الحجاب الإسلامي بين الشكلية والرمزية

تحرير المحاضرات

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا

صدق الله العلي العظيم

انطلاقًا من الآية المباركة، نتحدث عن محاور ثلاثة:

  • في الفقه الشكلي في الإسلام.
  • وفي الفرق بين الفقه الشكلي والفقه الرمزي.
  • وفي رمزية الحجاب عند المرأة للمبادئ الإسلامية السامية.
المحور الأول: الفقه الشكلي في الإسلام.

هناك أطروحةٌ تناولتها بعض أقلام المفكرين، وهي أنَّ الإسلام يركّز على الفقه الشكلي أكثر من تركيزه على الفقه الواقعي. نحن نلاحظ أن هناك مجموعة من الآيات القرآنية تركّز على شكل المرأة، كقوله تعالى: ﴿يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى، وقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا، وقوله تعالى في الآية التي قرأناها: ﴿وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا، وقوله تعالى: ﴿وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. إذن، هناك عدة آيات تركّز على شكل المرأة وحجابها.

كما نلاحظ أن القرآن الكريم يقدّم الفقه الشكلي على الفقه العبادي، فيتحدث عن الحجاب مثلًا قبل أن يتحدث عن الصلاة، فيقول: ﴿وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى ثم يقول: ﴿وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ، أي أنه يتحدث عن الفقه الشكلي قبل أن يتحدث عن الفقه العبادي، فلماذا يهتم الإسلام اهتمامًا واسعًا بالفقه الشكلي؟ لماذا يحتل الفقه الشكلي مساحة كبيرة في الإسلام مما يحتله الفقه الآخر؟ هل الفقه الشكلي بدرجة تستحق أن يهتم به الإسلام على حساب الفقه الآخر؟

ولنعمّق الإشكال أكثر نقول: علماء الاجتماع يقولون: الاهتمام بالقانون بحجم ربطه بالهدف، أنت القانون تهتم به بمقدار ما هو مرتبط بالهدف، ولا يصح أن تهتم به أكثر من حجمه، فمثلًا: المرور له أنظمة كثيرة، تتعلق بالسرعة، تتعلق بالشوارع العامة، لكن نلاحظ أن رجال المرور يهتمون اهتمامًا كبيرًا بمسألة الالتزام بالإشارة الضوئية في الشارع، يهتمون بهذا القانون أكثر من القوانين المرورية الأخرى، لماذا؟ لأنَّ هذا القانون أكثر ارتباطًا بالهدف من القوانين الأخرى، فإن الهدف من أنظمة المرور المحافظة على النفوس والأموال من التلف، وبما أن قطع الإشارة الضوئية أكثر هدمًا للهدف من أي قانون آخر، الإنسان عندما يقطع الإشارة الضوئية فإنه يعرّض الأنفس والأموال للتلف والهلاك، فبما أن قانون التقيد بالإشارة الضوئية أكثر ارتباطًا بالهدف - وهو حفظ النفوس والأموال - من أي قانون آخر، لذلك صار الاهتمام به أكثر من الاهتمام بأي قانون آخر. إذن، الاهتمام بالقانون بمقدار حجمه، نحن نعطي القانون اهتمامًا بمقدار حجم ارتباطه مع الهدف.

مثال آخر: أنت ترى النظام الدولي، كل دولة لها أنظمة معينة، لكن نلاحظ أن الدولة تهتم بمحاربة المخدِّرات أكثر من اهتمامها بأي نظام آخر، ترويج المخدِّرات وبيعها وشراؤها، الدولة تحارب ترويج المخدِّرات أكثر من اهتمامها بأي نظام آخر، لماذا؟ لأن الهدف من أنظمة الدولة هو المحافظة على الطاقة الإنتاجية عند المواطن، أن يبقى المواطن طاقة منتِجة، أنت عندما تلاحظ القوانين كلها تجد أن أكبر عمل يضر بالطاقة الإنتاجية هو المخدِّرات، تعاطي المخدِّرات وترويجها يقضي على الطاقة الإنتاجية لدى الإنسان، يقضي على الطاقة الإنتاجية لدى المواطن، ولذلك الدولة تهتم بمحاربة المخدِّرات أكثر من أي نظام آخر؛ لأن هذا النظام أكثر ارتباطًا بالهدف من أي نظام آخر.

إذن، وصلنا إلى نتيجة: حجم الاهتمام بالقانون بمقدار حجم ارتباطه بالهدف. بعد أن عرفنا هذه النتيجة، نرجع إلى مسألة الحجاب: أصحاب هذه الأطروحة يقولون: الإسلام يعطي الحجاب اهتمامًا أكثر من حجمه، يهتم بالفقه الشكلي أكثر من ارتباط هذا الفقه بالهدف. ما هو الهدف من وجود الإنسان على الأرض؟ الهدف هو العمل، أن يكون عاملًا حسنَ العمل، ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ، ويقول تعالى: ﴿إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا، ويقول تعالى: ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا، ويقول تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ، فالمسألة مسألة العمل.

