدم الجواز، وانما تحقق مناط الجواز.

الأمر الثالث: إن قلت: ما الفرق بين المقام وبين الرضا التعليقي، حيث إن السيد «قده» وسيد المستمسك وغيرهم، قالوا: بأن الرضا التعليقي لا يكفي في الجواز، ومثلوا له بالرضا المنوط بالمصلحة، فلو قال: زيد منعني المالك من دخول داره، ولو علم المالك أن في دخول داره مصلحة له لرضي، «يسمى رضى تعليقي»، أنا أقطع بأنني اذا دخلت يترتب على دخولي مصلحة له، واقطع ان المالك لو علم بدخولي للمصلحة لرضي، يقولون: لا يكفي.

ففي المقام كذلك، المالك منعني من الدخول، وأنا أعلم ان المالك لو علم أنني اخوه لرضي، فهذا رضا تعليقي. اذا علمت ان المالك راضٍ بالدخول، لو علم بالمصلحة لا يجوز، كذلك إذا علمت ان المالك راضي بالدخول لو علم بالأخوة لا يجوز. لماذا هنا قلتم يجوز، وهناك لا يجوز؟

أجاب السيد الخوئي: بان هناك فرق بين المقامين، لأن الرضا هناك منتفٍ بانتفاء سببه، يرضى لو علم بالمصلحة، وحيث لا يعلم بالمصلحة فلم يرض. بينما هنا الرضا موجود، لانه راض بدخول اخيه الموجود، لكنه هو لا يعرفه، فلو سالته لقال: انا راض بالفعل بدخول اخي الموجود على ظهر الارض لكن انا لا اعرف اخي اين؟ فيوجد له رضا فعلي لفعلية موضعه، غاية ما في الامر لا يدري ان زيد هذا اخوه، وإلا فهو راضي بدخول اخيه الموجود حيّاً، بينما هناك يرضى لو علم بالمصلحة، وهو لا يعلم بالمصلحة.

ويلاحظ على ما افاده «قده»:

أن الوصف الدخيل في الرضا وعدم الرضا «وصف العداوة، والاخوة» هل هو ملحوظ على نحو الحيثية التقييدية في الجواز، او ملحوظ على نحو الحيثية التعليلية؟

هل يستفاد من الأدلة «دليل حرمة الدخول الا مع الرضا» أن الاوصاف الدخيلة في الرضا مأخوذة في موضوع الجواز على نحو الحيثية التقييدية؟ او أنه مأخوذة في موضوع الجواز على نحو الحيثية التعليلية؟

فإن قلنا: ظاهر الأدلة أنها مأخوذة على نحو الحيثية التقييدية: يعني: أن موضوع الجواز: الرضا بدخول الاخ، الاخوة قيد في موضوع الجواز؟ أو ان الاخوة حيثية تعليلية؟ يعني موضوع الجواز الرضا بدخول فلان إن اعتقدت انه اخ، فإن «إن اعتقدت انه اخ» حيثية تقييدية، والا فالموضوع ان ترضى بالمصداق، يعني أن ترضى بدخول فلان. فإن لوحظ الوصف على نحو الحيثية التقييدية فلابد من التفصيل بين الصورتين، وإن اخذتم الوصف على نحو الحيثية التعليلية فلابد من التفصيل بسن الصورتين، أما التسوية بين الصورتين كما فعل السيد الخوئي وقال في كلتا الصورتين يجوز، فهذا محل تأمل.

وتطبيق ذلك: إذا كان الوصف ملحوظا على نحو الحيثية التقييدية، يعني العبرة في الجواز ليس بالمصداق، العبرة في الجواز بالوصف. فنقول: هذا المالك راض بدخول اخيه، وهذا كاف في الجواز، ومنع من دخول زيد، لأنه يعتقد انه عدوه، الا ان العدواة منتفية واقعاً، مانع كاره لدخول زيد لاعتقاده انه عدوه وحيث إن المناط على الاوصاف والعدواة منتفية فالكراهة منتفية، والرضا وصفه متحقق، لأنه راض بدخول الاخ والأخوة متحققة، فالرضا هو المتحقق والكراهة منتفية لأن المدار على الأوصاف وليس على المصداق الخارجي، بعد ان اخذتم الوصف حيثية تقييدية. إذن في الصورة الأولى يجوز له الدخول.

