درس الفقه | 108

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

الصورة الأخيرة: فيما لو رجع المالك عن إذنه وكان المكلف مشتغلا بالصلاة في سعة الوقت. فهنا اقوال ثلاثة كما تعرض له سيدنا الخوئي «ص72، ج13»: 1 - إتمام الصلاة في المكان المغصوب قارا راكعا ساجدا. 2 - وإتمامها حال الخروج موميا. 3 - وقطع الصلاة والإتيان بها خارج الدار المغصوبة تامة الاجزاء والشرائط. والبحث في مطالب ثلاثة تتعلق بهذه الاقوال.

المطلب الاول: ما مدرك القولين الاوليين؟ اي ان القول بأن المكلف يتم الصلاة في مكانه قارّاً راكعاً وساجدا، والقول بأنه يتم صلاته وهو ومومياً.

يقول: مبنى هذين القولين هو القول بحرمة قطع الصلاة، لأننا نقول بحرمة قطع الصلاة، فنقول: اما ان يتم الصلاة في مكانه أو يتمها وهو خارج. فإذا انكرنا هذا المبنى _وهو حرمة قطع الصلاة في المقام_ لم يتم كلا القولين. ولكن لو بنينا على حرمة قطع الصلاة وقعت المزاحمة بين دليل الاجزاء والشرائط، ودليل حرمة التصرف في المغصوب، فإن دليل الاجزاء والشرائط يقول: اتت بالركوع اختيارا، وبالسجود اختياراً، بينما دليل حرمة التصرف فيقول: اخرج، اتت بها ايماء. فيقع التزاحم بين حرمة التصرف بالبقاء التي تقتضي ان يأتي بالركوع والسجود ايماء، وبين دليل الركوع والسجود الذي يقتضي الاتيان بهما اختيارا، للعجز عن الجمع بينهما في مقام الامتثال كما لا يخفى. فإن قدمنا الامر بالاجزاء والشرائط لسبقه زمانا كما ذهب اليه صاحب الجواهر حيث إن المالك اذن له في الصلاة، فلما اذن له المالك بالصلاة صار الامر فعلياً ثم رجع المالك عن اذنه، فالأمر بالصلاة الاختيارية سابق زمانا على حرمة التصرف بالمغصوب. فإن قلنا بهذه المقالة تعين القول الاول وهو ان يتم الصلاة في مكانه قاراً راكعا ساجداً.

وان قلنا بأن المشروط بالقدرة العقلية مقدم على المشروط بالقدرة الشرعية، فحيث ان المشروط بالقدرة العقلية حرمة الغصب، بينما الاتيان بالاجزاء والشرائط اختيارا مشروط بالقدرة الشرعية. فالأول مقدم على الثاني، إذن يتعين عليه ان يصلي وهو خارج مومياً.

ولكن يلاحظ عليه: ان بناءً على مبانيه: انه لا تزاحم في الأوامر الضمنية، وإنما يكون تنافي الأوامر الضمنية من باب التعارض لا من باب التزاحم، فإذا سلمنا انه لا يجتمع الامر والنهي اي قلنا بالامتناع في فرض التركيب الاتحادي، كما إذا قلنا بأن بين الركوع والغصب اتحادا وبين السجود والغصب اتحاداً، فبناء على التركيب الاتحادي بين الركوع والسجود وبين الغصب، سوف نقول بالامتناع بناء على مبناه. واذا تم القول بالامتناع صار الركوع والسجود مشروطاً بالإباحة، إباحة المكان، وهذا هو الذي ذهب اليه، حيث إنه بنى على شرطية إباحة مكان المصلي، ومبنى الشرطية هو قوله بالامتناع، لأنه يقول بامتناع اجتماع الامر والنهي، لذلك نتيجة قوله في الامتناع ذهب إلى القول بشرطية الإباحة، فإذا كان مبناه «قده» شرطية الاباحة فصار الدوران بين الامر بالركوع الاختياري وبين شرطية الاباحة، فصار الدوران بين امرين ضمنيين في الصلاة، هذا المركب الصلاتي لا يمكن التحفظ على جزئه وشرطه، جزئه الركوع الاختياري، وشرطه الاباحة. وإذا حصل التنافي بين الضمنيين، جزئين أو شرطين، أو جزء وشرط، لم يكن من باب التزاحم في شيء، بل هو من باب التعارض. لأنه إذا كان المركب لا نستطيع الاتيان به، وهو المركب الصلاتي، لاننا أما ان نفقد جزئه وهو الركوع الاختياري، أو نفقد شرطه وهو شرطية الإباحة، فيسقط الامر بالمركب، فإذا سقط الامر بالمركب لأجل عدم القدرة عليه تولد امر جديد، اما امر بالصلاة مع الشرط وحده، فيصلّي مومياً، أو امر بالصلاة مع الجزء وحده، فيصلي قارا راكعا ساجداً. فيقع التعارض في هذا الامر الجديد الذي لا ندري هل انه امر بهذا أو هو أمر بهذا؟!.