الهدف من وجود الإنسان على الأرض هو أن يتقن العمل، فما هي علاقة الحجاب بالعمل؟! ربما تكون المرأة السافرة غير المحجبة أكثر إتقانًا للعمل من المرأة المحجبة، وربما تكون المرأة السافرة أكثر حشمة ووقارًا وأدبًا من المرأة المحجبة، فالحجاب لا ربط له بالهدف، وهو العمل الحسن، وبما أن الحجاب لا ربط له بالهدف، فلماذا يعطي الإسلام اهتمامًا كبيرًا بالفقه الشكلي - وهو فقه الحجاب، فقه شكل المرأة - أكثر من حجمه، وأكثر من ارتباطه بالهدف الذي من أجله وُجِد الإنسانُ على الأرض، ألا وهو إتقان العمل الحسن؟ هذه هي الأطروحة.

المحور الثاني: مناقشة دعوى شكلية الحجاب.

نريد أن نناقش هذه الأطروحة، فنذكر عدة مقدمات:

المقدمة الأولى: ما معنى الرمز؟

عندما نقول: فلان رمز للإسلام، أو الكعبة رمز للإسلام، فما هو مقصودنا بالرمز؟ الرمز اصطلاح قانوني، أنت عندما ترجع إلى كتاب الدكتور عبد الرزاق السنهوري، وهو كاتب عراقي بغدادي، عنده كتاب عظيم جدًا في القانون العراقي، وحتى فقهائنا نحن الشيعة يقرؤون هذا الكتاب ويتأملون فيه، كتاب مهم جدًا في علم القانون. هذا الكتاب يشرح معنى الرمز، الرمز مصطلح قانوني، الرمز هو العنوان المشير لمبادئ متعددة، فمثلًا: أنا عندما أشتري سيارة، يقال: السيارة أصبحت ملكي، فما معنى ملكي؟ يعني: يجوز لي الركوب فيها، يجوز لي بيعها، يجوز لي هبتها، يجوز إجارتها، لا يجوز لغيري أن يتصرف في هذه السيارة إلا بإذني ومراجعتي.

إذن عندنا عدة قوانين: يجوز البيع، تجوز الهبة، تجوز الإجارة، يجوز الركوب، لا يجوز لغيرك التصرف إلا بإذن. بدلًا من أن يقول علماء القانون لك: إذا اشتريت سيارة فيجوز لك بيعها، ويجوز لك هبتها، ويجوز لك إجارتها، ويجوز لك التصرف فيها، ولا يجوز... إلخ، بدلًا من أن يقولوا كل هذه القوانين يذكرون رمزًا واحدًا يرمز إلى هذه القوانين كلها، فيقولون: السيارة ملكك، فكلمة الملكية هي كلمة رمزية، الملكية رمز قانوني، كلمة ملك رمز يرمز إلى قوانين كثيرة، إذا قلت: هذا ملكي، فهذا رمز يشير إلى قوانين ومبادئ عديدة. إذن، الرمز هو العنوان الذي يشير إلى مبادئ عديدة، تُخْتَصَر في رمز معين، تُخْتَصَر في عنوان معين، في كلمة معينة، هذا هو معنى الرمز.

المقدمة الثانية: ما هو الفرق بين الفقه الشكلي والفقه الرمزي؟

عندنا فقه شكلي، وعندنا فقه رمزي، فما هو الفرق بينهما؟ مثلًا: عندما نقرأ قوله تعالى: ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ، ما معنى أخذ الزينة عند كل مسجد؟ الكثير من المفسرين يقولون: ينبغي للإنسان إذا قصد المسجد أو إذا أراد أن يصلي أن يتطيب، وأن يلبس أفضل لباس، وأن يتزين بأفضل زينة، حتى لا يكون منفِّرًا للآخرين، فلا ينبغي لك أن تأتي للمسجد وأنت راجع للتو من العمل، ورائحة عرقك واضحة مثلًا، بل تعال إلى المسجد بأفضل زينتك.

