الاجتماع والترابط

تحرير المحاضرات

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿وَاعْبُدُوا اللهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ

صدق الله العلي العظيم

الشريعة الإسلامية دينٌ اجتماعيٌ، ركّز على الاجتماع والترابط والتئام الصفوف والتحامها من جميع الجوانب والجهات، هذا القرآن الكريم بعد أن يأمر الفرد بأن يخلص التوحيد لربه، وأن يعبد ربه عبادة خالصة، بعد ذلك مباشرةً يأمره بإصلاح أسرته، يأمره بأن يجعل أسرته أسرةً متعاونةً مترابطةً سعيدةً، حيث يقول له: ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا، وبعد أن يشكّل الإنسان هذا المجتمع الصغير، ويتعاون معه تعاونًا وثيقًا، ينطلق به القرآن الكريم إلى مجتمع أوسع من مجتمع الأسرة، إلى أفق أرحب من أفق الأسرة، ألا وهو الأقرباء: ﴿وَبِذِي الْقُرْبَى.

ثم ينتقل به إلى كثير من أفراد المجتمع الذين تعوزهم الحاجة إلى أن يساعدهم الإنسان ويعونهم ويبرهم، ﴿وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى أي: إذا كان الجار قريبًا منك، هو جار وهو قريب لك بالنسب والرحم مثلاً، أو بيته قريب منك جدًا، ﴿وَالْجَارِ الْجُنُبِ أي: البعيد، لو فرضنا أن هذا الجار بعيد عنك، بينك وبين بيتك أربعون أو ثلاثون دارًا مثلاً، هذا أيضًا يأمر القرآن بأن ترتبط به وأن تشكّل معه علاقة وثيقة، ﴿وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وهو الذي يكون مصاحبًا لك في قضية معينة، فرضًا أنت سافرت وكان لك صاحب في السفر، أو كنت تشتغل، في مهنة معينة، وكان لك صاحب في هذه المهنة، هذا يقال له صاحب بالجنب، فهو من كان صحبته معك في قضية معينة، إما سفر أو مهنة أو حرفة، ﴿وَابْنِ السَّبِيلِ أي: المسافر الذي انقطع الزاد والراحلة عنه في سفره، فلا يستطيع إتمام سفره.

إذن فالقرآن يحث على الترابط والعلاقة الوثيقة بين الإنسان ومجتمعه الأسري، والمجتمع الذي هو أوسع من الأسرة، ليرتبط بسائر أفراده وجماعاته، وكثير من الآيات القرآنية التي نفهم من خلالها أن الشريعة الإسلامية أرادت من المجتمع الإسلامي توحيد الكلمة، وتوحيد الصفوف، وأرادت من المجتمع الإسلامي أن يكون قوة قوية صامدة أمام الأعداء، وأمام مكائدهم، وأمام دخائلهم، وأما ما يخطّط ويدبّر لهم، أرادت الشريعة الإسلامية أن يكون المسلمون صفًا واحدًا وجبهةً واحدةً، ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا، وأثنى القرآن على أولئك المترابطين المتحابين المتآزرين، حيث قال: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ، أي: بين أنفسهم كل يرحم الآخر، كل يعطف على الآخر، وقال في آية ثالثة: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ، بما أنكم مسلمون، صفة الإسلام تقتضي منكم أن تتعونوا على البر والتقوى. لو دعيتم أيها التجار والأغنياء إلى بناء حسينية، لكان الإسلام دافعًا لكم إلى المشاركة فيها، لو دعيتم إلى بناء مسجد، لكان الإسلام دافعًا لكم إلى المشاركة فيه، لو دعيتم إلى غوث فقير أو محتاج، لكان الإسلام دافعًا لكم إلى ذلك الغوث.

