ملخص: الخلق المحمدي برهان النبوة

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة: 128]

إنطلاقا من الآية المباركة كان الحديث حول إثبات صدق النبي في نبوته من خلال سيرته في ثلاثة محاور:

  • أدلة إستقامة السيرة النبوية
  • عرض صور رائعة من جمال سيرته
  • دليلية سيرته وبرهانيتها على صدق دعوته
كيف نثبت أن سيرته كانت مستقيمة؟

هناك مجموعة من المستشرقين الغرب يقولون لايوجد دليل على إستقامة سيرة النبي ص لأن سيرته قد كتبها المسلمون في القرن الثالث الهجري فأرادوا تمجيد وتقديس نبيهم فوضعوا الأساطير والأوهام ولذلك لايمكن أن نتكىء عليها والوثوق بها كدليل على صدق نبوة النبي .

مقابل هذه الفكرة هناك طريقين لإثبات إستقامة سيرته .

القرآن الكريم

«هنري لامنس» وهو مستشرق غير مسلم يطعن في الإسلام لكنه آمن بهذا الطريق ووثق به.. فالقرآن الكريم وثيقة تاريخية ثابتة وموضوعية عاصرت حياة النبي . فالاستدلال هنا ليس بأن القرآن كتاب سماوي.

فالدليل على تاريخية وثبوتية القرآن هو النسخة القرآنية الموجودة في اسطنبول والتي تعود لمنتصف القرن الأول الهجري.

وأما موضوعية القرآن وعدم مبالغته في وصف ومدح النبي بل وصفه كما هو تظهر من آياته المباركة: ﴿أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى «6» وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى «7» وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى «8» [الضحى: 6 - 8]، ﴿وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا [الإسراء: 74]، ﴿وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [فصلت: 36] إذا فالقرآن الكريم وثيقة تاريخية ثابته موضوعية يمكن الإعتماد عليها في معرفة سيرة النبي .

السيرة المنقحة

فعندما نستدل بالسيرة لا نستدل بما ذكره المسلمون فقط بل نستدل إلى سيرة منحة خضعت للرقابة والفرز والتمحيص قد حذفت منها الموضوعات والأخبار الضعيفة...

«لويس» المستشرق اليهودي في كتابه «يهود الإسلام» يقول ان علماء الإسلام أدركوا في مرحلة مبكرة خطر الشهادات المزيفة وبالتالي العقائد الباطلة وبذلك طوروا علماً مفصلا لنقد للحديث وبمقارنة علم الحديث بعلم التاريخ في العالم المسيحي اللاتيني يبدو الأخير فقير هزيل. بل حتى علم التاريخ في العالم المسيحي اليوناني والذي هو أكثر تقدما يقصر عن مضاهاة علم الحديث الموجود لدى المسلمين في التنوع والعمق التحليلي.

ولذلك نجد علماء المسلمين فرزوا سيرة النبي كإبن الجوزي في كتاب «الموضوعات» باب فضائل النبي ص والعلامة السيد جعفر مرتضى العاملي في كتابه «الصحيح من سيرة الرسول ص»

شهادات غير المسلمين بأن سيرة النبي سيرة مستقيمة واضحة

المستشرق المسيحي «ويلز» صاحب كتاب «إعطاء المسيح حجمه» لو كانت سيرة عيسى لها شهادات جيدة كما هو الحال مع لوليوس قيصر ومحمد والملكة آن، لما احتاج احد إلى تشويه الأدلة المتعلقة بذلك.

«بنيامين سميث» في كتابه «محمد والمحمدية» أما الإسلام فأمره واضح ففي أيدي الناس تاريخه الصحيح وهم يعلمون من أمر محمد كالذي يعلمونه من أمر لوثر وميلتون وانك لاتجد في ماكتبه عنه المؤرخون الأولون أوهام ولا أساطير ولا مستحيلات.

«رينين» المؤرخ الفرنسي صاحب كتاب «حياة يسوع» يقول نشأت جذور الإسلام في مرأى التاريخ، وسيرة مؤسسه محمد معروفة لنا كمعرفتنا بسيرة اي مصلح من مصلحي القرن السادس عشر.

صور رائعة من سيرة النبي التي اتفق عليها المؤرخون من مسلمين وغيرهم:

عفة لسانه

يقول عنه خدمه «ماكان النبي سبابا ولا فحاشا ولا لعانا وكان إذا أراد أن يعاتب خدمه يقول تربت جبينك» ز

يقول أبي سعيد الخدري وهو أحد أصحابه «كان النبي في الحياء كحياء العذراء في خدرها وكان إذا كره شيئاً عرفناه من وجهه».

قوة إرادته وبطولته وشجاعته

يقول أمير المؤمنين والبراء ابن عازب «كنا إذا حمي الوطيس اتقينا برسول الله ص»

وقوله «والله لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله، أو أهلك فيه»

سمو النفس

عن فاطمة الزهراء : «ماشبع رسول الله ص ثلاثة أيام من خبز بر حتى مضى إلى سبيله وكان إذا وجه إليه ايدامان إختار ادونهما وإذا عرض عليه أمران اختار ايسرهما».

