درس الفقه | 121

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

وصل الكلام الى الوجه الثالث الذي تمسك به لإثبات تقديم الركوع والسجود الاختياريين على القيام، فإنه اذا دار امر المكلف بين ان يصلي قائما موميا أو ان يصلي جالسا مع التحفظ على الركوع والسجود الاختياريين، وإن صلى جالساً. ووصل الكلام للوجه الثالث للتمسك بهذا القول.

الوجه الثالث: وهو التمسك بقوله : «وما من شيء حرمه الله الا وقد احله لمن اضطر اليه». وبيان الاستدلال بذكر أمور:

الأمر الأول: إنّ هذا الحديث وهو «ما من شيء حرمه الله الا وقد أحله لمن اضطر إليه»، طبقه الإمام لفرض الاضطرار لترك امتثال التكاليف الضمنية. حيث مرة علينا هذه الصحيحة سابقاً، «سألته عن المريض هل ترفع له المرأة شيئاً فيسجد عليه؟ قال: لا، الا ان يكون مضطراً لذلك وما من شيء حرمه الله الا وقد احله لمن اضطر اليه». فطبق الاضطرار على الاضطرار لترك امتثال التكليف الضمني. حيث إن المكلف مكلف ضمن الصلاة بوضع جبهته على الأرض فاذا اضطر ذلك لمرضه شمله كبرى «وما من شيء حرمه الله الا وقد أحله لمن اضطر اليه». اذن هذه الكبرى تشمل التكاليف الضمنية. الامر الثاني: اذا دار الامر بين واجبين ضمنيين فالمكلف مضطر لترك احدهما، أما هو مضطر لترك القيام، او هو مضطر لترك الركوع والسجود الاختياريين، قطعا هو مضطر لترك أحدهما. إذن حديث «وما من شيء حرمه الله وقد أحله لمن اضطر اليه»، يشمله في أحدهما، لكن ما هو المضطر اليه منهما كي يكون موضوعا لتطبيق هذا الحديث؟ هنا نحتاج الى متمم الجعل التطبيقي الذي يعين لنا ما هو المضطر اليه منهما. فإذا رجعنا الى الأدلة الأخرى التي تقول: «الصلاة ثلاثة أثلاث، الطهور والركوع والسجود»، ورجعنا الى صحيحة ابن سنان: «ان الله فرض من الصلاة الركوع والسجود، الا ترى لو أن رجلاً دخل الإسلام وهو لا يحسن ان يقرأن اجزاه ان يكبر ويسبح ويصلي». استفدنا من هذه الأدلة ان الركوع والسجود الاختياريين اهم من القيام. اذن اذا دار الامر بين ان يترك الركوع وبين ان يترك الركوع والسجود الاختياريين، فالمضطر لتركه بنظر المرتكز المتشرعي هو القيام. لا الركوع والسجود الاختياريان، إذن يصرف قدرت في الركوع والسجود الاختياريين ويجلس. الامر الثالث: ما هو الدليل على الامر بصلاته هذه، وهي التي اختار فيها ان يصلي فيها جالسا مع الركوع والسجود الاختياريين، ما هو الدليل على الأمر بها؟ الدليل على الأمر بها: اما الاطلاق المقامي لهذه الرواية حيث لم يأمره بالاعادة، قال: «ترفع له المرأة شيئاً فتسجد عليه، إلا ان يكون مضطرا» يعني اذا كان مضطرا لذلك فلا بأس ان ترفع له المرأة شيئا يسجد عليه، «ولا يعيد» نستفيدها من الإطلاق المقامي. او من اطلاقات الامر بالصلاة بناء على ان الاطلاق الاولية في قوله «اقم الصلاة» في مقام البيان من تمام الجهات، ومقتضى كونها في مقام البيان شمولها لهذه الصلاة، فتكون هذه الصلاة امتثالا لتلك الأوامر فلا اعادة عليه. ولكن سبق الكلام في هذا الوجه مراراً، وقلنا بأن المقدمة الأولى منه ممنوعة، أي لا يستفاد من الرواية تطبيق كبرى «وما من شيء حرّمه الله الا وقد أحله لمن اضطر اليه» على ترك التكليف الضمني، بل قد يقال: بان هذا المكلف مضطر لاحد امرين: اما ان يصلي واضعا جبهته على الارض وإما أن يصلي معتمدا على ما ترفعه المرأة. فهو مضطر لترك الواجب الأولي وهو الواجب النفسي، أي الصلاة المشتملة على وضع الجبهة على الارض، هذا المركب بتمامه هو مضطر لتركه، فقال ع: اذا اضطر لترك هذا الواجب النفسي المركب وهو الصلاة المشتملة على وضع الجبهة على الأرض إذا اضطر اليه فيشمله «وما من شيء حرمه الله الا وقد احله لمن اضطر اليه» ويلجأ لمركب آخر بأمر آخر. لا أن الإمام طبّق الكبرى على امتثال الأمر الضمني.

