درس الفقه | 101

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

المطلب الثاني: وهو حكم الصلاة حال الخروج في ضيق الوقت. وهنا مسلكان:

المسلك الاول: أن يقال بجواز اجتماع الامر والنهي، فمن الواضح انه بناء على هذا المسلك تصح منه الصلاة الاختيارية.

المسلك الثاني: وهو عدم جواز اجتماع الامر والنهي، مع دعوى أن الصلاة الاختيارية متحدة مع الغصب ولو في السجود مثلا.

فبناءً على هذا المسلك لو أوقع الصلاة حال الخروج فكانت الحركات الصلاتية متحدة وجودا مع الخروج الغصبي، فحينئذ هل تصح الصلاة منه أم لا؟ فهنا فرضان:

الفرض الأول: فرض التوبة، انه تاب. فاذا قلنا بأن المكلف الذي دخل الدار المغصوبة بسوء اختياره قد تاب وكان للتوبة تأثير في ارتفاع مبغوضية الخروج، فلا محالة يتعين عليه الصلاة وتصح منه، غاية ما في الباب صلاته ايمائية، لأن مزاولة السجود أو الركوع وإن لم يكن فيهما غصب الا انهما مستلزمان للغصب، أي لنفترض ان نفس الركوع ليس غصبا أو ان نفس السجود ليس غصبا، لكنه بما انه يستلزم مكثاً أكثر فيستلزم غصباً أزيد، فلأجل ذلك يتعين عليه الصلاة الإمائية، لأنه عاجز عن الصلاة الاختيارية، ومنشأ عجزه عن الصلاة الاختيارية ان الصلاة الاختيارية تستلزم تصرفاً زائداً. فحيث ان الصلاة الاختيارية تستلزم تصرفا زائدا وهو منهي عنه، كان عاجزاً شرعا عن الصلاة الاختيارية، فيتعين عليه الصلاة الإيمائية، والصلاة الإيمائية المتحدة مع الخروج صحيحة، باعتبار أنه تاب والتوبة رفعت المبغوضية من الخروج.

الفرض الثاني: ان لا تحصل توبة بالمعنى الذي ذكرناه في الفرض الاول، وهنا مبنيان:

المبنى الاول: أن الصلاة الإيمائية لا تعد تصرفا عرفا في الدار المغصوبة. نفس حركة الخروج تصرف. أما مجرد أن يومأ براسه أو عينه أو يتكلم بفمه فليست تصرفاً. فإذا قلنا أن الصلاة الإيمائية لا تعد تصرفاً فصلاته صحيحة وإن كان خروجه مبغوضا لعدم توبته.

المبنى الثاني: كما أن الخروج تصرف فإن حركة الراس والعين في فضاء الغير تصرف. فبناء على ذلك لا بد من التعرض الى صورتين:

الصورة الأولى: ان لا توبة مع تأثيرها. يعني لو صدرت منه التوبة لكانت مؤثرة لكنه لم يتب. فمقتضى ذلك وجوب الصلاة عليه وان لم تصح منه، اما وجوب الصلاة عليه فلأنه متمكن من الصلاة الصحيحة بأن يتوب، فعناده عن التوبة لا يرفع قدرته، فيجب عليه الصلاة الصحيحة لأنه متمكن منها وذلك بالتوبة، لأنه لو تاب لكان الخروج غير مبغوض، ولكانت الصلاة الإيمائية المتحدة مع الخروج صلاة صحيحة. فتجب عليه الصلاة تكليفا وإن لم تصح منه وضعا لعدم التوبة.

الصورة الثانية: أنه تاب، لكن التوبة ليست مؤثرة في رفع المبغوضية وان كان مؤثرة في رفع العقوبة. فهو تاب، لكن الخروج لم ترتفع مبغوضيته. وهنا أقوال في المسألة:

القول الاول: صحة صلاته. وهو ما ذهب اليه السيد الخوئي «قده» في «ص65، ج13» وقال: حتى لو قلنا بأن التوبة في نفسها لا ترفع مبغوضية الخروج، لكن هذا المكلف في ضيق الوقت مخاطب بالصلاة. فاذا قلنا بأن المكلف في ضيق الوقت مخاطب بالصلاة أما للمرتكز المتشرعي بأن الصلاة لا تسقط بحال، أو لما ورد في المستحاضة: «ولا تدع الصلاة على حالٍ فإن الصلاة عماد دينكم». فبما أنه مخاطب بالصلاة مقتضى إطلاق الأمر بالصلاة لمثل هذا الحال عدم المبغوضية. إذ لا يحتمل أن يأمر بصلاة مبغوضة، فنفس إطلاق الأمر بالصلاة حاكم على أدلة حرمة الغصب، رافع لحرمتها ومبغوضيتها.

