درس الفقه | 118

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

ما زال الكلام في طوائف النصوص المتعرضة لحكم الصلاة في السفينة، ووصل الكلام الى:

الطائفة الثانية: ما دلَّ على جواز الصلاة في السفينة في نفسه، نحو معتبرة ابن دراج، قلت لأبي عبد الله ع: «تكون السفينة قرينة من الجد فأخرج وأصلي؟ قال صلي فيها اما ترضى بصلاة نوح ع».

وموثقة يونس بن يعقوب بناء على وثاقة الحكم بن مسكين الواقع في الطريق، الذي وثقه سيدنا «قده» بوقوعه في أسناد كامل الزيارات، قبل رجوعه عن المبنى ووثقه جمع برواية البزنطي وابن ابي عمر عنه، «سأل أبا عبد الله عن الصلاة في الفرات وما هو أصغر منه من الأنهار في السفينة؟ فقال: إن صليت فحسن وإن خرجت فحسن». أنت مخير بين الأمرين.

الطائفة الثالثة: ما يتراءى منه عدم الصحة كصحيحة حماد بن عيسى قال: «سمعت ابا عبد الله يسئل عن الصلاة في السفينة فيقول: ان استطعتم ان تخرجوا الى الجدد فاخرجوا، فإن لم تقدروا فصلوا قياما، فإن لم تستطيعوا فصلوا قعدواً، وتحدروا القبلة». فإن ظاهرها ان الصلاة في السفينة اذا كانت معرضا للفوت فليس معذوراً في إقامة الصلاة فيها.

ومضمرة علي بن ابراهيم قال: «سألته عن الصلاة في السفينة فقال يصلي وهو جالس اذا لم يمكنه القيام ولا يصلي على السفينة وهو يقدر على الشط».

الطائفة الرابعة: سئل الصادق : «عن الرجل يكون في السفينة فتحضر الصلاة فيخرج الى الشط، قال أيرغب عن صلاة نوح، وتحضر الصلاة ويخرج للشط

فقال صل في السفينة قائما فإن لم يتهيأ لك فصلها قاعداً، فإن دارت السفينة فدر معها».

فإن ظاهر هذه الرواية أنه حتى لو كانت الصلاة في السفينة مفوتة وكان يمكنه الصلاة في الجدد فإنه يمكنه ان يصلي في السفينة، بل حثّ عليه فقال: «أيرغب عن صلاة نوح ».

وقع الكلام بعد عرضه هذه الروايات في الجمع بين الروايات. وهنا وجوه للجمع مترتبة:

الوجه الاول: هل ما دلَّ على جواز الصلاة في السفينة له اطلاق في نفسه بحيث يعارض ما دل على المنع، ولو على نحو التعارض غير المستقر؟ ام لا؟

اذ ما دلَّ على جواز الصلاة في السفينة ناظر الى حيثية الكون في السفينة لا جميع الحيثيات، فكأنه قال ان كونك في السفينة ليس مانعا من صحة الصلاة، يعني لم يؤخذ في صحة الصلاة ان لا تكون في السفينة، ولم يؤخذ في صحة الصلاة ان تكون على الأرض. فليس منظور هذه الروايات تصحيح الصلاة من جميع الجهات والحيثيات بل منظور هذه الروايات ان الكون في السفينة لا يصلح مانعا كما هو في كلمات العامة مثلا، وبالتالي لا اطلاق لها حتى تعارض ادلة المنع. ولا نظر فيها الى سائل ما يعتبر في الصلاة كي ينعقد الاطلاق بلحاظها، الا ترى انه لو سئل الامر عن حكم الصلاة في الحمام فقال لا بأس. فهل لهذا الجواب إطلاق يشمل حتى لو كانت الصلاة في الحمام عاريا، او انه كانت الصلاة حتى لو لغير القبلة. او انه في مقام البيان من هذه الحيثية وهي انه كونك في الحمام ليس مانعا من صحة الصلاة، فلا إطلاق.

هل هذا الجواب يشمل مثل مرسلة الصدوق؟ او ظاهر مرسلة الصدوق، سأله عن الصلاة الاضطرارية في السفينة مع تمكنه من الصلاة الاختيارية في الجدد.

تقول الرواية: سئل الصادق عن الرجل يكون في السفينة وتحضر الصلاة أيخرج الى الشط؟ قال: لا، أيرغب عن صلاة نوح، فقال صلي في السفينة قائما» يعني منظوره فرض عدم التمكن من الصلاة الاختيارية. فإن منظور الرواية الصلاة الاضطرارية في السفينة. «فإن لم يتهيأ لك من قيام فصلي قاعداً». وكذلك مسألة القبلة.

