الزواج ميثاق فطري

تحرير المحاضرات

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿والَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ

من آيات سورة المؤمنون هذه الآيات التي تتحدث عن الملازمة بين الإيمان والعفه: ﴿والَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ وانطلاقا من هذه الآيات المباركات نتحدث في محاور ثلاثه.

المحور الأول: في فطرية ميثاق الزواج بين الذكر والأثنى.

عندما نريد أن نعرف الزواج تعريفا دقيقا فالزواج ميثاق يؤدي إلى إشباع الحاجة الفطريه لدى الإنسان والقرآن الكريم يعبر عنه بأنه ميثاق أي أنه عقد ملزم له آثار معينه وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتخذونه بهتانا وإثما مبينا وكيف تأخذونه وقد افضى بعضكم إلى بعض وأخذنا منكم ميثاقا غليظا، الزواج ميثاق غليظ يعبر عنه القرآن الكريم هذا الميثاق يقوم بإشباع الحاجات الفطريه لدى الإنسان لكي يتبين لنا مدى فاعلية الزواج في إشباع الحاجات الفطريه لدى الإنسان نقرأ هذه الآية المباركه: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً وقال في آية آخرى: ﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ هذه الآيات تحتاج إلى دقه في تفسيرها تأملوا معي، الآيه عندما تقول: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ مامعنى كلمة، مِنْ أَنْفُسِكُمْ؟ هل الزوجه خُلقت من نفس الزوج هل الزوج خُلق من نفس الزوجه مامعنى كلمة، من أنفسكم؟ القرآن الكريم عندما يعبر بالأنفس، هذه الكلمه تعني الإشتراك بالخصائص إذا اشترك شخصان في الخصائص يقال: هذا نفس هذا وهذا نفس هذا، الإشتراك في الخصائص هو معنى كلمة الأنفس.

والإشتراك على ثلاثة أقسام.

القسم الأول: الإشتراك بالخصائص الصنفيه.

بمعنى أن يكون الإنسان من القبيله الفلانيه كون الإنسان من القبيله الفلانيه يعني أنه يشترك مع هذه القبيله في الخصائص الصنفيه في بعض الجينات الوراثيه في بعض الشمائل وبعض المظاهر فهو من أنفس القبيله، لماذا؟ لأنه يشترك مع القبيله في بعض الخصائص الصنفيه. من هنا عبر القرآن عن النبي محمد أنه من أنفس قريش: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ بمعنى أن النبي جاء وهو مشترك معكم في الخصائص الصنفيه لأنه من قبيلتكم ومن نسلكم لأنه من هذه السلاله التي أنحدرتم منها، عبر عنه القرآن الكريم بالأنفس: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ وقال في آية آخرى: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ.

القسم الثاني: الإشتراك في كل الخصائص ليس فقط الإشتراك في الخصائص الصنفيه.

أحيانا يعبر القرآن بكلمة الأنفس ويريد الإشتراك في كل الخصائص لا خصوص الخصائص الصنفيه، مثلاً عندما عبر القرآن عن علي بأنه نفس النبي: ﴿فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ لماذا عبر عن الإمام علي بأنه نفس النبي؟ ﴿وأنفسكم لأنه مشترك معه في كل الخصائص لم تكن هناك خصوصية للنبي إلا ووهبة لأمير المؤمنين علي والإمام علي يقول وهو يتحدث عن هذه الأنفسيه وهذا الإشتراك في جميع الخصائص ويقول: ولقد سمعت رنة الشيطان حين نزول الوحي على النبي فقلت: يارسول الله ما هذه الرنه؟ قال: إنها رنة الشيطان يئس من عبادته، إنك لتسمع ما أسمع وترى ما أرى غير أنك لست بنبي. وقال في حديث آخر: ”أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي“ إذاً هذا الإشتراك بينهما في مطلق الخصائص وفي كل الخصائص ماعدا النبوه جعل الإمام علي نفس النبي: ﴿وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ.