هذا نعبّر عنه بأنه فقه شكلي، يهتم بشكل الإنسان، وبزينة الإنسان، كي لا يكون عنصرًا منفّرًا، بل يكون عنصرًا جذّابًا للآخرين. هذا الفقه الشكلي يحتل مساحة صغيرة في الإسلام لا أنه يحتل مساحة واسعة في الفقه الإسلامي. وأما الفقه الرمزي فهو القوانين التي ترمز إلى مبادئ متعددة، هذه نعبّر عنها بالفقه الرمزي لا بالفقه الشكلي، فما معنى هذا الكلام؟

هذا الكلام يعبّر عنه علماء الفقه بفقه الشعيرة، والشعيرة جمعها شعائر، فما معنى الشعيرة؟ الشعيرة هي الرمز الذي يرمز لمبادئ معينة. فقه الشعيرة يقسّم الشعائر إلى أقسام: شعيرة تربوية، وشعيرة اجتماعية، وشعيرة تنظيمية، وشعيرة عبادية، وشعيرة انتمائية. أضرب أمثلة.

النوع الأول: الشعيرة التربوية.

عندما يرمي الحاج في منى جمرة العقبة يوم العاشر بسبع حصيات، هذه شعيرة، لكن هذه الشعيرة شعيرة تربوية؛ لأنَّ الشيطان تمثّل لنبينا إبراهيم «عليه وعلى نبينا وآله أفضل الصلاة والسلام» في هذه المنطقة، وقد رماه إبراهيم بالحجر، وأنت تأتي بعد آلاف السنين ترمي المكان بالحجر، رمزًا للتخلص من الشيطان، ورمزًا لمحاربة الشيطان، فهذه شعيرة تربوية، رمي الجمار بالحصيات شعيرةٌ ترمز إلى محاربة الشيطان.

النوع الثاني: الشعيرة التنظيمية.

يقول الفقهاء: إذا طفتَ بالكعبة فلا بد من أن يكون كتفك الأيسر محاذيًا لجرم الكعبة، لا أن يكون منحرفًا ولا مائلًا، بل دائمًا كتفك الأيسر بمحاذاة الكعبة بدقة، لماذا الدقة في هذه المحاذاة؟! هذه شعيرة تنظيمية، لتعليم الإنسان النظام، كيف يكون الإنسان المسلم منظمًا في أموره؟ كيف يكون الإنسان المسلم دقيقًا في تطبيق النظام؟ هذا الطواف حول الكعبة شعيرةٌ تنظيميةٌ لتعليم الإنسان دقة تطبيق النظام.

النوع الثالث: الشعيرة الاجتماعية.

لماذا الإسلام يحث على صلاة الجماعة؟ صلاة الجماعة بسبع وعشرين درجة من صلاة الفرد؛ لأن صلاة الجماعة ترمز إلى الوحدة الاجتماعية، وترمز إلى التماسك الاجتماعي، فصلاة الجماعة رمزٌ لقضية ولمبدأ اجتماعي.

النوع الرابع: الشعيرة العبادية.

الأذان شعيرة من الشعائر، ترمز إلى حلول وقت العبادة، إلى العلاقة مع الله. المسيحي يدق الناقوس كشعيرة للعلاقة الروحية مع الله، والمسلم يؤذن كشعيرة ورمز للعلاقة الروحية مع الله، ولذلك المعرّي يقول:

في     اللاذقية    iiضجّةٌ
هذا     بناقوس     iiيدق
كلٌ       يعظّم      iiدينَه

 
ما  بين  أحمد  iiوالمسيح
وذا     بمأذنة     iiيصيح
يا ليت شعري ما الصحيح

النوع الخامس: الشعيرة الانتمائية.

ربما يقول قائل: لماذا هذا الإصرار من الشيعة الإمامية على الشهادة الثالثة في الأذان؟ الشهادة الثالثة ليست جزءًا من الأذان، ولو ترك الإنسان الشهادة الثالثة، وأذّن بدون شهادة ثالثة، فإن أذانه صحيح، ولا إشكال فيه، الشهادة الثالثة ليست جزءًا من الأذان ولا مستحبًا خاصًا بالأذان، فلماذا يصرّ الشيعة الإمامية على ممارسة الشهادة الثالثة ضمن الأذان، مع أنها ليست من أجزاء الأذان؟

نقول: أولًا: الكلام ضمن الأذان وبين فصوله ليس أمرًا محرمًا، لو قال الإنسان أثناء أذانه: اللهم صل على محمد وآل محمد، هل يكون أذانه باطلًا؟! لا، ولو قال أثناء أذانه: اجلس على اليمين يا بني، هل يبطل أذانه؟! لا، أذانه صحيح، فالكلام ضمن الأذان لا يُبْطِل الأذان، إذن الشهادة الثالثة ضمن الأذان لا تبطله.

