درس الفقه | 100

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

كان الكلام في حكم الخروج من الدار المغصوبة وأن التوبة هل ترفع حكمه أم لا؟ وذكرنا أن هناك طرقا لإثبات رفع التوبة لحكم الخروج. ووصل الكلام الى:

الطريق الثاني: وهو ما ذكره السيد الاستاذ «دام ظله»: أن مقتضى إطلاق دليل الاضطرار «ما من شيء حرمه الله وقد أحله لمن اضطر اليه» شموله لمن اضطر للخروج من الدار المغصوبة، ولا يمنع من الشمول الا إذا كان المكلف ممن لم يتب، فإذا كان مصراً على المعصية، فإن دليل الاضطرار لا يشمله، لوروده مورد الامتنان، ولم يحرز أن المكلف المصر على المعصية مورد للامتنان، ولكن إذا تاب فلا مانع من شمول اطلاق دليل الاضطرار له ومقتضى الشمول ان خروجه ليس موردا للعقوبة بل ليس متصفا بالمبغوضية.

ولكن يلاحظ على كلامه «دام ظله»:

أولاً: إنّ المانع من شمول دليل الاضطرار لمن دخل الدار المغصوبة بسوء الاختيار ليس هو ورود الدليل مورد الامتنان كي يقال انه إذا تاب صار موردا للامتنان، وانما عدم صدق الاضطرار اليه، لا نحرز انه مضطر، اذ بعد تمكنه من عدم دخول الدار ومع ذلك دخل بسوء اختياره، فصدق انه مضطر للخروج هذا اول الكلام، نظير من يرمي انسان من اعلى شاهق، فاذا رماه من اعلى شاهق قبل ان يصل ذاك الانسان إلى مرحلة الموت يقول: أنا تبت الآن، فهل يشمله دليل الاضطرار؟ كلا لا يشمله دليل الاضطرار، مجرد انه تاب لا يشمله دليل الاضطرار، إذ لا يحرز انه مضطر بعد ان كان متمكناً امتثال هذا التكليف. أو إن إنساناً دخل في فرج امرأة محرمة عليه، وبعد ان أدخل تاب!، فهل يشمله دليل الاضطرار بعد توبته؟!، كلا. إذن عدم شمول دليل الاضطرار لمثل هذه الموارد لا لمشكلة في السياق، وهي الامتنان، بل المشكلة في صدق عنوان انه مضطر ولا يحرز صدق هذا العنوان عليه حتى بعد توبته.

ثانياً: لو فرضنا ان دليل الاضطرار يشمله، فيقال: هذا مضطر لأن يقتل فلان، أو لأن يزني؟ فإن غاية ذلك ارتفاع العقوبة وأما ارتفاع المبغوضية فلا؛ حيث لا يستفاد من ادلة التوبة بمقتضى الارتكاز المتشرعي ارتفاع المبغوضية؛ فإن قوله : «التائب من الذنب كمن لا ذنب له»، غاية ما يستفاد منه حسب المرتكز المتشرعي ان لا عقوبة عليه بعد توبته، أما ان العمل يخرج عن المبغوضية فهذا مما لا يستفاد من ادلة التوبة، فإن المرتكز المتشرعي يرى ان الغصب مبغوض وإن اضطر إليه وتاب منه، أو أن الزنا مبغوض وإن اضطر اليه وتاب منه، أو ان قتل الآخر مبغوض وإن اضطر اليه وتاب منه. فإذن بالنتيجة: مجرد انه تاب فشمله دليل الاضطرار هذا لا يرفع المبغوضية فإن هذا الادلة محفوفة بالمرتكز المتشرعي الذي يرى أن هذا العمل مبغوض ما دام قد صدر منه بسوء اختياره، فاضطراره بعد ذلك أو توبته بعد ذلك لا ترفع مبغوضية العمل، فإذا كانت الثمرة من هذا البحث رفع العقوبة، أي ان خروجه لا عقوبة فيه فصحيح. وأما إذا كانت الثمرة من هذا البحث تصحيح الصلاة المقترنة بالخروج، فإن الخروج لا يخرج عن كونه مبغوضاً بشمول أدلة التوبة له، أو شمول أدلة الاضطرار له.

"يقولون بأن هذا مدلول عرضي، وليس مدلول طولي، الدليل الدال على المطلوبية دال على المحبوبية في عرضه، الدليل الدال على الحرمة دال على المبغوضية في عرضه، فلو ارتفعت الحرمة لعدم توفر شرط، يقولون، نعم. اما لو ارتفعت الحرمة لمانع يقتضي عدم الحرمة، يقولون: ارتفاع الحرمة لأجل وجود المانع لا يرفع دلالة الدليل على المبغوضية أو المحبوبية. مثلا لو افترضنا ان انسان بواجب معين فارتفعت فعليته لا لأجل انتفاء المقتضي ولا لأجل توفر الشرط بل لعجزه، فيقولون عجزه لا يعني عدم محبوبية العمل. ففرق بين ارتفاع الحكم لعدم مقتضيه أو لعدم شرطه، وبين وجود المانع من امتثاله، فإنه إذا ارتفع لوجود المانع من تطبيقه أو امتثاله عرفاً هذا لا يرفع مبدأه من المحبوبية أو المبغوضية.