أهمية حسن الجوار:

من جملة الصلات الإسلامية التي أكدت عليها الشريعة: الجوار، هذا الحق المضيّع عندنا، هذا الحق الذي لا ننظر إليه بنظرة اعتبار، ولا ننظر إليه بنظرة تقويم أبدًا، مع أن الأحاديث الكثيرة التي تأمرنا بحسن الجوار. عن الرسول : ”كل أربعين دار جيران، عن يمينه، وعن شماله، ومن بين يديه، ومن خلقه“، كل أربعين من كل جهة يعتبر جيران، وعن الرسول : ”ما زال جبرئيل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورّثه“، وعن الرسول : ”حسن الجوار يزيد في الأعمار، ويوسع في الأرزاق، ويعمّر الديار“، وعن الصادق : ”ليس منا من لم يحسن مجاورة من جاوره“، وعن الإمام الباقر : ”في كتاب علي: ليس منا من بات شبعان وجاره جائع، وما من قرية يبيت فيهم جائع ينظر الله إليهم يوم القيامة“.

هل هناك أحد يسأل عن جاره؟! أنا المهم أن أتريق وأفطر وأتغدى وأتعشى، وأما جاري فلا علاقة لي به! من منا يدفعه شعوره إلى أن يتحسس عن جاره ما عنده وماذا يقدم وماذا يحضر؟! هذا الشعور ليس موجودًا عندنا أبدًا. الإمام أمير المؤمنين يقول: ”لو شئتُ لاهتديتُ الطريق إلى مصفى هذا العسل، ولباب هذا القمح، ونسائج هذا القز، ولكن هيهات أن يغلبني هواي، ويقودني جشعي، إلى تخير الأطعمة، ولعل باليمامة أو الحجاز من لا عهد له بالشبع، ولا طمع له بالقرص، أأبيت مبطانًا وحولي بطون غرثى وأكباد حرى؟!“.

وكان يحمل جراب الطعام على ظهره، ويدور به على بيوت الكوفة، وسار على هذه السنة ابنه أبو محمد ، وابنه أبو عبد الله ، وأحفادهم وأبناؤهم، يحملون جراب الطعام، ويدورون على الفقراء والمساكين، إلى يوم عاشوراء، عندما سلبت ثياب الحسين، رأوا أثر جراب الطعام على ظهره، فقال ابن سعد: يفخر علينا ابن فاطمة بأثر جراب الطعام على أثره.

”وما من قرية يبيت فيهم جائع ينظر الله إليهم يوم القيامة“، وأما نحن فمآكلنا مبتلاة بالإسراف والتبذير من دون أن نلتفت إلى الآخرين، ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ، المائدة إذا وضعت أمامه في دعوة أو في عرس، أو حتى في المآسي والأحزان والفواتح، إذا وضعت مختلف الأصناف، سواء أكلت أم لم تؤكل، مختلف الأطعمة بأجلى صور الإسراف، بأجلى صور التبذير، نصر عليها، ونستمر عليها، دون أن نعي إلى أحد من حولنا أبدًا. الإسلام يحثنا على حسن الجوار، وماذا يعني حسن الجوار؟

حسن الجوار يعني أن هذا الجار الذي إلى جانبك، عليك إذا رأيته أن تعامله باللطف وحسن المداراة، هذا الجار الذي إلى جانبك، إذا رأيته عليك أن تبدأه بالسلام، إذا مرضه عليك أن تعوده، إذا كان عنده فرح عليك أن تهنئه، إذا ألم به حزن ومصيبة عليك أن تواسيه وأن تعزيه، هذا الجار الذي إلى جانبك عليك أن تكف الأذى عنه، تكف نفسك، أطفالك، عيالك، أهلك، لكيلا يؤذوا أهله ولا أطفاله ولا عياله. هذا الجار الذي إلى جانبك، عليك أن تغض بصرك عن حرمه، وعن نسائه، وعن متعلقيه. هذا الجار الذي إلى جانبك، إذا أساء أو أخطأ، عليك أن تغض النظر عن إساءته، وعن هفواته، لكيلا تثور جراح، ولكيلا تحتدم الفتن بينك وبينه.

أكثر من هذا، إذا رأيت هذا الجار زاغ أو انحرف عن الصراط المستقيم، كما لو كان جارك دائمًا يرفع الأغاني على حدها، أو بيته محل للشرب والسكر والعياذ بالله، إذا رأيت جارك قد زاغ وانحرف، عليك بالنصيحة الهادئة، عليك بالإرشاد الهادئ المؤدب، إن استمع إلى إرشادك ونصحك فبها، وإلا فلا. هذه حقوق الجار.