وثانيًا: الشهادة الثالثة نحن نمارسها كشعيرة انتمائية، كرمز انتمائي. جرى ما جرى، وأنتم تعلمون، وجميع المسلمين - مؤرخين ومحدّثين ومفكّرين - رووا قصة يوم الغدير، أن الرسول الأعظم رفع يد علي يوم الغدير حتى بان بياض إبطيهما، وقال: ”ألا فمن كنت مولاه، فهذا علي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه“. إذن، يوم الغدير هو يوم الولاية لعلي ، ولكن المسلمين مع أنهم رووا قصة يوم الغدير، إلا أنهم اعتبروها قصة من القصص التاريخية، وأعرضوا عنها. نحن الشيعة الإمامية نعتبر يوم الغدير يوم الولاية، نعتبر يوم الغدير يوم البيعة، نعتبر يوم الغدير يوم الإعلان - إعلان الولاية لعلي - ولذلك نحن نستخدم الأذان كشعيرة إعلامية لنبلغ العالم أننا ما زلنا على يوم الغدير، أعرض غيرنا ولكننا ما زلنا على هذا اليوم، لم نعرض عنه. إذا كان غيرنا يعتبر يوم الغدير مجرد قصة تاريخية، لا تعني شيئًا، ولا قيمة لها، فإننا نعتبر يوم الغدير يوم البيعة، ويوم الولاية.

إذن، الشهادة الثالثة ضمن الأذان شعيرةٌ رمزيةٌ، فهي رمز لمبدأ الولاية، ورمز ليوم الغدير، ورمز للبيعة، ورمز إلى أننا ما زلنا على خط البيعة، ما أعرضنا عنه، ولا تجاوزنا عنه، وإن أعرض عليه غيرنا، كما قال الكميت:

ويوم الدوح دوح غدير خم
ولكن   الرجال  iiتدافعوها
  أبان له الخلافة لو iiأطيعا
فلم  أرَ مثله يومًا iiأضيعا

إذن، الشهادة الثالثة شعيرة رمزية، ترمز إلى مبدأ الإصرار على البيعة والولاية، ولذلك ورد عن الإمام الصادق : ”من قال: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، فليقل: علي أمير المؤمنين“.

إذن، عندنا في الإسلام شيء اسمه فقه الشعيرة، وقد بينّا أقسام الشعائر، من شعيرة تربوية وشعيرة اجتماعية وشعيرة تنظيمية وشعيرة عبادية وشعيرة انتمائية، وهذه الشعائر كلها نسمّيها بالفقه الرمزي، ففي الإسلام لونان ونوعان من الفقه: فقه شكلي، وهو يحتل مساحة صغيرة من الإسلام، وفقه رمزي، وهو فقه الشعائر الذي يرمز إلى مبادئ متعددة.

المقدمة الثالثة: هل حجاب المرأة من الفقه الشكلي، أم هو من الفقه الرمزي؟

صاحب الأطروحة اعتبر - كما ذكرنا في المحور الأول - الحجاب من الفقه الشكلي، ولكننا نقول: الحجاب ليس من الفقه الشكلي، بل هو من الفقه الرمزي، من فقه الشعيرة، وليس من الفقه الشكلي، لماذا؟ الدكتور زينب عبد الحفيظ فرغلي - أخصائية في علم النفس الاجتماعي - في كتابها «الاتجاهات الملبسية لدى الشباب» تتحدث وتقول: الكثير من الناس يعتقد أن الهدف من الثوب مواراة العورة، حتى لا تبرز عورته يلبس ثوبًا، ولكن الصحيح - كما تقول هذه الدكتورة - غير ذلك، نحن قمنا بدراسات ميدانية واسعة، فاكتشفنا أنَّ الثوب رمزٌ وليس لمجرد مواراة العورة، اللباس رمزٌ لثلاثة أمور:

الأمر الأول: جذب الآخر.

الفتاة تلبس لباسًا يجذب الطرف الآخر، تلبس ثوبًا بشكل يجذب الجنس الآخر، فاللباس ليس مجرد مواراة للعورة، بل هو رمز للجذب، خصوصًا بالنسبة للفتيات.

الأمر الثاني: اللباس تعبيرٌ عن الذات.

إذا أردت أن تكتشف شخصية إنسان فانظر إلى لباسه، لباسه يكشف عن شخصيته، إذا كان لباسه أنيقًا، إذا كان لباسه نظيفًا، إذا كان لباسه جميلًا، هذا يكشف عن أنه يعيش روح الأناقة في داخله، يعيش روح الجمال في داخله، يعيش حسًا جماليًا في داخله، لباسه مظهرٌ له، اللباس تعبيرٌ عن الذات، وحتى الطاقية العمانية التي تلبسها تعبّر عن ذوقك، إذا كانت الطاقية هج بج فهي تكشف عن ذوقك ليس تمامًا! وإذا كانت طاقيتك حلوة، أنيقة، ألوانها لطيفة، جذابة، فهي تكشف عن أن هناك ذوقًا جماليًا، حسنًا جماليًا لدى الإنسان، فاللباس رمزٌ لذوق الإنسان، ورمزٌ لذات الإنسان.

