الدرس 94

منجزية العلم الإجمالي

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلّى الله على سيّدنا محمد وآله الطاهرين

ولكن، لم يثبت عمل المشهور. بلحاظ: أنّ مجرد فتوى المشهور بالاحتياط بالصلاة إلى أربع جهات لا يعني استنادهم إلى الرواية، بل لعلهم إنّما عملوا بها لموافقتها للاحتياط لا لحجيتها والوثوق بصدورها، ولذلك فإن الشيخ في الخلاف لم يشر إلى الرواية وإنّما ذكر الفتوى بالاحتياط، كما أن ابن طاووس ذهب إلى العمل بالقرعة في مثل هذا المورد، وكذلك فإنّ عبارة صاحب الجواهر ذكرت الرواية في الذيل حيث إنَّ مفاد عبارته: أنّ المشهور على الفتوى بالاحتياط، وقد ادعى في الغنية الاجماع عليه، ثم قال: ولرواية خراش؛ فكأنّ رواية خراش مستند آخر غير فتوى المشهور أو قيام الاجماع على الاحتياط في المسألة، فلأجل ذلك: لا جابر لضعف الرواية من جهة عمل المشهور.

الجهة الثالثة: جهة الدلالة. هل أنّ دلالة الرواية على منجزية العلم الاجمالي ووجوب الموافقة القطعية تامة أم لا؟. حيث إنه قد يمنع دلالة الرواية على ذلك بلحاظ أحد وجهين:

الوجه الأول: ربما يقال أنّ الرواية أجنبية عن محل البحث، لأنّ نظر الرواية إلى خلاف رئيسي بين الامامية والعامة حيث أحتج العامة على الامامية بأنكم تعملون بالاجتهاد في بعض الموارد كمورد القبلة، حيث تأخذون بالظن في تشخيص القبلة فهذا العمل دال على جواز العلم بالظن في تحديد الحكم الشرعي، إذ لا فرق بين الموردين من حيث النكتة فكما أن النكتة في جواز العمل بالظن في باب القبلة عدم تيسر تحصيل العلم فكذلك الأمر في العمل به في غير باب القبلة، والرواية ترد على هذه المقالة فتفيد أنّه إنما جوزنا العمل بالظن لا لأجل حجية الظن بعنوانه وإلّا لو جوزنا العمل بالظن لحجيته بعنوانه لكان جواز العمل به منوطا بعدم إمكان تحصيل العلم لأنّه إنّما يجوز العمل بالظن في فرض عدم إمكان تحصيل العلم بينما نحن نجوّز العمل بالظن في باب القبلة حتّى مع عدم إمكان تحصيل العلم بأن يصلي إلى أربع جهات، فهذا دليل على أنّ جواز العمل بالظن في باب القبلة تعبدي لا لأجل أنّه ظن وإلّا لقلنا به في فرض عدم إمكان تحصيل العلم، فإذا كان الجواز تعبدياً فلا يصح التعدي به إلى بقية الموارد. فقوله: «ليس كما يقولون» أي ليس كما يدعون، أننا نعمل بالاجتهاد في باب القبلة لأنّه ظن والشاهد على ذلك، فإذا كان ذلك فليصل إلى أربع جهات أي أنّ الشاهد على أنّ العمل بالظن في باب القبلة لا لأجل أنه ظن أنه يجوز له أن يصلي إلى أربع جهات فيتحقق له العلم بالقبلة.

ولكن هذا التوجيه للرواية خلاف ظاهرها، فإن قوله: «إذا اطبقت علينا أو اظلمت كنا وانتم سواء في الاجتهاد» أي: مورد اجتهاد العامي، أنه في حال عدم إمكان تشخيص القبلة بالعلم التفصيلي أنتم تعملون بالظن كما نحن نعمل به، فأجاب الإمام : «ليس كما يقولون»، وظاهره: أننا لا نعمل بالظن والاجتهاد، والشاهد أنه قال: «إذا كان ذلك» أي: إذا حصل ظلام فليصلي إلى أربع جهات، فإنّ ظاهر قوله: «فليصل» أنّه أمر إما مولوي أو إرشاد إلى أن الامتثال لا يتحقق إلّا بهذا النحو لا لأنّ قوله «فإذا كان ذلك فليصلي» مجرد بيان لإمكان لتحصيل العلم، فإنّ إمكان تحصيل العلم لا يتناسب مع بيان الأمر إذا كان ذلك فليصل لأربع جهات.

فهذا التوجيه للراوية بحيث تخرج عن محط الاستدلال بها على منجزية العلم الإجمالي غير تام.

الوجه الثاني: وهو مؤلف من مقدمتين:

المقدمة الأولى: أنّ الرواية بحسب مفادها معارضة بالروايات المعتبرة الدالة على حجية التحري، وإنّ التحري للقبلة في فرض عدم حصول العلم حجة، كما ذكرنا فيما سبق معتبرة حريز «يجزي التحري ابدا إذا لم يعلم اين وجه القبلة»، وحمل راوية خراش على فلرض عدم إمكان التحري إخراج لها عن موردها باعتبار أنّ موردها فرض إمكانه ولذلك اشكل العامة انه إذا اطبعت علينا كنا وأنتم سواء في الاجتهاد، فإنه مورد الظن والتحري، ولذلك الإمام أمر بالصلاة إلى أربع جهات.

ولذلك لو قيدنا الرواية بفرض عدم تيسر العلم والظن لكان ذلك اخراجا لمورد الرواية عنها، واخراج المورد عن الوارد مستهجن عرفا فحملها على عدم التيسر الظن خلاف الظاهر جدا لأن موردها التحري.