وثانيا: بان هذا الاستدلال متوقف على ان اثبات الركوع والسجود الاختياريين متوقف على إثبات أن الركوع والسجود الاختياري أهم من القيام في فرض الدوران بينهما. وهذا مما لا يثبت بهذه الأدلة، يعني غاية ما يثبت بهذه الأدلة أن الركوع والسجود الاختياريين مقومان للصلاة، اما اذا دار الامر بينهما وبين مثل القيام فهما هي الوظيفة؟ ستأتي روايات نتكلم فيها حول ما هي الوظيفة. ثم ان السيد الاستاذ «دام ظله» بحسب تقرير بحثه، اختار القول السابق وهو تقديم القيام، إذا دار الأمر بين القيام مومياً وبين الصلاة جالساً مع الركوع والسجود الاختياريين فإنه يتعين في حقه القيام، للأدلة الخاصة. وعندنا روايات خاصة ترشد الى تعين القيام في حقه. والروايات الخاصة، هي:

الرواية الأولى: صحيحة علي بن يقطين عن ابي الحسن موسى قال: «سالته عن السفينة لم يقدر صاحبها على القيام، أيصلي فيها وهو جالس يومي او يسجد؟ قال: يقوم وإن حنى ظهره». أي وان وقف منحني الظهر. فإنه يقال بان مقتضى اطلاق هذه الرواية ان القيام مقدم على الصلاة جلوسا ولو كانت الصلاة إيمائية، بل وإن كانت الصلاة مشتملة على السجود الاختياري. ولكن يلاحظ على الاستدلال: بان ظاهر هذه الرواية ان المكلف مأمور بتكلف القيام ولو كان عن انحناء، فهي في مقام بيان ان المكلف مأمور بالتصدي للقيام ولو أتى به منحنياً، وهذا مما يجتمع مع الركوع الاختياري والسجود الاختياري، فليست الرواية ناظرة الى دوران بين قيام موميا او جلوس جالسا اختياراً. وإنما الرواية ناظرة إلى أن القيام بالنسبة للمكلف لازم ولو بأن يأتي به منحنيا، وهذا النوع من المفاد يجتمع حتى مع الركوع والسجود الاختياريين، فلا يستفاد منها انه لو دار الامر بين الركوع والسجود الاختياريين لكان القيام مقدماً.

الرواية الثانية: صحيحة الحلبي، عن أبي عبد الله ، قال: «سألته عن المريض اذا لم يستطع القيام والسجود؟ قال يومي برأسه ايماء وان يضع جبهته على الارض احب إليَّ». وقد افاد التقرير: بان في الرواية محتملين: المحتمل الاول: هو أن لا يتمكن من الجمع بينهما، اذا لم يستطع القيام والسجود، يعني لا يستطيع الجمع بينهما، فقال يومي، يعني يصلي قائماً مومياً. فتدل الرواية على حكم محل الكلام وهو ان القيام مومياً مقدم على غيره.

