نص الشريط
خطر الذنوب على الشخصيّة الإنسانيّة
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
المكان: مأتم السيدة الزهراء (ع) - صفوى
التاريخ: 6/1/1436 هـ
تعريف: { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ } - الحديد، 16 -. المحاور: 1- القراءة الفقهيّة والعرفانيّة للذَّنب. 2- خطر الذَّنب في خطورة رؤيته. 3- علاقتنا بالذُّنوب: علاقة مسؤوليّة، أم تبرير ؟
مرات العرض: 3690
المدة: 01:01:59
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (3549) حجم الملف: 14.1 MB
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ۖ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ

حديثنا عن خطر الذنوب على الشخصية الإيمانية ويتجلى لنا هذا الخطر في محاور ثلاثة:

المحور الأول: الفرق بين القراءة الفقهية والقراءة العرفانية.

الذنب مخالفة أمر الله، وهذه المخالفة لها قراءتان:

1 - قراءة في كتب الفقه.

2 - قراءة في كتب العرفان.

واختلاف القراءتين نتيجة اختلاف الآثار، فإن للذنب نوعين من الآثار:

1 - الآثار الاجتماعية.

2 - الآثار الروحية.

ولكل نوع من الآثار قراءة تختص بها، فالآثار الاجتماعية تختص بها القراءة الفقهية، مثلا: هل يجوز الصلاة خلف المذنب، هل تقبل شهادة المذنب، هل يجوز تقليد المذنب، هل ينفذ قضاء المذنب، هذه آثار اجتماعية، ولذلك يختص بها علم الفقه، فالفقهاء من أجل تحقيق هذه الآثار فرقوا بين المذنب وغيره بتحديد العدالة، وإن كان لهم خلاف في تحديد العدالة، فبعضهم يعرف العدالة بأنها ملكة تقتضي اجتناب الذنوب وفعل الواجبات، وبعضهم يعرف العدالة بأنها استقامة على جادة الشريعة، وهي عبارة عن فعل الواجبات وترك المحرمات لرادع نفسي غالب، وهو الخوف من الله، هذا بالنسبة للقراءة الفقهية.

أما القراءة العرفانية فهي تقرأ الذنوب من زاوية أخرى زاوية الآثار الروحية ما هو أثر الذنب على روح الإنسان، ما هو أثر الذنب على قلب الإنسان، حيث يقول القرآن الكريم: ﴿فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ويقول﴿كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ماهو أثر الذنب على عبادة الإنسان، حيث يقول القرآن الكريم ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ماهو أثر الذنب على سلوك الإنسان، هذه الآثار الروحية يعنى بها العرفاء، ويقرءونها قراءة تحليلية، ولذلك العرفاء أرباب العرفان يهتمون بزاويتين، لم تقرأ هاتان الزاويتان في علم الفقه.

الزاوية الأولى: علاقة السببية بين الذنوب.

نحن نتعامل مع الذنوب وكأنها جزر مستقلة، نتعامل مع كل ذنب بشكل مستقل عن الذنب الآخر، بينما في القراءة العرفانية، هناك ذنوب هي عرض، وهناك ذنوب هي مرض، ولا يمكن علاج العرض من دون استئصال المرض، لابد أن نقرأ الذنوب قراءة تحليلية توصلنا إلى المرض الذي وراء الذنب، مثلا: الغيبة، التجسس، سوء الظن، هذه الذنوب التي جمعتها الآية المباركة ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ هذه الذنوب كلها أعراض وآثار لمرض واحد ألا وهو الاستخفاف بحرمة المؤمن، فإن الاستخفاف بحرمة المؤمن هو الذي يدعوك إلى الغيبة، التجسس، سوء الظن، فهذه أعراض لمرض واحد، وذلك المرض وهو الاستخفاف بحرمة المؤمن يتنافى مع ماورد عن الصادق : ”إن المؤمن أعظم حرمة من الكعبة“ مثلا: التعلق بالمرأة قد يتعلق الإنسان بالمرأة إلى حد ينسى الذنوب ويرتكبها من أجل إرضاء المرأة، قد يتعلق الإنسان بالثروة إلى حد يتوسل بالمعاملات المحرمة لأجل أن يكدس الثروة، هذا التعلق وهذا التعلق كله أعراض لمرض واحد القرآن الكريم يتحدث عن العرض ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ والإمام أمير المؤمنين يتحدث عن المرض الذي وراء هذه الأعراض فيقول: ”حب الدنيا رأس كل خطيئة“ فهناك ذنوب هي أعراض، وهناك ذنوب هي أمراض، فلابد من استئصال المرض بدل أن نشتغل بعلاج العرض.