القسم الثالث: الإشتراك في الخصائص الفطريه. مامعنى هذا؟

نحن عندما نقرأ ونتأمل شخصية الرجل وشخصية المرأه، عندما نتأمل كلتا الشخصيتين نجد أن كلاً منهما جُهز بخصائص فسيولوجيه وسكيولوجيه بمعنى جُهز بخصائص نفسيه وخصائص بدنيه هذه الخصائص جعلت كلاً منهما يشعر بالحاجه الملحه للآخر، فهما مشتركان في إحتياج كل منهما للآخر، هما مشتركان في الخصائص الفطريه التي زَرعت وغرست حاجة كلٍ منهما للآخر، وهذا الإشتراك في الخصائص الفطريه عبر عنه القرآن بأنفس أيضا قال: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا ما معنى الأنفس هنا؟ معناها أنه كل منكما أُعطي خصائص نفسيه وبدنيه جعلتهُ يشعر بحاجةٍ فطريةٍ ذاتيةٍ للآخر، تراقب شخصية الرجل وشخصية المرأه كل منهما يحمل خصائص الحاجه إلى الآخر والتكامل بالآخر والإرتباط بالآخر وهذا معنى كلمة الأنفس: ﴿خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاًهذا الخطاب عام للذكر وللأنثى كل منهما يشعر بالحاجة للآخر.

ماهي الحاجات الفطرية التي ربطة الرجل بالمرأة وربطة الذكر بالأنثى؟ لاحظوا القرآن الكريم يُركز على عدة حاجات فطريه الحاجة الأولى: ﴿لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا السكن يعني الإستقرار العاطفي، الإنسان بطبعه يعيش غلياناً عاطفياً، الإنسان بطبعه يعيش عواطف متناقضه ومشاعر متناقضه، هذا التناقض هذا التداين هذا الإضطراب والغليان في المشاعر والعواطف يحتاج إلى مصدر يُغذيه بالهدوء وبالإستقرار حتى الأم لاتستطيع أن تشبع هذه الحاجه عند الإنسان لايمكن.

العواطف التي تعصف بالرجل بما هو رجل، والعواصف التي تعصف بالمرأة بما هي امرأه لا تغذيها أمٌ ولا أب، الأم والأب يُغذيان العواطف الإنسانيه العامه أما العواطف التي تختص بالرجل بما هو رجل والمرأه بما هي امرأه لا يستطيع الأبوان أن يغذيهما أبدا إذا هذا الغليان العاطفي والإضطراب النفسي يحتاج إلى مصدر يغرس فيه الهدوء والإستقرار وليس إلا الطرف الآخر لتسكنوا إليها إشاره إلى الهدوء والإستقرار العاطفي إذاً هذه الحاجه الأولى.

الحاجه الثانيه: ﴿وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً لاحظ تعبير القرآن هنا دقيق في السكن لم يقل جعل قال: ﴿خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا لم يقل وجعل بينكم سكنا عندما جاء للموده والرحمه قال: ﴿وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً لماذا هنا عبر بالجعل وهناك بالإستقرار والهدوء العاطفي لم يعبر بالجعل، ماهو الفرق بينهما؟ هناك فرق أساسي بين الحاجتين:

الحاجة الأولى: وهي حاجة الإنسان إلى السكن العاطفي والإستقرار العاطفي هذه حاجة قهريه وليست بإرادة الإنسان، أما حاجة الإنسان للموده والرحمه فهي حاجه تستقر إلى إرادة الإنسان وإختيار الإنسان فهناك فرق بين الحاجتين حاجة الإنسان إلى السكن والهدوء العاطفي حاجة ليس للإنسان إختيارٌ فيها، ليس للإنسان إرادة فيها. الإنسان كما يشعر بالجوع بدون إرادته وإذا أكل الطعام إرتفعت حاجته إلى الجوع بدون إرادته.

كذلك حاجة الإنسان إلى السكن العاطفي بدون إرادته وإذا قرب من الزوجه وحصل على الهدوء والإستقرار العاطفي هذا أيضاً بدون إرادته، فالإراده هنا لا تتدخل لا في الحاجه ولا في إشباع الحاجه لذلك قال تعالى: ﴿أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا ولم يقحم الجعل في الموضوع.

