درس الفقه | 084

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

النقطة الاخير، في الطريق الثاني لإحراز رضا المالك، وهو طريق الفحوى: وهو ما ذكره سيد العروة «قده» على سبيل الإشارة. ومحصلّه: لو لم يدل الإذن اللفظي الصادر من المالك على الرضا بالصلاة، لا من باب الصراحة والمدلول المطابقي، ولا من باب المدلول الإلتزامي العرفي لعدم وجود ملازمة عرفية بين ما إذن فيه وبين الصلاة، فحينئذٍ هل لابد ان نقطع برضاه في الصلاة؟ أو هناك طريق آخر؟

قلنا: ان ظاهر عبارة العروة وهو ما علق عليه السيد الخوئي «قده»: إذا لم يقم دليل لفظي على الرضا بالصلاة اما بالمطابقة أو بالدلالة الالتزامية العرفية فلا يكفي الظن، بل لابد من القطع بالرضا، ولكن جمعا ومنهم السيد الأستاذ «دام ظله» قالوا: بأنه يكفي الرضا المشروط، والقطع المشروط. بيان ذلك يبتني على بحث ذكر في بحث حجية الظهور وهو: هل ان ظهور الدليل اللفظي تختص حجيته بالمداليل المطابقية والالتزامية؟ أم لا؟ إذا قلنا في بحث الظواهر: ما هو حجة المدلول المطابقي والالتزامي، غير ذلك ليس بحجة. إذن بالنتيجة: حيث إنكم تقولون ان قول المالك: أذنت لك في النوم وفي الاكل والجلوس، فقد قلتم هذا لا يدل بالمطابقة لا بالالتزام، اذ لا ملازمة لا عقلية ولا عادية بين الاكل والصلاة، إذن هذا الإذن لا يدل لا بالمطابقة ولا بالالتزام على الرضا بالصلاة، إذن لابد ان تقطعوا بالرضا بالصلاة وإلا فلا، لأنكم حصرتم حجية المدلول في المدلول المطابقي والالتزامي. اما إذا قلنا: بأن بناء العقلاء على الحجية لا في خصوص المداليل المطابقية والالتزامية، بل على كل مثبتات الأمارة وإن لم تكن من قبيل المدلول المطابقي والالتزامي العرفي، ولذلك يؤخذ المقر بلوازم اقراره وإن لم يكن ملتفتا الى لهذه اللوازم، ولا تعد من اللوازم البينة بالمعنى الاخص التي هي المناط في المدلول الالتزامي العرفي، فلو اقر المقر بأمر، لازمه غير البين أو لازمه البين بالمعنى الاعم كذا. يأخذ به. مع أنه ليس مدلولا التزامياً عرفاً. إذن بناء العقلاء في مقام الاحتجاج على ان اللفظ حجة في مثبتاته، أي لوازمه، وإن لم تكن من قبيل اللزوم البين بالمعنى الاخص، بل من اللزوم البين بالمعنى الاعم، وذكر السيد الاستاذ «دام ظله» في بحث حجية الظواهر: ان كثيراً من احتجاجات الإمامية على العامة بالآيات القرآنية والاحاديث النبوية هي من قبيل الأخذ بلوازم الكلام، وليست من قبيل الزامهم بالمدلول الالتزامي العرفي القائم على اللزوم البيّن بالمعنى الاخص.

هذا مما يكشف عن ان السيرة العقلائية في مقام الاحتجاج على ذلك. إذا التفت الى الملزوم والتفت الى اللازم علمت بالملازمة، وهذا كافٍ.

ففي المقام: لو فرضنا ان مالك الدار قال: اذنت لك بالرياضة داخل الدار، وقلنا بأن هذا الاذن لا يدل لا بالمطابقة ولا بالمدلول الالتزامي العرفي على رضاه بالصلاة، لكن أنا المتلقي لهذا الكلام: اقول: إن كان راضياً بالرياضة فهو راضٍ بالصلاة، لان لازم الإذن في الرياضة وان لم يكن لزوما بيّنا بالمعنى الاخص لازم ذلك ان هذا المقدار من التصرفات لا يضره ولا يأبها، وهذا المقدار من التصرفات حاصل بالصلاة بل اقل من ذلك. فهنا هل استطيع ان احتج على المتكلم؟ واقول انت اذنت لي ورضيت بالصلاة؟! فإذن محل البحث يبتني على باب حجية الظواهر فما قيل هناك يقال هنا.

