الدرس 82

منجزية العلم الإجمالي

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلّى الله على سيّدنا محمد وآله الطاهرين

أجاب السيد الشهيد بمحاولتين:

المحاولة الأولى: أن نقول بالحجية المشروطة. كما لو فرضنا: أنّ أحد الدليلين يدل على وجوب الجمعة تعيينا؛ والآخر يدل على وجوب الظهر تعييناً. فحينئذٍ: من أجل نفي الثالث وهو التخيير بين الفرضين يمكن أن يقال: أن حجية كل من الخبرين ثابتة لكن على نحو مشروط، أي كل منهما حجة في فرض كذب الآخر، وبما أننا نعلم أنّ أحدهما كاذب، إذاً فنحن نعلم بأن أحدهما حجة، لتحقق شرطه وهو كذب الآخر.

وهذا المعنى الذي ذكرناه في باب التعارض يأتي في المقام، أي: في المخصص المنفصل للعام أو في شمول أدلة الأصول لأطراف العلم الاجمالي. فيمكن أن يقال:

أنّ شمول دليل أصالة الطهارة لكل طرف من أطراف العلم الإجمالي حجة، غايته أنّه حجة في فرض كذب شموله للطرف الآخر، وبما أنّنا نعلم أنّ أحدهما - أي أحد الشمولين - كاذب، فنحن نعلم بحجية دليل أصالة الطهارة في أحد الأطراف جزماً، وقال: بأن هذه المحاولة تنفع فيما له مقتضي في مقام الإثبات - أي تنفع فيما له ظهور - فلا تشمل المخصص المتصل باء، هذه المحاولة تنفع في المخصص المنفصل، باعتبار أنّه إذا قال في دليل «أكرم كل عالم»، ثم قال «لا تكرم زيداً»، وتردد بين شخصين، فهنا يصحّ محاولة الحجية المشروطة لوجود أصل الظهور باعتبار أنّ المخصص المنفصل إنّما يهدم الحجية لا الظهور، بينما المتصل ك «أكرم العلماء إلّا زيداً» فإن إجمال المتصل يوجب إجمال أصل ظهور العام، فلذلك: لا تنفع هذه المحاولة في المخصص المتصل.

المحاولة الثانية: قال: بأنّ موضوع الحجية الكشف في فرض كذب الآخر، بيان ذلك:

أن للعام أو للإطلاق كشفين: 1 - كشفاً بلحاظ زيد ابن بكر. 2 - وكشفا بلحاظ زيد ابن عمرو. فإنّ مقتضى ان للدليل ظهورين ظهورا في شموله لزيد ابن عمرو وظهوراً في شموله لزيد ابن بكر ان هناك كشفين عن المراد الجدي:

1 - كشفا عن شموله لزيد ألف وكشفا لشموله لزيد باء، غاية ما في الباب أنّ الكشف مطلق، أي كشف ظهوره في الشمول لزيد ألف هو مطلق كذب شموله الآخر أو صدق، كما أنّ كشف شموله لزيد باء كذلك، فبإزاء كل من الفردين ظهوران، ويترتب على كل من الظهورين كشف والكشف مطلق غاية ما في الباب الحجة من هذا الكشف حصة منه فالحجة من هذا الكشف كشفه في فرض كذب الآخر بحيث يكون القيد قيداً في الكشف لا في المنكشف وهو الحكم إذ من المفروض ان الحكم وهو وجوب اكرام زيد ألف ليس معلقا على عدم شمول الحكم لاكرام زيد باء، فالمنكشف نفسه ليس مقيد ولا معلّق وانما الكشف نفسه، الكشف يعني كاشفية الظهور عن المراد الجدي هذه الكاشفية مطلقة صدق الآخر أم لا، ونحن نقول ما هو حجة من هذه الكاشفية الكاشفية في فرض كذب الآخر فالحجة حصة من الكاشفية لا تمامها.