بينما حاجة الإنسان إلى الموده والرحمه حاجة تحتاج إلى إرادة من الإنسان تحتاج إلى مبادره من الإنسان لولا المبادره لما تمت هذه الحاجه ولما أشبعت هذه الحاجه، لأن هذه الحاجه تعتمد على الإرادة والمبادره فهي تحتاج إلى الجعل لذلك هنا عبر بالجعل قال: ﴿وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً.

الحاجة الثانية: حاجة الإنسان إلى الموده، هناك فرق بين الموده والمحبه نحن نخلط بين الصفتين.

المحبه: جنوح يعيش في داخل الإنسان أنا أحب فلان بمعنى أن في نفسي ميولا ونزوعا إليه لكن الموده تعني إبراز المحبه موده فالموده من صفات الفعل والنفس، المحبه شيء كامن في النفس ولكن مالم يُبرزه مالم يظهره لا يقال له موده يُقال له محبه، إذا أبرزه وأظهره بقوله بفعله بعلاقته يُسمى ذلك موده فهناك فرق بين المحبة والموده، لذلك القرآن لم يطلب من المسلمين محبة أهل البيت، بل مودة أهل البيت: ﴿قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ بمعنى المحبه لا تكفي شخص يقول: أنا أحب أهل البيت، كثير من المذاهب الإسلاميه الأخرى، تقول: أنها تحب أهل البيت، أين الموده؟ المحبه شيء كامن في النفس لا يفيض، المطلوب هو الموده بمعنى أن تبرز محبة أهل البيت بالإهتمام بأفراحهم وأحزانهم وبسيرتهم، بفضائلهم.

مالم يكن لك إهتمام بأشخاص أهل البيت وبأنوارهم فأنت تعيش المحبه دون الموده والمطلوب هو الموده: ﴿قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ أي إبراز المحبه وإلا المحبه الكامنه في النفس ليست كافيه.

إذا الحاجة الثانية: الحاجة إلى الموده: معناها أن الإنسان مُحتاج إلى تبادل الحب بينه وبين طرف آخر، يحتاج الزوج إلى أن يشعر أن زوجته تبادله الحُب وتحتاج الزوجه إلى أن تشعر أن زوجها يبادلها الحب، لا يكفي الحب الكامن في النفس لابد من مُبادلة في هذا الحب، بمعنى أن يقوم كلا منهما بالمبادره، بمبادرة إظهار المحبه وإبرازها لذلك ورد في الحديث عن الإمام الباقر : ”قول الزوج لزوجته أحبك لا يذهب من قلبها أبدا“ لماذا؟ لأنه إبراز، أنت تحتاج حاجة فطريه إلى أن تعبر لها عن المشاعر وهي تحتاج إلى ذلك أيضاً، كلٌ منكما يحتاج إلى تبادل المحبه، حتى لو أنت عمرك 70 سنه وهي 69 سنه، مع ذلك هي تحتاج وأنت تحتاج، لا يعني أن الإنسان إن كبر كبُرت المشاعر وشاخت وهرمت وانتهى، دور المشاعر والعواطف لا، رصيد العواطف والمشاعر يبقى متأججاً يبقى حياً يبقى غضاً بين الزوجين تبادل المودة والمحبه حاجة فطرية أساسية يفتقر إليها كل من الزوجين حتى لو صار عمرهمها 80 أو 90 سنه، إذاً هذه الحاجه تحتاج إلى مبادره لذلك أقحم الجعل في التعبير عنها.

الحاجة الثالثة: الحاجة إلى الرحمه: ﴿وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةًمامعنى الرحمه؟ هذه جداً حاجه مهمه، نحن في الحاجتين الأوليتين الحاجه إلى السكن العاطفي والحاجه إلى تبادل المحبه، نحوم حول ذواتنا لأنني أحتاج إلى أن أهدأ هدوئاً عاطفياً أحتاج للمرأه.

