درس الفقه | 128

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

النتيجة مما سبق بيانه: بعد توفر طوائف ثلاث من الروايات: طائفة دالة على المنع من محاذاة المرأة للرجل في الصلاة فضلا عن تقدمها. وطائفة مجوزة للمحاذاة مطلقا. وطائفة تصلح أن تكون شاهدا للجمع بين الطائفتين بما تضمنتها من تحديد للصلاة في فرض المحاذاة.

إلا ان هذه الطائفة الثالثة سليمة عن المعارضة في موردين، ومحط للتعارض في المورد الثالث، فهي بلحاظ القلة والكثرة لا معارض له، اي انها بلحاظ دلالة المجموع منها على عدم صحة الصلاة في فرض أن البعد أقل من شبر تامة، اذ لا معارض لها في هذا المضمون، كما أنها من جهة الكثرة، أي من جهة دلالتها على صحة الصلاة إذا كان الفاصل أكثر من عشرة أذرع أيضاً لا معارض لها. فيؤخذ بمدلوليها من جهة القلة والكثرة، اي عدم صحة الصلاة فيما هو اقل من شبر، وصحة الصلاة فيما هو اكثر من عشرة أضرع، ويبقى التعارض بينها اي بين أفراد هذه الطائفة الثالثة فيما بين الشبر والعشرة أذرع، حيث إن ظاهرها تحديد الحكم الوضعي وهو صحة الصلاة، فحملها على اختلاف مراتب الفضل خلاف ظاهرها، فلأجل استحكام التعارض فيما بينها لابد من الرجوع الى المرجحات، فربما يقدم ما دلّ على المنع بأكثر من ذلك، «بأكثر من الشبر ما لم يصل لأكثر من عشرة أذرع» بذهاب مشهور القدماء الى عدم صحة الصلاة ما لم يكن الفاصل أكثر من عشرة أذرع، بناء على ان المستفاد من مقبولة عمر بن حنظلة الواردة في باب المرجحات في قوله «فإن المجمع عليه لا ريب فيه» ان المدار في الترجيح على أن يكون في أحد الطرفين ميزة توجب صرف الريب عنه حال المعارضة الى معارضه، ومن الواضح ان قيام الشهرة الفتوائية وفاقاً لطرف دون طرف موجبة لانصراف الريب عن موافقها في ظرف المعارضة إلى مخالفها، فإذا قلنا بذلك «كبروياً» أمكن ترجيح هذه النصوص وبالتالي يمكن القول انه لا تصح الصلاة إلا مع الفصل بأكثر من عشرة أذرع، وهو ما ذهب اليه السيد الأستاذ في بحثه، كما انه تبنى الكبرى ايضا في بحث مرجحات تعارض الأدلة.

وأما إذا لم نقبل هذه الكبرى فمع استقرار التعارض والتساقط يرجع الى الاصل العملي ومقتضى الاصل العملي البراءة عن شرطية ما هو أكثر من شبر.

ثم تعرّض سيد العروة الى فرض الحائل:

قال: إلّا أن يكون بينهما أحد أمور: الامر الاول: ألحائل.

مستنداً الى جملة من النصوص: الاول: صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر ، «في المرأة تصلي عند الرجل، قال: إذا كان بينهما حاجز فلا بأس». وصحيحة علي بن جعفر عن اخيه موسى في حديث قال: «سألته عن الرجل يصلي في مسجد حيطانه كواً كله قبلته وجانباه، وامرأته تصلي حياله يراها ولا تراه؟ قال: لا بأس». اي متى ما وجد هذه الفاصل فهو كاف في صحة الصلاة.

وخبره الآخر: المروي في قرب الإسناد، وإن كان ضعيفاً لمكان عبد الله بن الحسن. قال: «سألته عن الرجل هل يصلح له ان يصلي في مسجد قصير الحائط وامرأته قائمة تصلي، وهو يراها وتراه، قال: إن كان بينهما حائط طويل او قصير فلا بأس».

وقد وقع البحث، في انه هل المدار على الحاجز فيما يمنع الرؤيا مطلقا؟ بحيث كأنما المصحح للصلاة المنع من الرؤيا، فلو فرضنا انهما صليا متحاذيين لكن كانت هناك ظلمة تمنع من رؤية أحدهما للآخر، كفى، وإن لم يكن هناك حائط، أو ان المقصود بالحاجز الجسم المانع من الرؤيا لا مطلق الرؤيا، او ان المقصود بالحاجز ما يصدق عليه أنه حاجز عرفاً وإن لم يكن مانعاً من الرؤيا كما لو كان الحائط قصيرا تراها ويراها كما ورد في خبر علي بن جعفر.