وهذا غير عرفي أي التبعيض في الكاشفية لدليل واحد ولظهور واحد بأن يقال حصة من هذا الظهور حجة فإن هذا غير عرفي نعم التفكيك بين ظهورات الكلام الواحد بأن يكون بعضها حجة وبعضها غير حجة صناعي اما الظهور الواحد يخصص غير عرفي.

لأجل ذلك: لابّد من عرض المحاولات الأخرى في الإجابة عن هذا الاشكال وهو ما نقناح سابقاً:

المحاولة الأولى: ما ذكره السيد الاستاذ من أن المقام من باب اشتباه الحجة باللاحجة، وذلك لأنّه إذا ورد عندنا كل شيء لك نظيف حتّى تعلم انه قذر فهل أنّ ظهوره أي هذا الدليل في شموله لإناء ألف معارض في الشمول لاناء باء هل هناك تعارض، يقول لا تعارض في البين، لأنّ التعارض فرع تنافي المدلولين، أمّا لتناقض أو تضاد أو احتفاف الدليل بقضية مرتكزة اوجبت التكاذب بين المدلولين كما في فريضة يوم الجمعة لا تجب الا صلاة واحدة.

وفي المقام: لا يوجد ذلك حتّى ندعي أن دليل أصالة الطهارة يتعارض شموله لاناء ألف مع باء، فالموجود: هو اننا نعلم بأن هذا الدليل ظاهر من الاول في الشمول لاناء ألف والشمول لاناء باء والعلم الاجمالي بنجاسة أحدهما أو كذب أحد الخبرين، فإن العلم الاجمالي بكذب أحدهما، غايته قال أحد هذين الظهورين ليس بحجة، لا أنّه اوجب التعارض بين المدلولين. فإذا كان أحدهما ليس بحجة إن علمنا خارجا بحجية أحدهما فبها. وإن شككنا: تمسكنا بأصالة العموم لأكرم كل عالم أو كل شيء نظيف لنثبت حجية الآخر.

والنتيجة: اننا احرزنا حجة في البين، فالمقام من اشتباه الحجة باللاحجة، ولذلك بحثنا في السابق الفرق بينها وبين التعارض، وذكرنا فيما سبق الجواب عن ذلك انه حتّى في مورد اشتباه الحجة باللاحجة يحصل تعارض من حيث مرحلة الحجية حيث يقع تدافع بينهما في مرحلة الحجية.

المحاولة الثالثة: ما أشار إليها السيد الشهيد في بحثه حول المخصص المتصل ولم يركز عليها مع انها مفتاح الحل، وهي: أنّ المقام ليس من باب التعارض من الأصل لأنّ التعارض يبتني على ظهور الدليل في الشمول للأفراد بعناوينها التفصيلية، لأنّه إذا قلنا كل شيء لك نظيف يشمل الاناء ألف بعنوان انه ألف وإناء باء بعنوان انه إناء باء فيقع التعارض بين هذين الظهورين للعلم الاجمالي بكذب أحدهما، فإذا قلنا بالظهور للشمول لكل فرد بعنوانه التفصيلي لا محالة يقع التعارض اما إذا قلنا من الاول لا يشمل الظهور الا ذات الفرد لا الفرد بعنوانه التفصيلي، فهو لا بشرط من هذه الجهة لأنّه لو كان العلم بالعنوان التفصيلي قيدا في الظهور أو الشمول للزم تقييد الظهور أو الحكم بالعلم التفصيلي بأن يقال ظهور كل شيء لك نظيف في شمول أي إناء مشروط بالعلم بعنوانه واشتراط الظهور بالعلم مما لا معنى له لدى المرتكز أو اشتراط الحكم بأن يقال الطهارة الظاهرية انما تثبت لاي إناء عند العلم به تفصيلا واشتراط الحكم بالعلم به تفصيلا مما لا وجه له لان الجميع يحتاج إلى قرينة، بل الصحيح ان الدليل يشمل ذات الفرد على نحو اللابشرط غاية الامر ان علم به تفصيلا تنجز الحكم تفصيلا وان علم به اجمالا تنجز الحكم اجمالا فالعلم التفصيلي داخل في مرحلة التنجز، فالدليل من اصله ما شمل الفرد بعنوانه التفصيلي كي قع التعارض وانما شمل ذات الفرد.

