درس الفقه | 096

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

ما زال الكلام حول المسالك المختلفة في باب التزاحم. وقد ذكرنا فيما سبق: ان المحقق الخراساني «قده» يرى ان المشكلة في مرحلة الفعلية. بمعنى: ان إطلاق التكاليف كقوله «انقذ النفس المحترمة» وقوله «أزل النجاسة عن المسجد» إطلاق التكاليف لفرض اجتماع الموضوعين موجب لطلب غير المقدور فيقع التعارض. فالمشكلة بنظره في أصل فعلية الحكمين معاً. وعلى مبنى النائيني «قده»: انه ليست هذه المشكلة، فلا مشكلة في فعلية التكليفين معاً إنما المشكلة في عرضية الفعلية لا في اصل الفعلية، فكون ازل النجاسة، وانقذ الغريق. في عرض واحد في مرحلة الفعلية، نعم هذا مشكل، لقصور قدرة المكلف للجمع بين الامتثالين، فلا محالة أحدهما غير فعلي في هذا الفرض، أما لو كانت فعلية أحدهما في طول فعلية الآخر فلا مشكلة، فلو قال المولى: انقذ الغريق فإذا عصيت فأزل النجاسة، فكانت فعلية الثاني في طول فعلية الاول فلا مشكلة.

إذن ما دامت المشكلة ليست في اصل الفعلية وانما في عرضة الفعلية فلا حاجة للذهاب للتعارض، اذ يكفي في حل المشكلة القول بالترتب، والقول بالترتب ليس تقييدا حتى نحتاج الى مؤونة بل هو مقتضى الإطلاق، فنقول: مقتضى تقييد الأدلة بالقدرة ارتفاع المحذور، اذ بعد ان قيدت الأدلة بالقدرة، وحينئذ لو اشتغل المكلف بالأهم لم يكن قادرا على المهم فارتفع التكليف بالمهم بارتفاع موضوعه، فأي مشكلة في ذلك؟ اذن يكفي المولى في رفع هذه المحاذير ان يقيد تكاليفه بالقدرة، فمتى ما قيد تكاليفه بالقدرة ترتفع مشكلة التزاحم، لان المكلف بالنتيجة ذو قدرة واحدة، إن صرفها في الأهم صار عاجزاً عن المهم ان صرفها في المهم عوقب على ترك الاهم، وان كانا متساويين فأي نحو يصرف القدرة فيه كان التكليف الآخر مرتفعا في حقه، فلا يحتاج المولى الى ان يقيد او يعمل مؤونة ما، يكفيه في رفع مشكلة التزاحم هو التقييد بالقدرة، ونفس هذا التقييد بالقدرة يثبت الترتب.

لكن السيد الشهيد وشيخنا الاستاذ قالوا لا ترتفع المشكلة بمجرد التقييد بالقدرة، لان القدرة التي هي قيد عقلا في التكاليف هي اصل القدرة على المتعلق، وأما القدرة على الجمع بين الامتثالين فليست داخلة في التكاليف أي ليست قيداً في التكليف، فكيف ترتفع المشكلة، بل ترتفع المشكلة لو ادعينا ان التكاليف مقيدة بالقدرة التامة ومنها القدرة على الجمع بين الامتثالين، وهذا لا موجب له، بل غاية ما يقتضيه حكم العقل بقبيح تكليف العاجز هو ان كل تكليف مقيد بالقدرة على متعلقه في حد ذاته، فاذا حصل التزاحم فالمكلف قادر على كل منهما في حد ذاته، فهو قادر على إزالة النجاسة في حد ذاته، او انقاذ الغريق في حد ذاته، فمقتضى ذلك ان كلا التكليفين فعلي. فترجع المشكلة مرة أخرى. فمجرد التكاليف في القدرة لا يحل المشكلة، لان الشرط: القدرة على اصل المتعلق، والقدرة على اصل المتعلق حاصلة بالوجدان في موارد التزاحم، لان المكلف لديه قدرة واحدة، فهو قادر على ان يصرفها هنا او هاهنا، فرجعت فعلية التكاليف مرة أخرى.