أما الصورة الثانية: وهو إذنه بدخول زيد لداره، وزيد في الواقع عدوه، والمدار قلنا على الوصف لا على المصداق، لان الحيثية تقييدية. إذن المتحقق واقعا هنا الكراهة وليس الرضا، رضي بدخول اخيه وهذا ليس اخاه، فإذا قلتم بأن الوصف حيثية تقييدية فلابد ان تفصلوا وتقولوا بالجواز في الاول، وبالمنع في الثاني، وإذا قلتم بان الوصف مجرد حيثية تعليلية، المدار على المصداق. والمدار على التطبيق، في الصورة الاولى قال له: لا تدخل. فلا يفيده أنه راض بدخول اخيه الذي يعلم انه موجود، لأن المفروض ان الوصف ليس حيثية تقييدية المدار على المصداق وهو يعتقد ان هذا عدوه، اذن لا يجوز له الدخول.

بينما في الصورة الثانية: انه رضي بدخوله وإن كان رضاه بدخوله معللا باعتقاد انه اخوه. إذن اما ان تجعلوا مصب موضوع الجواز على المصداق، او ان تجعلوا مصب موضوع الجواز على الوصف. فإن جعلتموه على الوصف فصلتم، وإن جعلتموه على المصداق فصلتم. اما ان تأخذوا في الفرض الاول الوصف، وفي الفرض الثاني المصداق، فهذا التفكيك محل تأمل بل منع.

وبهذا يتبين أن لا فرق بين الرضا التقديري والتعليقي فيما اذا افترضنا ان الوصف حيثية تقييدية وأن المالك عالم بتحقق الوصف خارجاً.

الجهة الخامسة: الكواشف عن الرضا ثلاثة: الإذن، الفحوى، شاهد الحال.

الكاشف الاول: الإذن: فالإذن المسوغ للجواز ما كان كاشفا عن الرضا، اما كشفا وجدانيا او كشفا تعبديا من باب حجية الظهور، فإنه اذا اذن كان ظاهراً في رضاه والظهور حجة، ما لم يقم منشأ عقلائي على الخلاف. فمن ناحية الإذن الامر واضح.

الكاشف الثاني: الفحوى. ذكر سيدنا «قده»: أن الفحوى عبارة عن دلالة الإذن على الرضا بالصلاة إما بالأولوية المطابقية، او بالدلالة الالتزامية العرفية.

السيد الخوئي ذكر امورا ثلاثة في مقام بيان الفحوى:

الامر الاول: الفحوى دلالة لفظية. دلالة اللفظ على الرضا بالتصرف ومنه الصلاة التي هي محل كلامنا، دلالة اللفظ على الرضا بالصلاة بالاولوية المستفادة أما من المطابقة او بالدلالة الالتزامية العرفية.

أما بالمطابقة: مثل ان يقول له: اجزت لك أن تتلف هذا البساط. اتلافا حقيقياً بأن تحرقه، او اتلافا حكميا بان تبيعه والثمن لك، فإذا أجاز الاتلاف فمن باب اولى اجاز الصلاة عليه، فهذا يدل بالفحوى _يعني بالأولوية_ على الرضا بالصلاة.

او بالمدلول الالتزامي العرفي، فقال: الملازمة إما عادية، او عقلية، او اتفاقية. والمدار على الملازمة العقلية والعادية، لا على الاتفاقية. اما الملازمة العقلية، كما لو اذن له ان يتوضأ من حوض البيت، ولا يمكن ان يتوضأ من حوض الدار الا بدخول الدار، فهذا دال على الرضا بدخول الدار بالملازمة العقلية.

أما الملازمة العادية: مثلا إذن له ان يسكن الدار، ومن لوازم السكنى: التخلي. فالإذن له في الدخول في السكنى في الدار دال بالدلالة الالتزامية العرفي على جواز التخلي. وإن كانت الملازمة بينهما عادية لا عقلية.

وأما الملازمة الاتفاقية فلا تكفي، كما لو قام المالك وضع الحب على باب الطريق، فإذن لزيد ان يشرب من الحب والحب خارج الدار، لكن ذلك اليوم قام شخص وأدخل الحب في الدار. فالإذن في جواز الشرب من الحب ملازم للدخول في الدار لكن ملازمة اتفاقية. فهنا لا يدل الإذن على جواز الدخول في الدار لان الملازمة اتفاقية. إلا اذا علم المولى بذلك ومع ذلك رضي.