لأنني أحتاج إلى تبادل المحبه أحتاج إلى المرأه. لكنني في كلتا هاتين الحاجتين أحوم حول ذاتي أحوم حول نفسي، أما في الحاجه الثالثه فهي تخرجني من نفسي إلى غيري، أنت تحتاج إلى أن تتحرر من نفسك، وأن تتحرمن أنانيتك، أن تتحرر من كلمة ال أنا.

الإنسان منذ ولادته أنا أنا أحتاج أنا أريد... الإنسان منذ ولادته إلى أن يكبر إلى أن يتزوج لا يفكر إلا في نفسه لا يفكر إلا في ال أنا وفي غريزة حب الذات، الزواج يحرره من غريزة حب الذات، ومن أل أنا ويخرجه من الأنانيه ويُعطيه شعوراً بالغيريه، لأن هناك إنسان آخر شريكٌ معك في حياتك يحتاج إلى الرقه يحتاج إلى اللين والعطف: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّتحتاج إلى أن تخرج من طوق الأنانيه ومن طوق النفس وأن تكون إنسانا غيريا ومعطاءاً وإنساناً باذلاً، هذه الروح روح الغيريه والعطاء والبذل يُغذيها الزواج، فمن أهم الحاجات الفطريه التي يغذيها الزواج أنه يخرجك من الأنانيه إلى العطاء إلى البذل، يُخرجك من ال أنا إلى الرحمه ولذلك قال القرآن الكريم: ﴿وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً.

الحاجة الرابعة: التي عبرت عنها آية أخرى: ﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ الإنسان لماذا يحتاج إلى اللباس؟ لكي يحميه من الحر والبر هو أيضاً يحتاج إلى المرأه لأن المرأة تحميه من الإنزلاق والإنحراف، والمرأة تحتاج إلى الرجل لأنها تحتاج إلى الحمايه من يحميها من الإنحراف والإنزلاق كلٌ مِنهما يحتاج إلى الآخر حاجته إلى الحمايه: ﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ إذاً هناك حاجات فطريه أربع ركز عليها القرآن الكريم: السكن، والموده والرحمه، والحمايه.

فالزواج ميثاق فطري يُشبع هذه الحاجات الأربع التي ذكرها القرآن الكريم.

المحور الثاني: آية زواج المتعه «الزواج المنقطع».

عندما نقرأ قوله تعالى: ﴿فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً هذه الآيه لا إشكال في ظهورها في الزواج المنقطع المُعبر عنه بزواج المتعه لعدة قرائن:

القرينه الأولى: أنه لم يعبر بالنكاح ولا بالزواج عبر بالإستمتاع: ﴿فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ والإستمتاع في العرف العربي: هو عباره عن العقد المنقطع العُرف العربي يفهم من كلمة الإستمتاع الإشاره للعقد المنقطع

القرينة الثانية قال: ﴿فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ معناه أن استحقاق المهر بعد المفروغ يعني الإستمتاع لو كان الزواج زواج دائم، المرأه في الزواج الدائم تستحق نصف المهر بمجرد العقد.

الإنسان لو عقد على امرأة عقداً دائماً المرأه هنا تستحق نصف المهر حتى لو طلقها بعد ذلك، ولو لم يدخل بها ولو لم يتمتع بها ولو لم يكن بينه وبينها أية عِلاقه المرأة تستحق نصف المهر بمجرد العقد الدائم «عقد النكاح» بينما هنا في الآيه، قال: أن استحقاق الأجره لا يصير إلا بعد الإستمتاع: ﴿فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ إذاً هذه قرينه على أن الآيه ليست ناظره للعقد الدائم إذ لو كانت ناظره للعقد الدائم لكان استحقاق الأجر بمجرد العقد لا يحتاج إلى استمتاع بينما هذه الآيه ذكرت أن استحقاق الأجره فرع الإستمتاع وهذه قرينه على نظرها للعقد المنقطع حيث لا تستحق الزوجه المُتمتع بها أجرة إلا بعد تمكين نفسها إلى الزوج.

