الدرس 66

منجزية العلم الإجمالي

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلّى الله على سيّدنا محمد وآله الطاهرين

المنبه الثاني: ان العلم التفصيلي قد يقترن بالتردد في مقام الإمتثال، كما لو علم تفصيلا بوجوب الصلاة الى القبلة وترددت بين جهات اربعة، ولذلك جاز ترخيص الشارع في بعض الأطراف سواء بالاعتماد على التحري او بالاعتماد على اجراء قاعدة الفراغ او التجاوز، وهذا التصرف الشرعي في بعض الأطراف لا ينافي عليّة العلم التفصيلية للمنجزية، فهو شاهد على ان مجرد التردد في مقام الامتثال لا يصادم علة العلم للمنجزية.

ولأجل ذلك نقول ان بين الفتور والمنجزية للعلم الاجمالي «عموما من وجه» فقد يحصل علم اجماليٌّ من دون فتور في المنجزية ولا تردد في مقام الامتثال، كما في العلم الاجمالي بحرمة شرب هذا المائع الخارجي اما لكونه نجسا او لكونه خمرا فان هذا العلم وان كان اجماليا ولكن لا فتور فيه ولا تردد، وقد يحصل الفتور والتردد وليس هناك علم اجمالي كما العلم في التفصيلي المقترن بالشك في مقام الامتثال كما مثلنا وحينئذٍ مجرد وجود تردد في مقام الامتثال لا يسلب العلم عليته للمنجزية.

المنبه الثالث: المقارنة بين موارد الشك في الامتثال وبيان ذلك؛ ان العلم الاجمالي قد يكون ابتدائيا وقد يكون ناشئا عن الشك في الامتثال، فالعلم الاجمالي الابتدائي كما لوعلم اجمالاً بوجوب فريضة اما الظهر او الجمعة! بينما القسم الثاني هو ان يعلم تفصيلا بوجوب قضاء الظهر وقضاء المغرب ثم يحصل له شك في انه قضى كليهما او احداهما! او نفترض انه قضى واحدة منهما فلا يدري هل قضى الظهر او المغرب، فهذا العلم الاجمالي وهو ان المكلف مطالب فعلا اما بقضاء الظهر او المغرب مسبب عن الشك في الامتثال، فالشك في الامتثال ولّد علما اجماليا الا ان هذا العلم الاجمالي لا شك في منجزيته لدى الاعلام فاذا كان العلم الاجمالي الناشئ عن الشك في مقام الامتثال مما لا ريب في منجزيته فان العقل لا يرى فرقاً بينه وبين العلم الاجمالي الابتدائي.

ولأجل توضيح ذلك نقول: في مورد المثال وهو ما لوعلم تفصيلا بان عليه قضاء الظهر والمغرب وقضى واحدة منهما ولكنه شك فيما قضاه، فحصل علم اجمالي في ان ما تشتغل به ذمته به فعلا اما الظهر او المغرب فما هو المنجز هل المنجز ذاك العلم التفصيلي الاول ام لهذا العلم الاجمالي دوراً في المنجزية؟

فقد يقال بما ان هذا العلم الإجمالي ناشئ عن الشك في مقام الامتثال والشك في مقام الامتثال دائما مورد لقاعدة الاشتغال اليقيني، والمنشأ لجريان قاعدة الاشتغال هو العلم التفصيلي، اذ لولا انه علم تفصيلا بقضاء الظهر والجمعة لما كان الشك في القضاء لعدم كون ذلك موردا لقاعدة الاشتغال فالمنجز في الواقع هو العلم التفصيلي الاول اذ ببركته كان الشك في الامتثال موردا لقاعدة الاشتغال، ولأجل ذلك فسواء تولد العلم الإجمالي ام لا فان المنجز سابق عليه رتبة وهو قاعدة الاشتغال المستندة للعلم التفصيلي.

ولكن في مقابل ذلك يقال: ليس السرّ في منجزية العلم نشؤه عن الشك في مقام الامتثال، والمنبه على ذلك انه قد يحصل علم اجماليٌّ منجز وان لم يكن مسبوقا بالشك في الامتثال مثلاً اذا علم تفصيلاً بنجاسة هذا الاناء ثم اختلط الاناء بغيره فحصل علم اجمالي فان هذا العلم الإجمالي منجز مع انه لم يتولد من الشك في مقام الامتثال، اونذر صلاةً معينةً ولكنه نسي بعد ذلك هل انه نذر صلاة الليل ام انه نذره صلاة الاستغاثة، فان هذا العلم الاجمالي منجز مع انه لم يتولد من الشك في الامتثال، فهذا منبه على ان نشوء العلم الاجمالي من الشك في الامتثال لا دور ولا تأثير له، بل ما يتصور له دور هو سبق العلم الإجمالي بالعلم التفصيلي لا ان النشوء من مقام الامتثال مؤثر، فاذا كانت المسالة هي ان العلم الإجمالي مسبوق بعلم تفصيلي.

فيأتي السؤال هل ان مجرد السبق بعلم تفصيلي يلغي دور العلم الإجمالي ام لا؟ والصحيح انه لا يلغي دوره والسر في ذلك ان كون العلم التفصيلي منجزا حدوثا وبقاءً لا ينفي ان في مرحلة البقاء منجز اخر، وهو العلم الاجمالي، لجامعيته لمؤهلات المنجزية كما سبق بيانه.