الطريق الثالث: طريق شاهد الحال. فقد ذكر سيدنا «قده» بأن شاهد الحال: هو عبارة عن فعل من الأفعال يقوم به المالك يستكشف من فعله انه راضٍ بالصلاة، فان كشف هذا الفعل عن رضاه بالصلاة كشفا صريحا فهذا ملحق بالإذن اللفظي الذي سبق الكلام فيه. وأما إذا لم يكشف كشفا صريحاً، ولكن كان من باب الملازمات العادية، مثلا: كفتح باب الحمام من قبل الحمامي فإنه بمثابة الإذن العام لكل من يريد الاستحمام ولا شك على صحة الاعتماد على هذا المبرز من دون حاجة الى تحصيل العلم بالرضا لاستقرار بناء العقلاء على كشف ما في الضمير بمطلق المبرز فعلا كان أو قولاً، واما التصرف الزائد على الاستحمام وشرب الشاي والجلوس والمزاح في الحمام، كالصلاة، فإن عد ذلك من اللوازم العادية لما يرى انه من شؤون الدخول في الحمام وتوابعه، فحينئذ بمعونة الفهم العرفي من باب الملازمة العادية يتكشف أنه لك ان تصلي. وأما إذا لم يكن من اللوازم العادية كالمضائف، فلي الصلاة في المضيف لا من اللوازم العقلية للأكل ولا من اللوازم العادية، فإذن لابد من تحصيل القطع برضاه بالصلاة. ومن هذا القبيل مجالس التعزية. فهنا لا توجد ملازمة عقلية ولا عادية حتى يستكشف منها الرضا بالصلاة. إذا لم يستكشف الرضا بالصلاة، فهل تجوز الصلاة؟ أم لا؟

ذهب صاحب الحدائق «قده» وصاحب المستند: الى جواز الصلاة، وإن لم يحصل قطع برضاه، بل حصل ظن بالرضا. فهو كاف في ذلك. _وكلامنا في الصلاة دون سائر التصرفات الأخرى، مثلا إذن له الدخول في مجلس التعزية قطعا لا يحرز رضاه بأن يرقص، فكلامنا إذا إذن له في الدخول لمجلس التعزية جازت له الصلاة أو الدخول في الحمام جازت له الصلاة وهكذا، ما تقم أمارة على الكراهة_.

واستدل كل منهما بدليل على مدعاه:

الدليل الاول: وهو ما استدل به صاحب الحدائق، فقال: الدليل ما ورد عنه : «جعلت لي الارض مسجداً وطهوراً»، فظاهره انه يجوز للمسلم ان يصلي على كل ما هو ارض، وهذا مما هو ارض، ما لم تقم أمارة على كراهة المالك. واجيب عن ذلك: بأن الرواية ليست في مقام البيان من هذه الجهة، بل الرواية في مقام بيان المسجدية الشأنية لا المسجدية الفعلية، فهي تريد ان تقول: كل ما هو أرض من شأنه ان يكون مسَجَداً، لا انه يريد ان يقول: كل ما هو ارض فهو مسجد فعلا كي يتمسك بإطلاقه لنفي شرائط أخرى، ولذلك لم يتمسك به احد ومنهم صاحب الحدائق بهذه الرواية لإثبات عدم اعتبار الطهارة والإباحة! فعدم التمسك لأنه ليس في مقام البيان من هذه الجهة.

الدليل الثاني: ذكر في المستند: ان جواز التصرف في كل شيء ما لم يعلم بكراهة المالك. الاصل جواز التصرف في كل شيء، ومقتضى هذا الاصل جواز التصرف في ملك الغير ما لم يعلم بكراهته، ففرض الشك فضلا عن الظن محكوم بالجواز لولا قيام الإجماع على عدم جواز التصرف بمجرد الاحتمال، هذا الاجمال دليل لبي القدر المتيقن منه ما لم يحصل ظن، وأما إذا حصل الظن بالرضا فالإجماع لا يشمله، فإذا لم يشمله الاجمال دخل تحت مقتضى الاصل، فعندنا اصل يقول: الاصل الاباحة في كل تصرف لم يعلم بكراهة المالك، قام الاجماع على ان مجرد الشك لا يكفي، فالإجماع دليل لبي نقتصر فيه على القدر المتيقن، والقدر المتيقن منه فرض غير صورة الظن، ففي صورة الظن نرجع الى مقتضى الأصل.

اشكل على كلامه سيدنا «قده»، فقال: أولاً: مقتضى الاصل اللفظي «لا يحل لأحد ان يتصرف في مال غير إلا بإذنه»، أو «لا يحل مال امرأة مسلم إلا بطيبة نفسه» هو حرمة التصرف، وهذا هو مقتضى حكم العقل والعقلاء، فإن الشك في المقام ليس شكا في الحلية بل شك في الولاية، دائما الشك بالنسبة الى الغير شك في الاباحة بل شك في الولاية، فأساساً هل لي الولاية على هذا التصرف أم لا؟ ومقتضى حكم العقل والعقلاء ان التصرف من دون احراز الولاية ظلم. فكيف تقول بأن مقتضى الاصل هو الجواز؟!. ولو شك في الإذن فيجري استصحاب عدمه.

