درس الفقه | 102

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

المسألة الثانية: من دخل الدار المغصوبة لا بسوء الاختيار. كما لو دخلها غفلة أو نسياناً أو قامت عنده حجة على عدم الغصب، كما لو قامت حجة على ان الدار داره أو دار من إذن له ثم انكشف له قبل الدخول خلاف ذلك، فما هو حكم صلاته داخل الدار.

والكلام فعلا في مطالب أربعة: المطلب الاول: ما إذا كان الوقت واسعاً، بحيث يمكن المكلف ان يدرك ركعة من الصلاة خارج الدار. فهنا صورتان:

الصورة الاولى: ان يلتفت المكلف الى ان الدار مغصوبة قبل الشروع في الصلاة. وحكمه عقلاً أن لا يتشاغل بالصلاة لكونه مأمورا عقلا بالخروج تخلصا من الغصب، أو لكون الخروج اخف المحذورين، ولكن لو تشاغل وصلى، فهل تصح صلاته؟ أم لا؟ فقد ذكر الاعلام انه ان صلى في الدار المغصوبة فإن كانت الصلاة مستلزمة لتصرف زائد على اصل كونه وبقاءه، فحينئذ الصلاة هذه غير مقدورة شرعا لأن الصلاة تستلزم محرما، فبما انها غير مقدورة شرعاً فالأمر بالصلاة لا يشملها لاختصاصه بالصلاة المقدورة وهذه الصلاة غير مقدورة سواء قلنا باجتماع الامر والنهي أم قلنا بالامتناع، فالأمر بالصلاة لا يشمل مثل هذه الصلاة. فهي صلاة غير مقدورة.

ولكن إذا لم تكن الصلاة مستلزمة لتصرف زائد في الدار المغصوبة أكثر من كونه في الدار. فبناء على جواز اجتماع الامر والنهي فهناك امر بهذه الصلاة فإذن تصح صلاته. وبناء على امتناع اجتماع الامر والنهي تكون صلاته فاسدة، إذا كان متحدة مع الغصب ولو في السجود أو غير ذلك. ولكن هنا كلامان:

الكلام الاول: لو فرضنا ان الصلاة تستلزم تصرفا زائدا في الدار المغصوبة فهي غير مقدورة شرعا بلا كلام، لكن الامر يشملها، لأن الأمر بالصلاة متعلق بالجامع، يعني طبيعي الصلاة، والجامع بين المقدور وغير المقدور مقدور، فبما انه يتمكن من الصلاة خارج الدار فهو متمكن من طبيعي الصلاة، وبما انه متمكن من طبيعي الصلاة فالأمر بالصلاة فعلي في حقه، فقد امتثل للأمر، وان كانت هذه الصلاة مستلزمة للمحرم إما هي مشمولة للأمر لأن الأمر تعلق بالطبيعي وهذا مصداق للطبيعي. فإذن لو لم يكن لديه مندوحة لقيل بأن الامر متعلق بالطبيعي المقدور ولا يوجد طبيعي مقدور، فلا امر في حقه بالصلاة، اما إذا كان هناك مندوحة وهو قادر على الاتيان بالصلاة خارج الدار، فالأمر بالصلاة طبيعي في حقه لتمكنه من امتثاله في الفرد الآخر، غايته انه امتثل بهذا الفرد غير المقدور. لأنه وقع امتثالا للطبيعي. إذن بالنتيجة: لا وجه للحكم بفساد صلاته إلا ان نقول: بأن الصلاة متحدة مع الغصب فنقول بالامتناع، واما لو كانت الصلاة متحدة مع الغصب، وقلنا بجواز الصلاة الصحيحة، أو كان الصلاة لم تكن متحدة مع الغصب ولكن كانت مستلزمة لغصب زائد، ايضا الصلاة صحيحة. فإنما نقول بفساد الصلاة إذا قلنا بالامتناع وكانت متحدة مع الغصب.

الكلام الثاني: ما ذكره الفقيه سيد المستمسك «قده»، ويظهر انه قول شيخه النائيني أو العراقي. كما يظهر من تعبير السد الخوئي قال صدرت من بعض الاساطين من شايخنا، ظاهره انه ليس كلام السيد الحكيم.

