درس الفقه | 087

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

تنقيح المطلب في أمور:

الأمر الاول: هل أنّ للأب والجد ولاية مطلقة على الطفل وأمواله؟ حتى نبحث بعد ذلك هل يشترط في هذه الولاية وجود مصلحة في التصرف أو لا يشترط؟، أو يكفي عدم المفسدة؟ فإن هذا البحث فرع القول: بأن لها ولاية مطلقة، وأما إذا فرضنا من الأول أنّ ما ثبت للأب والجد على الطفل ولاية في الجملة، لا ولاية مطلقة. إذن بالنتيجة لا نحرز امتداد تلك الولاية لفرض عدم المصلحة في التصرف، أو فرض وجود المفسدة في التصرف، بلا حاجة لدعوى الاشتراط. فيقع البحث فعلاً في أنّ لهم ولاية مطلقة أم لا؟.

وقد استدل على ولاية الاب والجد على الطفل بوجوه:

الاول: الاجماع.

الثاني: السيرة المتشرعية القائمة على ثبوت الولاية.

وكلاهما دليل لبيٌّ القدر المتيقن منه ما إذا كان في إعمال الولاية مصلحة، فضلاً عن عدم المفسدة.

أما الروايات: فهل يستفاد منها الولاية المطلقة أم لا؟ ونتعرض لهذه الطوائف التي تعرض لها الشيخ الاعظم في كتاب البيع. هل هي دالة على الولاية المطلقة أم لا؟

القسم الأول: صحيحة محمد بن مسلم، الوسائل «باب 78، ابواب ما يكتسب به، حديث2» عن ابي عبد الله ، قال: «سألته عن الرجل يحتاج الى ما ابنه قال: يأكل ما شاء من غير سرف. وقال ع: في كتاب علي أن الولد لا يأخذ من والده شيئاً إلا بإذنه، والوالد يأخذ من مال ابنه ما شاء. وذكر: أنّ رسول الله قال لرجل: أنت ومالك لأبيك».

فمقتضى الكبرى المذكورة في الذيل: «أنت ومالك لأبيك» الولاية المطلقة، أي لا شأن لك مقابل شأن أبيك، ولا تنافي بين الصدر والذيل: بأن يقال: في الصدر قيد بعدم السرف، وفي الذيل قيل «أنت ومالك لأبيك» بلحاظ أن حرمة الإسراف من الكبائر الثابتة في الكبير والصغير، فالتقييد بغير سرف لا يتنافى مع إطلاق الولاية.

وأشكل بعدة اشكالات:

الإشكال الأول: أن هذه المعتبرة محكومة بمعتبرة أخرى، وهي ما راوه الكليني بسند صحيح، عن الحسين ابن أبي العلاء، في «باب78، ج17، ص265»: قال: قلت لأبي عبد الله ، قال: «قلت لأبي عبد الله ما يحل للرجل من مال ولده؟ قال: قوته بغير سرف إذا اضطر اليه. قلت: فقول رسول الله للرجل الذي أتاه فقدّم أباه، فقال له انت ومالك لأبيك. فقال : إنما جاء بأبيه الى النبي فقال يا رسول الله هذا أبي وقد ظلمني ميراثي من أمي، فأخبره الأب أنه قد انفقه عليه وعلى نفسه، وقال له الرسول: أنت ومالك لأبيك. ولم يكن عند الرجل شيء، أوَكان رسول الله يحبس الأب للأبن؟!».

فمفاد هذه الرواية الشريفة: النظر الى تلك الرواية، وأن ما يحل للوالد في مال ولده ليس مطلق التصرف بل قوته بغير سرف إذا اضطر اليه. وان الواقعة التي حدثت عند النبي كان مخاصمة بين ولد وأبيه، والنبي إنما قال: «أنت ومالك لأبيك» لا في مقام بيان الحكم الشرعي، وإنما في مقام رد الدعوى بقضية أخلاقية. فهذا الذيل ليس في مقام بيان الحكم الشرعي، وإنما هو قضية أخلاقية ردَّ بها الدعوى لا أكثر من ذلك.

ولكن هل هذا الجمع عرفي؟ ففي الرواية قال: «يأخذ من مال ابنه ما شاء»، وفي الرواية الثانية قال: «قوته بغير سرف إذا اضطر اليه» فهل تقييد الأولى بالثانية تقييد عرفي؟ أم أن العرف يراهما متعارضان؟. فالجمع غير عرفي، فما ادعي من حكومة الثانية على الأولى غير تام بل هما متعارضان.