المقدمة الثانية: اننا على جميع المباني لا نستفيد من الرواية على فرض تماميتها بيان منجزية العلم الاجمالي، والسر في ذلك: ان المباني في تحقيق الاستقبال تارة يلاحظ فيها مقتضى القاعدة، وتارة يلاحظ فيها مقتضى النصوص المعتبرة، فهنا اتجاهان: الاتجاه الاول: ان نلاحظ في تحقيق الاستقبال مقتضى القاعدة وهذا الاتجاه على قولين، الاول ان المناط في تحقيق الاستقبال مراعاة موطن الكعبة في نفسها مع غمض النظر عن وجود المستقبل حتّى لو لم يكن هناك صلاة فلتحقيق الوصول إلى جرم الكعبة حتّى لو لم يكن هناك صلاة فما هو المناط؟ فإن كان المناط في الاستقبال هو المناط في الوصول إلى جرم الكعبة حتّى لو لم يكن هناك أي مستقبل ولا توجد هناك صلاة وذلك المناط هو مراعاة جميع الجهات المحتملة للكعبة ومراعاة جميع الجهات المحتملة للكعبة لا تنحصر في أربع، فعلى الاقل ان يصلي إلى ثمانية جهات إذا اراد الموافقة القطعية بمراعاة سائر الجهات المحتملة إلى جرم الكعبة فعلى الأقل يصلي إلى ثمانية جهات اما إلى أربع جهات لا توجب الموافقة القطعية بمعنى اصابة جرم الكعبة.

القول الآخر: وهو ما ذهب اليه سيدنا: انه لو كنا ومقتضى القاعدة فالمناط في تحقيق الاستقبال هو ملاحظة جرم الكعبة من حيث المستقبل لا من حيث ذات الكعبة فلابد من ان يوجد مستقبل لو خرج سهم منه لوقع على جرم الكعبة فتحقيق الاستقبال يلاحظ فيه وجود المستقبل بالنسبة إلى الكعبة وإذا لاحظنا وجود المستقبل راينا ان دائرة ان دائرة راس المصلي هي المسامتة لدائرة الافق الذي يشمل المصلي فهذه الدائرة الكبير تسامتها الدائرة الصغيرة لراس المصلي وبما ان هذه الدائرة الصغيرة تنقسم إلى سبعة اجزاء باعتبار ان راس الانسان إذا عددناه بالأصابع يبلغ ثمانية وعشرون اصبع فإذا قسمناه إلى أربع جهات الإمام والخلف واليمين واليسار كان مقدار الجبهة الذي هو المدار في الاستقبال بمقدار سبع اصابع أي بمقدار سبع الدارة فلأجل ذلك إذا اراد المصلي ان يحقق الموافقة القطعية ان يتقن انه اصاب جرم الكعبة بحيث لو خرج سهم منه لوقع إلى جرم الكعبة فمقتضى ذلك ان يصلي إلى سبع جهات.

وليس إلى أربع جهات، إذا لو كنا ومقتضى القاعدة لقلنا اما برعاية جميع الجهات المحتلة أو لا اقل سبع جهات بناء على تحليل السيد الخوئي لا الاكتفاء بأربع جهات.

الاتجاه الثالث: الاستقبال بالنظر إلى مفاد الروايات. ومنها صحيحة زرارة وصحيحة معاوية بن عمار التي تضمنا توسعة القبلة لما بين المشرق والمغرب، حيث قال في الرواية وما بين المشرق والمغرب قبلة، فإن ظاهر هذه الرواية ان في حدود «179 درجة» من اليمين إلى اليسار هو ضمن القبلة، فاذا اراد المصلي ان يصيب الكعبة بالنظر إلى التوسعة فلكي يصيبها لابّد ان يقسم الدائرة إلى ثلاث اقواس حتّى لا يبقى باق، كان مقدار كل قوس «120» ومتى ما صلى ثلاثة صلوات إلى ثلاث جهات تبعد كل جهة عن الاخرى بمقدار «120» قطع بأنه أصاب الكعبة الشرعية أي الموسعة. فلا يلزمه الصلاة إلى أربع جهات كما في الرواية بل يكتفي بالصلاة إلى ثلاثة جهات.

المبنى الآخر: المستفاد من النصوص ما يستفاد من كلمات الاردبيلي أنّ مفاد هذه النصوص التوسعة في الجهة المحاذية للقبلة كأمارة ظاهرية في مقام تشخيص القبلة وذلك إذا نظرنا من جهة إلى انه دلت بعض النصوص على استحباب التياسر إلى القبلة وبعض النصوص على ان الكعبة قبلة لأهل المسجد والمسجد قبلة لأهل الحرم والحرم قبلة للناس. وأيضاً ما دل على انه حينما نزل الأمر بتغيير القبلة كان رسول الله يصلي إلى بيت المقدس فانحرف اثناء الصلاة إلى البيت الحرام، ولم يقطع صلاته فالمستفاد من مجموع هذه النصوص ان القبلة هي عين الكعبة غاية ما في الباب بالنسبة للبعيد الذي لا يشخص الكعبة نفسها وضع له الشارع امارة وتلك الامارة الظاهرية على تحديد الكعبة هي الجهة المحاذية لجهة الكعبة، والجهة المحاذية لها هي الجهة العرفية وهي تنقسم إلى أربع جهات، فالشارع اعتبر الجهة العرفية المحاذية للكعبة امارة على استقبال الكعبة فجاءت هذه الروايات بمجموعها للإرشاد إلى ان الجهة المحاذية.

وحينئذٍ: فرواية خراش لا تعني منجزية العلم الاجمالي وإنّما تعني أنه يصلي إلى الجهات التي اعتبرها الشارع امارة على تشخيص القبلة عند الشك. والا لو انكشف الخلاف لكان ذلك موجبا للإعادة.

والحمدُ لله ربِّ العالمين