درس الفقه | 112

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

كان الكلام فيما اذا دار امر المكلف بين ان يصلي تمام الركعات في الوقت إيماءً أو يخرج من الدار المغصوبة فيصلي بالاجزاء ولكن لا يدرك الا ركعة من الوقت، وذكرنا ان المسألة هي التنافي في الواجبات الضمنية، وان التنافي في الواجبات الضمنية هل هو من باب التزاحم ام من باب التعارض؟.

فإذا تقرر عدم التزاحم في الواجبات الضمنية كما ذكرناه سابقا وفاقاً للسيد الخوئي «قده» أن لا تزاحم في الواجبات الضمنية، فهنا كيف نعالج التنافي في الواجبات الضمنية اذا لم نقل بالتزاحم؟ وقد أفاد سيدنا الخوئي «قده» في «ج13، ص77 من الموسوعة» أموراً:

الامر الاول: إذا دار الامر بين شرطية الوقت من الأساس وبين اختيارية الأجزاء، فالوقت مقدم، اي لو أتى بالاجزاء الاختيارية لفات الوقت مطلقا، فيدور الامر بين ان يركع ويسجد اختياراً لكن خارج الوقت، وبين ان يدرك الوقت فيصلي ايماء، فالامر دائر بين شرطية اصل الوقت وبين جزئية اختيارية الركوع والسجود. قال: هنا لا اشكال بان الوقت مقدم، لأن الوقت أهم بنفس دليل «إن الصلاة لا تسقط بحال»، فاذا لم يكن للمكلف إلا دقيقة إما ان يركع ويسجد إيماء فيدرك الوقت واما ان يركع الركوع الاختياري فيخرج الوقت، يقول: الوقت يقدم لأنه أهم وأهميته تستفاد من نفس قوله «لا تسقط الصلاة بحال»، والوجه في ذلك: ان قوله : «ولا تدع الصلاة على حال فإن الصلاة عماد دينكم» فهل المنظور في الصلاة هنا الصلاة الاختيارية؟ ام المنظور في الصلاة هنا اصل الصلاة؟ اذا كان المنظور اصل الصلاة ولو كانت قضائية فلا تزاحم، حينئذ، «ولا تدع الصلاة على حال» لا معنى لأن يكون المنظور في هذا الدليل الصلاة الاختيارية، الصلاة التامة، لا معنى ان يكون المنظور في هذا الدليل يعني أصل الصلاة، فاذا كان المنظور اصل الصلاة إذن يأتي بالصلاة قضاء ولا تنافي حينئذ بين الوقت وبين اختيارية الاجزاء، فلا محالة يكون المنظور في «لا تسقط الصلاة بحال» يعني الصلاة الادائية لا اصل الصلاة، فعندما يقوم دليل ويقول: الصلاة الادائية لا تسقط عنك بحال، والمفروض انني لا يمكنني الصلاة الأدائية الا إيماءً فتعين مراعاة الوقت دون مراعاة اختيارية الاجزاء. إذن اذا دار الامر بين ان اصلي ايماء فأدرك الوقت، وبين أن أصلي اختياراً فتكون الصلاة قضاء، يقول سيدنا «قده» يقدم الوقت، بنفس قوله «ولا تدع الصلاة على حال» لأن المقصود من قوله الصلاة الأدائية، وحيث لا يمكنني الصلاة الادائية الا بالايماء اذن تقدم على الأجزاء الاختيارية، لكن هذا ليس من باب التزاحم في شيء كما تشعر به عبارة التقرير، وإنما من باب قيام الدليل على أن شرطية الوقت مطلقة، وتشمل حتى هذا الفرض، وهو ما لو لزم من مراعاة شرطية الوقت عدم اختيارية الاجزاء، ونحن ذكرنا فيما سبق: حتى في الواجبات الضمنية اذا قام دليل على ان الواجبين الضمنيين اهم حتى في فرض التنافي هو اهم، فدليل الاهم معجز على امتثال غيره، وهذا لا يعني اننا نعتبر الامر من باب التزاحم، بل ما دام الدليل قام على أهمية احد الواجبين الضمنيين فهذا الدليل القائم على أهميته معجز عن الآخر، أي وارد عليه لا من باب ترجيح أحد المتزاحمين على الآخر. وهذا الأمر صحيح.

الامر الثاني: اذا دار الامر بين شرطية الوقت في تمام الصلاة، لا شرطية اصل الوقت، شرطية الوقت في تمام الصلاة او اختيارية الاجزاء، بمعنى انه إن صلى ايماء أدرك الوقت في تمام الصلاة، وإن صلى اختياراً أيضا يدرك الوقت لكن لا في تمام الصلاة بل في ركعة، فيدور الامر بين شرطية الوقت في تمام الصلاة وبين اختيارية الاجزاء، ففي مثل هذا الفرض يقول: ليس عندنا دليل على اهمية الوقت في هذا الفرض بحيث تراعا شرطيته في تمام الصلاة دون مراعاة اختيارية الاجزاء.

