درس الفقه | 109

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

كان الكلام فيما اذا دار الامر بين ادراك الوقت في تمام الركعات، وبين إدراك الأجزاء الاختيارية، فإذا شخّص انه لو راعى شرطية الوقت في تمام الركعات للزم من ذلك ان يصلي الصلاة الإيمائية كي لا يرتكب الغصب، ولو راعى اختيارية الأجزاء لزم من ذلك أن يؤخر الصلاة الى ان يخرج من الدار المغصوبة فيدرك ركعة لأجزاء اختيارية للوقت، فالأمر دائر بينهما، اما ان يدرك الوقت في تمام الركعات فلابد ان يصلي صلاة إيمائية. ذكرنا: أن ما نسب الى المشهور انهم قدموا الوقت، فيصلي صلاة إيمائية، المهم ان يدرك الوقت بتمام ركعاته. وقد استدل على ذلك بوجوه، كان الوجه الاول: ان مقتضى اطلاقات ادلة شرطية الوقت هو لزوم مراعاته، وهذا بنفسه عذر مسوغ للانتقال من الصلاة الاختيارية الى الصلاة الإيمائية، وقلنا ان هذا الوجه محل لإيرادين. وصل الكلام الى:

الإيراد الثاني: الذي ذكره السيد الأستاذ «دام ظله»: بأن ما دل على البدل اي الصلاة الإيمائية او الصلاة غير الاختيارية، لا يشمل مثل هذا المورد، ولا يحرز اطلاقه لمثل هذا المورد. فاذا لم تشمله ادلة البدل اي الانتقال الى الصلاة الإيمائية فهل تشمله قاعدة من أدرك أم لا؟ ذكرنا فيما سبق: أن سيد المستمسك «قده» ان قاعدة من ادرك منصرفة الى الادراك الاتفاقي او التأخر الاتفاقي، وأما في المقام فهو باختياره سيؤجل الصلاة الى ما بعد الخروج فلا تشمله قاعدة من أدرك. ولكن يظهر من تقرير السيد الأستاذ «دام ظله» «ص110، مكان المصلي»، قال: بان شمول موثقة عمار الشمول لمثل هذا المورد. وموثقة عمار: «إذا غلبته عينه او عاقه أمر، أن يصلي المكتوبة من الفجر ما بين ان يطلع الفجر الى ان تطلع الشمس، وذلك في المكتوبة خاصة، فإن صلى ركعة من الغداة ثم طلعت الشمس فليتم الصلاة وقد جازت صلاته». اي فقد وقعت أداءً.

فإن سيد المستمسك قد نظر الذيل وأغمض النظر عن الصدر، والذيل وهو «فإن صلى ركعة من الغداة ثم طلعت الشمس فليتم الصلاة وقد جازت صلاته». قال بان هذا منصرف الى التأخر الاتفاقي فلا يشمل اختيار التأخير. ولكن السيد الاستاذ يقول: لو نظر الى الصدر وهو «أو عاقه أمر» فإن كلمة «أو عاقه امر» اي حصل منه ما يقتضي منه ذلك، ومنه دوران الامر. كالشخص الذي ضاق عليه وقت الصلاة، وهو في الدار المغصوبة، اما ان يراعي شرطية الوقت فيصلي الركعات إيماء، وإما ان يؤخر الصلاة الى ما بعد الخروج فلا يدرك إلا ركعة واحدة، فلو راعى الصلاة الاختيارية وأجلها لما بعد الخروج، يصدق عليه انه عاقه امر، فتشمله الرواية. فهل هذا لو أخر فأدرك ركعة يصدق عليه انه مما عاقه أمر؟ ظاهر قوله: «او عاقه امر» اي حصل له عذر، وكون الدوران بين شرطية الوقت واختيارية الاجزاء عذرا ام لا؟ فهذا اول الكلام، فالتمسك بالدليل في محل الكلام تمسك به في الشبهة المصداقية.

لأجل ذلك نقول: لو لم نحرز شمول قاعدة من ادرك لمثله. لا يحرز شمول ادلة البدلية لمثله حتى ينتقل الى الصلاة الإيمائية، ولا يحرز شمول قاعدة «من ادرك» لمثله حتى يؤخذ الصلاة للخروج لما بعد الخروج حتى يدرك ركعتان. اذا افترضنا انه لا يحرز شمول هذا له ولا يحرز شمول هذا له، ولكنه يقطع بوجوب الصلاة عليه مع احدهما، فما قطع به هو وجوب الصلاة مع الجامع، يعني احدهما، ومقتضى تنجز وجوب الصلاة عليه مع الجامع وهو احدهما انه مخير بامتثاله هذا الجامع بأي منهمان، ولو فقد ذلك ووصلت النوبة للأصل العلمي، لكان من دوران الامر بين التعيين والتأخير، هل يتعين عليه التأجيل رعاية للاختيار؟ او يتعين عليه ان يصلي إيماء رعاية للوقت؟ فيجري البراءة عن تعين الأول والبراءة عن تعين الثاني، والنتيجة التخيير بينهما.