ويلاحظ على ما افاده «قده»: إن دليل عدم سقوط الصلاة، إما الارتكاز المتشرعي وهو لبي يقتصر على القدر المتيقن منه ولا يحرز شموله لفرض كون الصلاة غصبا. وأما ما ورد في المستحاضة، «ولا تدع الصلاة على حال فإنها عماد دينكم» فغاية ما يستفاد منه: توسعة المأمور به للطهارة الاضطرارية، حيث إن طهارة المستحاضة طهارة اضطرارية، فيقال: بأن الصلاة المأمور بها تشمل الصلاة بالطهارة الاضطرارية. وأما أن هذا الدليل يشمل الصلاة الغصبية أيضاً فممن لا يحرز اطلاقه لمثل ذلك، إذن بالنتيجة: لا دليل للأمر بالصلاة في مثل هذا الفرض كي كون حاكماً على دليل حرمة الغصب، رافعاً لمبغوضيته.

القول الثاني: أن يقال بسقوط الامر بالصلاة، حيث إن الامر بالصلاة مشروط بالقدرة والنهي عن الغصب معجز عرفي عن الصلاة، بل وارد على الأمر بالصلاة، خصوصا اذا كان هذا الوارد اهم الا وهو حرمة التصرف في مال الناس، فيكون المقام: نظير المكلف فاقد الطهورين، حيث قيل بسقوط الامر بالصلاة في حقه.

القول الثالث: ما يظهر من المحقق النائيني «قده»: إن المقام من باب التعارض فنجري فيه قواعد التعارض. أي دليل الامر بالصلاة ودليل لا تغصب. والسر في ذلك، يقول: انه حتى لو قلنا بجواز اجتماع الامر والنهي، وان الصلاة المتحدة مع المنهي عنه صلاة صحيحة. إلا انه في المقام لا يصح؛ لعدم وجود المندوحة.

يقول النائيني: إنما تدخل المسألة في جواز اجتماع الامر والنهي إذا كان هناك مندوحة، _أي كان هناك فرض آخر يتملص فيه المكلف من مثل هذين التكليفين_، فإنه إذا كان هناك مندوحة امكن الترتب، وإذا امكن الترتب امكن التزاحم، وإذا أمكن التزاحم قلنا بجواز اجتماع الامر والنهي.

أما اذا لم تكن هناك مندوحة فلا يمكن الترتب فلا يمكن التزاحم، فلا تدخل المسألة في باب اجتماع الامر والنهي. يقول مثلا: في الوضوء الغصبي، لو فرضنا ان استعمال ماء الغير في الوضوء هو غصب وهو وضوء.

وقلنا بجواز اجتماع الامر والنهي حتى في هذا الفرض «فرض التركيب الاتحادي»، أما لو لم يجد ماء غير هذا الماء المغصوب، فهل يصح له ان يقول له المولى: لا تغصب، فإن غصبت فتوضأ؟! يقول لا يمكن ذلك، لأنه اذا غصب إما ان يغصب بالوضوء أو يغصب بعمل آخر كأن يشرب الماء مثلا أو يتلفه. «لا تغصب فإن غصبت فتوضأ» فغصب الماء اما ان يتوضأ به أو يستخدمه باستخدام آخر، فإن كان المنظور الغصب ضمن الوضوء: فالأمر بالوضوء عند الغصب بالوضوء طلب للحاصل، فكأنه قال: لا تغصب فإن غصبت بالوضوء فتوضأ. وإن كان المنظور الغصب بعمل آخر كالشرب والاتلاف فيلزم طلب الضدين، بأن يقول لا تغصب، فإن غصبت الماء بإتلافه فتوضأ به.

إذن في الموارد التي ليس فيها مندوحة أي لا يوجد شق ثالث، لا يتصور الترتب، فلا يتصور التزاحم، واذا لم يتصور التزاحم حتى من يقول بجواز اجتماع الامر والنهي لا يقول بجواز اجتماع الامر والنهي في هذا المورد، بل يرى الدليلان متعارضان. فيجري قواعد باب التعارض. والمسألة من هذا القبيل. فإنه من الواضح ان من دخل الدار المغصوبة فليس لديه مندوحة الآن إلا ان يخرج، فحينئذٍ إذا صلى حال الخروج، هل يمكن للمولى ان يقول: لا تخرج يا عبدي لأن الخروج غصب، فإن غصبت فصلي. فإنه يقال: فإن غصبت بالصلاة أو بفعل آخر؟ فإن كان المنظور اليه بالصلاة، فيلزم من طلب الصلاة عند الغصب بها طلب الحاصل، وإن غصب بعمل آخر غير الصلاة فيلزم من طلب الصلاة عند التلبس بعمل آخر طلب الضدين. فعلى هذا يدخل الدليلان: «صلِّ» و«لا تغصب» في المتعارضين فتجري قواعد باب التعارض.