إذن لابد من إضافة قيد آخر لحل المشكلة وهو ان يقال: قام بناء العقلاء على أنه مضافا الى تقييد التكليف بالقدرة على اصل المتعلق: أن لا تصرف القدرة فيما لا يقل أهمية. فإذا صرفت القدرة فيما لا يقل أهمية إما لأنه اهم، او لانه مساوي، فاذا صرفت القدرة فيما لا يقل اهمية التكليف بهذا ليس فعلياً في حقك بمقتضى القيد الثاني، لأجل ذلك نقول: اذا تزاحم المهم والأهم بأن وقع التزاحم بين وجوب الصلاة في ضيق الوقت وبين انقاذ الغريق فالعقلاء لا يقولون بان التكليف مشروط القدرة لان القدرة موجودة، فلابد ان يقول العقلاء لرفع المشكلة ان التكليف بالصلاة مشروط بأن لا يصرف القدرة فيما لا يقل اهمية، فاذا صرف القدرة في انقاذ الغريق لم يكن التكليف بالصلاة فعلياً في حقه. وأما اذا لم يصرف القدرة في انقاذ الغريق صار التكليف بالصلاة فعلياً في حقه، فهو فعلي في فرض عدم صرف القدرة في الآخر وهو معنى الترتب.

المسلك الرابع: ما ذهب اليه السيد الأستاذ «دام ظله» وهو يبتني على امور:

الأمر الاول: الفرق بين الترتب الآمر والترتب المأموري. فالترتب الأمري: هو عبارة عن علاج مولوي يقوم به المولى في رتبة سابقة. والترتب المأموري: هو عبارة عن حكم العقل بعلاج التزاحم بعد وقوعه، لا في رتبة سابقه عليه. فإذا قلنا بأن الأدلة «أدلة الأحكام» ناظرة لأدلة التزاحم، أي ان المولى من اول الأمر لديه تخطيط فيقول: اذا اصدرت امرا بإزالة النجاسة واصدرت امراً بانقاذ الغريق وقد يحصل تزاحم بينهما، إذ قد يحصل قصور في قدرة المكلف عن الجمع بينهما، فعلاج المولى له قبل ان يقع يسمى «بالترتب الآمري» لانه علاج في رتبة سابقة على التزاحم، وبهذا العلاج اصلا يرتفع التزاحم فلا يقع، فعندما ننظر الى النذر وحق الزوجية، لو أن المرأة نذرت قبل ان تتزوج ان تزور الحسين في أول رجب، ثم تزوجت قبل أول رجب، فقال الزوج بأن هذا لا يمكن يتعارض مع حقي. فإذن بين الوفاء بالنذر وبين عدم جواز الخروج إلا بإذن الزوج، بين هذين الحكمين، فإذا المولى متلفت من أول الأول وعالج التعارض، وقال: اشترط في نفوذ النذر ان يكون مقدوراً شرعاً حين العمل، وأما بالنسبة الى وجوب التمكين او حرمة الوجوب فهو مطلق غير مقيد. فهو قد عالج التنافي بين الحكمين في رتبة سابقة، وهذا معناه انه في طول هذا فلا يقع تزاحم بينهما. هذا الترتب الآمري.

أما اذا قلنا بأن أدلة التكاليف ليست ناظرة لهذه الفروض، فهو عندما يقول: ازل النجاسة من المسجد، نظره لنفس هذا المضمون مع غمض النظر عن ابتلائه بمزاحم تكليف آخر، وكذلك اذا قال: انقذ الغريق، فالمولى لم يكن في مقام البيان من جهة فروض التزاحم، ولا نظر له اليها، فاذا وقع التزاحم، وحيث إن المولى لم يعالج هذا التزاحم في رتبة سابقة، فقال لي انقذ الغريق، وانا قادر على انقاذ الغريق في نفسه، وقال لي: ازل النجاسة عن المسجد، وانا قادر على إزالة النجاسة في نفسه، لكن المشكلة عندي وليست عند المولى وهو انه لا استطيع الجمع بين الامتثالين، فهنا يأتي دور الترتب المأموري، وهو ما يحكم به العقل لعلاج هذا التزاحم الذي حصل للمكلف وبهذا الحكم العقلي يرتفع التنافي بين التكليفين في مرحلة الفعلية، فالحكم العقلي لعلاج التزاحم بعد وقوعه في مرحلة الفعلية يسمى الترتب المأموري، فما هو مضمون الترتب المأموري؟

حيث ذهب المحقق النائيني ان الترتب المأموري هو عبارة عن التمسك بالاطلاق لا اكثر من ذلك. وذهب السيد الشهيد وشيخنا الاستاذ الى ان الترتب المأموري عبارة عن اعتبار قيد آخر في التكليف وهو ان لا تصرف قدرتك فيما لا يقل أهمية.

