درس الفقه | 122

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

من الشروط التي تعرّض لها سيد العروة في مكان المصلي: «أن لا يكون المصلي متقدما على قبر معصوم، ولا مساوياً له مع عدم الحائل المانع الرافع لسوء الأدب على الأحوط». والكلام يقع في موردين: المورد الأول: في التقدم على قبر المعصوم حال الصلاة، هل هو جائز أم لا؟ والكلام فعلا في مستند هذه المسألة.

وقد ذكر كمستند للمسألة عدة روايات: الرواية الأولى: ما رواه الشيخ «قده» في «التهذيب» بإسناده عن محمد ابن أحمد ابن داوود عن ابيه، قال: حدثنا محمد ابن عبد الله الحميري، قال: «كتبت إلى الفقه عن الرجل يزور قبور الأئمة هل يجوز ان يسجد على القبر أم لا؟ وهل يجوز لم صلى عند قبورهم ان يقوم وراء القبر ويجعل القبر قبلة، أو يقوم عند رأسه ورجليه، وهل يجوز أن يتقدم القبر ويصلي ويجعله خلفه أم لا؟ فأجاب، وقرأت التوقيع ومنه نسخت، وأما السجود على القبر فلا يجوز في نافلة ولا فريضة، ولا زيارة، بل يضع خده الأيمن على القبر، وأما الصلاة فإنها خلفه «اي خلف القبر» ويجعله الأمام، ولا يجوز أن يصلي بين يديه، لان الإمام لا يتقدم، ويصلي عن يمينه وشماله». وقد وقع الكلام في هذه الرواية سنداً ودلالة. أما السند: فقد ضعّفه المحقق «قده»، ومنشأ البحث: ان سند الشيخ «قده» لمحمد ابن احمد ابن داوود في الفهرست، هل يشمل ما رواه عنه في التهذيبين؟ أم لا؟ فإن المفروض ان الشيخ «قده» لم يذكر سنده إلى محمد ابن احمد ابن داوود في المشيخة، حتى تدخل الرواية ضمن ذلك السند، ولكن في الفهرست ذكر سنده إلى محمد ابن احمد ابن داوود، فهل يشمل ما ذكره في الفهرست من السند، ما رواه في التهذيبين عن محمد بن احمد بن داوود؟ أم تكون الرواية في التهذيبين مقطوعة السند، باعتبار ان سند الفهرست لا يشملها. فهنا وقع الكلام في هذه النقطة.

وقد ذكر الاردبيلي في جامعه، ان سند الشيخ إلى ابن داوود صحيح في المشيخة والفهرست. ولكن كلام الاردبيلي محط ملاحظة من ناحيتين:

الأولى: ان الشيخ في المشيخة ما ذكر سنده إلى محمد بن احمد بن داوود، ومجموع من ذكر الشيخ اسانيده إليهم في المشيخة أربع وثلاثون شخصا ليس منهم محمد بن احمد بن داوود، مما يكون منبها على اشتباه المقدس الاردبيلي.