حسن الجوار ومسألة التخطيط العمراني الجديد:

ويبدو أن التخطيط العمراني الجديد للمدن الجديدة الآن وراءه أصابع استعمارية عملت على القضاء على حسن الجوار وعلى مفهوم الجوار الذي ناشدت به الشريعة الإسلامية، لأن الغرب أصلاً لا يوجد عنده هذا النوع من المفاهيم أبدًا، الغرب لا يحمل لمفهوم حسن الجوار أي اعتبار ولا قداسة، فإذا رأى الشريعة الإسلامية تنص على هذا المفهوم، وتلح عليه، وتعتبره واجبًا مقدسًا.. التخطيط العمراني الآن، المدن الجديدة، البيوت الفرهة الواسعة الرحبة، كل بيت منفصل عن الآخر، لا يرتبط بالآخر، هذا التخطيط العمراني أراحك، وأشاع عندك الراحة والسعة ودعة البال، ولكنه من جانب آخر أفقدك حسن الجوار.

التخطيط القديم الذي كانت تسير عليه الهندسة القديمة هو بيوت متلاصقة مترابطة، أي صوت في بيت يسمع في سائر البيوت، أي كلمة في بيت تسمع في سائر البيوت، كأن البيوت.. مع أنهم قد لا يكونون متقاربين نسبًا، لكن هذه البيوت المتلاحمة المترابطة كأنها بيت واحد وعائلة واحدة، كل ينشد البعض الآخر، كل يحس بآلام الآخر، كل يشعر بأحزان الآخر، كل يواسي الآخر. أما الآن القصور الممتازة الفرهة الرحبة أفقدت حسن الجوار معناه، وبات الجار لا يعرف من جاره. أنت بمجرد أن تدق عليه البيت وتسأل: أين بيت فلان؟ يقول: وما أدراني عن بيته! مع أن بيت فلان هو جاره! فإذا كان لا يدري من هو جاره، فضلاً عن أنه يزوره ويعوده ويقوم بشؤونه. فعلينا أن نتنبه لهذه الأمور، التي حاول أعداؤنا أن يرفعوها منا. صحيح أننا اخترنا هذا العمران، وهذه المدن الجديدة، ولكن علينا أن نؤكد مفهوم حسن الجوار، وأن نشعر بغيرنا، وأن نتزاور ونتعاود ونترابط ونتآزر، هذا ما كان عليه أئمتنا وهداتنا وقادتنا .

أبو دلف البغدادي كان له جار، هذا الجار أراد أن يبيع داره، طرحها في مكان السوم، تسام تلك الدار، فكلما ساموها بثمن زاد الثمن، إلى أن وصل ثمن الدار إلى ألف دينار، قال له بعض أصحابه: دارك لا تساوي ألف دينار، بل تساوي خمس مئة دينار، فلماذا تريد أن تبيعها بألف؟! قال: داري تساوي خمس مئة دينار، وجوار أبي دلف يساوي خمس مئة دينار. أنا لا أبيع دارًا فحسب، بل أبيع دارًا وجوارًا أيضًا، لأن جاري رجل خيّر، يفهم مفهوم حسن الجوار، ويتعامل معي معاملة طيبة، فأنا أبيع دارًا وجوارًا أيضًا. هذا مما يدل على أنهم كانوا يرون الجوار له قدسية خاصة واعتبار خاص.

أهمية صلة الرحم:

﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى، الأقرباء الرحم، نحن أين وصلة الرحم؟! نحن أين والأقرباء؟! نحن أين والتواصل والترابط؟! عن أمير المؤمنين : ”اعلموا أن الرجل لا يستغني عن عشيرته، وإن كان ذا مال“. حتى لو كانت عنده ثروة وأموال، فإنها لا تنفعه شيئًا مقابل عشيرته، ”وعن دفاعهم عنه بألسنتهم وأيديهم؛ فإنهم أعظم الناس حيطة من وراءه، وألمهم لشعثه، وأعطفهم عليه، إذا نزلت به نازلة“. الإمام الباقر يروي عن الرسول : ”إني أوصي أمتي، الشاهد منهم والغائب، ومن في أصلاب الرجال وأرحام النساء، أن يصلوا الرحم، ولو كان على مسيرة سنة؛ فإن ذلك من الدين“. وعن الإمام زين العابدين عن جده رسول الله : ”صلوا الرحم؛ فإن للرحم لسانًا ذلقًا يوم القيامة، حيث تقول: يا رب، صل من وصلني، واقطع من قطعني“. وعن الإمام الراضا عن الرسول : ”من ضمن لي واحدة ضمنت له أربعًا. ما هي يا رسول؟ قيل: من وصل رحمه ضمنت له أربعًا: يحبه الله، ويوسّع عليه رزقه، ويزيد في عمره، ويدخله الجنة التي وعده“.

نحن أين وهذه الأحاديث أين؟! نحن في واد وهي في واد آخر، أنت إذا لم يكن باستطاعتك أن تزور رحمك كل أسبوع، فزرهم كل شهر أو شهرين. إذا كانت أعمالك ومشاغلك ودراستك تمنعك عن دراسة الرحم، فعلى الأقل بين شهرين أو ثلاثة شهور مرة، المهم أن تصل رحمك، لا أن تكون بالعكس مقابل رحمك، المهم أن تقوم بهذا الواجب المقدس، بهذا الحق الجبّار.

عن الإمام الصادق : ”ما رأينا شيئًا يزيد في العمر إلا صلة الرحم؛ فإن الرجل لربما بقي من أجله ثلاث سنين، فيصل رحمه، فيكتب له ثلاثون سنة، فيكون له في أجله ثلاث وثلاثون سنة، وإن الرجل ليقطع رحمه، فينقص منه ثلاثون سنة، فيكون أجله ثلاث سنين“. وعنه : ”صلوا الرحم ولو بشربة ماء، وأفضل ما يوصل به الرحم كف الأذى عنه“. المهم أن تقدم شيئًا لرحمك، شربة ماء، رد السلام، مقابلته بالخلق الحسن، مقابلته بالبشاشة، هذه كلها مصاديق لصلة الرحم.

وورد عن الإمام الباقر : ”صلة الرحم تزيد في الأموال، وتنمّي الأرزاق، وتدفع البلوى، وتيسّر الحساب، وتنسئ في الآجال“، أي: تطيل العمر، ويكون حسابك يوم القيامة يهون عليك إذا وصلت رحمتك. وجاء رجل إلى رسول الله ، قال: يا رسول الله، إن عشيرتي أبوا إلا توثبًا علي، وقطيعة لي، وشتيمة لي. وهذا منطق الكثير من الناس: أنا أزور رحمي ولكنهم لا يزوروني، أخدمهم وهم لا يخدمونني، فماذا أفعل؟ قال الرجل: أفأقطعهم؟ قال له الرسول: ”إذن يرفضكم الله جميعًا، قال: إذن ما أصنع؟ قال: صل من قطعك، واعف عمن ظلمكم، وأعط من حرمك، فإنك إذا فعلت ذلك كان لك من الله عليهم ظهيرًا“. وقال الشاعر:

وإن   الذي  بيني  وبين  بني  iiأبي
إذا   أكلوا   لحمي  وفرت  لحومهم
وإن  ضيعوا  غيبي حفظت iiغيوبهم
لهم  جل  مالي  إن تتابع لي iiغنى


 
وبين   بني   عمي  لمختلف  iiجدًا
وإن  هدموا  مجدي بنيت لهم iiمجدًا
وإن هم هووا عني هويت لهم رشدًا
وإن   قل   مالي  لم  أكلفهم  iiرفدًا

أنا دائمًا في حال وصال وقرب من رحمي، وطبعًا تعرف أنك لا بد وأن تنتمي إلى عشيرة، وهذه العشيرة فيها الفقير والغني، وفيها القوي والضعيف، وفيها صاحب الجاه والمركز، وفيها الرجل الذي لا جاه له ولا مركز، فإذا انضمت العشيرة وتواصلت وترابطت، وحن غنيها على فقيرها، وقويها على ضعيفها، وصاحب الجاه تصدى لمن ليس له جاه وسانده وعاضده، كانت الأسرة قوة، وكانت الأسرة مجتمعًا متشكلاً قائمًا على أساس الإخاء والترابط والتعاون.