الزاوية الثانية: التركيز على الذنوب الباطنية.

نحن مع الأسف نركز على الذنوب الظاهرية دائما، نركز على أن لا يحصل غيبة، فاحشة، شرب خمر، كذب، هذه ذنوب جسيمة لكنها ذنوب ظاهرية، وهناك ذنوب باطنية قد تكون أشد فتكا وأشد تدميرا للروح ولطهارة ونقاء قلب الإنسان، الحسد، الحقد، سوء الظن، هذه ذنوب باطنية تلوث الضمير وتظلم القلب وتجعل الإنسان قطعة من النتن والوسخ، لو تدبر نفسه لكره قلبه، هذه الذنوب الباطنية يتحدث عنها النبي عندما يقول: ”الحسد يأكل الإيمان كما تأكل النار الحطب“ أنت إذا حملت في قلبك ذرة من الحقد على أخيك المؤمن فهذا الذنب قد يكون أشد فتكا بك من ذنب ظاهري ترتكبه، الحقد يتحدث عنه أمير المؤمنين يقول: ”الحقد سبب الفتن الحقد رأس العيوب لا مودة لحقود ليس للحقود أخوة“ الحقد مرض عضال، سوء الظن يتحدث عنه النبي فيقول: ”إياكم والظن“ لا تظن بإنسان مؤمن فعل حركة مريبة، أو قال كلمة مريبة، ليس لك حرية بأن تسيء به الظن، أن تحمله على محمل سيء ”إياكم والظن فإن الظن أكذب الكذاب“ الظن كالكذب من حيث الشناعة ومن حيث الخطورة.

المحور الثاني: الذنب خطير ولكن أين تكمن خطورته؟

خطورة الذنب تكمن في رؤية الذنب والتعامل مع الذنب، قد لا يكون الذنب خطيرا لكن التعامل معه هو مكمن الخطورة، الذنب له علاقتان، علاقة بالخارج، وعلاقة بالنفس، قد لا يكون أثره في الخارج كبيرا، لكن أثره على النفس جسيم خطير، مثلا: كلمة أف، عندما يقول الإنسان هذه الكلمة لأمه أو لأبيه ﴿فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا قد لا يكون لهذه الكلمة أثر خطير لأن الأم والأب يغفرانها، يعذران ولدهما، لكن أثرها على النفس خطير وأثرها على القلب جسيم، خصوصا إذا استهان الإنسان بذنبه، ورد عن الباقر : ”أشد الذنوب ما استهان به صاحبه“ خطورة الذنب أن تحتقره، أن تستهين به، الذنب الذي تحتقره يتجذر في القلب ويمتد في الروح إلى أن يشكل ظلمة في القلب وفي النفس، ورد عن الإمام الصادق : ”إذا أذنب العبد خرج في قلبه نكتة سوداء فإن تاب انمحت وإن عاد عادت حتى تغلب على قلبه فلا يفلح بعدها أبدا“ يصبح القلب فحمة سوداء، يتراكم غبار الذنوب على هذا القلب النقي فيتحول إلى قطعة نتنة من التراب، الذنب خطورته أن يؤثر على القلب ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ۖ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ طول العمر مع كثرة المعاصي يعني أثقالا باهضة نحملها على ظهورنا وعلى أكتافنا، نجيء إلى قبورنا وظهورنا لا تستطيع أن تحمل هذه الذنوب الثقيلة «إلهي كلما طال عمري كثرت خطاياي أما آن لي أن أستحي من ربي» خطورة الذنب في كيفية قراءته لأنه من هنا يعبر الشيطان إلى نفوسنا، يعبر في قراءتنا للذنب، يوسوس لنا، يقول لا تهتموا هذه ذنوب وأخطاء عابرة ستنتهون من هذه الذنوب والمعاصي.

