درس الفقه | 126

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

الطائفة الثانية: الروايات المانعة من صلاة المرأة محاذية او متقدمة على الرجل.

منها: صحيحة إدريس بن عبد الله القميّ، قال: «سألت أبا عبد الله عن الرجل يصلي وبحذائه امرأة قائمة على فراشها جنباً، فقال : إن كانت قاعدة فلا يضرك، وإن كانت تصلي فلا». فظاهره: إنّ صلاة المرأة حيال الرجل مانع من صحة الصلاة. ومنها: صحيحة زرارة عن أبي جعفر ، قال: «سألته عن المرأة تصلي عند الرجل، فقال : لا تصل المرأة بحيال الرجل الا ان يكون قدامها ولو بصدره». وهذه لا تدل على جواز المحاذاة اذا كان الفاصل شبر، هذه تدل انه لا يجوز إلا مع التقدم. فظاهرها: إن المصحح أن يكون قدامها، ولا يكفي ان يكون بحذائها ولو كان بينها شبر او ذراع وما اشبه ذلك من التفصيلات التي ستأتي. ومنها: موثقة عمار عن ابي عبد الله في حديث أنه سئل عن الرجل يستقيم له ان يصلي وبين يديه امرأة تصلي؟ قال: إن كانت تصلي خلفه فلا بأس وإن كانت تصيب ثوبه». بمعنى أن رأسها مثلا محاذ لجسمه فهي اذا صلت تصيب ثوبه. ولكن هل ينعقد لموثقة عمار مفهوم؟ بحيث يستفاد منها عدم جواز المحاذاة؟ «سئل عن الرجل يستقيم له ان يصلي وبين يديه امرأة تصلي؟»، منظور الرواية أن المرأة أمامه. فالإمام أجاب: «إن كانت تصلي خلفه فلا بأس». هل المقصود بهذا المنطوق ان لكونها خلفه موضوعيه، بحيث لو صلت بحذائه ففي الصلاة بأس، ام أن قوله: «إن كانت خلفه مقابل كونها أمامه»، حيث فرضت في السؤال انها امامها، فكأن الإمام يقول: ان كانت خلفه فلا بأس. يعني إن لم تكن كما فرضت أنها تصلي بين يديه ففيها بأس. إذن فاستفادة عدم جواز المحاذاة مطلقا، يبتني على أن يكون لكلمة «إن كانت خلفه» موضوعية كما هو الظاهر، وأما اذا منعنا من ذلك وقلنا مقتضى احتفاف هذه الجملة الشرطية بالسؤال الوارد عن الصلاة أمامه لا ينعقد له ظهور في الاحترازية والموضوعية، بل غايتها أن لا تكون أمامه فحينئذ لا يستفاد منها المنع من أن تكون صلاة المرأة بحذائه. ومنها: صحيحة محمد بن مسلم عن احدهما ، «قال: سألته عن المرأة تزامل الرجل في المحمل؟ يصليان جميعاً على المحمل؟ قال: لا، ولكن يصلي الرجل فإذا فرغ صلت المرأة». مقتضى هذه الرواية: عدم جواز المحاذاة بينهما بمقتضى اطلاقهما، وإلا فأيّ مانع أن يصليا معاً متحاذيين. ومنها: «من الروايات التي استدل بها على الإطلاق» رواية ابن فضال عن ابن بكير عمّن روى، عن أبي عبد الله : «في الرجل يصلي والمرأة تصلي، بحذاه او إلى جانبه؟، فقال : إذا كان سجودها مع ركوعه فلا بأس». ومنها: عن ابن فضال عمّن أخبره عن جميل عن أبي عبد الله : «قال، في الرجل يصلي والمرأة بحذائه او الى جنبه، فقال: إذا كان سجودها مع ركوعه فلا بأس». على أية حال كان مورد السؤال التقدم والجانب، او مورد السؤال كلاهما المحاذاة. فالكلام في الجواب: «اذا كان سجودها مع ركوعه فلا بأس»، فهنا ثلاث محتملات: المحتمل الاول: ما احتمله في المستمسك، أن يكون المراد الجواز لو كان السجود مقارناً للركوع زماناً، اذا كان زمان سجودها مقارنا لزمان ركوعه فلا بأس، اي ان مقتضى هذه الرواية ان لا يتعاصرا في الصلاة زماناً. يعني المحاذاة لا تضر بل الذي يضر التعاصر، يعني لو صليا متحاذيين وكان احدهما متقدما على الآخر كتقدم الرجل متقدم على المرأة فصلاتهما صحيحة، المصحح لصلاتهما متحاذيين هو اختلاف الزمن، عنصر زمني، ان يكون سجودها مقارنا لركوعه فتكون صلاة المرأة قبل صلاة الرجل. المحتمل