القرينة الثالثة: أن الآيه عبرت بالأجره لم تُعبر بالمهر أو الصداق، عندما نرى في الآيات الأخرى التي تتحدث عن الزواج الدائم تعبر بالصداق: ﴿وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً مهر في العقد الدائم يُعبر عنه بالنِحله أو يُعبر عنه بالصداق، الآيه لا عبرت بالصداق ولا بالنِحله عبرت بالأُجره: ﴿فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وهذه قرينه ثالثه على أن الآيه ناظره للعقد المنقطع وليست ناظره للعقد الدائم.

ثم الصحابه هكذا فهموا ابن عباس، سقي، أبي ابن كعب، مجاهد، قتاده، أئمة أهل البيت كلهم فهموا نظر الآيه للعقد المنقطع للمسمى بزواج المتعه.

بعض المفسرين من إخواننا أهل السنه يقولون أن هذه الآيه نسخت، صحيح الآيه دلت على مشروعية العقد المنقطع أن العقد المنقطع مشروع لكنه نسخ لهذه الآيه التي قرأناها الليله: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ «5» إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ «6» فَمَنِ ابْتَغَىٰ وَرَاءَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْعَادُونَ يقول لك هذه الآيه نسخت تلك الآيه وبينت أن لا نكاح إلا الزواج أو مِلك اليمين، معناه الزواج الدائم، بمعنى الرجل إذا ملك امرأة مِلك يمينٍ جاز له نكاحُها وجاز له الإستمتاع بها ليس بالعكس المرأه لا، افترض المرأه إذا ملكت رجلا مِلك يمين ليس لها معه أية عِلاقه جسديه، هذا أمر محرم، أن هذه الآيه بنظر بعض المفسرين نسخت آيتي متعه، هل هذا النسخ صحيح أم لا؟ نقول غير صحيح، لماذا؟

أولاً: آية المِتعه مدنيه نزلت قُرب معركة خيبر بينما هذه الآيه مكيه: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ «5» إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ سورة المؤمنون كلها مكيه نزلت في مكه، بينما آية المتعه آية مدنيه، فكيف يتقدم الناسخ على المنسوخ؟ الناسخ مكي والمنسوخ مدني هذا أمر غير معقول.

ثانيا: الضرورة الإسلاميه لمُقتضى ماورد عن النبي محمد حيث قال: ”إما نكاح أو مِلك يمينٍ أو سِفاح“ يعني لا شيء وراء هذين إلا السِفاح يعني الزنا، أي علاقه بين الرجل والمرأه إما نِكاح أو مِلك يمين أو سِفاح، نسأل أي مُسلم أين تدخل زواج المتعه؟ فإما أن يكون نِكاح أو سِفاح، إما أن تقول زواج المتعه العقد المنقطع نِكاح أو تقول سِفاح، إذا قال العقد المنقطع سفاح، قل له زنا كيف شرعه الله؟ حتى لو نسخه بعد ذلك هل يعقل أن يشرع الله الزنا؟ هل يُعقل أن يرخص الله بالزنا ولو مره في الحياة يعقل؟ القرآن الكريم يُعبر عن الزنا: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا ۖ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا.

وقال في آية أخرى: ﴿وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا «68» يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا إذا الزنا فاحشه وسبيل سيء هل يعقل أن يرخص الله للناس الفاحشه؟ يقول لهم أنتم لخمسة أيام مرخص لكم بالفاحشه هذا معقول حتى لو زواج المِتعه نُسخ بعد ذلك، المهم أنه شُرع، في يوم من الأيام جميع المسلمين متفقون على أن زواج المِتعه شرع في يوم من الأيام، هل يعقل أن يشرع الله السِفاح والفاحشه ولو لمده مؤقته؟ هذا شيء غير معقول يصبح هذا تهافوت في التشريع الإسلامي، أنه من جهه يعتبر الزنا فاحشه ومن جهه يُرخص فيه.

إذا لم يُعقل الترخيص في السفاح والزنا إذاً لا محاله العقد المنقطع زواج وليس زنا، لأنه لايوجد قسم رابع إما زواج وإما زنا أو مِلك يمين وهو ليس مِلك يمين إذاً إما زواج أو زنا، لا يمكن أن يكون زنا لأنه لايمكن أن يُرخص في الزنا وهو فاحشه.