هناك أبواب ثلاثة يعبر منها الشيطان إلى قلب المؤمن:

الباب الأول: التركيز على الشكليات وتغييب الجوهريات.

كثير منا يركز على الشكل هل هذا الذي أمامي ذو لحية، يصلي جماعة، يخالط المتدينين والمؤمنين، إذا كان الشكل جيدا فأنا أتعامل معه، لا يهمني سوء أخلاقه، سوء تعامله، عدم صدقه مع الناس، عندما نركز على القضايا الشكلية وإن كانت ذنوبا عظيمة، ونغفل القضايا الجوهرية بمرور الوقت سوف نتحول إلى أشكال وألوان فقط، نصلي، نصوم، نربي اللحية، نحضر صلاة الجماعة، لكننا لا نتنازل عن أخطاءنا ومعاصينا، نعيش ازدواجية لأننا ركزنا على الذنوب الشكلية، وقد ورد عن الإمام زين العابدين : ”لا تغتروا بكثرة صلاتهم ولا بكثرة صيامهم فإن الرجل ربما لهج بالصلاة والصوم حتى لو تركه ما استوحش ولكن اختبروهم عند صدق الحديث وأداء الأمانة الدين المعاملة“.

الباب الثاني: الفرق بين الكبائر والصغائر.

كثير منا إذا قرأ قوله تعالى: ﴿إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ فنقول إذا هناك كبائر وهناك صغائر، نحن لا نصنع الكبائر لكن نصنع الصغائر، من هنا يعبر الشيطان ليسول ويقول لنا هذا ذنب صغير ليس كبيرا، ليس فاحشة، ذنب صغير يغتفر.

الصغيرة سوف تتحول إلى كبيرة، الصغائر إذا تراكمت حجبت قلبي عن النور، سودت روحي وأظلمت في عيني، ورد عن الإمام الباقر : ”لا صغيرة مع الإصرار ولا كبيرة مع الاستغفار“.

الباب الثالث: الفرق بين الأعراض وغيرها.

إذا سمعنا هتكا لعرض تقشعر أجسادنا، نقول كيف ارتكب فلان الفاحشة، كيف هتك عرضا، وهتك العرض جريمة، لكن هتك العرض لا ينحصر بالهتك الحسي، قد يكون العرض حسيا وقد يكون معنويا، كما أن الزنا هتك لعرض، الغيبة أيضا هتك لعرض، الزنا هتك لحرمة، والغيبة هتك لحرمة، كلاهما هتك، بل ورد عن النبي محمد : ”الغيبة أشد من الزنا“ قيل يا رسول الله وكيف ذلك! قال: ”لأن صاحب الزنا يتوب فيتوب الله عليه وصاحب الغيبة يتوب فلا يتوب الله عليه حتى يحلله من اغتابه“ شرب الخمر عندنا عظيم لكن الإمام الباقر يقول: ”إن للشر أقفالا ومفتاحها الشراب والكذب شر من الشراب“.

نحن نركز على قضايا ونغفل قضايا أخرى، مع أن مقتضى القراءة الواعية العرفانية للذنب، أن نركز على هذه الذنوب الخطيرة والعظيمة.

المحور الثالث: علاقتنا مع الذنب هل هي علاقة مسئولية أم علاقة تبرير؟

أنا أصنع الذنب لكن كيف أتعامل مع الذنب، كل دقيقه تمر وأنا لم أكترث بالذنب ستتحول هذه الدقيقة إلى جمرة من النار تلتهب أمامي يوم القيامة، المطلوب مني هو المبادرة والسرعة، فعلت الذنب، فأسرع وبادر إلى التوبة، الإنابة، الحسرة، الحزن والأسى، لأنك صنعت جريمة، الذنب جريمة.