ولاجل ذلك: إذا علمنا اجمالا بنجاسة أحد الإنائين فقد علمنا ان أحد هذين الظهورين وهو الظهور لذات الفرد كاذب وليس بحجة إذا فيبقى الدليل حجية في الظهور الآخر، بلا حاجة إلى ان نقحم البحث في التعارض ثم نبحث عن الجواب.

المحاولة الرابعة: لو فرضنا أنّ المقام من باب التعارض فالصحيح ما ذكره صاحب الكفاية من انه ليس حكم التعارض هو التساقط بل هو الحجة الاجمالية أي انّ باب الحجج يختلف عن باب الاحكام الواقعية فهذا لو تم اشكالا لتم في باب الاحكام الواقعية حيث ان موضوعها الوجود الواقعي ولم يتم في باب الحجج والاحكام الظاهرية لان موضوعها الوجود الادراكي وبما ان موضوعها كذلك فلا مانع من ان نقول إناء ألف بعنوان انه إناء ألف مشكوك الطاهرة تشمله أصالة الطهارة لولا العلم الاجمالي وما لم يعلم نجاسته نشك في طهارته تشمله أصالة الطهارة. فإن عنوان مالم يعلم نجاسته أو أحد الانائين موضوع جديد لجريان أصالة الطهارة ولدليل الحجية في تعارض الخبرين وليس نفس الموضوع الاول كي يقال إذا اسقط الظهور عن الحجية في إناء ألف فقد سقط بعناوين اخرى، لان شموله للعناوين الاخرى من باب وجود موضوع ثالث لا من باب الموضوع الاول كي يقال بأنه بعد سقط الظهور عن الحجية فيه بعنوانه فكيف يشمله الظهور الحجية بعنوان آخر.

فتلخص ثلاثة أمور:

الأمر الاول: أن محل البحث من شمول الدليل من اطلاق وعموم لأحد الفردين بعد ورود مخصص على هذا العام اخرج احدهما فحصل اجمال مفهومي أو مصداقي أو حصل علم اجمالي بخروج احدهما كما في فرض تعارض الخبرين أو العلم الإجمالي بالنجاسة.

الأمر الثاني: انّ هذه المسألة لا تتنافى مع مسلك السيد الشهيد الذي يرى ان ادلة الأصول منصرفة عن موارد العلم الإجمالي لان مدعاه انصراف دليل الأصول عن الشمول لكلا الطرفين لا عن الشمول بالمرة، ولذلك بحث وقال على مسلك الاقتضاء المقتضي لشمول دليل الأصل لأحد الطرفين تام ثبوتا واثباتا وانما بثه مع الاعلام في كلا الطرفين.

الأمر الثالث: أننا عندما دخلنا في هذا البحث قلنا: بأن القائلين بالعلية اوردوا اشكالا على القائلين بالاقتضاء وقالوا بناءً على مسلككم من القول بالاقتضاء فلا مانع ثبوتا ولا اثباتا من جريان الأصل في أحد الطرفين، فيحصل التخيير بين طرفين العلم الإجمالي، وهي شبهة التخيير والتزم بها، غاية ما في الباب ان شبهة التخيير لها تقريبات فمن تقريباتها ما تقدم بحثه وهو ان يدعى شمول دليل الأصل العملي كدليل أصالة الطهارة لاحدهما وهو العنوان الانتزاعي أو لغير ما علم نجاسته وهو العنوان الاجمالي.

ومن تقريباتها الطهارة المشروطة: أن يكون كل من الإنائين طاهراً في فرض نجاسة الآخر وهو الحكم المشروط.

والحمدُ لله ربِّ العالمين