الأمر الثالث: اللباس رمزٌ للانتماء.

هذا أمر مهم، فمثلًا: الجندي يلبس لباسًا خاصًا، لماذا؟ حتى يواري عورته؟! لا، هذا رمز إلى أنه ينتمي إلى الجيش، الطبيب يلبس لباسًا خاصًا، رمز إلى أنه ينتمي إلى الحقل الطبي، رجل الدين يلبس لباسًا خاصًا، رمز إلى أنه ينتمي إلى هذه المؤسسة المعينة، فاللباس رمز للانتماء، حتى أصحاب الموضة، شبابنا الذي يجري وراء الموضة، يومًا يجعل شعره بتسريحة الديك، وآخر بتسريحة الغزال، ويومًا بتسريحة مايكل جايكسون! كل يوم تسريحة جديدة، الشباب الذي يركض وراء التسريحة يريد أن يعبّر عن انتمائه، هذا تعبيرٌ عن الانتماء، رمزٌ للانتماء، يريد أن يقول لك: أنا من الجماعة الجايكسونية! أو أنا من الشلة الفلانية! حتى الشعر رمزٌ للانتماء.

إذن بالنتيجة: اللباس ليس لمجرد مواراة العورة، بل اللباس رمزٌ لانتماء الإنسان إلى أي حقل، وإلى أي فصيل، وإلى أي مؤسسة، وإلى أي جماعة.

النتيجة:

من هنا ندرك مسألة الحجاب، الحجاب رمزٌ وليس شكلًا، الحجاب رمزٌ تستخدمه الفتاة المسلمة وليس شكلًا. أنت عندما تقرأ كلمات الغربيين، العالم البريطاني دوكي مابرو عنده كتاب «تصور الرحّالة الغربيين عن نساء الشرق الأوسط»، بين فترة وفترة يأتي الرحّالة الغربيون إلى الشرق الأوسط ليكتشفوا عاداته وتقاليده وأمزجته.

يقول هذا في كتابه: اكتشفنا منذ عقدين أنَّ الفتاة العربية رجعت إلى الحجاب مرة أخرى، أنت إذا تلاحظ الفتاة العربية قبل عشرين سنة كانت أكثر سفورًا من الآن، أكثر تبرجًا من الآن، ولكن انظر إلى مصر مثلًا، الآن 60% محجبات، وفي لبنان تتصاعد الإحصائية إلى 30% من المحجبات، أي أن الفتاة العربية صارت تعود إلى الحجاب منذ عشرين سنة إلى الآن، بدأت بالرجوع بعد أن كانت تنادي بالسفور والتبرج.

حتى على شاشات التلفزيون، ترى بعض المحجّبات جالسات يذعن ويبرمجن، فإذن فتاة الشرق الأوسط عادات للحجاب مرة أخرى؛ لأنها اكتشفت أن الحجاب ليس شكلًا، بل هو رمز يرمز إلى دينها، يرمز إلى عقيدتها، يرمز إلى حضارتها، هذه الفتاة في مقابل الفتاة الغربية تريد أن تقول لها: لستِ أنتِ فقط عندكِ حضارة، بل نحن أيضًا عندنا حضارة، فالحجاب رمزٌ للحضارة الإسلامية، رمزٌ للكيان الإسلامي، رمزٌ للثقافة الإسلامية، فالحجاب ليس شكلًا، بل هو رمزٌ.

بل الآن أصبح الحجاب في الدول الغربية رمزًا سياسيًا، الآن صار الحجاب رمزًا سياسيًا وليس مجرد شكل ديني، الفتاة المحجبة الآن في فرنسا أو في إنجلترا، الفتاة المحجبة في هذه الأماكن يعتبر الحجاب رمزًا إلى أنها تريد أن تقول للغربيات: أنا أمتلك حضارة، وأمتلك مجتمعًا، وأمتلك ثقافة، وأنا مصرة على ثقافتي وحضارتي وديني من خلال حجابي، فالحجاب أصبح رمزًا للحضارة، وليس شكلًا، فالحجاب يدخل في الفقه الرمزي لا في الفقه الشكلي.

لذلك، أنت ترى فرنسا حظرت الحجاب في المدارس في العام القادم، لماذا؟ لأنها اكتشفت أنه رمزٌ، والذين خرجوا مظاهرات في لبنان وفي مصر وفي فرنسا وفي بريطانيا ضد القانون الفرنسي، خرجوا وهم يؤكدون أن الحجاب رمزٌ، كما أن الصليب رمزٌ، كما أن النجمة اليهودية رمز، الحجاب أيضًا رمزٌ لحضارة، رمزٌ لكيان، رمزٌ لثقافة معينة، فالحجاب يندرج تحت الفقه الرمزي، لا تحت الفقه الشكلي.