يقول: لو دار الامر بين شرطية الوقت في تمام الصلاة والطهارة لقدمنا الوقت على الطهارة، وتقديم الوقت على الطهارة المائية لا من باب التزاحم ولا من باب التعارض اصلاً، بل من باب الجمع العرفي بين دليلين. وبيان ذلك بالمثال: شخص لو توضأ لم يدرك من الوقت إلا ركعة، ولو تيمم أدرك تمام الصلاة في الوقت، أيهما يقدم؟ فالأمر دائر بين شرطية الوقت لتمام الصلاة، وبين الطهارة المائية، ان توضأ لم يدرك إلا ركعة، وإن تيمم أدرك تمام الصلاة في داخل الوقت، ففي هذا الفرض يقول الوقت مقدم على الطهارة المائية، لا من باب ترجيح احد المتزاحمين على الآخر ولا من باب تقديم أحد دليلي المتعارضين على الآخر، بل من باب الجمع العرفي بين الادلة. وبيان ذلك:

أن عندنا آيتين: اية تقول: «اقم الصلاة لدلوك الشمس الى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهوداً» ظاهر هذه الآية عرفاً الصلاة التامة. يعني الصلاة بتمام اجزائها وركعاتها لابد ان تكون محددة بالوقت محددة بين الحدين، كقوله عز وجل في آية أخرى: «إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتاً» يعني الصلاة التامة، الصلاة الموقوتة.

وهذا قد فسِّر في الاخبار، هنا رواية تدل على أن المراد بالصلاة هي الصلاة التامة، «باب 10 من ابواب المواقيت، حديث4»: احمد بن محمد بن عيسى عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن الفحاط بن زيد عن عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله ، في قول الله عز وجل ﴿اقم الصلاة لدلوك الشمس الى غسق الليل قال ان الله افترض اربع صلوات، اول وقتها زوال الشمس إلى انتصاف الليل، ومنها صلاتان أول وقتهما من عند زوال الشمس الى غروب الشمس إلا ان هذه قبل هذه، ومنها صلاتهما أو وقتهما من غروب الشمس الى انتصاف الليل إلا ان هذه قبل هذه». فظاهر هذه الرواية ان الصلاة المنظور اليها هي الصلاة التامة. اي الاربع ركعات.

الآية الثانية: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا، يعني الصلاة في الوقت، فإن ظاهر قوله «اذا قمتم» يعني الى الصلاة في وقتها، فالصلاة المؤقتة فرغ عنها، فرغ عن كون الصلاة مؤقتة، إذا قمتم للصلاة في وقتها فيشترط في صحتها الجامع بين الطهارة المائية والطهارة الترابية، إذن اصل الصلاة اشترط فيها الوقت، وفي طول ذلك، يعني الصلاة المؤقتة اشترط فيها جامع الطهارة بين الطهارة المائية والطهارة الترابية، فالجمع بين الآيتين يقتضي: أن الصلاة الأدائية اي الاربع ركعات في الوقت، هذا أمر مفروغ عنه، بعد المفروغية عنه يشترط فيه الجامع بين الطهارة المائية والطهارة الترابية، لذلك ورد في الحديث، «لا صلاة الا بطهور»، ولم يقل لا صلاة الا بوضوء، مما يدل على ان الشرط هو الجامع بين الطهارتين لا الطهارة المائية، وكذلك في روايات قاعدة لا تعاد قال: «لا تعاد الصلاة الا من خمسة القبلة والوقت والطهور» ولم

ولم يقل والوضوء. فبناء على ذلك لا دوران ولا تنافي، لأن شرطية الوقت في تمام الصلاة سابقة رتبة على شرطية جامع الطهور. فإذا دار امر المكلف بين ان يتيمم فيأتي بالصلاة تامة، اي الصلاة الموقوتة، وبين ان يتوضأ فيأتي الصلاة الموقوتة، لانه لم يدرك بها الا ركعة، حينئذ يتقدم الوقت لا لترجيح احد المتزاحمين، ولا لتقوية أحد المتعارضين بل للجمع العرفي بين الدليلين الذي ظاهره ان شرطية الوقت سابقة رتبة على شرطية الجامع بين الطهارتين فالمكلف ليس بحال تنافي اصلاً، فهو قادر على ان يحفظ كلا الشرطين، شرطية الوقت وشرطية الجامع بين الطهارة المائية والطهارة الترابية.