الثاني: أن يكون هذا الكلام في مقابل قول بعض العامة، حيث إن بعض العامة قالوا: «إذا كانت المحاذاة في الركن تبطل الصلاة»، يعني معا او يصليان متحذايين، كل ذلك لا مانع منه، يصليان متحذايين اثناء القراءة او اثناء التشهد، المهم أن لا يجتمعا في الركن، راكعين او ساجدين، هذا هو الممنوع، المهم ان لا يجتمعا في الركن، راكعين او ساجدين. اما لو اختلفا في الحكم هي ساجدة وهو راكع فلا مانع. ولازم هذا الكلام الحكم بصحة الإمام وإن كانا متحاذيين. فكأن الإمام يرد على العامة. ويلاحظ على هذا المحتمل: ان مقتضاه انه إم لم يتحاذيا في الركن بطلت الصلاة، مع أنه لا يلتزم بذلك أحد. المحتمل الثالث: ان يكون المراد هو التأخر بمقدار موضع السجود عن موضع الركوع، ان يكون سجودها مع ركوعه، يعني أن يكون موضع وقوفوها متأخرا عن موضع وقوفه، لأنه اذا كان موضع سجودها مقارنا لموضع ركوع كان موقفها متأخرا عن موضع ركوعه، وهذا هو الظاهر المنسجم مع سياق الرواية وسياق روايات الباب. هذا ما يتعلق بتمام الروايات المانعة. وقد تم بعضها ان صلاتهما متحاذيين ممنوعة مطلقا.

الطائفة الثالثة: الروايات المفصّلة. وهذه الروايات اختلفت في التفاصيل بعضها جعلت المناط عشرة اذرع، وبعضها جعل المناط ذراع، وبعضها جعلت المناط شبر. الرواية الأولى: موثقة عمّار التي أناطت الجواز بمقدار عشرة أذرع. عن أبي عبد الله : «سئل عن الرجل يستقيم له أن يصلي وبين يديه امرأة تصلي؟ قال لا يصلي حتى يجعل بينه وبينها أكثر من عشرة أذرع، وإن كانت عن يمنه وعن يساره جعل بينه وبينها مثل ذلك وإن كانت تصلي خلفه فلا بأس». فلا تجوز المحاذاة ولا تقدمها عليه الا اذا كان بينهما أكثر من عشرة أذرع. فلو كنا ونحن وهذه الرواية لقلنا بأن الفارق بشبر أو نحوه لا يكفي. ونحو هذه الموثقة. ما ذكره صاحب الوسائل في «باب7، من أبواب مكان المصلي، ج5» ما رواه عبد الله بن جعفر في قرب الإسناد، عن عبد الله بن الحسن عن جده علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر «عليهما السلام»، «قال: سألته عن الرجل يصلي الضحى، وأمامه امرأة تصلي بينهما عشرة اذرع، قال: لا بأس ليمضي في صلاته»، ظاهره: كفاية العشرة ولا يحتاج الى الأكثر. الرواية الثانية: صحيحة معاوية ابن وهب، عن أبي عبد الله ، «أنه سأله عن الرجل والمرأة يصليان في بيت واحد؟ قال: اذا كان بينهما قدر شبر صلت بحذاه وحدها وهو وحده ولا بأس». فهل هذه الرواية تامة سندا كما عبر السيد الخوئي بأنها صحيحة. وعند الرجوع الى الرواية فإن الصدوق اوردها «الحديث7، الباب5 من أبواب مكان المصلي» عن أبي عبد الله ، محمد بن علي بن الحسين «الصدوق» بإسناده عن معاوية بن وهب. والكلام أن سند الصدوق الى معاوية بن وهب مشتمل على محمد بن علي الماجيلويه، الذي لم يوثق في كتب الرجال. تارة نقول ان الصدوق ترضى عليه والترضي كاشف عن الوثاقة، خصوصا ان الصدوق لا يترضى على اي أحد، بل الذي يترضى عنهم اما مشائخه او مشائخ مشائخه. إذن الترضي كاشف عن الوثاقة. أو نقول ان نقل الصدوق عنه كثيراً وترضيه عليه مكرراً يجعله من معاريف الطائفة، والمعروف في الطائفة اذا لم يرد فيه قدح كانت معروفيته من باب حسن الظاهر الكاشف عن الوثاقة. اذا لم نقبل بكلا المبنيين، كما لم يقبل بهما السيد الخوئي «قده»، إذن فما هو الطريق لتصحي الرواية وقد عبر عنها بالصحيحة؟. قد يقال: الطريق لتصحيح الرواية ان الشيخ الطوسي في فهرسته ذكر طريقه على معاوية بن وهب، وقال فيه: ”له كتاب أخبرنا