إذاً تعين أن يكون زواج فإذا صار العقد المُنقطع زواج دخل تحت الآيه المباركه: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ «5» إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ فأزواجهم تشمل الزوجه الدائمه والزوجه المنقطعه فلا تكونوا هذه الآيه ناسخة لآية المِتعه ليس لها علاقة لأن هذه الآيه تقول: ﴿إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْوالزوج يشمل الزواج المنقطع والدائم فإن كليهما زوج يترتب عليه آثار الزواج، لو ولدت امرأته بالعقد المنقطع فهو ولد شرعي له ولو فارقها بهبة المُده أو بإنقضائها عليها أن تعتد منه إذاً فهو زواج شرعي كسائر أنواع الزواج.

ثالثاً: أنت تدعي أن هذه الآيه ناسخه لآية المِتعه والصحابه يكذبون ذلك، فهم لايقبلون هذا النسخ.

لو نرجع إلى صحيح مسلم ومسند أحمد يرويان عن عطاء عن جابر بن عبدالله، جابر لا أحد يشك فيه من المسلمين كلهم هذا من الأشخاص الذين أُتفق عليهم جابر بن عبدالله الأنصاري يروي عنه عطاء يقول: استمتعنا على عهد رسول الله وعلى عهد أبي بكر وعلى عهد عمر حتى نهى عنه عمر في قضية عمرو ابن حُرير. إذاً هذا كلام جابر صريح في أن المِتعه لم تُنسخ في القرآن الكريم، لو نُسخت لما إستمر الصحابه على الإستمتاع إلى أن نهى عنه عمر في قضية عمرو بن حرير، وأيضاً ابن عباس وغيره من الصحابه الذين جادلوا في أن هذا الزواج بقي إلى أن نهى عنه الخليفه الثاني.

أيضاً لو رجعت إلى ابن عساكر الطبري والرادفي في تفسيره الكبير، وإلى الزمخشري في الكشاف وإلى السيوطي في الدر المنثور. كلهم ينقلون عن الخليفه في خطبته مِتعتان كانتاعلى عهد رسول الله حلالاً أنا مُحرمهما ومُعاقب عليهما، إذاً هذا اعتراف من الخليفه الثاني أنه ما نُسخ إنما هو رأى المصلحه في أن ينهى عن ذلك، هذا اعتراف بأن الزواج المُنقطع لم يُنسخ لا من قِبل القرآن ولا من قِبل النبي، بل في كتاب المستدين للطبري ثلاثٌ ليست اثنتان كن في عهد رسول الله حلالاً أنا محرمها ومعاقبٌ عليهما مِتعة النساء ومِتعة الحج وحياً على خير العمل، إذاً بالنتيجه أن هذه الآيه نَسخت تلك الآيه فهي غير تامه.

المحور الثالث: التأمل في مُفردات الآية.

﴿وَالَّذِينَ هُمْ «بمعنى المؤمنون» لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ هناك مُلازمه بين الإيمان والعِفه حفظ الفرج يعني العفه، الإيمان يدعوا إلى العِفه ويَدعوا إلى حبس النفس عن الإسترسال وراء الشهوه ووراء الغريزه، الإيمان يحجبُ النفس عن أن تُفرط وراء الشهوه ووراء الغريزه، وأن يكون الإنسان حافظاً لفرجه عن الإنزلاق وراء نداء الشهوه ونداء الغريزه: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ معناه حافظون من العلاقه الجنسيه ومن كل علاقه، بمعنى أنه لا يُعرض فرجه رجلاً كان أو امرأه لا يعرض فرجه لأي علاقةٍ، علاقة نظر أو مُماسه، علاقة جنسيه، يحفظ فرجه عن أي علاقه مع الطرف ما لم يكن زوجاً أو مِلك يمين: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ «5» إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ «6» فَمَنِ ابْتَغَىٰ وَرَاءَ ذَٰلِكَ «يبحث عن طرق ملتويه» فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْعَادُونَ يعتبر القرآن هذا عدوان وظلم، معناه ظلم للمواثيق العُقلائيه والسماويه هناك مواثيق.