فالذي نقوله: ما افاده «قده» من انه بناء على حرمة قطع الفريضة سوف يقع التزاحم بين حرمة التصرف في المكان، وبين الأمر بالركوع والسجود الاختياريين، هذا يتم بناء على القول بجواز اجتماع الامر والنهي. اما إذا قلنا بامتناع اجتماع الامر والنهي كما هو مبناه، فنتيجة القول بالامتناع القول بشرطية الاباحة، ونتيجة القول بشرطية الاباحة انه سيقع التنافي بين جزء وهو الامر بالركوع الاختياري، وشرط وهو شرطية الاباحة، والتنافي بين الضمنيات من باب التعارض لا من باب التزاحم.

المطلب الثاني: بما ان المطلب الاول هو مبني على التسليم بحرمة القطع. فإن هذا غير صحيح، حرمة القطع لا تشمل محل كلامنا. أولاً: إن الدليل على حرمة القطع هو الإجماع والإجمالي دليل لبي، والمتيقن من هذا الدليل اللبي هو فرض عدم استلزام الصلاة غصبا، فرض عدم استلزام الصلاة محذورا آخر. إذن فلا امتداد ولا سعة في حرمة القطع لمثل محل الكلام.

ثانيا: سلمنا أن دليل حرمة قطع الصلاة دليل لفظي. بناءً على أنّ دليل حرمة القطع دليل لفظي كقوله : «تحريمها التكبير، تحليلها التسليم»، اي بمجرد ان تكبر للصلاة اصبحت محرماً، ولا تحل من هذا الاحرام حتى تسلم، إذن لا يجوز القطع بينهما. لو سلمنا بذلك فإن حرمة القطع لا تشمل الكلام، لأن موضوع حرمة القطع الصلاة الصحيحة ولا نحرز صحتها، حيث إن المالك بمجرد ان يرجع إلى اذنه تعتبر الصلاة غصب، فنحتمل بطلانها، فإذا احتملنا بطلانها، فالتمسك بدليل حرمة القطع فيها تمسك بالدليل في الشبهة المصداقية. فلا يصح التمسك به.

ثم قال في «ص73»: إذ مقتضى ملاحظة دليل الغصب بعد ضمه إلى أدلة الاجزاء والشرائط عدم التمكن من الإتمام، فهما «دليل الغصب بعد ضمه لدليل الاجزاء والشرائط» من حيث المجموع يعارضان دليل حرمة القطع، لاقتضائهما جواز القطع، واقتضائه المنع، فلم يحرز التمكن من إتمام الصلاة.

لأننا لو قصرنا النظر على حرمة الغصب فقط، فحرمة الغصب لا تعارض حرمة القطع، فيمكنه ان يبقى في الصلاة وهو خارج موميا، فقد يكون قد امتثل الامرين: حرمة الغصب، حيث خرج. وامتثل حرمة الصلاة حيث بقى في الصلاة مومياً، فلا تنافي بين حرمة الغصب وحرمة القطع في نفسيهما، إنما يحصل التنافي إذا اقحمنا دليل الاجزاء والشراط، اي اقحمنا الامر بالسجود والركوع الاختياري. فنقول: يحرم عليك الغصب وانت مأمور بالسجود الاختيار، فهذا لا يجتمع مع حرمة قطع الصلاة، لأنك لو سجدت اختياراً لاضطررت إلى مخالفة حرمة الغصب، ولو امتثلت حرمة الغصب لاضطررت إلى قطع الصلاة، إذن مجموعهما معارض لدليل حرمة القطع، والنتيجة عدم قدرة المكلف على اتمام هذه الصلاة صحيحة. فلم يستطع ان يجمع بين الدليلين.

المطلب الثالث: نعم، لابد من تقييد الحكم بما إذا لم يكن الفصل بينه وبين المكان المباح بمقدار خطوة ونحوها، بحيث لا يضره الانتقال اليه بصحة الصلاة فمعه لا يجوز القطع. والقول الذي ذهب اليه السيد الخوئي هو جواز قطع الصلاة، لأن دليل حرمة قطع الصلاة بنظره لا يشمل الصلاة التي لا تستلزم محذورا، والمفروض سعة الوقت، اي المفروض ان المكلف متمكن من الصلاة تامة الاجزاء والشرائط خارج الدار المغصوبة. فبناء على مبناه: يقطع الصلاة، ويخرج من الدار المغصوبة، ثم يأتي بالصلاة تامة. يقول: هذا المبنى لا نقول به مطلقاً. فإذا فرضنا ان انتقاله من المغصوب لغير المغصوب يحتاج إلى قفزة بخطوة أو خطوتين مثلاً. فإذا كان الانتقال من الدار المغصوبة إلى غيرها لا يتوقف الا على خطوة، فلا يجوز له قطع الصلاة، بل يقفز ويكمل الصلاة اختيارا خارج الدار المغصوبة. صحيح ان هذ الآن غصبي، لكنه آن مضطر اليه، فهذا الآن المضطر اليه لا يحرم عليه. هذا تمام الكلام في مسألة 21.