محصل ما ذكره: أن هذه الصلاة يمكن تصحيحها على كل حال، حتى لو قلنا بامتناع اجتماع الامر والنهي، وان هذه الصلاة متحدة مع الغصب، فهي غصب وهي صلاة وقلنا بامتناع اجتماع الامر والنهي مع ذلك يمكن القول بتصحيح هذه الصلاة، والوجه في ذلك: يتبني على مقدمتين:

المقدمة الاولى: ان المكلف مضطر للبقاء في الدار المغصوبة بمقدار زمن الخروج لا محالة، فلو فرضنا ان زمن الخروج خمسة دقائق فبهذه الخمسة دقائق هو مضطر للبقاء في الدار، فإنه زمن الخروج، فبما انه مضطر للبقاء بمقدار زمن الخروج والعبور، فيقول: الآن إذا كانت الصلاة مساوية زمنا أو اقل من المقدار الزمني الذي أنا مضطر اليه على كل حال فأوقع الصلاة بقاياً في هذا الزمن. فيوقع الصلاة في هذه الخمسة دقائق المضطر اليه صلاة اختيارية مستقرة في الدار وهي صحيحة، لأن المفروض ان حرمة الغصب مرتفعة في حقه بدليل الاضطرار، «وما من شيء حرمه الله الا وقد احله لمن اضطر اليه»، فحتى لو قلنا بامتناع اجتماع الامر والنهي لا يوجد نهي في حقه في هذه الخمس دقائق المضطر للبقاء فيها.

المقدمة الثانية: إن قلت: على أية حال إذا صلى الآن سيقع في الحرام في التصرف الذي بعدها لأنه سمح له بهذا المقدار وقد استوفاه، فسيكون خروجه بعد ذلك خروجا محرماً، فصارت الصلاة سبباً للوقوع في الحرام، إذ لولا انه صلى في هذه الخمس دقائق لما قوع التصرف الخروجي منه تصرفاً محرماً. فالصلاة مستلزمة للوقوع في المحرم، وما يستلزم الوقوع في المحرم بنحو الافضاء فهو حرام، فهذا الصلاة مبغوضة، فكيف تكون صحيحة. قلت: ليست الصلاة مقدمة للخروج، حتى تكتسب الحرمة الغيرية، وانما هي ملازم الملازم.

بيان ذلك: الخروج ملازم لترك الغصب، فترك الخروج ملازم للغصب، وبما أن فعل الصلاة ملازم لترك الخروج وترك الخروج ملازم للغصب فالصلاة ملازم الملازم للغصب، يعني ملازم للغصب، والحرمة لا تسري من الملازم لملازمه انما تتصور السراية في المقدمية. لما صلى فقد ترك الخروج فهما في وقت واحد، في عرض واحد، فعل الصلاة ملازم عقلا لترك الخروج، وترك الخروج ملازما عقلاً للغصب الزائد، ففعل الصلاة ملازم للغصب الزائد والحرمة لا تسير من الملازم الى ملازمه، لأن الملازمة بين شيئين تكويناً ل تقتضي حكم سراية أحدهما للآخر. ويلاحظ على ما أفيد:

أولاً: إن مقتضى دليل الاضطرار حلية ما اضطر اليه، وما اضطر اليه هو الخروج لا الزمن، فالاضطرار لا يتعلق بالزمن وانما يتعلق بنفس الخروج، فالخروج سواء كان في الزمن الأول او الزمن الثاني او الزمن الثالث، الخروج في أي زمن ليس حراماً، لا الزمن هو المباح، وبالتالي: فاذا لم يخرج الآن وبقي في الدار سواء صلى او نام او شيء فعل، متى ما لم يخرج فإن بقاءه محرم.

ثانياً: ما ذكره «قده» من أن الصلاة ملازمة للغصب، والحكم من الملازم لملازمه، وهذا مورد تأمل ومنع؛ والوجه في ذلك: أن الصلاة إما متحدة مع الغصب، بمعنى ان الصلاة ولو في السجود هي غصب وهي صلاة، او ليست متحدة مع الغصب، فإن كانت الصلاة متحدة مع الغصب فهي غصب. إذا كانت الصلاة في سجودها أو في كونها هي متحدة مع الغصب، فهي غصب ولا معنى لأن نقول: الصلاة ملازمة لترك الخروج وترك الخروج ملازم للغصب فالصلاة ملازم، بل الصلاة هي غصب. وإذا قال السيد أنّ الصلاة بينها وبين الغصب تركيب انضمامي وإلا فهما وجدان، الغصب وجود والصلاة وجود، فالصلاة ليست متحدة مع الغصب. فحينئذٍ يكفي في صحة الصلاة ان نقول: بجواز اجتماع الامر والنهي، لا نحتاج الى ان نعلل بأن الملازم لا تسري حرمته الى ملازمه.