ثانياً: ومما يؤكد الاشتباه ان الاردبيلي نسب إلى الشيخ «74» شخصا في المشيخة، بينما الموجودون أربع وثلاثون، فموارد الاشتباه تبلغ أربعين شخصاً. ولا يحتمل عرفا ان للأردبيلي نسخة للمشيخة تختلف عن النسخة المعروفة، بلحاظ ان نسخ المشيخة كالتهذيبين متواترة جيلا عن جيل. فلعل منشأ اشتباهه الخلط بين مسوداته عن مشيخة الصدوق ومسوداته عن مشيخة الشيخ. فإن أكثر من ذكرهم من هؤلاء الأربع والسبعين موجودون في مشيخة الصدوق، فهذا منبه على اشتباهه بين المسودتين. ويحتمل في موردين ايضا، ان يكون منشأ الاشتباه بين نقد الرجال لابن الغضائري وبين مشيخة الشيخ لوجود من نقل عنهم في كتاب نقد الرجال. وأما ما هو جوهر الكلام، وهو هل ان سند الشيخ في الفهرست يشمل ما رواه أحمد ابن محمد ابن داوود في التهذيبين أم لا؟ فقد اعتمد على ذلك الشيخ البهائي والتفريشي، قالوا يشمل، وأيضاً ما نقل هنا سيدنا الخوئي في «التنقيح، ج13، ص101»: ان الميرزا الاسترابادي في منهج المقال، ايضاً نص على الشمول، في «ص407» قال: ان الشيخ لم يستقصي جميع طرقه في المشيخة، بل ذكر جملة منها وأحال الباقي على الفهرست، وبما أن فريقة إلى الرجل محمد ابن احمد ابن داوود في الفهرست صحيح، إذن تثبت صحة الرواية المنقولة في التهذيب. وناقش في ذلك السيد البروجردي في مقدمة «جامع الرواة»، بأن طرق الشيخ في الفهرست لا يحرز شمولها لمن روى عنه في التهذيبين، حيث قال: ان الفهرست لم يوضع لإخراج الروايات التي أوردها الشيخ في كتبه من الارسال. يعني ان الغرض والمقصود من فهرست الشيخ أن يخرج كل رواياته التي رواها في كتبه من الإرسال إلى الإسناد حتى يمسك بهذا الطريق إلى ما رواه في التهذيبين. بل غرضه مما ذكره من الاسانيد في الفهرست هو بيان مشيخته، لا أن غرضه إخراج الروايات التي رواها في كتبه عن الارسال إلى الإسناد حتى يعم السند المذكور في الفهرست ما رواه في التهذيبين. فهذا ليس ضمن غرضه. ولكن ذكر السيد الأستاذ «دام ظله» بحسب التقرير المذكور: انه قد يشكل على السيد البروجردي. "بان القصد لا يهمنا، لنفرض أن مقصود الشيخ الطوسي في الفهرست هو فقد بيان مشايخه، لا انه في مقام اخراج الروايات التي رواها من الارسال إلى الإسناد، مع ذلك إذا ذكر روايات عبارات عامة نتمسك بعباراته العاملة، فهل ان العبارة في طريقه على محمد بن احمد ابن داوود عبارة عامة حتى بها لمثل روايته الواردة في التهذيبين أم لا؟ والمدار على العبارة مع غض النظر عن مقصده. يقول في الفهرست: اخبرنا بجميع كتبه ورواياته، فلان عن فلان عن فلان، والسند صحيح. فإذا قال اخبرنا بجميع كتبه ورواياته، فللنظر هذه أن هذه العبارة تشمل ما رواه عنه في التهذيبين أم لا؟ فلأجل ذلك تارة نتمسك بعنوان «رواياته»، وتارة نتمسك بعنوان كتبه. فأما عنوان رواياته: هل يشمل عنوان «رواياته» أحاديثه التي رواها عنه الشيخ في التهذيبين فنقول هذه من رواياته فيشمله السند المذكور في الفهرست. يقال في المقابل ان كلمة «رواياته» تحتمل عدة معاني: المعنى الأول: ان المراد ب «رواياته» رواياته للكتب، يقول: إن الشيخ يذكر هذه العبارة «رواياته» في الطبقة السادسة من الرواة فمن بعدهم، وحيث إن المتعارف في هذه الطبقة فما بعدها أن شيوخ الإجازة كانوا يجيزون لطلابهم رواية كتبهم ورواية ما يروون من الكتب، فعندما يجيز طلابه، يقول له: آذن لك، أو أجيز لك أن تروي عني كتبي ورواياتي لكتب الآخرين، هنا لأن عادة الاجازة تكون بهذا النحو، يقال من روايات هذا الطالب كذا، ولا يقصد من رواياته أحاديثه عن المعصوم، وإنما يقصد من «رواياته» روايته للكتب التي أجزيت