فنقول: مقتضى صحيحة علي بن جعفر، قال: «وهو يراها ولا تراه»، كفاية مطلق الحاجز وإن لم يمنع من الرؤية. ولكن إذا نظرنا الى خبر الحلبي الذي رواه ابن ادريس عن نوادر البزنطي، قال: «سألته عن الرجل يصلي في زاوية الحجرة، وابنته او امراته تصلي بحذائه في الزاوية الاخرى؟ قال لا ينبغي ذلك، الا ان يكون بينهما ستر، فإن كان بينما ستر أجزأه». فإنه يقال: أن ظاهر التعبير بالستر أن يكون هناك مانع من الرؤيا، لا مطلق الحاجز.

ولكن الخبر مضافاً لضعف سنده باعتبار عدم صحة الطريق الى نوادر البزنطي، من قبِل ابن ادريس، «الطريق مجهول»، مضافاً

الا ان يكون بينهما شبر، فحيث لم يحرز لفظ الساتر لا تصلح الرواية على شرطية المانع من الرؤيا.

ولكن السيد الأستاذ «دام ظله» حسب التقرير: ناقش ذلك وقال، لعل الرواية وانه ينبغي للمصلي ان يضع سترة بين يديه يمنع المرور عليه اثناء الصلاة، سواء كانت هذه السترة رحله او كانت هذه السترة عصاة، او كانت سهما، او حتى إذا لم يجد شيئا من ذلك يخط خطا في الارض يصح ان يكون سترة. فهذه الروايات ناظرة لفرض السترة، ولكن هذا كما ذكرنا سابقا بعيد، فإن مورد روايات السترة السترة بين يديه لمنع القادم، مضافاً الى ان وضع السترة حذر عن المرور عليه، بينما محل الكلام في صلاة المرأة محاذية للرجل، لا من ناحية المرور كي يتخلص من ذلك بوضع السترة. فموضوع كل من الطائفتين من الروايات اجنبي عن الآخر، فالحمل عن النظر الى السترة بعيد جداً.

الأمر الثاني _المصحح_: البعد بمقدار عشرة اذرع فصاعداً. وهذا ما ذكره سيد العروة، ولكن سيدنا الخوئي ناقشه، بأنه ان كان هناك اجماع على صحة الصلاة بمجرد أن يكون الفاصل عشرة أذرع فهو المستند، وإلا فتتميم ذلك بالدليل مشكل، اذ لا يوجد لدينا الا خبران، أحدهما: ما دلّ على كفاية الفاصل بعشرة أذرع وهو ضعيف السند، وهو رواية علي بن جعفر، «قال: سألته عن الرجل يصلي ضحى وأمامه امرأة تصلي بينهما عشرة اذرع، قال: لا بأس ليمضي في صلاته»، وهو ضعيف بعبد الله بن الحسن.

والرواية الاخرى: تامة سندا لكنها محل نقاش دلالة، وهي موثقة عمار، «لا يصلي حتى يجعل بينها وبينه اكثر من عشرة اذرع». فإن ظاهرا في لزوم اكثر من عشرة، فلا تكفي العشرة.

ولكن نوقش في ذلك من قبل السيدين: اما من قبل صاحب المستمسك السيد الحكيم: فذكر بأن الاكثر بحسب اللغة العربية يراد به العشرة، فإذا قيل ليكن بينك وبين فلان اكثر من عشرة أذرع، فالمنصرف عرفا انه فليكن بينك وبين فلان عشرة فصاعداً، خصوصا مع عدم تحديد الاكثرية، فإن هذا قرينة على أن المراد عشرة فصاعداً، قال والشاهد على ذلك، يعني على كون الاستعمال عرفياً: قوله تعالى: ﴿فإن كنَّ نساءً فوق اثنتين، مع انه يكفي اثنتان، بمقتضى المقالة مع البنت الواحدة، حيث ذكر في الشق الاول «إذا كانت البنت واحدة»، ثم جعل في مقابله ﴿فإن كن نساء فوق اثنتين، مع أنه يريد ابنتين فصاعداً.

كذلك في الروايات الدالة على صحة الصلاة إذا كان الدم في الثوب أكثر من درهم، حيث حملت على درهم فصاعدا، مع ان مفاد الرواية او نص الرواية اكثر من درهم، كما صرح به في الجواهر.