الوجه الثاني: ان يقال بأن الطائفة المجوزة للصلاة في السفينة خارجة عن إطار التعارض، إما لضعف السند كما في مرسلة الصدوق ورواية الفقه الرضوي، أو لإجمال الدلالة، كما في معتبرة جميل، «قال لأبي عبد الله ع تكون السفينة قريبة من الجدد فأخرج وأصلي؟ قال صلي فيها، اما ترضى بصلاة نوح»، فيقال هل المنظور في معتبرة جميل الصلاة الاضطرارية او الصلاة الاختيارية؟ فإن كان المنظور الصلاة الاختيارية فلا ينسجم ذلك مع التشبيه بصلاة نوح، فإن القدر المتيقن من صلاة نوح انها صلاة اضطرارية. واذا كان المنظور في هذه المعتبرة الصلاة الاضطرارية فهل يحتمل ان يحث الامام عن الصلاة الاضطرارية مع القدرة على الصلاة الاختيارية؟! إذن معتبرة جميل في حد نفسها غير قابلة للاستدلال حتى تدخل في إطار التعارض، فالمنظور في معتبرة جميل اما الصلاة الاختيارية وهو خلف القدر المتيقن من صلاة نوح، وإما الصلاة الاضطرارية ولا ينسجم الترغيب فيها، مع تمكنه من الصلاة الاختيارية بان يخرج الى الجدد ويصلي.

الوجه الثالث: على فرض الاطلاق من كلا الجانبين «المانع والمجوز» وان مثل معتبرة جميل بن دراج مطلقة، تشمل فرض الاختيار والاضطرار، فان هناك شاهد جمع بين المانع والمجوز. الطرف المانع في «باب47 من ابواب ما يكتسب به، الوسائل» حيث قال: «سئل عن ركوب السفينة او ركوب البحر للتجارة، قال: يغرر بدينه. الطرف المجوز: معتبرة جميل ابن دراج «اما ترضى بصلاة نوح»، وهناك شاهد جمع بينهما وهو الطائفة الثالثة التي هي صحيحة حمّاد بن عيسى:

سمعت أبا عبد الله يسئل عن الصلاة في السفينة فيقول ان استطعتم أن تخرجوا الى الجدد فاخرجوا، فإن لم تقدروا فصلوا قياماً، فان لم تستطيعوا فصلوا قعوداً وتحروا القبلة». فيقال بان ظاهر صحيحة حماد بن عيسى بأنه لو تمكن من الاختيارية بالخروج الى الجدد يخرج، وان لم يتمكن فإنما يجوز له الصلاة في السفينة اذا كانت صلاة اضطرارية لا يمكنه الخروج. يعني لا يعذر في الصلاة الاضطرارية الا اذا كان غير قادر على الخروج. «إن استطعتم ان تخرجوا الى الجدد فاخرجوا فإن لم تقدروا...» ان استطعتم الصلاة الاختيارية فهي متعينة عليكم، وان لم تستطيعوا الصلاة الاختيارية جاز لكم الصلاة في السفينة. فهي فصلت بين الفرضين فتكون شاهد جمع بين الطرف المانع والطرف المجوز. فيحمل المانع على فرض استطاعة الصلاة الاختيارية، ويحمل المجوز على فرض عدم القدرة على الصلاة الاختيارية. بناء على أن صحيحة حمّاد لا تصلح ان تكون شاهد جمع بلحاظ نظر الروايات المجوزة لفرض الاختيار.

الوجه الرابع: ما ذكره سيدنا الخوئي «قده»، قال في «ص91»: مقتضى الجمع بين معتبرة جميع الذي تقول اجلس في السفينة، وبين صحيح حماد الذي يقول اخرج ان استطعت، حمل الطائفة الاولى وهي معتبرة جميل على قدرته على رعاية الاجزاء والشرائط الاختيارية، والثانية: وهو صحيحة حماد، على فرض عدم القدرة، لما فيها من الشواهد على ذلك. يقول: بأن قول الإمام ان لم تقدروا فصلوا قياما، ظاهره انه لا يقدر على الصلاة الاختيارية الا اضطراراً. فظاهره ان الصلاة الممكنة في السفينة هي الصلاة الاضطرارية، ولذلك قال صلي قائماً.