”قال في المستمسك ما نصّه: لكن التشاغل بالصلاة ليس مقدما لذلك «ليس مقدمة للغصب الزائد» بل هو ملازم له، لأن الخروج مقدمة للكون في المكان المباح، الملازم «الكون في المكان المباح» ملازم لترك الغصب، «فالخروج مقدمة للكون في المكان المباح، ولكون المباح ملازم لترك الغصب» فترك الخروج علة لعدم الكون في المكان المباح، الملازم «عدم الكون في المكان المباح» للغصب نفسه. بالنتيجة: ان التشاغل بالصلاة ملازم لترك الخروج، الملازم «ترك الخروج» الملازم للحرام“. أي الغصب. فالصلاة التي اوقعها في خمسة دقائق الأولى وصارت ملازمة لترك الخروج، الصلاة لازم وقوعها في الخمس الدقائق الاولى هو ترك الخروج، فترك الخروج هذا ملازم للغصب، صار غصب زائد في الخمس دقائق الأولى. فهذا الغصب الزائد في الخمس دقائق الاولى الملازم لترك الخروج تحقق بفعل الصلاة.

فتحصل من هذه الصورة: انه ليس للمكلف ان يتشغل بالصلاة بعد ان يلتفت الى الغصب ولو اشتغل بها لكانت فاسدة.

الصورة الثانية: إذا التفت للغصب اثناء الصلاة، فلا اثر لهذه الصورة، يقطعها لأنه لا اثر لها، لأنه إن أتمها وهو باقٍ كانت فاسدة لفقدها شرط الإباحة، وإن اتمها وهو خارج، كانت فاسدة لفقدها الاستقرار، والركوع والسجود الاختياريين، فعلى أية حال هذه الصلاة لا يمكن اتمامها صحيحة فيجوز له قطعا، أي لا اثر لها بعبارة اخرى.

المطلب الثاني: وقع الكلام في ضيق الوقت، حيث كما يجب على المكلف الخروج تخلصاً من الغصب، يجب عليه الصلاة، لأنه في آخر الوقت والمفروض انه معذور لأنه لم يدخل بسوء اختياره، فوجوب الصلاة لم يسقط، غاية الامر انه يجب من الصلاة ما لا يتنافى مع الخروج، لأنه يجب عليه الخروج ويجب عليه الصلاة، بحيث لو استلزم الخروج عدم الاستقبال، لا يستقبل، الركوع والسجود الاختياريين يسقطان فتصل النوبة الى الصلاة الإيمائية.

المطلب الثالث: تنبيهان:

التنبيه الاول: ذكر سيدنا الخوئي في «ص66» عبارة مجملة، قال: «لا يخفى أن عد الجهل من فروض المسالة إنما هو على مذاق القوم القائلين بصحة الصلاة في الجهل العذري. وأما على المختار من البطلان، فالصلاة فاسدة على جميع التقادير». فما هو مقصوده «قده»؟ هل مقصوده من صلى في الدار المغصوبة جاهلا ثم التفت بعد ان فرغ من صلاته انه صلى في الدار المغصوبة؟ او مقصوده من دخل الدار المغصوبة جهلاً؟ وبعد أن علم انها مغصوبة أراد أن يصلي؟ فإن كان مقصوده الاول: انه أوقع الصلاة جاهلاً بالغصبية.

سبق إن قلنا: بأنه كلماته «قده» مختلفة، ففي بعض كلماته ذكر ان المستثنى في حديث «لا تعاد» السجود الشرعي، أي بتمام شرائطه، وحيث انه إذا سجد في الدار المغصوبة فقد اخل بالسجود الشرعي فيشمله المستثنى لا المستثنى منه، فصلاته فاسدة، لأنه ما اتى بالسجود. وفي بعض كلماته ان المراد بالسجود السجود العرفي لا السجود الشرعي، فهو هنا وان اخل بشرط من شرائط صحة السجود الا وهو الإباحة، إلا أنه لم يخل بأصل السجود بل أتى به، ومقتضى ذلك صحة صلاته، حيث عمم «لا تعاد» للشرائط الشرعية والعقلية، كما ذكرنا فيما سبق. إذن هذا على اختلاف كلماته. وإن كان المقصود انه بعد ان التفت الى الغصبية فما هو حكم الصلاة في حقه، فهذا يبتني على مسالة شمول الاضطرار له. وأن دليل الاضطرار هل يرفع المبغوضية ام لا؟ وسبق الكلام فيه.

التنبيه الثاني: لا يجب القضاء. لو صلى في ضيق الوقت ثم خرج من الدار فإنه لا يجب عليه القضاء، لأنه امتثل الامر بالصلاة داخل الدار المغصوبة. ومستند وجوب القضاء أما تفويت الصلاة الاختيارية وهو منتفٍ في حقه، لأن فوت الصلاة الاختيارية لم يستند اليه، لأنه دخل لا بسوء اختياره. وأما ان يكون المستند في وجوب القضاء هو ان ما اتى به ليس وافيا بملاك الصلاة المأمور بها، لأن ما اتى به مبغوض.

وجوابه: إن الخروج ليس مبغوضاً، ما دام مشمولاً لدليل الاضطرار بلحاظ أنه دخل الدار لا بسوء اختياره.

والحمد لله رب العالمين.