الطريق الثالث: بأن النهي عن الخروج حيث لا طريق لامتثاله إلا بترك الدخول، فمتى ما دخل الدار المغصوبة يعتبر انه عصى النهي عن الخروج، اذ لا طريق لامتثال النهي عن الخروج إلا بترك الدخول، فمتى ما دخل يعتبر عصى النهي عن الخروج، فالتوبة حينئذ، ليست توبة عن ذنب يأتي وإنما عن ذنب وقع، إذ المفروض إن طريق امتثال النهي عن الخروج بأن لا يدخل، فإذا دخل قد ارتكب المنهي عنه، فالتوبة حينئذٍ ليست توبة عن ذنب آتي وإنما توبة عن ذنب وقع.

فإن قلت: بأنه لو فرضنا ان المالك إذن، بعد ان دخل المكلف الدار المغصوبة وارتكب مخالفة النهي عن الدخول، المولى إذن في التصرف، فهذا يكشف عن أن النهي عن الخروج لم يتوجه اليه من الاساس، وهذا يعني أن امتثال النهي عن الخروج ليس بترك الدخول، بدليل أنه في مورد إذن المالك بعد أن دخل قد عصى النهي عن الدخول ولم يعصي النهي عن الخروج، إذ المفروض ان المولى قد أذن.

قلنا: إن هذا من باب تغير الموضوع، لا من باب أن النهي عن الخروج له فرد مستقل غير ترك الدخول. إذن بما ان النهي عن الخروج لا طريق لامتثاله إلا بترك الدخول، فمتى ما دخل فقد عصى النهي عن الخروج، فإذا تاب فهو توبة عن ذنب وقع، فتصح منه التوبة، لكن لا ترفع مبغوضية العمل بحسب الارتكاز. هذا تمام الكلام في حكم الخروج.

الجهة الرابعة: حكم الصلاة. والكلام في الصلاة في مقامين: في سعة الوقت وفي ضيقه. كما ان الكلام في حكم الأداء وفي حكم القضاء.

فيقع البحث في مطالب ثلاثة:

المطلب الاول: في حكم أداء الصلاة في سعة الوقت.

فتارة: نقول بجواز اجتماع الامر والنهي كما هو الصحيح عندنا من جوازهما إذا كان النسبة بينهما نسبة العموم والخصوص من وجه. أو أن الصلاة لا تستلزم غصباً، فهنا لا اشكال من صحة صلاته حتى مع سعة الوقت وتمكنه من الصلاة التامة خارج الدار. فإنه لو أوقع الصلاة في الدار المغصوبة فإن صلاته صحيحة إما لمنع الكبرى أو لمنع الصغرى، إما للقول بجواز اجتماع الامر والنهي، وإما ان الصلاة لا تستلزم غصباً أساساً.

وأما إذا افترضنا اننا قلنا بامتناع اجتماع الامر والنهي وان الصلاة تستلزم غصباً، فتارة نقول كما هو مبنى السيد الخوئي «قده»: أن الصلاة إنما تستلزم الغصب في حال السجود فقط، لأن السجود بنفسه يتضمن الاعتماد على الأرض، والاعتماد على الأرض غصب وهو سجود؛ فإن تمكن من أن يصلي وان يسجد في غير الدار المغصوبة كما لو كان خارجاً فأتى بسائر افعال الصلاة ما قبل السجود وهو خارج، فلما وصل إلى حال السجود سجد خارج الدار المغصوبة، فلا اشكال.

وأما إذا لم يتمكن من ذلك فما هو حكم صلاته في سعة الوقت؟ هنا فرضان:

الفرض الاول: ان يكون مضطرا لهذه الصلاة، حيث إنه يدري انه حتى لو خرج من الدار المغصوبة فلم يتمكن الصلاة الاختيارية ولو خوفه من السبع مثلا، اذن سواء بقي في الدار المغصوبة أو خرج من الدار المغصوبة، على اية حال لم يتمكن من الصلاة الاختيارية، فهو مضطر لهذه الصلاة الإيمائية على كل حال. إذا كان مضطرا للصلاة الإيمائية يصلي ايماءً.

الفرض الثاني: لو خرج لتمكن من الصلاة الاختيارية ولو بإدراك ركعة من الوقت. فهل يصح له ان يصلي في الدار المغصوبة؟ أم لا؟

فهن حالتان: الحالة الاولى: ان لا تستلزم الصلاة تصرفا زائدا على الخروج، كما انه لا يمكنه الخروج الا عبر سيارة، فإذا خرج من الدار عبر سيارة، صلى أم لم يصل لم تستلزم صلاته تصرفا زائدا على ما هو الخروج المضطر اليه. فإن كان الخروج غير مبغوض _كما ذهب اليه السيد الخوئي والسيد الأستاذ_ للاضطرار أو للتوبة، بناء على ان التوبة ترفع المبغوضية، فصلاته صحيحة. أمّا إذا كان الخروج مبغوضا لعدم تأثير التوبة ودليل الاضطرار في رفع المبغوضية، أو كانت الصلاة حال الخروج مستلزمة لتصرف زائد فالصلاة حينئذٍ فاسدة لا محالة. هذا تمام الكلام في حكم الصلاة في سعة الوقت.

أما الصلاة في ضيق الوقت: فلابد من التفصيل بين التوبة وعدمها، فإن قلنا بأن التوبة تؤثر في رفع المبغوضية، فلا كلام حينئذٍ فإن الصلاة الإيمائية منه حال الخروج وحال ضيق الوقت متعينة في حقه وصحيحة.

وأما إذا افترضنا ان التوبة لا تؤثر في ذلك. فيأتي عنه الكلام غداً.

والحمد لله رب العالمين.