وذكر المستند في كلامه: أن الصلاة ليست تصرفاً. كالدخول الى بيت شخص والصلاة فيها.

فيقول السيد الخوئي: لا اشكال ان الصلاة من اوضح أنحاء التصرفات في ملك الغير، فكيف يدعى انه ليس تصرفاً؟!.

[المسألة 17]

«تجوز الصلاة في الاراضي المتسعة اتساعاً عظيماً. _ثم قال_: بل لا يبعد ذلك وإن علم كراهة الملّاك، بل وإن كان فيهم الصغار والمجانين».

يقع البحث في هذه المسألة في جهات:

الجهة الأولى: في تنقيح موضوع المسألة، «ج13، ص60» ذكر سيدنا الخوئي: أن الماتن _سيد العروة_ خص الحكم بصورة التعذر.

هكذا عبارة العروة: «تجوز الصلاة في الاراضي المتسعة اتساعا عظيما بحيث يتعسر على الناس اجتنابها». فجعل موضوع المسألة العسر.

وأشكل عليه سيدنا الخوئي: بأن هذا لا دخل له في موضوع المسألة، فإن الملاك في الجواز: السعة وليس الملاك في الجواز التعسر، لأنه إما ان يراد العسر الشخصي أو النوعي، فإن كان المراد العسر الشخصي فهذا يدور مدار العسر وإن لم تكن الأراضي متسعة، كما لو وقعت الأرض بين بيته وبيت اخيه بحيث لا يمكنه ان يصل بيت اخيه الا بالعبور في الارض ولو كانت صغيرة، وهذا ليس محل البحث.

وإن كان العسر النوعي، فقد جرت السيرة المتشرعية على جواز التصرف في الأراضي الواسعة وإن لم يكن هناك أية عسر نوعي. وما ذكر هو الصحيح والوجيه.

الجهة الثانية: هل الأراضي الواسعة بهذا النحو من السعة غير مملوكة أصلاً؟ أم مملوكة ملكية ناقصة لا تمنع من التصرف؟ أم أن نوع الملكية فيها نوع لا يقتضي منع التصرف؟ أم ملكيتها ملكية تامة؟ ومع ذلك الشارع ضيقها، بحيث لا تمنع من التصرف؟ أم انها مملوكة ملكية تامة تمنع من التصرف لكن موضوع الحرمة ليس متحققاً؟ أم ان ما جرت عليه السيرة هو التخصيص الحكمي؟ وليس التخصص الموضوعي. أم ما جرت عليه السيرة هو تمامية الموضوع لجواز التصرف.

أقوال عديدة في المسألة. نتعرض اليها:

القول الاول: ما ذكره السيد الاستاذ «دام ظله» بحسب التقرير، وهو مبنى السيد الصدر المذكور في كتاب «اقتصادنا» بشكل مفصل: أن الارض لا تملك، وإنما من يقوم على الأرض احياء أو انماء له حق الأرض. لا يترتب على الإحياء اكثر من الحق، الارض اما موات بالأصالة، أو عامرة بالأصالة، العامرة بالأصالة ملك لجميع المسلمين، فشخص المسلم ليس مالكاً، والموات بالأصالة إنما يثبت للمسلم يد عليها بالإحياء، والإحياء لا يثبت ملكا بل حقاً، وأن غاية ما يستفاد من قوله «فمن أحيا أرضاً مواتاً من المسلمين فهي له» فإن «اللام» لا يستفاد منها اكثر من لام الاستحقاق والاختصاص. فإذا قلنا ان من تكفل ارضاً فليس له إلا حق نرجع الى القاعدة العامة في باب الحقوق، وهي: «الحق لا يمنع مطلق التصرف، إنما يمنع من التصرف المفوّت للحق» فإذا قلنا بأنه ليس للمتكفل بأرض إلا حق والحق لا يمنع من مطلق التصرف إذن فمقتضى القاعدة هو جواز الصلاة في هذه الأراضي الواسعة، بل الصلاة والنوم والاستراحة والسباحة واشباه ذلك فإن المفروض ان هذا لا يوجب تفويت الحق. ومن هذا القبيل الوضوء من الانهار الكبيرة.

القول الثاني: انه ملك، «فهي له» انه يملك، لام الملكية، غاية ما في الامر ان الملكية ملكية ناقصة، والملكية الناقصة لا تمنع من التصرف.