والسيد الأستاذ «دام ظله» يقول لا نحتاج الى ما تكفله البعض وهو انه يحتمل العقلاء من إضافة قيد آخر الى شرط القدرة وهو ان لا تصرف قدرتك في واجب لا يقل أهمية، بل يمكن القول: بان مقتضى متمم الجعل التطبيقي في المقام هو حصول الترتب بأسهل مؤونة.

الأمر الثاني: ان هناك كبرى وصغرى: أما الكبرى، فهي قاعدة الاضطرار، التي هي قاعدة عقلائية قبل ان تكون شرعية، وقد عبّر عنها المشرع بقوله: «رفع عن امتي ما اضطروا اليه»، و«ما من شيء حرمه الله إلا وقد احله لمن اضطر اليه» فحلية ما يضطر المكلف اليه عقلائية وشرعية. هذا كبرى مسلمة لا يشك فيها احد.

وعندنا صغرى: وهي ان المكلف في المقام قطعا لترك أحدهما، قطعا المكلف في محل الكلام وهو فرض قصور القدرة في الجمع بين الامتثالين قطعا لترك أحدهما فباب التزاحم هو في الواقع صغرى لكبرى حلية المضطر اليه وليس شيئا جديداً، فبعد توفر الكبرى والصغرى، الكبرى: ان يحل لك ما اضطررت اليه، وصغرى: انت مضطر لترك احدهما. فنحتاج الى متمم جعل، متمم لهذه الكبرى، لكن هذا المتمم في مقام التطبيق، أي ما هو المضطر اليه دون الآخر؟

فهنا يوجد حكم عقلائي او عقلي هو بمثابة متمم جعل تطبيقي، يعني متمم الجعل في مرحلة التطبيق، وهذا الحكم يقول: إن كانا متفاوتين، أهم ومهم، فأنت مضطر لترك المهم، لا لترك الأهم، فلابد ان تصرف القدرة في الاهم. وان كانا متساويين فليسا هناك تكليفان كما ذهب اليه النائيني والسيد الصدر. تكليفان: انقاذ الغريق، وانقاذ الحريق. إزالة النجاسة عن المسجد وإزالة النجاسة عن المصحف.

او عندما يقول مثلا: ازل النجاسة عن المسجد إن لم تصل النجاسة عن المصحف او بالعكس.

فالسيد الاستاذ يقول: ليس عند العقلاء هكذا. في مثل هذه الموارد يقولون: ان مكلف بالجامع، لانك مضطر لترك الجامع، انت مضطر لترك احدهما فأنت مكلف بأحدهما ليس شيئا آخر، لا أن هناك تكليفين كل منهما مشروط بترك الآخر. فهذا يسمى متمم جعل تطبيقي.

الأمر الثالث: إن مقتضى هذا البيان: أن التكليف مشروط بالقدرة التامة لا القدرة على المتعلق في حد نفسه، لأنكم التزمتم بقاعدة الاضرار، قلتم ان التكليف يرتفع حال الاضطرار. هذا تقييد عقلائي وتقييد شرعي. ووجود الأهم يعني أنك مضطر لترك المهم، إذن لا تكليف في المهم، وهذا ما قاله المحقق النائيني، حيث قال: بأن حكم العقل بصرف القدرة في الاهم وارد على التكليف بالمهم. إذن بالنتيجة يمكن تصحيح كلام الميرزا النائيني بلا حاجة الى ان ندعي أن هناك تقييداً آخر عند العقلاء وهو ان لا تصرف قدرتك في واجب ان لا يقل اهمية، بأن نقول النائيني يقول بعد تسلميكم بقاعدة الاضطرار، وانه لا تكليف في الاضطرار وان حكم العقل يقول انك مضطر لترك المهم ما دام يوجد اهم، فحكم الشرع بان لا تكليف في الاضطرار، وحكم العقل بأنك مضطر لترك المهم، يعني ان التكليف بالمهم مشروط بالقدرة التامة، يعني القدرة على امتثاله حتى حين ابتلاءه بمزاحمة الأهم.

