درس الفقه | 088

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

ما زال الكلام في الروايات الشريفة هل يستفاد منها: ان للأب والجد ولاية مطلقة على الطفل وأمواله أم لا؟

الرواية الرابعة: ما ورد في تقديم رواية الأب على الجد في باب النكاح «الوسائل، ج20، ص291، حديث 7، وحديث8، باب11 من ابواب اولياء العقد»: معتبرة عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله قال: «إذا زوج الرجل ابنة ابنه فهو جائز على ابنه، قال: ولأبنه ايضاً ان يزوجها فإن هوى أبوها رجلاً وجدها رجلاً فالجد أولى بنكاحها». فيستفاد من أولوية الجد من الأب في باب النكاح اولويته منه في غير ذلك، وبناء على ذلك فمقتضى إطلاق الروية أن للاب او الجد ولاية مطلقة سواء كان في ذلك العلم مصلحة للمولى عليه أم لا؟ يكفي في ثبوت الولاية ونفوذها عدم المفسدة. ولكن قد يقال: بأن تقديم الجد على الأب في باب النكاح لعل المورد من الفروج، وهو من الموارد المهمة، فلا يدل ذلك على تقديمه عليه في غير ذلك من الموارد، أي لأهمية ذلك المورد قدم، لا ان هناك أولوية بحيث اذا قدم هنا قدم هناك، كي نتمسك بإطلاق هذا التقديم لسائر الموارد كان فيها مصلحة أم لم يكن.

”رواية سهل بن زياد الحديث5، التي هي نفسها عبيد بن زرارة اشتملت على هذا اللفظ: فقال له: ان رجلا جاء يستعديه». فهذا الحديث الخامس من باب الاحتجاج. وهذا الحديث هو: عن عدة من اصحابنا عن سهل بن زياد عن أحمد بن محمد بن ابي نصر عن ابي المغرى عن عبيد من زرارة «والكلام في سهل بن زياد»: عن أبي عبد الله ع قال: «إني ذات يوم عند زياد بن عبد الله إذ جاء رجل يستعدي على أبيه، فقال: اصلح الله الأمير، إن أبي زوج ابنتي بغير إذني، فقال زياد لجلسائه الذين عنده، ما تقولون فيما يقول الرجل؟ فقالوا: نكاحه باطل، قال ثم اقبل عليّ: قال: ما تقول يا أبا عبد الله؟ فلما سألني، أقبلت على الذين أجابوه فقلت لهم: الست ترون أنتم عن رسول الله إن رجلاً جاء يستعديه على أبيه في مثل هذا فقال له رسول الله أنت ومالك لأبيك؟ قالوا: بلى. فقلت له: كيف يكون هذا وهو وماله لأبيه ولا يجوز نكاحه؟!. قال: فأخذ بقولهم وترك قولي». ظاهر الرواية ان الإمام احتج عليهم بالرواية لا انه يريد ان يقول بأن هذا هو مفاد الرواية. فتكون معارضة فلا يصح الاستدلال“.

الرواية الخامسة: ما ورد في الوقف «ج19، ص178، باب4، حديث1» من الوسائل. وقد تمسك بها الشيخ «قده» قال بأنها أوضح الروايات على إطلاق ولاية الأب. محمد بن يعقوب، عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم، عن العلاء بن رزين عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر أنه قال: «في الرجل يتصدق على ولده، وقد أدركوا، قال ع: إذا لم يقضبوا حتى يموت فهو ميراث، فإن تصدق على من لم يدرك من ولده فهو جائز «يعني نافذ» لان ولده هو الذي يلي أمره». فيقول شيخنا الأستاذ «قده»: مقتضى إطلاق هذه العبارة بأن الأب له الولاية المطلقة. هل أن للأب الولاية على الطفل وشؤونه وأمواله ام لا؟ يقول: نعم، هذه العبارة مطلقة: «لأنّ والده هو الذي يلي أمره».

ويلاحظ على هذا الاستدلال: بان ظاهر الرواية المفروغية عن الولاية، فهو ليس في مقام بيان الولاية كي يتمسك بإطلاقها. فظاهرها: المفروغية عن ثبوت الولاية في رتبة سابقة، فالتعليل بها ظاهر في ثبوتها في رتبة سابقة، وليس الإمام الآن في بيانها، فبما انه ليس في مقام بيانها وإنما في مقام التعليل بما هو مفروغ عنه في رتبة سابقة، فلا يصح التمسك بإطلاقها لإثبات نفوذها حتى في فرض عدم المصلحة، او حتى في فرض التصرف في جسم الطفل وما شابه، مما لا ينعقد للطفل في ذلك مصلحة دينية او دنيوية. فإذا شككنا لمن ينعقد انها في مقام البيان.

الرواية السادسة: معتبرة سعيد بن يسار، «الوسائل: ج17، ص264، باب 78 من ابواب ما يكتسب به، حديث4»: وعنه عن عثمان بن عيسى عن سعيد بن يسار قال: قلت لأبي عبد الله : «أيحج الرجل من مال ابنه وهو صغير؟ قال: نعم، قلت: يحج حجة الإسلام وينفق منه؟ قال: نعم، بالمعروف. ثم قال: نعم يحج منه وينفق منه، إنّ مال الولد للوالد وليس للولد أن يأخذ من ماله والده إلا بإذنه».

بينما الوالد يأخذ من مال ولده ويحج به حجة الإسلام ويعتبر حجه. ولسان هذه الرواية لسان النبوي السابق وهو «حديث1 من نفس الباب» صحيحة محمد بن مسلم «أنت ومالك لأبيك».