المحتمل الثاني: أن لا يتمكن من شيء منهما، «سألته عن المريض اذا لم يستطع القيام والسجود؟»، يعني لا يتمكن من شيء منهما، ففي هذا الظرف يومي ايماءً. فيدور الامر بين محتملين: المحتمل الاول: ان مقصود السائل انه لا يستطيع الجمع بين القيام والسجود، فالامام قال: اذا لم يستطع القيام فيومي. يعني يصلي قائما مومياً، لأنه لو اختار السجود لصلى ساجدا اختياراً. وبين أن يكون مراد السائل لا يتمكن لا من القيام ولا من السجود، فوصل الى الحد الذي لا يمكن في حقه الا ان يومي إيماءً. يقول التقريب: والذي يرجح الاحتمال الأول إن الإمام ما ذكر الجلوس، لو كان ناظرا للمحتمل الثاني وهو الشخص الذي لا يتمكن لا من قيام ولا من سجود لقال فليصلي جالسا ويومي، ما ذكر الصلاة جالساً، فعدم ذكر الصلاة جالسا يعني عدم تحديد ان وظيفته الجلوس شاهد على نظره للمحتمل الاول وهو ان يصلي جالسا مومياً. ولكن يلاحظ على ما أفيد: إن الظاهر من مفروض السؤال عدم التمكن من شيء منهما، «سألته عن المريض اذا لم يستطع القيام والسجود»، يعني ان مريض لا يستطيع ان يصلي صلاة اختيارية، مشتملة على قيام وسجود، فالإمام أجابه بان وظيفته الإيماء، «وإن استطاع ان يضع جبهته على شيء من الارض ويتكلف ذلك فهو أحب إلي فهو افضل وإن كان ليس واجبا عليه» وإنما لم يذكر الجلوس فلوضوحه، فعدم ذكر أن الوظيفة هي الجلوس لوضوح ذلك في البين. إذن فلا دلالة في الرواية على أن الوظيفة القيام إيماءً. ومثل هذه الرواية وهي موثق عمار عن ابي عبد الله : «قال: المريض اذا لم يقدر ان يصلي قاعداً، كيف قدر صلى إما أن يوجه فيومي إيماءً». فنقول: مقتضى هذه الرواية إن الإيماء يتعين في آخر مرحلة وهي في العاجز، لا دليل على بدلية الإيماء على شمولها لمن دار أمره بين أن يقوم او يصلي جالساً فيدرك الركوع والسجود الاختياريين، لانّ موضوع أدلة بدلية الإيماء المريض العاجز، فدعوى شمول أدلة الإيماء لشخص، قادر على الركوع والسجود، لكن وقت القراءة يصلي جالساً فهل تشمله أدلة الإيماء بأن يصلي قائما ويكتفي بالإيماء؟ لا يحرز شمولها بعد ان كان موضوعها في الأدلة المريض. الرواية الثالثة: الروايات التي دلت على بدلية القيام ن الشخص اذا لم يقدر على القيام يصلي جالساً، وهي ما ورد فيها «وإن قم فليقم». يقول: مقتضى اطلاق هذه الادلة انه متى قوي فليقم، ولو استلزم أن يصلي إيماءً. وقد اشكل المحقق الهمداني «قده» على الاستدلال بروايات القيام لمثل محل كلامنا، فقال المنصرف من روايات القيام هو القيام المتعارف، وهو القيام الذي يجتمع مع الركوع والسجود، لا القيام ولو مومياً، «إذا قوي فليقم منصرفها أنه اذا قدر على الصلاة الاختيارية التامة يأتي بها، فمنصرفها القيام المتعارف الذي يجتمع مع الركوع والسجود الاختياريين، اما لو فقدهما بالقيام فلا دليل على إطلاق هذه الروايات لمثله. لم يقبل السيد الاستاذ بحسب ما في التقرير كلام المحقق الهمداني. قال: الجواب ان الصلاة قائما، قد تكون مع الإيماء كصلاة العاري، وظيفته القيام وأن يضع يده على عورته، ويومي للركوع والسجود، وقد تكون مع الركوع والسجود، وحيث ان الرواية واردة في مقام الفتيا ولم يقيدها الامام بما اذا كان الركوع والسجود الاختياريين فمقتضى إطلاق الرواية في قوله: «إذ قوي فليقم» لما اذا لزم من القيام الإيماء. ولكن قد يقال: بان ورود الرواية في مقام الافتاء لا يعني إطلاق مدلولها، لأنها في مقام بيان تقديم أصل القيام على الجلوس، لا في مقام بيان تقديم القيام بتمام الخصوصيات والملابسات على الجلوس، لما افاده السيد الاستاذ نفسه من ان الروايات الواردة في مقام الافتاء تنصرف الى الفرض المتعارف ولا يحرز إطلاقها لأكثر من الفرض المتعارف وهو القيام المجتمع مع الركوع والسجود الاختياريين. الرواية الرابعة: صحيحة حماد بن عثمان عن ابي عبد الله ، سئل عن الصلاة في السفينة؟ قال يستقبل القبلة، - إلى ان قال_: فإن امكنه القيام فليصلي قائماً، وإلا فليقعد ثم ليصلي». وقد ذكر في التقرير: أن المتعارف في الصلاة في السفينة هو الإيماء، بل قد ورد في بعض الروايات إن الصلاة في السفينة إيماء. فعندما يقول الإمام «فليصي قائما وإن لم يقدر فليقعد»، معناه فليصلي قائما مومياً. فيمكن دعوى أن المراد بتقدم القيام في الرواية هو خصوص صورة الايماء، يعني القيام مومياً، في قبال قول أبي حنيفة القائل: بسقوط القيام اذا لم يكن قادرا على الركوع والسجود الاختياريين، ومقتضى اطلاق هذه الرواية تقدم القيام مطلقا في تمام الاحوال وفي الجلوس مطلقا وفي تمام الاحوال. ويلاحظ عليها ما لوحظ على سابقتها. الرواية الخامسة: صحيحة معاوية بن عمار، وفيها: «تصلي قائماً فإن لم تستطع فصلي جالساً». وقوله ع: «فإن لم تستطع» مطلق. يعني اذا لم تستطع حتى مع الإيماء، فصلي قائما يعني حتى مع الإيماء، وإذا لم تستطع حتى مع الإيماء تصلي جالساً. والملاحظة على سائر هذه الروايات انها في مقام بيان التحفظ على شرطية القيام في نفسه، مقابل الجلوس لا النظر للقيام بتمام الخصوصيات والملابسات، خصوصا مع ما ذكرنا من أنه حتى لو اخترنا القيام فمشروعية القيام في حقه تحتاج الى دليل، وحيث إن أدلة الإيماء موضوعها المريض العاجز فلا يحرز شمولها لمثل هذه الصورة. فالنتيجة: ان الصحيح ما اختاره السيد الخوئي «قده» في هذا المقام من التخيير بين الصلاة قائما موميا، او الصلاة جالساً. والسر في ذلك، ما افاده السيد الخوئي «قده» من انه لما دار أمر المكلف بين ان يصلي قائما موميا او يصلي جالساً، سقط الأمر بالمركب منهما لعجزه عن هذا المركب التام، وثبت في حقه امر جديد ولا ندري أن هذا الامر الجديد مع الشق الاول او مع الشق الثاني، لذلك لابد من الرجوع الى أدلة دليل جزئية القيام ودليل جزئية الركوع والسجود، فإن كان أحدهما عام والآخر مطلق، قدم العام عليه، وان كانا كلاهما مطلقين وقع التعارض بين هذين الاطلاقين، واذا وقع التعارض بين هذين الاطلاقين وتساقطا وصلت النوبة الى الاصل العملي، وحيث إن المقام من باب دوران الأمر بين التعيين والتخيير، إذ لا يدري هل يتعين عليه القيام، او يتعين عليه السجود والركوع الاختياريان؟ او انه مخير بينهما؟، فما دام يحتمل التخيير ولو خمسة بالمئة إذن تجري البراءة عن تعين كل منهما وتكون وظيفته التخيير. نعم، اذا استفدنا من روايات التثليث «الصلاة ثلاث اثلاث: طهور وركوع وسجود»، أو من صحيحة ابن سنان: «إن الله فرض من الصلاة الركوع والسجود» ان الركوع والسجود الاختياريين اهم مطلقاً، فهذه الروايات منبه على أن اطلاق دليل الركوع والسجود الاختيارين شامل لمثل هذه الصورة دون العكس، وهو دليل شرطية القيام، فمقتضى ذلك تقدم الركوع والسجود الاختياريين في حقه. اما اذا لم نستفد وقلنا ان قوام الصلاة بالركوع والسجود، ولا اطلاق فيها لما اذا دار الامر بين الركوع والسجود الاختياريين وشرط آخر، إذن الأمر كما ذكره السيد الخوئي، لمن احتمل التخيير. وأما من لم يحتمل التخيير فمتقضى العلم الإجمالي المنجز في حقه ان يجمع بين الصلاة قائما مومياً، وبين الصلاة جالساً مع الركوع والسجود الاختياريين. تم الكلام في هذه المسألة.

ندخل في شرط جديد، هو هل يشترط في صحة الصلاة عدم التقدم على قبر المعصوم أم لا؟.

والحمد لله رب العالمين.