فالنتيجة نشوء العلم الإجمالي عن الشك في مقام الامتثال لا يلغي دوره وعليه كذلك العلم الاجمالي الابتدائي.

المنبه الرابع: قد يحصل علم اجمالي ابتدائي كما مثلنا بالعلم بوجوب فريضة يوم الجمعة، وقد يحصل علم اجمالي من علم تفصيلي كما مثلنا وهو من نذر صلاة معينة ثم تردد فيما نذر، وحينئذٍ يقال لا يرى العقل فرقاً بين هذه الاقسام فكما ان العلم الاجمالي المتولد من علم تفصيلي منجز بلا كلام فكذلك العلم الاجمالي الابتدائي.

وبيان ذلك: اذا علمنا بوجوب صلاة الظهر مثلاً ثمّ شككنا في الامتثال اوعلمنا بالنذر لصلاة معينة ثم حصل التردد فيما نذر، فنسي ما نذر فحينئذٍ هل المنجز ذاك العلم التفصيلي وهو نذر صلاة معينة؟ ام المنجز احتمال ان المنذور هو صلاة جعفر ام المنجز هو العلم الاجمالي الفعلي؟

قد يقال لا معنى للتعكز على العلم التفصيلي السابق لزواله وجدانا، فانّ المكلف وجدانا ليس عنده علم تفصيلي، فقد زالت صورته من افق النفس ولا معنى لان يكون المنجز هو الاحتمال والا لكان الاحتمال منجزا في موارد اخرى كالشبهة البدوية، فهذا منبه على ان العلم الاجمالي له دور في المنجزية فاذا كان العلم الاجمالي المتولد من العلم التفصيلي مما لا كلام في منجزيته فكذلك العلم الاجمالي الابتدائي.

فتحصل، من هذه المنبهات الاربعة ان الوجدان لا يرى فرقاً بين العلم التفصيلي والاجمالي ولا بين انحاء العلم الإجمالي.

فان قلت: اننا عندما نتأمل بالمقارنة بين علم تفصيلي وعلم اجمالي مشوب بالتردد في مقام الامتثال، نرى ان مركز التردد هو عالم الامتثال لا عالم الحكم والمنجزية فاذا علم تفصيلا بوجوب الصلاة الى القبلة ثم ترددت القبلة فمن الواضح ان مركز التردد ليس هو الحكم المعلوم بل امتثاله، بينما في العلم الاجمالي اذا علم بوجوب صلاة يوم الجمعة فان مركز التردد في الحكم المعلوم لا في امتثاله، وهذا الفارق كاف في عدم التسوية بين العلمين.

قلت: ان مجرد اجمال الحكم لا يصلح فارقاً مادام كلا العلمين واجداً لمقومات المنجزية من الملاك والإرادة والداعوية والمنجزية.

فان قلت: ان المفروض ان العلم التفصيلي انكشاف تام للحكم لا شائبة فيه بينما العلم الاجمالي مشوب بالاغتشاش، فهو انكشاف ناقص وبالتالي فكيف يسوى بين الانكشاف التام والانكشاف الناقص في عالم المنجزية؟

قلت: ان مجرد الإجمال والابهام في الحكم لا تأثير له والشاهد على ذلك انه اذا لم يقترن العلم الإجمالي بالشك في الامتثال فإجمال الحكم لا أثر له، مثلاً اذا علم بحرمة شرب هذا الاناء اما لكونه نجسا اولكونه خمرا من الواضح ان العلم اجماليٌ ومع ذلك ان العقل لا يرى أي ضعف في منجزيته، مما يكشف ان مجرد اجمال الحكم ليس هو مركز الضعف وانما الضعف في الشك في الامتثال، ولذلك اذا خلى العلم الإجمالي عن الشك في مقام الامتثال، ولذلك لوخلى عن الشك في مقام الامتثال لم نر ضعفا في منجزيته كما فيما مثلنا.

اما لو علم بوجوب صلاة يوم الجمعة فإجمال الحكم ممتزج بإجمال مقام الامتثال، اذ لا يدري ان الامتثال يحصل في الظهر او الجمعة؟ فالموجب للفتور ليس هو الإجمال في الحكم والا لا موجب في المثال الاول وانما الموجب هو الإجمال في مقام الامتثال ولذلك لوحصل هذا التردد في مقام الامتثال مع العلم التفصيلي كما لوترددت القبلة بين الجهات الاربع لأوجب ضعف العلم التفصيلي أيضاً فكل هذا شاهد على ان سرّ الفتور والضعف ليس هو اجمال الحكم بل سره هو التردد في مقام الامتثال وهو امر مشترك بين العلمين الإجمالي والتفصيلي.

فالملخص ان يقال ان هناك مقامين المنجزية والامتثال واحدهما في طول الآخر فالعلم أولاً يستدعي اشتغال العهدة وهذا ما يسمى بمقام المنجزية وفي طول ذلك يستدعي اشتغال العهدة حكم العقل بضرورة الموافقة وهذا مقام الامتثال، فبلحاظ المقام الاول المعبر عنه بالمنجزية لا فرق بين العلمين من حيث العلية فكلاهما علة للاشتغال والمنجزية وبلحاظ المقام الثاني وهو الامتثال لا فرق بين العلمين من حيث الاقتضاء فكما ان العلم التفصيلي لا يقتضي اكثر من الموافقة الاحتمالية بدليل ترخيص الشارع في بعض اطرافه فكذلك العلم الإجمالي.

والحمدُ لله ربِّ العالمين