به جماعة عن محمد بن علي بن الحسين «الصدوق»، عن محمد بن الحسن، عن الصفار عن احمد بن محمد عن علي بن الحكم، عن معاوية بن وهب. فإذا كان للشيخ في الفهرست طريق صحيح الى كتاب معاوية بن وهب وفي هذا الطريق الصدوق نفسه، إذن يعوض طريق الصدوق في الفقيه المشتمل على ابن ماجيلويه بطريق الصدوق الى كتاب معاوية بن وهب المذكور في الفهرست. لكن هذا يتوقف حتى على مبنى سيدنا «قده» أن يكون ما نقله الصدوق في الفقيه منقولا عن كتاب معاوية بن وهب، حتى نقول بناء على ان له طريقاً صحيحا لكتابه وهذا من كتابه فيتم ذلك. وأما اذا احتملنا ان الصدوق احتلمنا أن الصدوق نقل الرواية عن معاوية بن وهب من كتاب آخر غير كتاب معاوية بن وهب، أو من الروايات الشفاهية من مشائخه، فلا يمكن تعويض هذا السند بالسند المذكور في الفهرست. هذا من ناحية سند الرواية، وإلا فدلالتها تامة على كفاية الفصل بشبر. الرواية الثانية صحيحة زرارة عن ابي جعفر قال: اذا كان بينها وبينه مالا يتخطى او قدر عظم الضراع فصاعداً فلا بأس». فعند الرجوع الى رواية زرارة: «الوسائل، حديث8، باب5» قال: «وبإسناده عن زرارة عن أبي جعفر“ ع"». فعندهم خلاف هل أن «بإسناده» هل تعود إلى أول واحد في الباب او تعود للذي قبله. اذا رجعنا الى اول الباب، «باب كراهة صلاة الرجل والمرأة تصلي أمامه او الى جانبه إلا بمكة»، افتتح الباب بمحمد بن الحسن بإسناده. ثم قال في الحديث السابع: محمد بن علي بن الحسين، بإسناده عن معاوية بن وهب. ثم في الحديث الثامن قال: وبإسناده. فهل «وبإسناده» تعود الى الصدوق او الى الشيخ الذي افتتح الباب بإسناده؟ فإن بعض المحقق من علمائنا فقال: مع تتبعت الوسائل ووجدت إن «بإسناده» تعود الى من فتح الباب به، لا إلى الأخير. إذن المدار في تصحيح الرواية على ملاحظة طريق الشيخ الى زرارة لا إلى طريق الصدوق إلى زرارة. ومنها: «حديث 13، نفس الباب» وعنه عن زرارة: «قال قلت له: المرأة تصلي حيال زوجها؟ قال تصلي بإزاء الرجل اذا كان بينها وبينه قدر ما لا يتخطى أو قدر عظم الذراع فصاعداً». هناك في الرواية المعتبرة ما ذكر السؤال ولا ندري هل يسأل عن التقدم او عن المحاذاة. ذكر الجواب: «إذا كان بينها وبينه ما لا يتخطى او قدر شبر او قدر عظم الذراع فصاعدا فلا بأس»، ولم يذكر السؤال، فلعل مورد السؤال هو التقدم، هنا في هذه الرواية الثانية التي اول الكلام سندها، وردت في حياله «المرأة تصلي حيال زوجها، قال: تصلي بإزاء الرجل إذا كان بينها وبينه ما لا يتخطى او قدر عظم الذراع فصاعداً فلا بأس». فاذا جعلنا الثانية قرينة على الأولى يكون مفاد الأولى النظر إلى فرض المحاذاة. ومنها: «حديث11، الباب5» محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن حمّاد عن حريز عن أبي عبد الله. وقعنا في مشكلة رواية حريز عن الإمام الصادق هذه المشكلة في الرواية، وإلا لو كان الواسطة موجود ما توقفنا. ولكن حيث قال يونس بن عبد الرحمن وهو تلميذه بل الراوي لكتاب حريز، يعني الراوي لكتاب حريز هو يونس، فيقول يونس: «لم يروي حريز عن الصادق الا حديثا او حديثين»، ومع كثرة حريز عن الصادق في الكتب الأربعة، فهل المعتمد ما ذكرته الكتب الأربعة عن حريز عن الصادق، او أن كلام يونس مانع من إحراز الإسناد؟ فإن كلام يونس اثار شبهة الإرسال في روايته. «لم يروي عن الصادق حديثا او حديثين». فكلام يونس تلميذه الراوي لكتابه أثار شبهة الإرسال في روايات حريز، لأنه لا نعلم الحديث الذي يأتينا هل هما ذاك الحديث او الحديثين او غيرهما، فتكون شبهة الإرسال مانعة من الاعتماد. ومنها: «الحديث12» محمد بن ادريس في آخر السرائر نقلا عن كتاب حريز عن زرارة عن أبي جعفر ، قال: «قلت له، المرأة والرجل يصلي كل واحد منهما قبالة صاحبه، قال: نعم اذا كان بينهما قدر موضع رحل» او «قدر موضع رجل». فهناك نسختان. فهنا اختلاف بين موضع رجل وموضع رحل. الا انه يستظهر من بقية الروايات انه يراد به الرحل. الذي هو بمقدار الذراع. والكلام في مستطرفات السرائر، هل يعتمد على مستطرفات السرائر ام لا؟ قد اعتمد صاحب الوسائل واعتبر روايات المستطرفات من المتواتر، لأن ابن ادريس لا يعمل بخبر الآحاد، وبما أن ابن ادريس لا يعمل بخبر الآحاد إذن الروايات من المتواتر، والحال بانه لا ملازمة بين عدم عمله بخبر الآحاد وبين ما دوّنه مما يعمل به حتى يكون متواتراً. أو يقال لا نحتاج الى ذلك، لأن ما نقله ابن ادريس في مستطرفاته كلها من الكتب المشهورة التي لا يحتاج الرواية عنها إلا ذكر السند. لكن السيد البروجري قال: هذا الكلام لا اعتبار له، ان ابن ادريس لا ينقل الا عن الكتب المشهورة. وأيده السيد الأستاذ «دام ظله» بحسب تقرير مكان المصلي، وذكر عدة قرائن تمنع من هذه الدعوى: القرينة الاولى: ذكر صاحب مفتاح الكرامة، في مبحث الاستخارة من كتاب الصلاة عن العلامة «قده» ان ابن ادريس كان قليل الاطلاع بالأحاديث. القرينة الثانية: نقل عدة روايات عن ابان بن تغلب ووصفه بصاحب الباقر والصادق وإذا لاحظنا هذه الروايات نرى أنه ينقلها عن أبان عن عدة وسائط عن الإمام الصادق. فكيف يتصور في أبان بن تغلب الذي هو صاحب الباقر والصادق ان يروي عنهما بعدة وسائط. القرينة الثالثة: روى عن ابان عن معمر بن خلاد عن الرضا ، مع أن موت أبان كان في زمن الإمام الصادق، سنة «141» وولادة الرضا سنة «148»، فكيف يروي أبان عن معمر بن خلاد عن الرضا ؟! وقد تنبه صاحب الوسائل في بعض الموارد فغيّر اجتهاداً منه، ففي باب النكاح في باب استحباب تعليم الأولاد رواية يرويها ابن ادريس عن ابان بن تغلب، عن هارون بن خارجة، والحال بأن هارون بن خارجة متأخرة طبقة عنه فكيف يروي أبان عنه؟ فبدل السند صاحب الوسائل، فقال: ابان بن عثمان. حتى تتلائم روايته عن هارون بن خارجة. ولكن صاحب الوسائل وقع في أمر آخر وهو أن ابن إدريس لا يروي عن أبان بن عثمان. ولا ذكره من مصادر مستطرفاته. القرينة الرابعة: ان ابن ادريس ينقل عن كتاب احمد بن محمد السيّاري، وصفه بأنه صاحب موسى والرضا وبالغ في تجليله مع انه من جهة ضعيف كما نص الرجاليون، وليس من أصحاب الرضا وموسى، فإنه من الطبقة السابعة المتأخرة بطبقة او طبقتين عن اصحاب موسى بن جعفر والرضا. القرينة الخامسة: انه ذكر ان من مصادر مستطرفاته كتاب قرب الإسناد، والمجلسي في مقدمة البحار، قال: «لم يصل الي من نسخ قرب الإسناد الا نسخة مغلوطة فصححتها»، فكيف يقال أن ابن ادريس لم ينقل إلا من كتب مشهور، وروايات متواتره؟ نعم، يستثنى مورد واحد، يقبل فيه ما رواه ابن ادريس في مستطرفاته، وهو: ما رواه عن كتاب نوارد المصنف، لمحمد بن علي بن محبوب، لأنه ذكر في أول كتابه «أبن إدريس» النسخة التي لديه هي بخط الشيخ الطوسي وهو ينقل منها، ويعضده ان السيد ابن طاووس في كتاب الإقبال وغيره صرّح بأن النسخة بخط الشيخ هو أيضاً ينقل عنها، فلا يبعد الاعتماد على هذا المورد، يعني ما يرويه ابن ادريس في مستطرفاته عن نوادر المصنف لمحمد بن علي بن محبوب، وأما ما سواه فهو محل تأمل.

والحمد لله رب العالمين.