إذن في الملازمة العقلية لا يحتاج الى ان يطلع على الملازمة، يكفي ان ياذن بالوضوء من حوض داره. لان الملازمة بينه.

كذلك في الملازمة العادية، إذا اذن له في السكنى لا يحتاج الى ان يطلع على الملازمة بين السكنى وبين التخلي. يكفي الإذن في الملزوم. أما في الملازمة الاتفاقية يحتاج الى ان يطلع على ذلك، مع ذلك يأذن. هل الفحوى تختص باللفظ؟ او تشمل الاولوية؟ او تختص بالمساواة؟

لمن نقف على دليل: على ان يكون اشتراط المبرز لفظيا، سواء كان المبرز لفظا او غير لفظا، إذا دل على أمر آخر بالأولوية او بالمساواة فهو فحوى، فالفحوى لا تختص بالمبرز اللفظي من جهة. ولا تختص بالأولوية من جهة أخرى، بل حتى لو علمنا بالمساواة، فهذا ايضاً يسمى فحوى.

الأمر الثاني: مثّل صاحب العروة للفحوى: بما لو إذن له بالدخول والنوم في داره، فهذا إذن في الصلاة. إذ لا يزيد الصلاة على الأكل النوم؟!.

السيد الخوئي يقول: هذا المثال غير صحيح، فهو ليس مثال للفحوى بالدلالة المطابقية، ولا هو مثال لها بالدلالة الالتزامية. فإن اللفظ لا يدل على الصلاة. اما من ناحية الدلالة الالتزامية، لا يوجد بينهم ملازمة عقلية، ولا يوجد بينهم ملازمة عادية. لا هذا ولا هذا، إذن المثال الذي مثل به سيد العروة ليس مثالاً لاستفادة الرضا بالصلاة بالفحوى.

يقول السيد: «لا يستتبع الإذن في الصلاة، ولا يستلزم فضلا عن الأولوية فإن الآذن قد يكون كافر او بدوياً، لا يرضى بالصلاة في محله، لتشائمه وتطيره كما يحكى عن بعضهم، فمجرد الإذن في سائر التصرفات كالنوم والاكل والجلوس لا يدل على الإذن في الصلاة، إلا اذا علمنا ان الآذن مسلم خيّر». لا يبعد انه من الملازمات العادية.

الامر الثالث: عبارة العروة تقول: «والثاني _الفحوى_ كأن يأذن في التصرف بالقيام والقعود والنوم والأكل من ماله ففي الصلاة بالاولى يكون راضيا وهذا يكفي فيه الظن على الظاهر،

وإلا _يعني اذا لم يستفد الاذن لا بالدلالة المطابقية ولا الالتزامية_ فلابد من العلم بالرضا».

فهل يستفاد من عبارة «ولا بد من العلم بالرضا» يعني: لابد من العلم بالرضا الفعلي؟ او ولو بالرضا المشروط؟

اما عبارة السيد الخوئي في الشرح: فقال: «وأما الصلاة في الدار فليست بنفسها من شؤون السكنى ولا من لوازمها العادية بحيث يكون الإذن بالصلاة مستفادا من الإذن بالسكنى، بل يحتاج الى القطع بالرضا من شاهد حال ونحوه، من قرينة حالية او مقالية كما عرفت».

بعضهم فهم من كلام صاحب العروة هكذا: وهو ان لم توجد دلالة لفظية عرفية يكفي ان تقطع بالرضا المشروط، يعني ان تقول: ان كان المتكلم راضٍ بالنوم في الدار فهو راضٍ بالصلاة. قال المتكلم: ادخل واعلم رياضة في الدار. إذا المولى إذن لك قال: انا اذن لك ان تأتي بالتمارين الرياضية في الدار، فهذه التمارين اكثر من افعال الصلاة. فأنا لم اقطع برضاه، ولكن اقول: اذا كان راضيا بالتمارين فهو راض قطعا بالصلاة، ورضاه بالتمارين بالظهور فقد احرزت رضاه بالتمارين بالظهور لا بالقطع، إذن يجوز لي الصلاة. او انك لا بد ان تقطع بالرضا بالصلاة؟

والحمد لله رب العالمين.