وبيان ذلك بحسب ما تعرض له السيد الاستاذ «دام ظله» في بحث الاحكام الوضعية في الأصول: هناك في بحث الاحكام الوضعية في الاصول قال الشيخ الاعظم: هل ان الاحكام الوضعية مستقلة في الجعل؟ أم منتزعة من الأحكام التكليفية؟ أم أن بين الحكم التكليفي والوضعي عينية؟ وذهب السيد الاستاذ هناك: بأن العلقة بين الحكم التكليفي والوضعي علقة اندماجية، بمعنى أن روح الحكم الوضعي بالحكم التكليفي، بحيث لو سلخ منه لم يبقى حكما وضعياً. فإن من جملة الاحكام الوضعية، الملكية. فإن الملكية روحاً وجوهراً بحرمة التصرف، بحيث لو سلخت حرمة التصرف لم يكن للملكية معنىً لدى العقلاء، فبين الملكية وحرمة التصرف حرمة اندماجية، بحيث لو سلبت عنها لم يكن لهذه الملكية معنى، فهما حكمان، لكن الحكم الوضعي متقوم بالحكم التكليفي. بناء على ذلك: فتطبيق هذه الكبرى على محل كلامنا: إذا قامت سيرة عقلائية على جواز التصرف في الأراضي الواسعة، فنفس هذه السيرة العقلائية تكشف عن أن هذه الملكية ملكية ناقصة، اذ لو كانت ملكية تامة لكانت متقومة بحرمة التصرف بنحو مطلق، فقيام البناء العقلائي على جواز التصرف في هذه الاراضي كاشف عن ضعف درجة الملكية بنحو لا تمنع من التصرف من أمثال هذه التصرفات كأن ينام أو يستريح ألخ...

إذن لا تمتد الملكية لمثل هذه التصرفات، بل هناك ملكية لا تمتد هذه الملكية لمثل هذه التصرفات، لأن مقدارها بمقدار حرمة التصرف والحكم التكليفي.

القول الثالث: ما ذهب اليه المحقق الهمداني «قده» في مصباح الفقيه: ان الملكية موجودة، وليست ناقصة، لكن هي سنخ ملكية لا تمنع من التصرفات بلحاظ قصور المقتضي. وبيان ذلك: ان هذه الملكية تفضيلة من قبل الشارع، أن ملكية الارض الموات بالإحياء، أو ملكية الارض العامرة بإذن المالك الحقيقي وهو الإمام المعصوم ملكية تفضيلية، لا استحقاقية. فاذا كانت ملكية تفضلية فلنرجع الى ملاك هذا التفضل، وملاكه: الامتنان، أن الإمام المالك للأرض الموات والعامرة بالأصل لأنهما من الأنفال والمالك للانفال هو الإمام، والمالك الحقيقي امتنانا منه على الشيعة ملكها. فالملكية امتنانية، فبما ان الملكية امتنانية فالامتنان نفسه قاصر عن ان يشمل ما هو خلاف الامتنان على بقية الشيعة. فإذا امتن الإمام وقال: ملكتك الأرض إذا أحييتا، لكن تمليكي اياك امتناني، فهذا الامتنان لا يكون على خلاف الامتنان بالنسبة الى غيرك من الإمامية، فمقتضى قصور ملاك الملكية إن لا يمنع الآخر من التصرف والجلوس والنوم والاكل والشرب.

القول الرابع: إن الملكية تامّة، لا قصور فيها. لكن الشارع بعد ان انعقدت ملكية تامة ضيّق خناقها ببعض الأدلة. فالشارع يعترف انها ملكية استحقاقية تامة لو خليت ونفسها لاقتضت منع سائر التصرفات، لكن الشارع ضيّق الخناق هنا، فقال: إن كانت الأرض واسعة فللمارة حق فيها بالدخول وأكل الثمار والنوم والجلوس والصلاة.

القول الخامس: انها ملكية تامة غير محقوقة شرعاً، لكن يجوز التصرف فيها من باب الخروج الموضوعي، لان موضوع حرمة التصرف، ما هو؟

فرجعنا الى ما هو المستفاد من الأدلة، هل المستفاد من قوله: «لا يحل مال امرأ مسلم إلا بطيبة نفسه»، ان الممنوع من ملك الغير مطلق الملابسة؟ أم ان الممنوع في ملك الغير التصرف؟ أم ان الممنوع من ملك الغير خصوص الاستيلاء؟

فإن قلنا بالاول لا يجو التصرف، وإن قلنا بالثالث: جاز التصرف فإن مجرد الدخول والصلاة والنوم ليس استيلاء، لانه لا يزاحم سلطنة المالك على ملكه.

فإن قلنا بالثالث كان الأراضي الواسعة خارجة عن دليل الحرمة خروجاً موضوعياً. اصلا خروجها تخصص.

وإن قلنا بالوسط أي ان ما يستفاد من الادلة، ان ما هو موضوع الحرمة هو التصرف. يأتي عنه الكلام.

والحمد لله رب العالمين.