واشكل على ذلك سيدنا الخوئي بما هو في محله، بأن مقتضى احترازية القيد أن يكون الفاصل اكثر من عشرة اذرع، فحملها على عشرة فصاعداً كما ذكر هنا عهدتها على مدعيها، وأما الآية التي عبر فيها ﴿فإن كنَّ نساء فوق اثنتين، فإن ما ذهبنا الى ابنتين فصاعداً بمقتضى قرينة المقابلة مع البنت الواحدة في الفقرة الاولى، وإلا فالعرف لو خلي وحده لاستفاد منها ما يكون أكثر من بنتين لا بنتين وصاعدا. واما ما ذكره صاحب الجواهر في مسألة الدرهم، فإنه محل تأمل، فإن أول الكلام أنه يكفي في صحة الصلاة درهم فصاعداً. إذن هذا غير تام.

وأما ما عن السيد الأستاذ «دام ظله» بأن هذا التعبير «أكثر من عشرة» من باب المقدمة العلمية، اي أنّ اللازم الفصل بعشرة، وإنما قال بأكثر من عشرة ليحرز تحقيق الفاصل فهو من باب المقدمة العلمية.

ولازم كلامه «دام ظله»: أن جعل الفاصل اكثر حكم ظاهري، لانه إنما يصار الى المقدمة العلمية في فرض الشك، في أن هذا الفاصل عشرة أو اكثر، فيقال اجعل أكثر من باب المقدمة العلمية، فيكون التحديد تحديداً ظاهريا لا واقعياً، وهذا خلاف الظاهر، فإن ظاهر الرواية كسائر روايات التحديد بشبر وذراع، أنه تحديد واقعي وليس تحديداً بلحاظ حالة الشك، اي بلحاظ الحكم الظاهري.

فالصحيح ما ذكره السيد الخوئي من انه لابد من الفصل ان كانت متقدمة على الرجل بأكثر من اذرع. نعم، الاكثرية تناط بالصدق العرفي، فمتى ما زاد على عشرة أذرع ولو بثلاثة أصابع صدق عليه بأنه أكثر منها.

فهل المدار في تحديد المسافة من موضع السجود؟ فعشرة أذرع؟ ام من موضع القدمين وهو واقف؟ ام من جسم المصلي حيث هو؟ يعني ان كان في حال الركوع فالمدار على راسه، إن كان في حال السجود فكذا، وإن كان في حال القيام فالمدار من القدمين؟ فالمدار في بدأ المسافة على جسم المصلي حيث هو، يعني في الحال الذي يكون عليها عند صلاة المرأة معه.

ذكر المحقق الهمداني في مصباح الفقيه: أن الظاهر هو الثالث، فإنه عندما يقال: «لا يصلي حتى يكون بينه وبينه اكثر من عشرة أذرع، او عشرة اذرع»، يعني بين جسمه وجسمها، فلذلك يلاحظ مبدأ المسافة هو جسم المصلي على الحالة التي صارت المرأة بحذائه في الصلاة او متقدمة عليه في الصلاة. فإذا كان مقصود المحقق الهمداني كفاية حال من الأحوال فهو أمر ممكن الضبط، بمعنى انه إذا صلت محاذية له في اول الصلاة يكفي موقف القدمين ان يكون مبدأ، او التحقت به وهو في حال الركوع، إذن سنلاحظ رأسه وهو في حال الركوع، وأما إذا كان مقصود المحقق الهمداني ان يكون المبدأ جسمه في كل حال حالٍ، لأنه إذا كان المبدأ ان يكون جسم المصلي في كل حال، فلا محالة سوف تختلف المسافة من كونه واقفا الى كونه راكعا الى كونه ساجدا، وهذا غير محتمل.

المصحح الثالث: تأخر المرأة مكاناً عن الرجل بأن تكون خلفه في الصلاة. ويكفي في ذلك الصدق العرفي ولا يكفي الدقة العقلية، بحيث لو كان الفاصل بين موقفه وموقف المرأة مقدار اصبع، بحيث لا يصدق عرفا أنها خلفه وإن كانت الدقة العقلية أنها خلفه، فإن هذا لا يكفي في صحة محاذاته لها او تأخرها عنه فمقدار اصبع لا يكفي، لانها ليست خلفه بحسب الصدق العرفي. ومنه يظهر ما إذا اختلف المكانان، بأن صلت هي في مكان اعلى، وهو يصلي في مكان اسفل، فإن هذا يكفي في صحة صلاته، اذ لا يصدق عرفا انها محاذية له، كما لا يصدق عرفا أنها متقدمة عليه، إذا اختلف المكانان اختلافاً واضحا بالعلو. هذا تمام الكلام في هذه النقطة.