ولكن في كلام المحقق النائيني «قده» تأمل مذكور في الأصول:

أولاً: لا مانع من ان يكون الشرط طبيعي الغصب، لا شخص الغصب. لأن المحذور هو محذور في عالم الجعل، حيث إنه اذا قال: يا عبدي لا تغصب فإن غصبت بالوضوء فتوضأ، فواضح انه طلب حاصل. و«إن غصبت بالإتلاف فتوضأ» فواضح انه طلب الضدين. فالمحذور وهو طلب الحاصل أو طلب الضدين محذور في نفس الجعل، فلو جعل المولى الشرط طبيعي الغصب، لا الغصب المتشخص ضمن الوضوء، أو الغصب المتشخص ضمن ضد الوضوء، بل طبيعي الغصب على نحو اللا بشرط، فالغصب حينئذ وإن كان خارجا لا يتحقق إما في الوضوء أو ضده، إلا أن المولى لم يؤخذ ذلك في مقام الجعل، فحيث إن المولى لم يؤخذ تشخص الغصب في أحدهما في مقام الجعل، لا يرد على جعله انه طلب الحاصل أو طلب الضدين، وإن كان خارجا عنه المكلف لا ينفك عنهما. إما متلبس بالوضوء أو متلبس بضده.

ثانياً: لو سلمنا بذلك، فلا يلزم من ذلك طلب الحاصل، لأن الوضوء عمل مركب من الغسلتين والمسحتين مع القصد، فاذا قال المولى: يا عبدي لا تغصب الماء، فإن غصبت الماء بأن وضعته على وجهك ويديك، فإن غصبت باستعماله فأوجد المركب الوضوئي ضمن هذا الاستعمال. فإن هذ ليس من طلب الحاصل في شيء، ما دام المركب الوضوئي أخص من الاستعمال. وكذلك في محل كلامنا، ان يقول المولى: يا عبدي لا تغصب بالخروج، فإن غصبت بأن تلبست بالحركات فأوجد المركب الصلاتي ضمنها. فإن المركب الصلاة اخص من الحركة الوجودية، فلا يلزم من ذلك طلب الحاصل. والنتيجة: ان المقام لا يدخل في باب التعارض. فعليه: فإن كان لديك ارتكاز متشرعي بوجوب الصلاة في هذا الفرض فلا محالة، كما قال سيدنا الخوئي «قده» مقتضى شمول الارتكاز المتشرعي لمثل هذا الفرض ارتفاع المبغوضية.

المطلب الثالث: في وجوب القضاء على فرض أداء الصلاة. فخرج من الدار المغصوبة وقد خرج وقت الصلاة؟ فهل يجب عليه القضاء أم لا؟

نقول: وبيان المطلب: إن لم تقع منه الصلاة صحيحة لكونه الخروج مبغوضاً إما لعدم تأثير التوبة في ارتفاع مبغوضيته أو انه أساساً ما تاب، وفرض اتحاد الصلاة مع الخروج الغصبي وجوداً، بحيث يصدق على الصلاة انه غصب، وقلنا بعدم جواز اجتماع الامر والنهي، فمقتضى ذلك وجوب القضاء عليه بصدق الفوت. الصلاة غير صحيحة لأنها متحدة مع الخروج الغصبي، فلم يتب أو تاب ولم ترتفع المبغوضية، وقلنا بعدم جواز اجتماع الامر والنهي، فلا محالة الصلاة فاسدة. وأما لو فرضنا انه أتى بصلاة صحيحة على أحد المباني، اما انه اساسا لا تعد الصلاة تصرفا في الدار المغصوبة، أو انه أساساً لا تعد الصلاة تصرفاً في الدار المغصوبة؟ أو لأنه اذا عدت تصرفا فإنه يجوز اجتماع الأمر والنهي، أو لأنه وإن لم يجز اجتماع الأمر والنهي، إلا انه تاب وكانت التوبة مؤثر في ارتفاع المبغوضية. فعلى أية حال صحح صلاته. فإذا صحح صلاته بأحد المباني فلا شاهد على وجوب القضاء في حقه، لأن موضوعه الفوت، والمراد بالفوت: فوت الفريضة المأمور بها في الوقت. والفريضة المأمور بها في الوقت أعم من الفريضة الاختيارية أو الاضطرارية، فبعد أن أتى بالفريضة الاضطرارية صحيحة يشك في فوت الفريضة، والشك في الفوت مجرى لاستصحاب عدم الفوت. فإن لم يجري الاستصحاب جرت البراءة في حقه، لأن القضاء بأمر جديد.

يأتي الكلام في المسألة الثانية، وهي: «ما لو دخل لا بسوء الاختيار، فهل تصل صلاته أم لا»؟.

والحمد لله رب العالمين.