نحن علاقتنا مع الذنب علاقة خالية من المسئولية لا نحمل مسئولية تجاه ذنوبنا، نحن نسأل أنفسنا عن دراستنا، عن وظيفتنا، عن زوجاتنا، عن أولادنا، نرى أننا مسئولون عن الوظيفة، عن الدراسة، عن الزوجة، عن الأولاد، لكن الذنب ليس داخل ضمن مسئوليتنا، تمر الذنوب علينا سراعا ولا نكترث بها ولا نقيم لها وزنا، ليست الذنوب جزءا من مسئوليتنا.

هناك عدة مظاهر لعدم الإحساس بالمسئولية تجاه ذنوبنا وهذه المظاهر تتجسد فينا:

المظهر الأول: التبرير.

بمجرد أن أصنع الذنب أبدأ بالتبرير لنفسي، أنا لم أكن أعلم، عندي ظروف حرجة، هناك دواعي قاهرة قسرتني على هذا الذنب، هذه المعصية، أبرر لنفسي دائما، وأضع مسوفات لذنبي دائما، لا تفيد هذه الأعذار والتبريرات، أنا أعرف أني إذا وقفت بيني وبين ربي، فلا يفيد أمام الرب الغش والخداع والتبريرات لا يفيد أمامه شيء ﴿الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ لا مجال للتبريرات والأعذار، بادر إلى التوبة بدل أن تشغل الوقت وتضيعه في المبررات والأعذار.

المظهر الثاني: أننا نشتغل بعيوب الآخرين بدل عيوبنا.

نجلس في المجالس ونتذكر فلان وعيوبه، وفلان وأخطائه، وفلان ومساوئه، وننسى أننا كومة من الذنوب، من الأوساخ، لو نظرت إلى نفسي في يوم من الأيام ورأيت جسمي أو ثوبي وسخا، أو رأيت رائحة العرق المنتنة تظهر من جسمي لا أطيق نفسي، أبادر لأغتسل، للنظافة، لأنني لا أطيق الوسخ والنتن، ولكنني لو تأملت خمس دقائق في ذنوبي، في معاصي، في مساوئي، لرأيت أن نتن رائحة الذنوب أشد من نتن البدن، الذنوب شديدة النتن، كريهة الرائحة، وسخة المنظر.

إذا عندما لا أفكر في عيوبي وكأن ثوبي نظيف، وعندما أفكر في عيوب الآخرين فأنا شخص لا أعيش المسئولية تجاه الذنوب، وفي الحديث الشريف: ”رحم الله عبدا اشتغل بعيوبه عن عيوب الناس“.

المظهر الثالث: عدم الإصغاء إلى الموعظة.

أنا إذا فتحت الراديو ومرت علي آية فيها موعظة أقفلته لا أريد أن أسمع القرآن، الموعظة، إذا سمعت خطيبا يتحدث عن القبر، عن النار، عن الآخرة، عن الذنوب، أقول لا داعي هذا لا يعنيني، هذا يعني غيري، أنا نظيف، نزيه، بريء، أنا لا أحتاج إلى الإصغاء إلى الموعظة، إذا رأيت جنازة محمولة، لا أتدبر ولا أتفاعل وكأن هذا منظر عادي لأنني لا أريد الموعظة، لأنني أقفلت قلبي أمام الموعظة، لأنني وضعت على قلبي حجابا أن يستمع الموعظة ﴿أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا من وضع الأقفال؟ نحن من وضعنا على قلوبنا أقفالا لكي لا تسمع ولا تصغي إلى موعظة، إذا نحن نعيش قسوة القلب، ﴿ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاء وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ الحجر يشعر بربه، وأنا لا أشعر بربي ولا أبالي بذنبي، ولا أكترث بخطيئتي، فقلبي أشد قسوة من الحجارة.

