الدرس 88

الخلل الواقع في الصلاة

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلّى الله على سيّدنا محمد وآله الطاهرين

لازال الكلام في ان صحيحة معاوية بن عمار، وهل تشمل من صلّى لغير القبلة لأجل ضيق الوقت؟!، كما لو فرضنا أنّه لم يسعه الوقت للتحري فصلّى إلى جهة ثم انكشف بعد الوقت انّها ليست القبلة إلّا أنّه كان ما بين المشرق والمغرب؟!.

فقد أفاد سيدنا: بأنّ صحيحة معاوية تشمل ذلك، ولكن أدّعي في المقابل: أنّ مقتضى مفهوم موثقة الحسين بن علوان: «من صلّى على غير القبلة هو يرى أنّه على القبلة» مقتضى مفهومها: أنّ من صلّى إلى غير القبلة لأجل ضيق الوقت فصلاته فاسدة لأنّه لا يصدق عليه أنّه يرى أنّه على القبلة. وتقدم إيراد سيدنا على الجملة الشرطية، وإن كان المدّعى أنّه مفهوم الوصف. فهنا ملاحظتان:

الملاحظة الأولى: أن لا مفهوم للوصف الوارد مورد الغالب، نظير: ﴿ورَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ، فإنّ الغالب في الربيبة أن تكون في الحجر، فلأجل ذلك لا مفهوم له؛ وكذلك الأمر في المقام، فإنّ قوله: «من صلّى على غير القبلة وهو يرى أنّه على القبلة»، فالغالب في المصلي أنّه يرى أنّ الجهة التي صلّى اليها قبلة، فالقيد وارد مورد الغالب، فإذاً لا مفهوم له.

الملاحظة الثانية: أنّه لو سلّمنا أنّه قيد احترازي، مع ذلك: تقدم في الاصول أنّ الوصف لا مفهوم له، إذ غاية مفاد الوصف أن الطبيعي ليس موضوعا للحكم، وأمّا أنّ موضوع الحكم هو هذا الوصف بخصوصه أو تقوم مقامه علّة أخرى فهذا لا دلالة للتقيد بالوصف عليه.

ولكن قد يتأمل في هذا الإيراد بأن يقال: المدّعى في المقام التمسك بمفهوم التحديد باعتبار أن ظاهر سياق الرواية هو أن الإمام في مقام تحديد من تصحّ صلاته ومن لا تصح إذ ليس ما ذكر جوابا عن سؤال بل ابتداءً الإمام، قال: «من صلّى إلى غير القبلة وهو يرى انه على القبلة» فإنّ مقتضى ورود هذا الوصف مقام التحديد انعقاد المفهوم لا لأجل كونه وصفاً بل لكونه وارداً في مقام التحديد.

وأمّا دعوى أنّ القيد الوارد مورد الغالب مما لا مفهوم له، فإنّ سيّدنا لا يرى هذه القاعدة، حيث ذكر مراراً بأنّه لا فرق بين كون القيد وارداً مورد الغالب أم لا، لأنّ ظاهر التقييد: هو الاحترازية؛ وهذا الظهور لا يرفع اليد عنه بكون اليد غالبياً وإلّا لو قلنا بأن كون القيد غالبيا يوجب رفع اليد عن ظهوره في الاحترازية، فلازم ذلك: أنّ الإمام إنّما قيد به لا بما هو مولى بل بما هو المتعارف الخارجي وهذا خلاف ظاهر السياق في أنّ ما يصدر منه إنّما يصدر منه بما هو مولى، فبما أن ظاهر السياق أنّ ما يصدر منه يصدر بما هو مولى، فإذا كل عنوان يرد في كلامه فهو مورد لأصالة الموضوعية، ومقتضى ذلك: إن للقيد دخلا في الحكم أو في الموضوع.

وأمّا الآية وهي قوله: ﴿ورَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ، فعدم ثبوت المفهوم لهذا القيد لأجل التسالم على أنّ كون الربيبة في الحجر لا دخل له في الحرمة، ولذلك في ذيل الآية قال: ﴿مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ، فإنّ اغلب الزوجات يدخل بهن، فقوله: ﴿ورَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مع انّه قيد غالب، مع انّه مقتضى ظهوره في الاحترازية دخله في الحكم فلا تحرم الربيبة من زوجة لم يدخل بها. فبناء على مبناه: لا فرق بين كونه قيد غالبي أو لا، وبما أنّ هذا القيد وارد في سياق التحديد فينعقد له مفهوم ومقتضاه اختصاص الصحّة بمن صلّى إلى جهة يرى أنّها قبلة وكان ما صلّى إليه ما بين اليمين واليسار.

الإيراد الثاني: لو سلّمنا كل ذلك، قال سيدنا: «مع أنّ البحث عن دخول الفرض في المعتبرتين قليل الجدوى، فإن هذا الفرض في الحقيقة خارج عن محل الكلام أعني وجوب الإعادة في الوقت وعدمه إذ المفروض ضيق الوقت عن رعاية الاستقبال بحيث لم يتمكّن من الإعادة لو انكشف الخلاف، وإلا لم يكن من الضيق، فلابّد في مثله أن يكون الانكشاف خارج الوقت، فالبحث لو كان إنّما هو في وجوب القضاء وعدمه دون الإعادة. وستعرف إن شاء اللّٰه تعالى أنّ مقتضى الأدلّة عدم وجوب القضاء حينئذ. فلا موضوع لهذا البحث في المقام».