المسألة 23:

«إذا دار الامر بين الصلاة حال الخروج من المغصوب بتمامها في الوقت، أو الصلاة بعد الخروج مع إدراك ركعة، فالظاهر وجوب الصلاة حال الخروج، لأن مراعاة الوقت اولى من مراعاة الاستقرار والاستقبال والركوع والسجود الاختياريين». وقد افاد الاعلام «ره»: أنه هنا حالتين:

الحالة الاولى: إن المكلّف لو أخّر الصلاة حال الخروج لم يدرك شيئاً من الصلاة، هنا يتعين عليه ان يأتي بها حال الخروج إيمائية.

الحالة الثانية: أنه لو أخر صلاته ادرك منها ركعة، ولو راعى الوقت لأتى بها إيماءً. فالأمر في الواقع دائر بين مراعاة الوقت في تمام الاجزاء وبين مراعاة الشرائط الاختيارية. إن راعى الشرائط الاختيارية لابد من الخروج، وإن راعى الوقت في تمام الصلاة يأتي بها ايمائية. فإيهما يقدم؟

فهنا اتجاهان:

الاتجاه الاول: اتجاه المشهور، وهو مراعاة الوقت. يأتي بتمام الصلاة في الوقت لكن إيمائية. ودليلهم بوجوه: الوجه الاول: مقتضى إطلاق أدلة شرطية الوقت «أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل» عدم رفع اليد عن هذه الشرطية في تمام الركعات والأجزاء والشرائط، وحيث لا يمكن للمكلف رعاية هذه الشرطية في تمام الاجزاء والشرائط إلا بالانتقال إلى الدلة البدلية، وهو ان يأتي بالأجزاء ايماء، كان ذلك مصداقا للعذر المسوغ للانتقال إلى البدل، فإن مقتضى إطلاقات شرطية الوقت: أن هذا عذر مسوغ للانتقال إلى الركوع الإيمائي. وقد اورد على هذا الوجه ايرادان:

الإيراد الاول: مقتضى قاعدة «من ادرك ركعة فقد ادرك الوقت» الحكومة على نحو التوسعة، وأن شرطية الوقت تشمل إدراك ركعة، وبالتالي فإن موضوع البدل غير محرز، يعني موضوع الانتقال من الركوع الاختياري إلى الركوع الإيمائي غير محرز، لأن لك مندوحة في الوقت بأن تدرك ركعة من الصلاة. وقد ذكر سيد المستمسك «قده»: أنّ «قاعدة المدرك» لا تشمل المقام، فإن لسانها ناظر للإدراك الاتفاقي لا للإدراك الاختياري.

الإيراد الثاني: ما نقل عن السيد الاستاذ «دام ظله» بحسب تقريره: إن شمول أدلة البدلية قاصرة عن الشمول للمقام، فإن المستفاد من مواضعها المختلفة العذر الحاصل في رتبة سابقة هو الذي يسوغ لك ان تدخل في البدل، مثلا من الركوع إلى الإيماء، من الاستقرار إلى عدم الاستقرار. اما انك تعجّز نفسك عن ذلك باختيارك، فلا. يقول: فإن الأدلة ورد فيها الشيخ الكبير، واضطراب السفينة، والحرج كما إذا انحصرت الصلاة في مكان كله طين وبلل، والمرض كمن أجري له عملية في عينه، أو ان يكون عارياً، «قال: ان لم يقدر عليه صلى عارياً». إذن المستفاد من مجموع هذه الروايات ان العذر المسوغ للانتقال إلى البدل العذر الحاصل بنفسه في رتبة سابقة، وأما إذا دار امر المكلف بين ان يخل بالاختيار فيصلي إيماء، أو يخل بالوقت فيدرك ركعة منه، لا نحرز إطلاق أدلة البدلية لمثل هذا الفرض. فإذا لم نحرز اطلاق أدلة البدلية لهذا الفرض، لأن موضوعها العذر الحاصل في تربة سابقة، ولا نحرز إطلاق من ادرك لمثله.

والحمد لله رب العالمين.