من قبل شيخه. كانوا يجيزون كتبهم التي ألفوها للرواة عنهم، وكتب مشائخهم التي يروونها، فإجازة الروايات عبارة عن إجازة الكتب المروية كما يظهر ذلك أيضاً في مقدمة الفهرست للشيخ الطوسي. إذن بالنتيجة بناء على هذا المحتمل لا يفيدنا، لأن هذا المحتمل يعني ب «رواياته» رواياته للكتب، وما هو موجود في التهذيبين حديث من أحاديث للمعصوم وليس رواية لكتاب. المعنى الثاني: ان المراد بالروايات، الروايات الواقعية، لان العنوانين تحمل على مفاهيمها الواقعية، «رواياته» يعني ما كانت رواية له واقعاً، أو «حديث» ما كان حديثا له واقعاً، فاذا كان المراد بالروايات الروايات الواقعية فما الذي يثبت أن هذا الحديث المذكور في التهذيبين هو من رواياته الواقعية، والمفروض انه لم يتم سند صحيح إليه. فالتمسك بالطريق المذكور إلى الفهرست إلى رواياته الواقعية لإثبات صحة حديثه المذكور في التهذيبين من باب التمسك بالدليل في الشبهة المصداقية، اذ لا نحرز إن هذا من رواياته الواقعية ما دام السند اليه لم يتم في التهذيبين. المعنى الثالث: أن يكون المراد ب «رواياته» ما روي عنه، اي ما نسب عنه في الكتب. كأنما الشيخ يقول: «اخبرنا بجميع رواياته»، يعني كل رواياته المنسوبة اليه في الكتب يشملها هذا السند. فهذا غير معقول، لأنّ الراوي عن محمد ابن أحمد لا يمكن ان يلتزم بأن طريقه إلى محمد ابن احمد يشمل كل ما ينسب إلى محمد ابن أحمد ولو نسب من غيره، أو ولو نسب بعد وفاته، باعتبار ان الروايات المنسوبة إلى محمد ابن احمد تشمل جميع الكتب، فتشمل حتى ما نسب اليه حتى بعد وفاة الراوي عنه في ذلك الطريق، فلا يعقل ان يلتزم من يروي عن أحمد ابن محمد بأن طريقه يشمل كل ما ينسب إلى محمد أبن أحمد ولو في كتاب سيأتي بعد خمسمائة سنة. فهذا غير محتمل. المعنى الرابع: ان المراد ب «رواياته» يعني رواياته التي انا أرويها، يعني ما ثبت لي انه من رواياته، فهي منصرفة إلى رواياته التي رواها الشيخ أو ثبتت عند الشيخ لا رواياته الواقعية، ولا رواياته بمعنى المنسوبة اليه، بل الروايات التي اسندها الشيخ اليه، ومن جملتها الأحاديث المذكورة في التهذيبين. وعلى هذا المحتمل والمعنى الأخير، يمكن ان نتمسك بعموم السند المذكور في الفهرست لإثبات صحة ما رواه الشيخ في تهذيبيه عن محمد ابن أحمد ولو كان سند آخر. حتى لو افترضنا ان الشيخ في التهذيبين روى عن محمد ابن احمد بسند آخر ضعيف، نعوض هذا السند الضعيف المذكور في التهذيبين بالسند المعتبر في الفهرست، لان الشيخ قال بجميع رواياته وكتبه، والمنصرف من «رواياته» ما رواه الشيخ عنه وهذا مما رواه الشيخ عنه. لكن ما دام عنوان «رواياته» محتمل لهذا، وللمعنى الأول وهو أن المراد ب «رواياته» رواياته للكتب، وهذا ليس من روايته للكتب، إذن بالنتيجة يصبح اللفظ مجملا فلا يمكن التمسك به لتعويض السند في مثل هذه الموارد. هذا بالنسبة إلى التمسك بعنوان «رواياته». وأما التمسك بالعنوان الثاني وهو: «رواياته وكتبه»، ونقول: كل من بدأ الشيخ الرواية باسمه في التهذيبين فالرواية من كتابه. الشيخ يقول في الفهرست «أخبرنا بجميع كتبه ورواياته» فما ادرانا ان هذه الرواية التي موجودة في التهذيبين من كتاب محمد ابن أحمد؟ نقول: الظاهر، ظاهر أنه بدأ باسمه انه اخذه من كتابه، فيشمله الطريق العام في الفهرست بجميع كتبه وهذا من كتبه، فيمكن ان يصحح بهذا الطريق. ثم اشكل على ذلك: بأنه لا دليل على أن من بدأ باسمه فقد اخذ الرواية من نفس كتابه، فلعله استند إلى كتاب آخر موثوق عنده ينقل هذه الرواية عن كتاب هذا الشخص، فلذلك بدأ باسمه، لا يعني أن هذا أنه أخذها من كتابه بنحو مباشر. اي من المحتمل ان الشيخ «قده» استند إلى الكليني، أي ان الكليني نقل هذه الرواية عن كتاب محمد ابن احمد، وبما أن نقل الكليني بالنسبة للشيخ موثوق به، لذلك بدأ الشيخ الرواية في التهذيبين بمحمد بن احمد مع انه لم يجد هذه الرواية في كتبه، وإنما نقلها الكليني عن كتابه. يقول: فقد يكون مستنده الكافي، ولكن ينقل الحديث عن زرعة بشكل مباشرة وإن لم يكن لديه كتاب زرعة باعتبار ان الكافي نقل الرواية عن كتاب زرعة، ولذلك يقول في ترجمة احمد ابن محمد ابن عيسى: ما رويته في كتاب نوادره فسنده كذا، مع انه في التهذيبين ليست جميع الروايات التي نقلها عن أحمد بن محمد بن عيسى مبتدئا به عن كتاب نوادره الذي عنده، إذن معناه ان بقية الموارد رواها عن من يثق به من الكليني وسعد وغيرهما. إذن هذا المقدار لا يفيدنا، اي مجرد أنه بدأ باسمه فهذا يعني أنه أخذه من كتابه مباشرة فيشمله طريقه اليه في الفهرست اخبرنا بجميع كتبه ورواياته. ولكن يمكن أن يرمم ذلك، فيقال: إذا احرزنا أن كتاب محمد بن احمد قد وصل إلى الشيخ وأنه كان موجود عنده، وقد نقل عنه وظاهره أنه اخذه من كتابه، إذن نستظهر أنه اخذه كتابه الموجود عنده ولم يعتمد على الكليني. أولاً: ظاهر من بدأ باسمه انه أخذه من الكتاب، واذا كان الكتاب موجود عنده حاضراً، فمن البعيد أن يتكأ على الكليني مع وجود الكتاب عنده. فظاهر ذلك انه اخذه من الكتاب الموجود لديه، وبالتالي يشمله السند. ثانياً: أو نحرز من الخارج أن جميع الكتب التي يحتمل أن الشيخ أخذ هذه الرواية منها سند الشيخ إليها تام. يقول: والمقام من هذا القبيل. الآن فهو يريد ان يصحح سند الشيخ إلى محمد بن احمد حتى يصحح الرواية. خلافا للسيد البروجردي بدعوى شمول السند المذكور في الفهرست لهذه الرواية في التهذيب. يقول والمقام من هذا القبيل، فإن الظاهر وجود كتاب ابن داوود في المزار عنده، لقوله «قده» في ترجمة محمد ابن احمد ابن داوود: «له كتاب مزار كبير حسن». يقول ظاهر التوصيف ب «الحسن»، إنما يتم بالرؤية والملاحظة وخصوصا انه ينقل عنه كثيراً، ينقل عن مزار محمد بن أحمد، يقول: وإنما لم ينقل سنده اليه في المشيخة لأنهم لم يكونوا يهتمون بروايات المزار، للتسامح في أدلة السنن، ولذا في كتابه «مصباح المتهجد» ذكر الروايات مرسلا ولم يسندها لأجل التسامح. أما إذا احرزنا صحة سند الشيخ إلى جميع الكتب التي يحتمل انه اخذ الرواية منها، فهذا لا يمكن تطبيق «أخبرنا بجميع كتبه ورواياته» عليه، لان هذه العبارة تختص بما ورد عن كتبه، فإحراز سند الشيخ إلى كل الكتب ولو لم تكن من كتب محمد ابن أحمد التي يحتمل أخذ الرواية منها لا يعني صحة تطبيق هذه العبارة «أخبرنا بجميع كتبه ورواياته» على المورد، وإن تم المورد من طرق أخرى لكن لا بتلك العبارة. وأما بالنسبة إلى هذه العبارة «أخبرنا بكتبه ورواياته» فأولا: انه تحتاج إلى ان تثبت ان اول ظاهر أول من يبدأ الشيخ باسمه أنه أخذ من كتبه. هذا اول الكلام لعل هذا من روايات المشافهة، يعني من الروايات التي دخلت ضمن الإجازة. ثانيا: سلمنا بذلك، فليس المراد ب «الحسن» هو حسن التصنيف. نعم، لو نص ان له كتاب مزار كبير حسن في تنصيفه أو حسن في تبويبه فيمكن ان يقال انه ظاهر في المشاهدة والرؤية، اما مجرد انه عبر بأنه «حسن» فمن المحتمل انه حسن موثوق به، وهذا مما يمكن نقله عن الثقات وليس مما يتوقف على المشاهدة. إذن بالنتيجة: حصول الاطمئنان بشمول طريق الشيخ في الفهرست لما رواه عنه محمد ابن احمد ابن داوود في التهذيبين مشكل. كما ذكر سيدنا الخوئي «قده».

والحمد لله رب العالمين.