الإيراد الثاني: إن مفروض الرواية «رواية محمد بن مسلم، التي ذكرت قول النبي للرجل: أنت ومالك لأبيك» أن الولد كبير، ولا ولاية على الكبير، فكيف يستدل بالرواية على إطلاق ولاية الأب على الطفل؟! والحال إن مورد الرواية الولد الكبير، فهل هذا يستفاد من الرواية؟

قال في كتاب علي: «أن الولد لا يأخذ من والده شيئاً الا بإذنه، والوالد يأخذ من مال أبنه ما شاء، وذكر أن رسول الله قال لرجل: أنت ومالك لأبيك».

الإيراد الثالث: ما ذكره المحقق الإيرواني «قده» في حاشيته على المكاسب: قال: الاخبار المذكورة ليس عنوانها نفوذ معاملة الأب في حق ابنه، وإنما عنوانها جواز استيلاء مال الاب على مال ابنه، وتصرفه فيه تصرف الملاك، لا التصرف فيه بعنوان الولاية، بل موردها تصرف الاب في مال ولده البالغ، ومساقها مساق: ﴿لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ. فالرواية اجنبية عن محل الكلام. فإن محل الكلام في ولاية الأب على أموال ولده.

بينما مفاد هذه الروايات: ان هناك حكم تعبدي لا علاقه له بالولاية، أن هناك حكم تعبدي لكل أب: أنه يجوز للأب أن يأكل من مال ابنه إما مطلق أو بحدود بحسب ما تعرضت اليه الروايات. نظير قوله تعالى ﴿لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ. فهذا حكم تعبدي مخصِّص للأدلة، لا نظر فيه لمسألة الولاية كي يرتبط بمحل الكلام. خصوصاً أنّ موردها البالغ.

الرواية الثانية: ما ورد في المضاربة، في الوسائل «باب92، من أبواب الوصايا، حديث1»:

صحيحة محمد بن مسلم عن ابي عبد الله : «سئل عن رجل اوصى الى رجل بولده وبمالٍ لهم، وإذن له «للوصي» عند الوصية أن يعمل بالمال، وأن يكون الربح بينه «الوصي» وبينهم؟ فقال: لا بأس به من أجل أنّ أباهم قد إذن له في ذلك وهو حيٌّ».

فاستفيد من هذا الذيل: «من اجل ان اباهم قد إذن لهم في ذلك وهو حي»: ان للأب على أموالهم، والشاهد على ذلك: انه اعتبر إذنه بجواز المضاربة بأموالهم.

وقد يشكل على ذلك: بأن الرواية ليست في مقام البيان من هذه الجهة. وإنما في مقام البيان من جهة: يشترط في المضاربة في اموال الطفل إذن الولي. ويكفي إذنه حيّاً، وأما أنها في مقام بيان الولاية كي نتمسك بإطلاقها فلا، مضافاً إلى أن موردها فرض المصلحة وهو الربح، قال: «والربح بينه وبينهم». فلا يصح الاستدلال بها على اطلاق الولاية حتى لفرض عدم المصلحة.

الرواية الثالثة: ما ورد في باب الحْجر: «حديث1، باب2، من أبواب الحْجر»: معتبرة حمران عن أبي جعفر ، قال: «إنّ الجارية ليست مثل الغلام، إن الجارية إذا تزوجت ودخل بها ولها تسع سنين ذهب عنها اليتم، ودفع اليها مالها وجاز أمرها في الشراء والبيع، وأقيمت عليها الحدود التامة، وأخُذت لها وبها، قال: والغلام لا يجوز أمره في الشراء والبيع ولا يخرج من اليتم حتى يبلغ خمسة عشرة سنة، أو يحتلم أو يشعر أو بنت قبل ذلك».

فيقولون: ان ظاهرها انه لا يجوز امره ما لم يبلغ، ومقتضى ذلك: أن تمام أمره بيد وليه.

ويلاحظ على ذلك أيضاً: أنّ هذه الرواية في مقام بيان حد البلوغ وليست في مقام حد البيان حتى يتمسك بإطلاقها.

والحمد لله رب العالمين.