أكثم بن صيفي كان حكيمًا من الحكماء، حينما مرض المرض الذي توفي فيه، جمع عياله وأولاده، ثم أخذ سهامًا وضمها، قال: خذوها ليكسرها واحد منكم، كلما أخذها أحدهم ليكسرها ما استطاع، فأرجعوها عليه، فقام وفرّقها، وجعل كل سهم لوحده، فصاروا يأخذون كل سهم ويكسرونه، فالتفت إليهم بعد ذلك، قال: يا بَنِيَّ، اعلموا أنكم إذا اجتمعتم لم يقدر العدو على كسركم، وإن افترقتم استطاع العدو كسركم كما رأيتم السهام.

كونوا  جميعًا  يا بنيَّ إذا iiعرى
تأبى السهام إذا اجتمعن تكسرًا
  خطبٌ    ولا    تتفرقوا   آحادًا
وإذا   افترقن   تكسرت   أفرادًا

خطورة قطيعة الرحم:

القضية بالاجتماع والتواصل والترابط والتلاحم والتآزر، وفي مقابل صلة الرحم قطيعة الرحم، وهي من أشد الأمراض الخلقية، وأشد الأوبئة والأدواء التي ابتلينا بها، وابتليت سائر المجتمعات بها، قطيعة الرحم أمر يبغضه الله، وتحذر منه الشريعة الإسلامية من نتائجه وعواقبه السوداء الوخيمة، القرآن يقول: ﴿وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ، أولاً تُسْأل عن الله ثم عن الأرحام، ويقول في آية أخرى: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ، وقال في آية ثالثة: ﴿الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ. وورد عن رسول الله : ”أربعٌ أسرعُ شيء عقوبةً: رجل أحسنت إليه فكافأك بالإحسان إساءة، ورجل لا تبغي عليه وهو يبغي عليك، ورجل عاهدته على أمر فوفيته له ثم غدر بك، ورجل وصل قرابته فقطعوه“، ”إن الرحم لتوصل، ثم تقطع، ثم توصل، ثم تقطع، ثم توصل، ثم تقطع، ثم توصل، ثم تقطع، ثم ينادي الله: أني بريء منها وملائكتي وأنبيائي ورسلي“.

وعن الإمام الباقر : ”لا يموت الرجل عن ثلاثة أشياء حتى يرى وبالهن: البغي، واليمين الكاذبة، وقطيعة الرحم“، وجاء يعقوب المغزلي إلى الإمام الكاظم، وإذا بالإمام قد قام غضبان واقفًا على رجليه: ”يا يعقوب، أما تستحي؟! لقد بلغني أنك في شرقي كذا تشاتمت مع أخيك حتى شتم بعضكم بعضًا، وهذا ليس من دين الله، ولا دين آبائي، ولا دين أجدادي، فاتق الله، فإن الله عاقبكما بالفرقة، وإن أخاك سيموت وهو في سفره قبل أن يصل إلى أهله، وأما أنت فلولا أنك وصلت عمتك، وكان بينك ما كان، لكان أجلك الآن، وقد زيد في أجلك عشرون لوصالك عملتك“.

هكذا هو الإصرار على صلة الرحم، والتحذير من قطيعة الرحم، فعلينا أن نتنبه لهذا الداء المرير، والمرض الخطير: قطيعة الرحم، فإن قطيعة الرحم أثرها سريع جدًا، قصر العمر، تعطل أبواب الرزق، انسداد أبواب التوفيق أمام الإنسان، نتيجة لقطيعته رحمه. ولذلك نرى الأئمة يحذّرون من هذا الجانب، ويدعون على من ضيّع صلة الرحم وارتبط بقطيعة الرحم، ولذلك الحسين يوم عاشوراء قال: ”يا بن سعد، قطع الله رحمك كما قطعت رحمي، وسلّط الله عليك من يذبحك على فراشك“.