ثم ان سيد العروة دخل في بحث مهم، وهو:

بعد المفروغية عن كون صلاة المرأة محاذية لصلاة الرجل مانعاً من صحة صلاة الرجل، فهل المانع الصلاة الصحيحة للمرأة ام مطلق الصلاة؟ فلو فرضنا ان الرجل يحرز ان صلاة المرأة فاسدة، لأن بعض شعرها بارز مع التفاتها مثلا، او لأنها تصلي في ساتر مغصوب وقلنا ان الإباحة شرط واقعي وليس شرطا ذكريا، فمع التفات الرجل الى فساد صلاة المرأة، هل تكون محاذاتها مبطلة لصلاته ام لا؟ فهل المانع مطلق صلاتها ام المانع الصلاة الصحيحة بنظر الرجل؟

وقد ذهب اغلب الفقهاء ومنهم سيد العروة الى اشتراط الصحة، اي ان المانع من صحة صلاته أن تكون صلاتها في فرض المحاذاة صحيحة واقعاً بتشخيص الرجل، او صلاته صحيحة بتشخيصها لان صلاتها أيضاً باطلة إذا كان الرجل محاذيا لها.

واستدلَّ على ذلك بوجوه: الوجه الاول: ما يبتني على الصحيح والأعم، من أن مقتضى وضع الصلاة للصحيح، هو ان المتبادر من لفظ الصلاة في قوله: «لا تصلي وبحذائك امرأة تصلي» هي الصلاة الصحيحة، وقد تعرّض صاحب الكفاية لهذا في الكفاية في بحث الصحيح والاعم لنفس هذه المسألة وهذه الثمرة، هل هي من ثمرات بحث الصحيح والاعم ام لا؟ وهذا نظير ما ورد «دع الصلاة ايام اقرائك».

وقد اورد على ذلك سيدنا الخوئي «قده»: بأننا ذهبنا في بحث الصحيح والأعم ان الموضوع له الأعم هو اللفظ هو الأعم، فما جمع الأركان الثلاثة: الطهور والركوع والسجود فهو صلاة، سواء كانت صحيحة ام فاسدة، لما ورد من أن «الصلاة ثلاثة اثلاث الطهور والركوع والسجود». وما ورد في صحيحة ابن سنان: «إن الله فرض من الصلاة الركوع والسجود»، وما ورد في الرواية: «أول صلاتكم الركوع». إذن المدار على هذه الثلاثة، وبالتالي مطلق صلاة المرأة ولو لم تكن صحيحة إذا كانت واجدة للأركان الثلاثة.

وذكر السيد الأستاذ «دام ظله» نفس النتيجة لكن ببيان آخر يتطابق مع ما ذكره في بحث الصحيح والأعم، ومحصله ثلاثة مطالب:

المطلب الاول: ذكر في مبحث الصحيح والاعم، أن الألفاظ لم توضع للماهيات الاعتبارية بشكل مباشر، وإنما تم الوضع بشكل تدريجي، والسر في ذلك: ان طبيعة تدور الذهن البشري عدم الانتقال من الحس الى عالم الاعتبار قفزة، وإنما ينتقل من عالم الحس الى عالم الاعتبار بشكل تدريجي، وبعد تطور ذهنيته وقدرتها على الانتزاع والتجريد والتركيب والبساطة، حينئذ ينتقل الى إدراك الماهيات الاعتبارية ليطرق الالفاظ عليها، فمثلا من ناحية لفظ الزوجية فإن لفظ الزوجية للزوجية الاعتبارية بشكل مباشر، وإنما وضع لفظ الزوجية في البداية للتزاوج الحسي، يعني للاقتران بين شيئين، ثم تعدى بمقتضى تطور الذهن البشري الى الزوجية المعنوية، اي التقارن المعنوي والوجداني، ثم تطور إطلاقه على الزوجية بالمعنى الاعتباري، وهو ما تم بين شخصين عبر عقد بينهما، وهذا التطور التدريجي انما هو تكامل في المصداق وليس تعدداً في الوضع، بمعنى ان هناك اوضاعا عديدة، غاية ما في الأمر أنه وضع لفظ الزوجية لمفهوم يتسع مصداقاً لأن ينطبق على الماهية الاعتبارية نتيجة تطور الذهن البشري في التوسع في المصاديق، ومن هذا القبيل ما هو محل كلامنا، الا وهو لفظ الصلاة، فإن لفظ الصلاة موجود حسب ما هو نقل عن كتب عبرية، بأنه موجود حتى في الكتب العبرية «صلوة» فهو موجود عندهم، فهو من القديم لفظ مستعمل، غاية ما هناك انه استعمل أولاً بمعنى اللّين الحسّي، كلين الثوب او لين الخشبة ثم تطور الى اللين المعنوي، كلين القلب ولين المشاعر، ثم تطور الى هذه الماهية الاعتبارة وهي الماهية الخضوعية، فإن خضوع قلب الإنسان لمعبود آخر يسمى صلاة، لأنه نحو من اللين، وما هذا الا من باب التوسع في المصداق ليس إلا، إذن فالمصداق الاعتباري للفظ الصلاة هو الماهية الخضوعية، بأيّ شكل كانت، سواء كانت بشكل صلاة النصارى، او بشكل صلاة المسلمين او بشكل صلاة البوذيين، بالنتيجة الصلاة هي الماهية الخضوعية،

