الموافقة بين مواطن حسن الظن وبين بعض الآيات القرآنية
م. ا. - 23/04/2015م
المعروف أن الحكم الأولي لحسن الظن أنه واجب، وعلى هذا الأساس فإن الإنسان في عامة الظروف عليه أن يكون حسن الظن.

لكن هناك بعض الآيات القرآن قد يفهم منها سوء الظن مثل: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ} {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}، فنلاحظ أن كلمة «أكثر» قد تكررت في هذه الآيات.

السؤال: كيف نوازن ما بين كون الحكم الأولي لحسن الظن هو الوجوب وما بين هذه الآيات الشريفة؟ هل نستطيع القول مثلاً بأن هذه الآيات تشير إلى مواطن الاستثناء بوجوب سوء الظن بأخذ الحيطة والحذر؟ أو كيف؟
الجواب

بسم الله الرحمن الرحيم

أولا: إن حسن الظن ليس بواجب، وإنما سوء الظن حرام، فلو أن الإنسان لم يظن لا ظناً سيئاً ولا حسناً فهو لم يخالف حكماً شرعياً.

وثانيا: هناك فرق بين سوء الظن والحذر؛ فإن:

سوء الظن هو عبارة عن حمل ما يصدر من الطرف الآخر من فعل أو قول على غاية باطلة، وبمرور الوقت سوف يكون مقتضى هذا الحمل السيئ تتبع عيوب الطرف الآخر بحيث يتحصل الإنسان على مؤيدات وشواهد على محمله السيئ لما صدر من الطرف الآخر.

وأما الحذر فهو أن يأخذ الإنسان لنفسه نظاماً وقائياً بحيث لا يسترسل مع أي عمل ومع أي سياق يطلب منه، وإنما في كل ما يعرض عليه أو يطلب منه يقوم بدارسة الموضوع من حيث عواقبه ونتائجه، ومن حيث كونه موافقاً للشريعة أو غير موافق، ثم يدخل في الموضوع بعد رؤية ودراسة.

فهذه الآيات التي بيَّنت بأن أكثر الناس لا يؤمنون أو أن أكثرهم فاسقون تريد أن تنبه الإنسان على أن يكون حذراً في استجابته لأي سياق يعرض عليه وأنه يجب أن يدرس كل أمر يريد الشروع فيه ولذلك ورد في بعض الأحاديث: «ثلاث لا يسلم منهن أحد: الطيرة، والحسد، والظن، قيل: فما نصنع؟ قال: إذا تطيرت فامض، وإذا حسدت فلا تبغ، وإذا ظننت فلا تحقق» - البحار، ج55، ص320 - بمعنى أنه لو حصل للإنسان سوء ظن قهراً عليه فعليه أن لا يتتبع عيوب الآخر بحيث يكتشف شواهد على المحمل السيئ الذي حمل عليه تصرف الآخر. وورد عن صادق أهل البيت : «لاَ تَثِقْ بِأَخِيكَ كُلَّ الثِّقَةِ فَإِنَّ صِرْعَةَ الاسْتِرْسَالِ لَنْ تُسْتَقَالَ» - الكافي، ج2، ص672 -.

أي أن الاسترسال وراء ما يطلب منه من دون دراسة لذلك العمل يوجب هلاك الإنسان بشكل تدريجي، وورد أيضاً في الأحاديث الشريفة عن النبي : «إِذَا أَنْتَ هَمَمْتَ بِأَمْرٍ فَتَدَبَّرْ عَاقِبَتَه، فَإِنْ يَكُ رُشْداً فَامْضِه، وإِنْ يَكُ غَيّاً فَانْتَه عَنْه» - الكافي، ج8، ص150 -.

السيد منير الخباز
أرسل استفسارك