كيف نستشعر المسئولية؟

1 - الاعتراف بالذنب: هل الاعتراف بالذنب اعتراف لفظي؟

قد أقول الاعتراف بالذنب سهل، أقف أمام ربي وأقول أنا أخطأت، يا ربي اغفر لي، هذا الاعتراف اعتراف لفظي، آني، لا قيمة له، لا يوصلني إلى توبة نصوح، والله يطالبني بتوبة نصوح ﴿تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا أنا أحتاج إلى اعتراف حقيقي، وهو عبارة عن الفزع من الذنب، عندما أفقد شخص عزيز يصيبني الفزع، والفزع يعني أن القوى الداخلية والخارجية في شخصيتي كلها تتفاعل مع الحدث، قلبي يحزن لأجل صديقي العزيز، عقلي لا يتصور إلا صديقي العزيز، دموعي لا تسكب إلا على الصديق العزيز، عندما أفقد عزيزا أفزع فكل جوارحي وجوانحي تتفاعل مع فقده، عندما يراد عقابي، لو أخذت إلى السجن مثلا، كل جوارحي تفزع، يرتعد جسمي، ترتعد فرائصي، لا أفكر ولا أتذكر إلا هذا السجن، أفزع من ذلك، فهل أنا أفزع من الذنب؟ أبدا! أصنع الذنب ولا أفزع منه، التوبة النصوح، الاعتراف الحقيقي، أن أفزع من الذنب، صنعت ذنبا إذا أفزع منه، قلبي ينبض حزنا، وأسى، وحسرة، لأنني فعلت الذنب «إلهي إن كان الندم على الذنب توبة فإني وعزتك من النادمين» الفزع من الذنب يعني أن قلبي يغلي دائما لأنني صنعت ذنبا الفزع من الذنب يعني ان دموعي تنهمر كلما ذكرت ذنبي وتصورته.

وهنا كيف أنا هل أنا مؤمن أم أنا منافق؟ ورد عن النبي محمد : ”إذا أذنب المنافق كان ذنبه كذبابة مرت على أنفه فأزاحها وإذا أذنب المؤمن كان ذنبه كصخرة ثقيلة على صدره“ أنا ذنبي ذبابة لا أبالي بها، لو كنت مؤمنا إيمانا حقيقيا لامتد ذنبي إلى قلبي وجوارحي وأرقني، وآذاني وآلمني.

إذا رجعنا إلى أدعية أهل البيت الإمام علي في دعاء كميل يعلمنا خطوات الاعتراف الحقيقي بالذنب:

الخطوة الأولى: إذابة الكبرياء.

إذا سألني صديقي: هل فعلت الذنب؟ أقول: لا، تأخذني العزة بالإثم، لكن إذا جلست أمام ربي لا يفيدني الإنكار، لابد أن أذيب الغطرسة والكبرياء، وأجلس أمامه خاضعا، ذليلا، معترفا بذنبي «اللهم إني أسألك سؤال خاضع متذلل خاشع أن تسامحني وترحمني وتجعلني بقسمك راضيا قانعا وفي جميع الأحوال متواضعا».

الخطوة الثانية: الاستغاثة.

المذنب غريق في بحر الذنوب والمعاصي، والغريق يتشبث بشيء يريد أن ينقذ نفسه من بحر الذنوب ولجج المعاصي، أنا الغريق بذنوبي فمن ينقذني، أنا الغريق بمعاصي فمن ينتشلني، لابد أن أعبر لربي أنني غريق أستغيثه، أستصرخه، أستنجده، كي يغيثني ويصرخني وينقذني من هذا الذي أنا فيه، لذلك يعبر الإمام أمير المؤمنين عن هذه الاستغاثة «إلهي قصرت بي أعمالي وقعدت بي أغلالي وحبسني عن نفعي بعد آمالي وخدعتني الدنيا بغرورها ونفسي بجنايتها ومطالي يا سيدي».

الخطوة الثالثة: الانكسار.

إذا جئت لربي أستغيثه، أستصرخه، أستنقذه، يا ربي أنقذني! فلم أسمع صوتا، ولم أجد جوابا، يصيبني الانكسار والانخذال، تنهار قوى بدني وروحي، لأنه لا ملجأ ولا منجى لي من ذنوبي، وأقول «يا إلهي أتيتك منكسرا مستقيلا مستغفرا منيبا مقرا مذعنا معترفا لا أجد مفرا مما كان مني ولا مفزعا أتوجه إليه في أمري غير قبولك عذري وإدخالك إياي في سعة من رحمتك إلهي فاقبل عذري وارحم شدة ضري وفكني من شد وثاقي اللهم ارحم ضعف بدني ورقة جلدي ودقة عظمي يامن بدأ خلقي وذكري».