المحور الثالث: رمزية الحجاب للمبادئ الإسلامية السامية.

الحجاب يرمز إلى مبادئ ثلاثة:

المبدأ الأول: مبدأ التوازن النفسي.

راسل - هذا الفيلسوف الفرنسي - يقول: الحجاب مفسدةٌ للمجتمع؛ لأنَّ المرأة إذا تخلت عن حجابها، وانكشفت بمفاتنها أمام الرجل، أصبحت مبذولةً للرجل، فإذا شعر الرجل بأنها المرأة مبذولةً أمامه، ينظر إليها متى شاء، ويصافحها ويلامسها متى شاء، ويمازحها متى شاء، يخمد عنده الغليان الجنسي، فالغليان الجنسي يخمد عند الرجل إذا رأى المرأة مبذولةً أمامه، وبالتالي فإن العلاقات الجنسية تقل.

بينما إذا تحجّبت المرأة، ورأى الرجل أن المرأة ممنوعة عنه، يفصل بينه وبينها قيود وأغلال، إذا شعر الرجل بأن المرأة مفصولة عنه، ازداد غليانه نحوها، وازدادت مشاعره نحوها، لأن المرء حريصٌ على ما مُنِعَ، وبالتالي يثور عند الرجل الغليان الجنسي، فيبادر إلى فتح باب العلاقات غير المشروعة. راسل يقول: إذا أراد المسلمون أن يتخلصوا من العلاقات الجنسية غير المشروعة، فليتخلصوا من الحجاب؛ لأن الحجاب يساعد على غليان المشاعر، بينما السفور يساعد على خمودها وهدوئها.

نحن في مقابل راسل نقول: هو مشتبه. نرجع إلى علماء النفس، علماء النفس يقولون: الميول على قسمين: ميول عضوية، وميول نفسية. الميول العضوية يمكن إشباعها بأقل شيء، لكن الميول النفسية لا يمكن إشباعها. مثلًا: الإنسان إذا أصابه الجوع، يصبح عنده ميل إلى الطعام، هذا الميل إلى الطعام ألا يمكن إشباعه؟ يمكن إشباعه بأن يأكل قطعة رغيف، فينتهي ميله. أما ميل الإنسان للأموال، فهذا ميل نفسي وليس ميلًا عضويًا، ميل الإنسان للأموال لا يمكن إشباعه، الإنسان كلما انفتحت عليه الثروة ازداد ولعًا بها، كلما كبرت ثروته، كلما كبرت تجارته، كلما توسّعت ثروته، ازداد ميوله، ازداد ارتباطه، ازداد ولعه بالثروة؛ لأن الميول النفسية تطغى وتكبر وتتسع كلما فتح لها الإنسان المجال.

إذن، هناك فرق بين الميول العضوية والميول النفسية، الميول العضوية يمكن إشباعها، فلو كنتَ جائعًا استطعت إطفاء الجوع بقليل من الطعام، لكن الميل نحو المال لا يمكن إشباعه، كلما فتح الإنسان له الأبواب ازداد ونما وطغى، ولذلك يقول القرآن الكريم: ﴿كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى، إذا وجد نفسه بيده الثروات والغنى يطغى، وكلما زاد غنى زاد طغيانًا نفسيًا، وولعًا نفسيًا بالمال. القرآن الكريم يقول: ﴿وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا.

ولذلك، ورد عن الرسول محمد : ”منهومان لا يشبعان: طالب علم، وطالب مال“، من يطلب العلم دائمًا يعيش حالة ظمأ، حالة عطش للعلم والمعرفة، ولذلك تراه دائمًا في لهف، في شوق، في تعب نحو العلم. وكذلك من يطلب المال ويسهر الليالي، يتعب نفسه خلال الأيام، في المعاملات البنكية والسوقية، بمقدار ما يمكن بتوسعة الثروة والتجارة. إذن، الميول النفسية لا يمكن إشباعها، بينما الميول العضوية يمكن إشباعها.

من هنا نقول: ميل المرأة ليس من الميول العضوية التي يمكن إشباعها، بل من الميول النفسية التي لا يمكن إشباعها، ليست المسألة مسألة الميل الجنسي، بل الميل العاطفي، الميل العاطفي نحو المرأة لا يمكن إشباعه، كلما فتح الإنسان له المجال ازداد، الإنسان كلما تعلق بالمرأة يزداد ولعًا بها، كلما زاد تعلقه بها زاد ولعًا بها، وزاد ارتباطًا بها.