الوجه الثاني: ان يقال: بان المسألة من باب التزاحم، وقد تزاحم ما ليس له البدل مع ما له البدل، حيث إن الوقت ليس له بدل، بينما الاختيارية لها بدل وهو الصلاة الإيمائية، فيقدم ما ليس له البدل على ما له البدل. فهل المقام من باب التزاحم أم ليس من باب التزاحم؟ حيث اتفق المشهور على اقحام الدوران في الواجبات الضمنية في التزاحم، بينما سيدنا الخوئي «قده» وتلامذته طرا ما سوى السيد الأستاذ «دام ظله» الى ان المقام من باب التعارض. متى ما دار الامر في الواجبات الضمنية فهو من باب التعارض لا في باب التزاحم، مع ان المكلف لا يوجد امامه دليلان متعارضان او دليلان متكاذبان، ان المكلف هل يصلي إيماء فيدرك الوقت؟ هل يؤخر فيدرك ركعة من الوقت بصلاة اختيارية، لان ان امامه روايتين متكاذبتين او دليلين متعارضين، كي تكون المسألة من باب التعارض. يقول السيد الخوئي رغم ذلك هذه المسألة من باب التعارض وليس في باب التزاحم في شيء. قال: هنا امور ثلاثة:

الامر الاول: إن المدار في باب التزاحم على وجود تكليفين مستقلين نفسيين، بحيث لكل منهما طاعة وعصيان، وعجز المكلف عن الجمع بينهما، كما لو دار الامر بين ازالة النجاسة وانقاذ النفس، او انقاذ النفس والصلاة في ضيق الوقت، فهنا تكليفان نفسيان يصعب على المكلف الجمع بينهما. وأما في باب المركبات الجعلية كالصلاة، التي دار الامر في داخلها وفي ضمنها، فليس هناك امران نفسيان يدور الأمر بينهما، بل ليس هناك إلا أمر واحد بهذا المركب من عدة أجزاء وشرائط، وهذا الامر الواحد ليس له الا امتثال واحد او عصيان واحد، فليس في البين تكليفان قصر عن الجمع بينهما، وليس ملاكان صعب عليه الجمع بينهما، بل ليس الا تكليف واحد ذو ملاك واحد، لا يدري هل يمتثل هذا التكليف بالصلاة الإيمائية؟! او يمتثل هذا التكليف بالصلاة الاختيارية مع ادراك ركعة واحدة، فشكه في امتثال هذا التكليف الفعلي في حقه لا انه دائر بين تكليفين نفسيين كي يدخل في باب التزاحم، فمناط باب التزاحم اصلا لا ينطبق عليه، لأنه ليس مما قصرت قدرت على الجمع بين امتثالين، بل من باب ممن شك بامتثال تكليف واحد.

الامر الثاني: فاذا عجز عن واحد منها. هو عنده امر بالمركب، وقد عجز عن واحد، إما عاجز عن الوقت او عاجز عن الشرط الاختياري، كالمكلف الذي امر بمركب وهو الصلاة وهذا الصلاة يقطع المكلف بأنه عاجز عن احد اجزائه او شرائطه. فبعجزه عن واحد سقط الامر بالمركب جزما، فإن مقتضى الارتباطية بين الاجزاء سقوط الامر بالمركب اذا تعذر أحد هذه الاجزاء، فلو كنا نحن وهذا الأمر بالمركب لكان مقتضى القاعدة سقوط الأمر بالصلاة. الصلاة التامة لم يقدر ان يأتي بها، فقطعا سقط الامر بالمركب التام، اذ المركب ينتفي بانتفاء بعضه. ولكن حيث علمنا من الخارج إما من النص او من الإجماع على ان الصلاة لا تسقط عنه، فنستكشف من ذلك امراً جديداً لان الامر بالمركب التام قد سقط لعدم القدرة على امتثاله، ونشأ امر جديد بالمقدار الممكن، _لكن المكلف لا يعلم انه ما هو المقدار الممكن_، وحيث لم يعلم المكلف متعلق الامر الجديد وأنه الصلاة مع السجود مثلا؟ او الصلاة مع القيام؟ فالمجعول مشكوك، والتردد عائد الى الجعل، وليس عائدا الى مرحلة الامتثال كما هو باب التزاحم.

الامر الثالث: النتيجة تقع المعارضة في مقام استكشاف ذلك الحكم المجعول بين اطلاق دليل الوقت، الذي يقول: «صل إيماء حتى تدرك الوقت»، وبين إطلاق دليل الاجزاء الاختيارية الذي يقول: «اتت بالاجزاء الاختيارية وإن فات الوقت»، فيقع التعارض بين الدليلين، فإن اطلاق كل منهما يقتضي الإتيان به حتى وإن عجز عن الآخر، فلابد من مراعاة قواعد التعارض، والرجوع الى المرجحات.