لانها المصداق الاعتباري لليّن الذي هو المفهوم العام للفظ الصلاة.

وأما كونها لدى المسلمين بهذا الشكل، فهو مجرد تطبيق تعبدي في مقام الصدق ليس إلا.

المطلب الثاني: انه انكر الحقيقة الشرعية، حتى نبحث فيها في الأصول، اي لم يكن دأب الشارع على أن يتصدى لوضع الألفاظ لمعاني جديدة، وإنما ما حصل من الشارع ما نعبر عنه بمتمم الجعل التطبيقي، أي أن لفظ الصلاة المستعمل في اللغة العربية، في الماهية الخضوعية قامت الشارع بتطبيقه على هذا الشكل الجامع في الأركان والشرائط، وهذا التطبيق من قبل الشارع متمم جعل في مقام التطبيق، أي ان ما أمرتكم به من الصلاة هو مصداق للصلاة ليس شيئاً آخر.

وهذا المطلب الذي ذكرناه يرتبط مبناه في الفرق بين الاعتبارات الأدبية والقانونية والعلاقة الاندماجية. وهو خارج عن محل بحثنا نوكله الى بحثه.

المطلب الثالث: بما ان لفظ الصلاة موضوع بإزاء الماهية الخضوعية وكون الصلاة بهذا الشكل مجرد تطبيق من التطبيق، إذن بالنتيجة المنصرف من الصلاة هو الماهية الخضوعية التي طبقها الشارع على بعض الاجزاء والشرائط، وبما أن التطبيق الوارد في الروايات مثلا، ما ذكره السيد الخوئي: «الصلاة ثلاثة أثلاث طهور وركوع وسجود» فما حقق الثلاثة فهو منصرف، ولا دليل على اشتراط الصلاة الصحيحة. هذا هو الدليل الاول. وما أورد عليه.

الدليل الثاني: ما ذكره سيد المستمسك «قده» من الانصراف، قال صحيح ان لفظ الصلاة موضوع للاعم، أما المنصرف منه الصحيح، لأن الفرد الصحيح اكمل الافراد.

وأشكل عليه سيدنا الخوئي وكما هو واضح، بأن ما هو المبرر العرفي للانصراف غلبة الاستعمال، فإن كان منظوره غلبة الوجود، فمن الواضح ان اغلب افراد الوجود هو الصلاة الفاسدة لا الصلاة الصحيحة، مضافاً الى أن غلبة الوجود ليست مبرراً للانصراف. وإن كان منظوره غلبة الاستعمال، فالمفروض انه لم تثبت الصغرى، يعني أكثر استعمال لفظ الصلاة في الصلاة الصحيحة، بل أكثر استعمالها في الاعم من الصحيحة والفاسدة، وما لم تحصل كثرة الاستعمال لا يحصل ظهور حاقي لنفس لفظ الصلاة للمعنى المنصرف اليه. وأما كون الصلاة الصحيحة اكمل الأفراد فهو لا يوجب الانصراف ما لم يكن الفرد الفاسد خفيا لا يلتفت العرف اليه، اما إذا كان الفرد الفاسد مما يلتفت العرف اليه عند التعبير بلفظ الصلاة فحينئذٍ لا تكون الأكملية كافية لانصراف لفظ الصلاة للصلاة الصحيحة.

الوجه الثالث: ان يتمسك بالاجماع، بأن يقال: قام الإجماع على اعتبار ان تكون الصلاة صحيحة.

وقد اشكل عليه سيدنا الخوئي بأنه إجماع محتمل المدركية، لعله مستند الى مثل هذه الوجوه فلا يعبأ به.

والحمد لله رب العالمين.