ولكن قد يقال: بأنّ محل كلامنا في الصحّة وعدمها لا في وجوب الاعادة وعدمها؛ فهل من صلّى لغير القبلة لأجل ضيق الوقت محكوم في صلاته بالصحة وعدمه فإنّ حكمنا بالصحة لا يجب عليه القضاء وإن حكمنا بالبطلان يأتي هل يجب عليه القضاء، فالبحث ليس في وجوب الاعادة، وإنّما في الصحّة ولذلك سيّدنا بنفسه استدل على الصحّة بإطلاق صحيحة معاوية بن عمار على صحّة صلاته مع أنّ الإشكال عليه يأتي بأنّ مفاد الصحيحة عدم الاعادة وهو يتصور في فرض يمكن وجوب الإعادة وهو يتصور في بقاء الوقت، فمجرد ان هذا المكلف الذي صلّى لغير القبلة انما صلّى لغيرها لأجل ضيق الوقت عن التحري لا يخرجه عن محل البحث لأنّ البحث في الصحّة وعدمها.

قال سيدنا: «وأمّا الغافل أي من يصلّي إلى جهة غافلا عن أنها ليست بقبلة فهو أيضاً مشمول لإطلاق صحيحة معاوية، إذ لا مانع من الشمول عدا توهم تقييد الإطلاق بمفهوم موثق الحسين بن علوان، المستتبع لعدم الانطباق حينئذ على الغافل، لعدم كونه ممن يرى أنّه يصلي إلى القبلة المأخوذ في موضوع الموثق، وقد عرفت الجواب عنه آنفاً من عدم ثبوت المفهوم للوصف، ومفهوم الشرط لا يقتضي ذلك».

قال سيدنا: «وأما الجاهل بالقبلة المتردد - كما لو كان في سعة الوقت تردد في القبلة ولم يتحر وصلى رجاءً - الذي يصلّي إلى جهة ولو رجاءً بانياً على السؤال بعد ذلك فالظاهر وجوب الإعادة إذا تبين الانحراف وإن كان يسيراً لعدم اندراجه تحت إطلاق الصحيح، فإن وظيفته التحري بمقتضى النصوص المتقدمة سابقاً فالصلاة المأتي بها من دون التحري ليست وظيفة له وغير محكومة بالصحة شرعاً. ولا ريب في انصراف الصحيح إلى من قام في الصلاة باعتقاد الصحة وأنها الوظيفة بانياً على كونها فرداً للمأمور به، فلا تشمل الفرض - اي من قام بالصلاة غير مبال بالوظيفة -. وعليه فمقتضى إطلاق اعتبار استقبال المسجد الحرام السليم عن القيد في المقام وجوب الإعادة إلا إذا انكشف كونها إلى القبلة من دون انحراف فيجتزئ بها، لاشتمالها على الشرط، وعدم المقتضي للإعادة بعد صدورها على وجه قربي كما هو المفروض».

ولم نجد منشأً لهذا الانصراف المدعى وقد ذكر سيدنا دليلا آخر على فساد الصلاة وهو صحيح الحلبي: قال: «ويؤكّد ما ذكرناه من الإعادة صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّٰه : «في الأعمى يؤم القوم وهو على غير القبلة، قال: يعيد ولا يعيدون، فإنّهم قد تحرّوا». فإنّ الحكم بإعادة الأعمى دونهم معللًا بعدم التحري من دون التفصيل بين كون الانحراف ما بين اليمين واليسار أو أكثر شاهد على ما ذكرنا».

ومقتضى عموم هذا التعليل: إن من صلّى لغير القبلة راجيا ان تكون هي القبلة من دون تحر بطلان صلاته وان انكشف ان صلاته ما بين اليمين واليسار.

فتحصّل من جميع ما مرّ: أنّ الحكم بالصحة بمقتضى الصحيح والموثق يختص بفرض الخطأ في الاعتقاد أو الاجتهاد، وبضيق الوقت على كلام في كونه داخلًا في محل الكلام كما مرّ وبالغافل، ولا يعم الجاهل بالحكم ولا الناسي ولا المتردد».

ولكن قد يقال في مقابل ما ذكره سيدنا: أنّ النسبة بين صحيحة الحلبي فإنّهم قد تحروا وبين صحيحة بن عمار «من صلّى إلى غير القبلة مضت صلاته» إذا كان ما بين المشرق والمغرب عموما من وجه، فإن مقتضى صحيح معاوية بن عمار ان المناط في صحّة الصلاة ان يكون انحرافه ما بين المشرق والمغرب تحرى أم لا، ومقتضى صحيحة الحلبي ان المناط في صحّة صلاته التحري سواء انه ما بين المشرق والمغرب أم انكشف انه مستدبر فبينهما عموم من وجه وبالتالي لولا الدليل الثالث، فإنهما متعارضان.

ولكن في موثقة الحسين بن علوان: «من صلّى إلى غير القبلة وهو يرى انه على القبلة ثم عرف بعد ذلك فلا اعادة عليه» إذا كان ما بين المشرق والمغرب أخذ قيدين في الصحّة أن يكون ما بين المشرق والمغرب، وأن يكون متحريا لأنّه ذكر: وهو يرى...». فهل هذه الصحيحة شاهد جمع أو موجبة لانقلاب النسبة؟!.

والحمدُ لله ربِّ العالمين.