عبادته

يقول حذيفة بن اليمان «صحبت رسول الله ليلة من الليالي فدخل في الصلاة فقرأ سورة البقرة، فقلت لعله يركع بعد المئة، فأتمها، قلت يركع بعدها، ثم دخل في سورة النساء فأتمها، قلت يركع بعدها، ثم دخل سورة آل عمران فأتمها وركع، وظل يردد سبحان ربي العظيم وبحمده نحوا من قيامه، ثم قام من ركوعه وأخذ نحوا من ركوعه، ثم سجد وظل يردد سبحان ربي الأعلى وبحمده نحوا من ركوعه وقيامه. ولقد تورمت قدماه من الوقوف بين يدي ربه، فقلنا يارسول الله ألم يغفر الله لك ماتقدم من ذنبك وماتاخر؟ قال أفلا أكون عبدا شكورا.

إذا قرأنا هذه السيرة التي اتفق عليها المؤرخون والمحدثون فهي سيرة تظهر جمال الخلق ونقاء السريرة وصفاء القلب، سيرة كلها تضحية بالدنيا والملذات واحتقار لها، سوف نستدل بهذه السيرة العظيمة على صدق نبوته .

كيف ننتقل من سيرته إلى صدق نبوته ؟

من خلال دليل حساب الإحتمالات في علم الرياضيات، فنذكر هنا مقدمتين:

- كل إنسان يدعي النبوة هو يدعي أنه قائد للبشرية وبذلك يعرض نفسه لأخطار لا يعرضها اي إنسان لنفسه وتلك الأخطار:

  • خطر قوة الصبر.
  • المخاطرة بحياته.
  • العيش حياة الفقراء والمحرومين.
  • خطر مواجهة المسؤولية.

- من الذي يقدم على هذه الأخطار؟

إما أن يكون غبياً أو واهما أو خبيثا أو صادقاً، فإن انتفت الاحتمالات الثلاثة الأولى، تعين الاحتمال الرابع.

فالنبي الذي أسس دولة وصنع جيشاً وخاض معارك طاحنة قادها بحكمته وعقلانيته وحسن إدارته ووضع القوانين لإدارة دولته. فمن خلال دراسة أحواله ص الذي كان ذكياً حكيما يتعين أنه كان ذكيا وحكيما ملتفت في دعوى نبوته. وبهذا انتفى الاحتمال الأول والثاني...

أما الاحتمال الثالث فنذكر كلمات غير المسلمين:

الباحث والفيلسوف المؤرخ «كازينوفا» في كتابه «محمد ونهاية العالم» إنني أرفض كل نظرية تذهب إلى الشك في صدق نبوة محمد، وان كل تاريخ النبي يثبت انه شخصية إيجابية وجادة ومخلصة.

«وليم موريل» في كتابه «قرطاج والقرطاجيين» إن من أعظم معززات صدق محمد، أن أوائل المعتنقين للإسلام كانوا من أقرب أصدقائه إليه وكانوا أهل بيته الذين لهم صلة به.

فكيف يمر عليهم تناقض حاله إن كان مخادعا. وحيث أنهم لم يكتشفوا الا الصدق منه لذلك اول من آمن به زوجته خديجة وآمن به معها علي بن أبي طالب وجعفر والحمزة وهم الذين كانوا اترابه واقرانه من بني عمه.

فلم يكذب النبي في دعوى نبوته أحدا من قومه وعشيرته.

فهناك ملازمة عرفية وعقلية بين نقاء سيرته وصدق استقامته وبين صدق دعوته.

ومن الأدلة على صدق النبي ، علي بن أبي طالب فالشخصية التي ربت وأخرجت علي بهذه الشخصية العملاقة في شجاعتها وصبرها وقوة إرادتها في شخصية نبوية..فصدق وأخلاق علي من صدق وأخلاق محمد .

ويؤكد أبي عبدالله الحسين على هذا المعنى بقوله أنه «ابن بنت النبي» ليثبت لهم أنهم البراهين والأدلة على نبوة محمد ص.

حتى حينما أراد الخروج من مكة، وقف على جبل الصفا ونادى «خطّ الموت على وُلد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يُوسُف وخير لي مصرع أنا لاقيه كأني بأوصالي تُقطعها عُسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء فيملأن مني أكراشاً جوفاً وأجربةً سُغباً، لا محيص عن يوم خُط بالقلم رضا الله رضانا أهل البيت نصبرُ على بلائه ويوفينا أجور الصابرين، لن تشذّ عن رسول الله لحُمته بل هي مجموعة له في حظيرة القدس تقرّ بهم عينه وينجز بهم وعدُهُ، من كان باذلاً فينا مُهجتهُ ومُوَطناً على لقاء الله نفسه فليرحل معنا فإنني راحل مصبحاً إن شاء الله»