الوجه الخامس: مع غض النظر وتسليم امتناع الجمع، _يعني لو سلمنا أن الجمع السابق غير تام اذ لا يوجد قرينة عليه_، فيمكننا علاج المعارضة بوجه آخر، ونقول: أن النسبة بين الطائفتين «معتبرة جميل وصحيحة حماد» وإن كانت هي التباين ابتداءً لأن معتبرة جميل تقول: «صلي فيها اما ترضى بصلاة نوح»، وصحيحة حماد تقول: «ان استطعتم ان تخرجوا فاخرجوا»، فبينهما تباين، لكن هذه النسبة تنقلب الى العموم والخصوص المطلق بعد ملاحظة موثقة يونس ابن يعقوب المتقدمة. يقول اذا لاحظنا النسبة بين موثقة يونس، وبين صحيحة حماد. فموثقة يونس تقول: «ان صليت فحسن، وان خرجت فحسن»، معناه يوجد مساواة بين الصلاة في السفينة والصلاة خارجها، ولا يحتمل المساواة الا اذا تساوتا في الكيفية، وإلا لو لم تتساوى في الكيفية بأن تكون الصلاة في السفينة اضطرارية هل يحتمل من الإمام ان يقول انهما سواء؟. هي يحتمل ان يقول الامام ان المساواة بين الاضطرارية والاختيارية حسن؟ فهذا غير ممكن. إذن هذه قرنية، اي بمقتضى مناسبة الحكم للموضوع، ظهور موثقة يونس في الصلاة الاختيارية، فإن وجودك في السفينة ليس مانعاً، فاذا كان مورد موثقة يونس خصوص الصلاة الاختيارية، فالنسبة بينها وبين صحيحة حماد القائلة «إن استطعتم ان تخرجوا فاخرجوا» نسبة المطلق والمقيد، فنقيد صحيحة حماد بموثقة يونس، يعني لا يجب الخروج ان قدرت على الصلاة الاختيارية في السفينة، وبعد تخصيص صحيحة حماد بموثقة يونس يكون مفاد صحيحة حماد أنه يجوز الصلاة في السفينة في حال عدم القدرة على الخروج، فيكون مفادها اخص من مفاد معتبرة جميل، قلبت من التباين الى العموم والخصوص المطلق، فبناء على نظريته من انقلاب النسبة لابد ان يحلى التعارض بما ذكر. قال: وأما الدلالة فهي «موثقة يونس» في كمال الظهور في الاختصاص بالصلاة التي يمكن فيها من استيفاء الافعال الاختيارية، حيث لا فرق بينها وبين الصلاة الواقعة خارج السفينة، من غير ناحية المكان، إن صليت فحسن وإن خرجت فحسن، فإنه كالصريح في ان المفروض هو التساوي بين الصلاتين وعدم الفرق الا من حيث المكان، فلا يحتمل الاطلاق فيها حتى لفرض عدم الصلاة الاختيارية. وعليه بما ان موثق يونس اخص من صحيحة حماد كما لا يخفى، فتخصص بها، فتبقى حتى التخصيص تحتها «اي تحت صحيحة حماد» الصلاة التي لا يتمكن فيها من الافعال الاختيارية، وبعدئذ تنقلب النسبة بين صحيحة حماد ومعتبرة جميل من التباين الى العموم المطلق، لكون الثانية وهي معتبر جميل، فتخصص بالأولى وهي صحيحة حماد وتكون النتيجة اختصاص معتبرة جميل بالصلاة التي يتمكن فيها من الاستيفاء فلا إطلاق لها بالإضافة الى غيرها، كما لا تعارض اصلا. هل أن صحيحة حمّاد مطلقة؟ يعني للاختيارية والاضطرارية حتى نخصصها بموثقة يونس فنحملها على الصلاة الاختيارية؟ نقول: مقتضى ظاهر صحيحة حماد بمقتضى مناسبة الحكم للموضوع، أن موردها الصلاة الاضطرارية في السفينة. مقتضى مناسبة الحكم للموضوع النظر لفرض العذر وعدم القدرة على الصلاة الاختيارية فهي «صحيحة حماد» اخص مطلقا من معتبرة جميل، ومع كون نسبة صحيحة حماد انه اخص مطلق وموثقة يونس انه اخص مطلق، فلا موضوع لنظرية انقلاب النسبة. إنما انقلاب النسبة اذا كان بين الدليل تباين ويوجد اخص من احدهما، او يكون بين الدليلين عموم من وجه، ويوجد أخص من احدهما، فنخصص احدهما بهذا الخاص فتنقلب النسبة بينه وبين مباينه، او الثاني الاعم منه من وجه، اما اذا يوجد عندنا دليل عام وله مخصصان في عرض، فلا معنى لأن يخصص بأحدهما اولا ثم تلاحظ النسبة بينه وبين الآخر، بل يخصص في كليهما بعرض واحد، ولا موضوع لنظرية انقلاب النسبة. إذن هذا الوجه الذي افاده «قده» غير تام.

والحمد لله رب العالمين.