إذا افترضنا ان احدهما دليل لبي والآخر دليل لفظي، لا محالة الدليل اللفظي هو الذي يستحكم، لو دار الامر بين الاطمئنان وبين الوقت، لا إشكال ان الوقت يقدم لان الاطمئنان دليل لبي، والقدر المتيقن لا يشمل ما لو زاحم الوقت، فحينئذ: دليل الوقت مقتضى اطلاقه هو لازم المراعاة، وأما اذا افترضنا ان دليليهما لفظيان، لكن احدهما بالعموم والآخر بالإطلاق، فإنه يعد العام أقوى ظهورا من المطلق في الشمول لمورده، فيقدم ما دليله العموم على ما دليله الإطلاق، ولنفترض في المقام ان دليل الوقت عموم، ودليل الاختيار اطلاق، يقدم العموم على الإطلاق، أما لو فرضنا أنهما متساويان ظهوراً، لأن كليهما عام او كلاهما مطلق: فإن قلنا هل ان المرجحات في باب التعارض تشمل التعارض الناشئ عن قصو القدرة او التعارض الناشئ عن تكاذب الأدلة؟ فهذه المرجحات الموجودة في معتبرة عمر من حنظلة تشمل كل تعارض؟ او منصرفة للتعارض الناشئ عن تكاذب الأدلة؟ فإذا كانت هذه الاخبار ناشئة عن تكاذب الأدلة، إذن هذا التعارض الناشئ عن قصور القدرة لا يرجع فيه الى المرجحات المذكورة في باب التعادل والتراجيح، فاذا لم يكن لأحد الدليلين اقوائية على الآخر في مثل هذا المقام فحينئذ تصل النوبة الى التخيير فإذا لم نقل به فالتساقط، فاذا تساقطتا يرجع مقتضى الاصل العملي، وقد فرضنا أن مقتضى الاصل العملي على مباني السيد الخوئي هو التخيير لجريان البراءة عن تعين كل منهما. على مباني السيد الخوئي هو التخيير لجريان البراءة عن تعين كل منهما. هذا تمام الكلام في أن المقام ليس من باب التزاحم، بل من باب التعارض. فكيف تقدمون في المقام على ما هو أهم على ما ليس أهم، أو ما ليس له بدل على ما هو بدل؟ او ما هو مشروط بالقدرة العقلية، على ما هو مشروط بالقدرة الشرعية. فإن هذه كلها مرجحات باب التزاحم، والمقام من باب التعارض. وقد ذكر في قبال «قده» وجوه:

الوجه الاول: ما تعرض له السيد الشهيد «قده»، انه قد يقال ان متعلق الامر بالصلاة من الأول المقدور من الاجزاء، فالمولى عندما اصدر الامر بالصلاة ما امر بالصلاة بعنوان الصلاة، وإنما قال: هذه الصلاة المركبة من احد جزئا ان مأمور بالمقدور منها. اي بعد ان قام المولى ببيان الصلاة بتمام اجزائها وشرائطها، أمر المولى بالمقدور منها، وحيث إن المقدور يصدق على كل منهما. فإن صلى بمراعاة شرطية مقدور، أو صلى بمراعاة شرطية الاختيار، مقدور. كان مقتضى الامر انه مخير بينهما. من الأول هو مأمور بالمقدور، فإن كان جميع المركب مقدوراً تعين عليه، وان كان بعضه مقدورا عليه معينا، تعين عليه، وإن كان المقدور مرددا بين طرفين كان مخيراً. ولكن هل يوجد دليل على هذا التحليل؟ ان هناك أمرا بالمقدور من الاجزاء؟ اي ان ما دخل في عهدتك عنوان المقدور، لا ما دخل في عهدتك الاجزاء في ظرف القدرة. تارة نقول: ما دخل في عهدة المكلف عنوان المقدور. فهنا يصح ان يقال عنوان المقدور يصدق على هذا وهذا فهو مخير، اما اذا نقول ان ما دخل في عهدة المكلف واقع الاجزاء والشرائط، غاية مافي الامر في ظرف القدرة، لكن الذي أدين به وطولب به واقع الاجزاء والشرائط، المكلف يقول لا اعلم هل الواقع الذي انا مدان به هذا ام هذا؟ فلا تصل النوبة حينئذ الى التخيير، يعني لا يكون التخيير مستفادا من نفس الامر ما دام الذي دخل في عهدتي واقع الاجزاء والشرائط، وليس عنوان المقدور.

فهل هناك دليل على ما تصوره السيد الشهيد «قده» من ان متعلق الامر عنوان المقدور؟

والحمد لله رب العالمين.