فلأجل ذلك: لا فعلية للتكليف بالمهم ما دام العقل حاكما بصرف القدرة في الاهم. فاذا عصيت حكم العقل فحينئذٍ يقول العقل: بما ان الأهم لم يحصل منك، أي بما ان الغرض الاهم ستفوته على كل حال، فانت في هذا الفرض لست مضطرا لترك المهم ما دمت لم توفي الغرض الأهم فلست حينئذٍ مضطرا لترك المهم، فعليك بفعل المهم. إذن يمكن تصحيح كلام المحقق النائيني: بان نقول: لا تجتمع التكاليف في الفعلية حتى يرد الإشكال لان القدرة الدخيلة في التكليف القدرة التامة التي منها القدرة على الجمع بين الامتثالين بعد الالتفات الى كبرى حلية المضطر والى متمم الجعل التطبيقي وهو حكم العقل بلزوم صرف القدرة في الأهم وانك مضطر لترك المهم.

نعم، نختلف مع النائيني في المتساويين، حيث إن النائيني يرى وجود تكليفين كل منهما مشروط بالآخر، ونحن لا نقول: لا معنى لوجود تكليفين مع تساويهما وعدم قدرة المكلف على أحدهما، بل لا يوجد الا تكليف بالجامع وانت مخير.

الأمر الرابع: تظهر الثمرة بين هذه المسلك والمسالك السابقة في مسألة تعدد العقوبة، حيث إنه على المسالك السابقة، النائيني ومسلك السيد الصدر وشيخنا الاستاذ: انه اذا افترضنا ان المكلف وقع في البحر وكان امامه الف غريق نفس محترمة، فالنائيني يقول: يوجد الف تكليف عندنا. فخرجت من البحر، فيقول النائيني ان المكلف بخروجه من البحر ارتكب الف تكليف، لان كل واحد صار فعليا بترك الآخر، ومقتضى فعلية الجميع استحقاق العقوبة على مخالفة الجميع، هذا من لوازم هذا المبنى، وهذا من لوازم ان لا يصرف قدرته في واجب لا يقل أهمية. فهو لم يصرف قدرته في الاول فالتكليف في الثاني فعلي في حقه، ولم يصرف قدرته في الثاني فالثالث فعلي في حقه، وهكذا. وهذا مما لا يقبله البناء العقلائي جزما، إذ يقولون: لم يرد على المولى منك إلا غرض واحد، واما فوات الأغراض البقية فهو فائت على المولى على كل حال، ففوت غرض المولى المستند اليك غرض واحد، واما فوت الاغراض البقية فهو على كل حال حاصل تصديت للامتثال ام لم تتصدى، فبما ان فوت الغرض المستند اليك واحد على كل حال لأنك لا تقدر الا على تحقيق غرض واحد على كل حال فما هو الموجب لتحميلك عقوبات عديدة؟!

إذن فنفس هذا إباء المرتكز العقلائي لتعدد العقوبة منبه على المرتكز العقلائي في موارد التساوي لا يرى الا تكليفا واحداً. إذن فهذا منبه على ان البناء العقلائي يرى التكليف بالجامع، ومقتضى ذلك انه لو لم يصرف قدرته في أي شيء فقد فوت غرضا واحدا فاستحق عقابا واحداً وهذا ما جعل السيد الشهيد ان يضيف الى مبانيه نكتة اخرى، وهي: التفكيك بين الفعلية واستحقاق العقاب.

يقول: صحيح التكاليف فعلية اما لا تستحق العقاب. لان فوت الاغراض لم يستند اليك. فاضطر الى إضافة هذه النكتة.

أما شيخنا الاستاذ فقد التزم بتعدد العقوبة صريحاً، كما التزم به السيد الخوئي «قده». يقول بان التكاليف فعلية، فأنت خالفت الف تكليف. وكذلك في موارد تزاحم الأهم والمهم، فإنك إن لم تصرف قدرتك في الأهم لزمك أن تصرفها في المهم، فلو لم تصرف قدرتك في المهم وعصيت، فقد خالفت تكليفين فاسحققت عقوبتين لفعلية كلا التكليفين.

وأما في تزاحم الأهم والمهم فيقول: بان البناء العقلائي لا يرى الا انك فوت غرضا واحدا، وحيث إن النسبة بين الغرض المهم والغرض الأهم هي الاشتداد، أي ان الغرض الأهم اشد وأقوى، فبالتالي لا يترتب عليك عقوبة الى على تفويت الغرض الأشد والغرض الأهم، لا اكثر من ذلك.