فإن قلت: ان لكل من الشرطين الاختياريين بدلا في طوله، فكما ان التيمم بدل عن الوضوء لدى العجز، فكذا درك ركعة من الوقت بدل عن تمامه من حديث «من ادرك» لا وجه لتقديم الاول على الثاني بل يمكن العكس، فيتوضأ وإن وقع مقدار من الصلاة حينئذ خارج الوقت، اذ لا ضير فيه بعد قيام الدليل على توسعة الوقت لما يشمل إدراك ركعة.

قلت: إن الحديث «من ادرك» خاص بما لو فات الوقت بحسب طبعه، إلا مقدار ركعة، ولا يشمل التعجيز الاختياري، اذ بعد التمكن الفعلي من درك الوقت في تمام الركعات مع التحفظ على جامع الطهور الذي هو الشرط لا سبيل الى تفويت الوقت اختيارا بالتحفظ على الوضوء. ثم يقول: نعم، لو عصى وفوت شمله حديث من ادرك، لصدق العجز حينئذ، فيشمله الحديث.

إذن تبين لنا من كلام سيدنا الخوئي «قده»: ان تقديم الوقت في هذا الفرض لا من باب التزاحم ولا من باب التعارض، بل لأن مقتضى إطلاق دليل شرطية الوقت سبقه رتبة على شرطية الطهارة، وان الطهارة الجامع شرط في الصلاة الادائية دون العكس. كل ذلك في ظهور قوله تعالى «إذا قمت الى الصلاة» اي الصلاة الادائية، الصلاة في وقتها. عمدة دليله هو هذا. لذلك يقول لما فرغ عن الأدائية الادائية وجاءت شرطية الطهارة في رتبة سابقة قدمنا الوقت على الطهارة المائية.

فلو منع شخص من هذا الظهور وقال لا استفيد من قوله «اذا قمت الى الصلاة» الا الارشاد الى شرطية الطهارة، يعني ليس القيام مراداً جدياً حتى يقال: إنما يتصور القيام للقيام بالصلاة في الوقت، هذا مجرد تعبير عرفي كنائي عن شرطية الطهارة، فلا فرق بين هذين الدليلين، هذا الدليل ظاهر في الارشاد الى الوقت، وهذا الدليل ظاهر في الارشاد الى شرطية الطهارة، فكلا الدليلين في عرض واحد، فما هو المرجح لأحدهما على الآخر؟.

فإذا شكك في ذلك فيمكن ان يقال بكفاية الرواية، «باب 1من ابواب التيمم، حديث1»: صحيحة عمر ابن أذنية عن أحدهما قال: إذا لم يجد المسافر الماء فليطلب ما دام في الوقت، فاذا خاف ان يفوته الوقت فليتيمم».

«اذا خاف ان يفوته الوقت» هل بمقدار ركعة؟ او الوقت في تمام الصلاة؟ وظاهره: أن شرطية الوقت في تمام الصلاة سابقة على رتبة على شرطية الطهارة المائية.

الأمر الثالث: اذا دار الأمر بين شرطية الوقت في تمام الركعات كما هو محل البحث، واختيارية الاجزاء.

اما ان يصلي في الدار المغصوبة إيماء فيدرك الوقت في تمام الوقت، وإما أن يؤخر فيدرك أختيارية الاجزاء لكن لا يدرك من الوقت إلا ركعة،

السيد الخوئي قال بعكس صاحب العروة، فصاحب العروة قال بتقديم الوقت إيماء، والسيد الخوئي يقول: هنا يقدم الاختيارية، عليه ان يخرج من الدار المغصوبة ويصلي خارجها ولو بمقدار ركعة، والوجه في ذلك عنده يبتني على ركيزتين:

الاولى: أن هناك فرقا بين الجزء كالركوع وبين شرطية الطهارة، والفرق بينهما من جهتين: الأولى: أن الركوع المأمور به في الادلة ظاهر في الركوع الاختياري، اي الانحناء عن اختيار، متى ما اطلق الركوع في الادلة كان ظاهرا في الركوع الاختياري «اركعوا مع الراكعين»، وأما الإيماء فهو بدل تعبدي في فرض العجز عن الركوع وليس مصداقا للركوع لا عرفا ولا شرعاً. إنما هو بدل تعبدي.

أما الطهور، فصار ظاهر عرفاً في الجامع، وان لم يكن ظاهر عرفا في الجامع، لا اقل شرعا هو الجامع، فإن تعبيرات الشارع «لا صلاة إلا بطهور» بدل ان يقول إلا بوضوء، و«لا تعاد الصلاة الا من خمسة، احدها الطهور»، كل ذلك ظاهر في ان الطهور في عرف الشارع هو الجامع، لا الطهارة المائية. إذن الركوع ظاهر في الركوع الاختياري، والسجود ظاهر في السجود الاختياري، بينما الطهور ظاهر في عرف الشارع بالجامع.

يأتي الكلام حول الركيزة الثانية.

والحمد لله رب العالمين.