النفس كالطفل إن تهمله شبَّ على   حب  الرضاع  وإن  تفطمه  iiينفطمِ

النفس إذا فتحت لها المجال تطغى، ولا تشبع أبدًا، كالطفل تمامًا. إذن، ميول الإنسان نحو الأنثى ميول لا يمكن إشباعها. خذ استقراءً على العالم، إذا كان الإنسان عنده امرأة واحدة فإنه أقل ولعًا ممن عنده امرأتان، وإذا صار عنده ثلاث صار ولعه بالمرأة أكبر، وإذا صار عنده أربع صار ولعه بالمرأة أكثر. ولذلك ترى مثلًا هارون الرشيد الذي يبيت كل ليلة مع امرأة جديدة، كل ليلة يبيت مع جارية جديدة غير الجارية التي بات معها في الليلة السابقة، هذا لأنه فتح المجال أمام ميوله نحو المرأة، فزاد طغيانه، وزاد ولعه، بحد لا يقف عند منتهى.

إذن، الإنسان يزداد ولعه بالمرأة كلما فتح لها المجال. لذلك، إذا تخلت المرأة عن حجابها، وتكشفت أمام الرجل، وبرزت مفاتنها، فإن العلاقات الجنسية لا تقل كما يقول راسل، بل بالعكس، يزداد ولع الإنسان بالمرأة، وتزداد العلاقات غير المشروعة، ولذلك نجد أن المجتمع غير المحافظ أكثر انحرافًا من المجتمع المحافظ، العلاقات غير المشروعة فيه أكثر من المجتمع المحافظ؛ لأن المرأة اُبْتُذِلَت للرجل، فزاد ولعه بها، فتنوّعت العلاقة معها، فكثرت المفاسد الاجتماعية.

إذن بالنتيجة: فهمنا لماذا الحجاب، الحجاب رمز لمبدأ التوازن، حتى يعيش الرجل توازنًا نفسيًا، فبدلًا من أن يعيش حالة [...] في مشاعره وفي عواطفه وفي غريزته الجنسية، أراد الإسلام أن يعيش الرجل حالة من الاستقرار النفسي، وحالة من التوازن النفسي، فأمر المرأة بالحجاب. صحيح أن المرأة هي التي تضحي من أجل الرجل، المرأة تلبس حجابًا لا لأجلها، بل لأجل أن يحتفظ الرجل بتوازنه النفسي، لأجل أن يحتفظ الرجل باستقراره النفسي، فالحجاب رمزٌ للتوازن النفسي لدى الرجل، وليس مجرد شكل، وليس مجرد عباءة.

المبدأ الثاني: الحجاب رمز للعلاقة الحميمة بين الزوج والزوجة.

أنت عندما تلاحظ علاقة آبائنا بأمهاتنا قبل أربعين سنة، وتقارنها بعلاقة أبنائها بأزوجاهم، تجد الفرق كبيرًا. علاقة آبائنا بأمهاتنا كانت علاقة حميمة صافية خالية من المشاكل، خالية من الأجواء المتوترة، خالة من الأجواء المتخلخلة، كانت علاقة آبائنا بأمهاتنا أكثر صفاء، أكثر نقاء، أكثر حبًا، أكثر دفئًا، أكثر ارتباطًا. بينما أبناؤنا المتزوجون الآن علاقاتهم بزوجاتهم دائمًا علاقات متوترة، مشوبة بالمشاكل، مشوبة بالاختلافات، مشوبة بالتوترات العصبية، لماذا؟ ما هو السبب؟

السبب هو أنَّ المرأة قبل أربعين سنة كانت تشعر بأن الزوج لها فقط، وهو يشعر أن المرأة له فقط، ليس أمامه إلا زوجته، وليس أمامها إلا زوجها، كانت تشعر بأنَّ زوجها لها، فكانت تعيش استقرارًا نفسيًا، والزوج يشعر بأن زوجته له، فصار يعيش استقرارًا نفسيًا، فتكوّن البيت الأسري على ضوء العلاقة الحميمة. أما الآن، فالمرأة تراكض الرجل، عنده جوال، ولا تدري يتصل بمن، يتكلم مع من... إلخ، الفتاة مع أنها متزوجة، إلا أنها تعيش الخوف من جهة زوجها، دائمًا تشعر بأن زوجها ربما يكون له علاقات أخرى مع امرأة أخرى، ولذلك تتحسّس المرأة من جهة زوجها، أي مكالمة تلفونية، أي نظرة، تتحسّس منه؛ لأنَّ الجو مفتوح أمامه، فكما يشاهدها يشاهد العشرات والمئات أمثالها، وكما يسمع صوتها يسمع أصوات المئات أمثالها، فالمرأة تشعر في عصرنا هذا - نتيجة للسفور والتخلي عن الحجاب - بأنَّ زوجها ليس محصورًا فيها، بل بإمكانه أن يشبع شهوته وغريزته بوسائل خارج البيت.