المسلك الخامس: ما ذهب اليه السيد الإمام «قده» في تهذيب الاصول، وبيان مطلبه أمور:

الأمر الاول: أن هناك فرقاً بين الخطاب الشخصي والخطاب القانوني، فالخطاب الشخصي كما لو قلت لولدك: اشتري اللحم، فهذا منوط بالقدرة، اذ ما لم يكون قادراً فتكليفه بذلك مستهجن، ولذلك يقال للاعمى استهل هذه الليلة يكون استهزاء عند العقلاء وليس تكليفاً، فالتكاليف الشخصية الخارجية منوطة بالقدرة.

اما التكاليف القانوية، بان يصدر المولى تكليفا عاماً، على المواطن ان يدفع الضريبة عند دخوله البلده او خروجه، فهذا تكليف قانوني. يقول: التكاليف القانونية غير مشروطة بالقدرة اصلا، كل بحثكم من الآخوند الى المتأخرين كله مبني على ان التكاليف مشروطا بالقدرة. التكليف ليس مشروطا بالقدرة اساساً، فهذا البحث لاغي، لا داعي له.

فإن التكليف القانوني ليس الغرض منه إلا جعل طبيعي الفعل في ذمة طبيعي المكلف، فطبيعي المواطن مخاطب بطبيعي الضريبة عند الدخول، وليس منظوراً فيه كل مواطن مواطن فإن التكاليف القانونية لوحظ فيها طبيعي المكلف بالنسبة الى طبيعي المكلف، لأن المولى يعلم بأنه لا محالة في جملة المواطنين من يحقق هذا الغرض. فالمدار عنده على طبيعي المكلف به بالنسبة الى طبيعي المكلف، فإن هذا محقق لغرضه. إذن هذا التكليف في حد ذاته مطلق وغير مقيد بالقادر وليس مستهجنا عند العقلاء.

الأمر الثاني: مقتضى مبناه من ان التكاليف غير مشروطة بالقدرة ان لا انحلال للتكاليف. ان لا انحلال في مرحلة الجعل، وانما الانحلال في مرحلة الفعلية وهذا ما سلم به السيد الصدر في التكاليف المطلقة لا في التكاليف العامة، فإن المولى اذا قال: يجب على المواطن ان يدفع الضريبة، فهل اصدر المولى تكاليف عديدة بعدد افراد المواطنين حتى يلتزم في الانحلال في مرحلة الجعل كما يذهب اليه سيدنا الخوئي «قده»؟ ام لم يصدر الا تكليفا واحدا بحق الطبيعي بالنسبة الى الطبيعي؟ ما يفهمه العقلاء هو الثاني وليس الاول، فلا يوجد انحلال في مرحلة الجعل، غاية ما في الباب أنه إذا صار الطبيعي فعليا بفعلية موضوعه يعني وجد مواطن، فبعد وجود المواطن صار ذلك التكليف فعليا بفعلية موضوعه، فيتعدد التكليف في مرحلة الفعلية والتطبيق، وإلا في مقام الجعل كان تطبيقاً واحداً.

الأمر الثالث: احراز العجز مانع من التنجز لا القدرة. لأن استحقاق العقوبة للعاجز قبيح عقلاً، لذلك في بحث الشك في القدرة يقول العلماء اذا شككت في القدرة بمعنى: لو كلفت بدفن الميت، ولا ادري انني قادر على دفن الميت لان الثلج يهطل من السماء، ولا ادري انني مع نزول الثلج قادر على حفر الارض ام لا؟ فمع الشك في القدرة، فيقولون: مع الشك الأصل القدرة. فيقول السيد الإمام ان هذا تهافت. فقولوا من الأول ان التكليف ليس مشروطاً بالقدرة، فإذا شك في القدرة فالتكليف فعلي في حقه ما لم يحرز العجز، فإذا احرز العجز كان إحراز العجز مانعاً من تنجز التكليف، أي مانعا من عقوبته، وإلا التكليف فعلي في حقه، لا تحتاجون الى دعوى اصالة القدرة، لان التكليف اساساً ليس مشروطاً بالقدرة.

والحمد لله رب العالمين.