وتؤيدها رواية ابن أبي يعفور «حديث7 من نفس الباب» في الرجل يكون لولده مال، فأحب ان يأخذ منه؟ قال: فليأخذ، وإن كانت أمّه حيّة فما أحُبُّ أن تأخذ منه شيئاً إلا قرضاً على نفسها». وأيضاً «حديث9 من نفس الباب» محمد بن علي بن الحسين في عيون الأخبار وفي العلل بأسانيد تأتي عن محمد بن سنان أن الرضا : كتب اليه ما كتب في جواب مسائله: «وعلة تحليل مال الولد لوالده بغير إذنه وليس ذلك للولد، لأن الولد موهوب للوالد في قوله عز وجل ﴿يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ، مع أنه المأخوذ بمؤونته صغيراً وكبيراً، والمنسوب اليه والمدعو له، لقوله تعالى ﴿ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ، ولقول النبي : أنت ومالك لأبيك، وليس للوالدة مثل ذلك، ولأن الوالد مأخوذ بنفقة الولد ولا تأخذ المرأة بنفقة ولدها».

وقد أجاب بعض الأجلّة: بأن هذه الروايات أجنبية عن محل الكلام، لأنّ مفاد هذه الروايات: تصرف الأب في مال الولد بالإنفاق على نفسه، ومحل كلامنا في ولاية الأب على مال الطفل في أن يصرف على الطفل بدون مصلحة. فما هو محل البحث: هل للأب ولاية على مال الطفل ببيع او بإجارة وإن لم يكن هناك مصلحة بل يكفي عدم المفسدة؟ هذا هو محل البحث. بينما مفاد هذه الروايات: هل يجوز أن يصرف الأب على نفسه من أموال طفله بدون إذن من أحد؟ فهذه اجنبية عن محل كلامنا.

أقول: لولا اشتمالها في سياقها على التعليل، لقلنا بما قاله المحقق الإيرواني: من أن مفاد هذه الروايات حكم تعبدي وهو أن للأب أن ينفق على نفسه من مال ولده، وليست ناظرة لمسألة الولاية، ولكن المفروض ان الرواية ناظرة الى التعليل، في قوله: «إن مال الولد للوالد» ظاهره: انه يبين كبرى، يعني مال الولد ينزل منزلة ملك الوالد، فكما ان الإنسان يتصرف في ملكه وإن لم يكن هناك مصلحة، فكذلك تصرف الولد في مال الولد.

فظاهرها: جعل الولاية لا انه مجرد جواز الانفاق تعبداً، ولذلك علّل الإمام : بأن الولد موهوب للوالد، فكأن مقتضى هبته للوالد أن الولد ملكه، فما لملكه ملكه ايضاً. فكما يتصرف السيد في مال العبد بما يريد لأن العبد ملكه ومال ملكه، ملكه أيضاً، فكذلك بالنسبة الى الولد.

ولكن ذكرنا فيما سبق: أن هذا النوع من الروايات معارض بالروايات الأخرى، بان هذا القسم معارض من الروايات يعارضه قسم بروايات أخرى مؤيدة.

كحديث علي بن جعفر «حديث6، من نفس الباب» عن أبي إبراهيم ، قال: «سألته عن الرجل يأكل من مال ابنه؟ قال: لا، الا ان يضطر اليه فيأكل منه بالمعروف، ولا يصلح للولد ان يأخذ من مال والده شيئا الا بإذن والده». فقيدها بفرض الاضطرار.

وأيضاً رواية الحسين بن العلاء التي مرّت أمس: حيث قال فيها: «ما يحل للرجل من مال ولده؟ قال: قوته بغير سرف اذا اضطر اليه أيضاً».

وأيضا رواية ابن سنان «حديث 3 نفس هذا الباب»: قال: «سألته ماذا يحل للوالد من مال ولده؟ قال: أما اذا انفق عليه ولده بأحسن النفقة فليس له أن يأخذ من ماله شيئاً، وإن كان لوالده جارية للولد فليس له ان يطأها الا ان يقومها قيمة تصير للولد قيمتها عليه».

فأيضاً توجد قيود في التصرف. فكيف نجمع بين القسمين بين هذين القسمين من الروايات. فقسم واضح الدلالة: أن مال الولد بمنزلة الملك للوالد يتصرف فيه. وقسم يقول: قوته بغير سرف، او اذا اضطر اليه؟. فقد يقال: بأن ما دلَّ على القيوم «التقييد بالاضطرار والقوت» مخالف للسنة القطعيّة، حيث إن ما دلَّ على ان مال الولد للوالد مما ورد في كتب الفريقين مشتهراً مستفيضاً، فهو بمثابة السنة القطعية، فيطرح ما خالفه.

بالنتيجة: نتمسك بإطلاق «إن مال الولد للوالد»، «انت ومالك لأبيك». فإذا لم يثبت إعراض المشهور عن هذه الروايات المطلقة، فوصول هذه الروايات المطلقة لحد التواتر بحيث تصل الى سنة قطعية غير تام. لم تصل الى هذا الحد بحيث تصل الى سنة قطعية يطرح ما يعارضها.

والنتيجة: هي التعارض بين الطائفتين، ونتيجة التعارض يكون المرجع أصالة عدم الولاية على التصرف، ونقتصر في الخروج على اصالة عدم الولاية بمقدار ما اذا كان في تصرفه مصلحة. إذن فلم يثبت على مستوى الروايات رواية دالة بإطلاقها على أن للأب ولاية مطلقة حتى نتمسك بها في فرض عدم المصلحة.

والحمد لله رب العالمين.