الخطوة الرابعة: تذكر الآخرة.

أنا في الدنيا الآن قلق، متوتر، خائف، لكنني لا أشعر بلسعة الذنوب كما أشعر بها في الآخرة، أنا في الدنيا لا أتحمل مصيبة، عود كبريت أشعله لا أستطيع أن أمسه بإصبعي، لو أسجن أيام في زنزانة لا أطيق الحياة، يضيق صدري، تسود الدنيا في عيني، أنا لا أتحمل مصيبات الدنيا، فكيف أتحمل مصيبة الآخرة، هنا يركز الإمام أمير المؤمنين علي «وأنت تعلم ضعفي عن قليل من بلاء الدنيا وعقوباتها وما يجري فيها من المكاره على أهلها على أن ذلك بلاء ومكروه قليل مكثه يسير بقاءه قصير مدته فكيف احتمالي لبلاء الآخرة» هل تعلم أن القبر سجن! نحن لا نشعر بهذا إلا إذا نزلنا إلى القبر، هل يتحمل الإنسان هذا السجن، أن يعيش فيه قرونا وسنين! «فكيف احتمالي لبلاء الآخرة وجليل وقوع المكاره فيها وهو بلاء تطول مدته ويدوم مقامه ولا يخفف عن أهله لأنه لا يكون إلا عن غضبك وانتقامك وسخطك وهذا مالا تقوم له السماوات والأرض فكيف بي وأنا عبدك الضعيف الذليل الحقير المسكين المستكين».

وهناك كلمات للإمام الحسين في دعاء عرفة يعلمنا فيها كيف نعترف بذنوبنا يقوم الحسين بالمقارنة بين العبد وبين ربه حتى يعترف العبد بذنبه «مولاي أنت الذي أنعمت أنت الذي أحسنت أنت الذي أجملت أنت الي أفضلت أنت الذي مننت أنت الذي أكملت أنت الذي رزقت أنت الذي أعطيت أنت الذي أغنيت أنت الذي أقنيت أنت الذي آويت أنت الذي كفيت أنت الذي هديت أنت الذي عصمت أنت الذي سترت أنت الذي غفرت أنت الذي أقلت أنت الذي مكنت أنت الذي أعززت أنت الذي أعنت أنت الذي عضدت أنت الذي أيدت أنت الذي نصرت أنت الذي شفيت أنت الذي عافيت أنت الذي أكرمت تباركت ربي وتعاليت فلك الحمد دائما ولك الشكر واصبا ثم أنا يا إلهي المعترف بذنوبي فاغفرها لي أنا الذي أخطأت أنا الذي أغفلت أنا الذي جهلت أنا الذي هممت أنا الذي سهوت أنا الذي اعتمدت أنا الذي تعمدت أنا الذي وعدت أنا الذي أخلفت أنا الذي نكثت أنا الذي أقررت إلهي أعترف بنعمتك عندي وأبوء بذنوبي فاغفرها لي يامن لا تضره ذنوب عباده وهو الغني عن طاعتهم والموفق من عمل منهم صالحا برحمته فلك الحمد إلهي أمرتني فعصيتك ونهيتني فارتكبت نهيك فأصبحت لا ذا براءة فأعتذر ولا ذا قوة فأنتصر فبأي شيء أستقبلك يا مولاي أبسمعي أم ببصري أم بلساني أم برجلي أليس كلها نعمك عندي وبكلها عصيتك يا مولاي فلك الحجة والسبيل علي يامن سترني من الآباء والأمهات أن يزجروني ومن العشائر والإخوان أن يعيروني ومن السلاطين أن يعاقبوني ولو اطلعوا يا مولاي على ما اطلعت عليه مني إذا ما أنظروني ولرفضوني وقطعوني فهاأنذا بين يديك يا سيدي خاضعا ذليلا حقيرا لا ذو براءة فأعتذر ولا قوة فأنتصر».

والحمد لله رب العالمين

القِيَم الخُلُقيّة بين المثاليّة والواقع
الأُخوَّة الإسلاميّة وإعصار الطائفيّة