الآن مع الأسف الشديد، بعض الرجال يعتبر زوجته وسيلة إنجاب فقط، لا يعطيها دفئًا، لا يعطيها حنانًا، لا يعطيها عواطف، لا يعطيها مشاعر، الزوجة مجرد وسيلة إنجاب، لماذا؟ لأنه يشبع عواطفه ومشاعره خارج البيت من خلال العلاقات الأخرى، فالزوجة جهازٌ من أجهزة البيت، كالغسالة والثلاجة! لا لها شغل آخر، فهو ينظر لزوجته كوسيلة إنجاب، والزوجة أيضًا تنظر إليه كإنسان متلوّن متغيّر.

كل هذا نتيجة انفتاح المجتمع وتخليه عن الحجاب، فالحجاب يعيد الوثوق، وثوق المرأة بزوجها، ووثوق الزوج بزوجته، الحجاب يعيد لكلا الطرفين الوثوق بالآخر، وإذا حصل الوثوق بالآخر حصلت العلاقة الزوجية الحميمة. إذن، الحجاب رمزٌ للعلاقة الزوجية الحميمة.

المبدأ الثالث: الحجاب رمزٌ لكرامة المرأة.

المرأة مسكينة، تظن شيئًا، والرجل عنده حسابات أخرى! الرجل إذا بذلت المرأة نفسها لها احتقرها، طبيعة الرجل هكذا، إذا رأى المرأة مبذولةً له، يراها على علبة الشامبو، وعلى علبة الكلنكس، وعلى شاشة التلفزيون، وفي الإنترنت، الرجل إذا رأى المرأة مبذولةً أمامه احتقرها واستصغرها، وصار يستغلها لإشباع غريزته الجنسية فقط. أما إذا رأى المرأة وقورة، رأى المرأة رزينة، رأى المرأة مؤدبة، رأى المرأة تتمنّع أمامه، لا تفتح له المجال في العلاقات غير المشروعة، ولا تفتح له المجال للف والدوران، إذا رأى المرأة متمنعة ازداد احترامه لها، ازداد إكباره لها، ازداد إعظامه لها. إذن، الحجاب رمزٌ للكرامة، ورمزٌ للعزة، ورمزٌ للمنعة، الرجل يرى المرأة ذات عزة وكرامة إذا كانت محجبةً وقورةً متمنّعةً، بخلاف إذا ما كانت مبتذلةً لديه.

لذلك، نصل إلى النتيجة الأخيرة: الحجاب رمزٌ وليس شكلًا، فلا تتعاملي مع الحجاب كشكل، بل تعاملي مع الحجاب كرمز، الفتاة إذا تعاملت مع الحجاب كشكل تراها يومًا تلبس عباءة فرنسية، ويومًا تلبس عباءة مزركشة، ويومًا لا تدري ماذا تفعل، ويومًا تلبس عباءة مخصرة؛ لأنها تعتبر الحجاب شكلًا، فكلما كان الشكل أحسن وأكثر أناقة فهو أفضل! هذا خطأ، الحجاب ليس شكلًا، بل الحجاب رمزٌ، والحجاب إنما يكون رمزًا للحضارة الإسلامية، ورمزًا للفكر الإسلامي، ورمزًا للثقافة الإسلامية، إذا كان حجابًا رزينًا هادئًا.

العباءة يجب أن تكون فضفاضة، ليس فيها زينة، ليس فيها زركشة، ليست مخصّرة، العباءة الفضفاضة ذات الألوان الهادئة هي التي تصلح أن تكون رمزًا للحضارة الإسلامية، وأما هذه العباءات الجديدة التي وردت علينا شرقًا وغربًا فهي محل إشكال شرعي، خصوصًا إذا كانت مخصّرة أو مزركشة، هذه حرام شرعًا؛ لأنها تُفْقِد الحجاب مضمونَه، تُفْقِد الحجاب أهدافه، تحوّله من الرمز إلى الشكل، الإسلام يريده رمزًا، والفتاة تريده شكلًا. لذلك، أكّد الإسلام على الحجاب في تأكيده على الفقه الرمزي، لا على الفقه الشكلي.

ومن هنا، نرى العقيلة زينب تعترض على يزيد بن معاوية: ”أمن العدل يا بن الطلقاء تخديرك حرائرك وإماءك“، حتى يزيد بن معاوية الذي كان فاسقًا كان يحجّب بناتِه وأخواته؛ لأنه يدرك أهمية الحجاب، ”تخديرك حرائرك وإماءك، وسوقك بناتِ رسول الله سبايا على ظهور المطايا، قد أبديت وجوههن، وهتكت ستورهن، تساق كما تساق العبيد من بلد إلى بلد، يستشرفهن القريب والبعيد، والدنيء والشريف“.