المجتمع العقلائي نظم العلاقه الجنسيه عِبر ميثاق الزواج، فالخروج عن هذا الميثاق عِدوان على المجتمع العقلائي، فهو أطره هذه العلاقه الجنسيه أطرها بميثاق معين طبعا الأقوام تختلف كما ورد عن النبي محمد : ”لكل قومٍ نكاح“ كل قوم لهم طريقه في العقد، المسيحيون لهم طريقه في العقد واليهود والمسلمون كلهم لهم طريقه في العقد كل دين له طريقه، وجميع الطرق مُحترمه إن كانت الطريقه المسيحيه وكذلك اليهوديه ”لكل قوم نكاح“ الإسلام أمضى هذه الطرق واحترم هذه العقود كلها، لأنها كلها تُعبرعن مِيثاق، فالمجتمع البشري أطر العلاقه الجنسيه عِبر ميثاق وإن إختلفت الطُرق لاختلاف الملل والأديان فالخروج عن هذه الطريقه والإلتفاف خلفها يُعد عِدواناً وظلماً: ﴿فَمَنِ ابْتَغَىٰ وَرَاءَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْعَادُونَ ورد عن الإمام الصادق فسر هذه الكلمه ماذا يعني «فمن ابتغى...» قال: ”يعني ناكحه يده فإن ناكح يده عادٍ ومعتدٍ“، هذه التي يقوم بها الرجال والنساء لا تختص بالرجال، القيام بعملية الإستمناء بعملية استدرارغليان الشهوه إلى حد إنزال الماء رجلاً كان أو امرأه، يُعبر عنه الإمام الصادق ”ناكح يده سواءا كان رجلا أو امرأة“ والجميع يدخل تحت هذا العنوان: ﴿فَمَنِ ابْتَغَىٰ وَرَاءَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْعَادُونَ.

الزواج: هذا الميثاق الغليظ الذي يحفظ ويُشبع الحاجات الفطريه للإنسان خِوامه بالمعروف، الزواج ليس شركه فيها موظفيين بعضهم يتصور أن الزوج موظف والزوجه كذلك، أن الزوج عليه واجبات وظيفيه تجاه الزوجه والزوجه كذلك لا! ليس الزواج شركه ولا مؤسسه إنما الزواج عطف ومعروف ورحمه. الإسلام ينظر إلى الزواج أكبر وأعظم من أنه وظائف وواجبات ليس الزواج مُجرد وظائف وواجبات لو عاش الزوج والزوجه بهذا المنطق، منطق الوظيفه لكان الزواج جافاً لارحمة فيه ولا عطف ولا رقة فيه، إذا نظر الزوج للزوجه على أنها موظفه لابد أن تُلبي له حقوقه، ونظرة الزوجه للزوج على أنه موظف لا بد أن يُلبي لها حقوقها، إذا نظر كلاً منهما للآخر نظراً وظيفياً يفقدُ الزواج طعمه وقيمته يفقد نكهته، الزواج رحمة متبادله وحبٌ متبادل وعطف بين الزوج والزوجه.

فهو عِلاقه إنسانيه صميمه قبل أن يكون علاقة وظيفيه، وهو الرحمه قبل أن يكون مسؤوليه وواجباً من الواجبات لذلك قوام الزواج لقوله عز وجل: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ يُغدق الرجل على زوجته من الحُب والحنان والعطف والرأفه، وفي المُقابل تُغدق الزوجه على زوجها نهراً من الحنان والعطف والرأفه هذا هو الزواج. وهذا هو الذي يَخلق أولاد مُستقرين فإذا تُريد أولاداً مُستقرين هادئيين، الولد إنما يصبح إنساناً مبدعاً معطاءاً يعيش استقراراً وهدوءاً نفسياً، وإذا عاش في بيئةٍ تغمرها الرحمه والعطف.

إذا عاش الأولاد في بيئةٍ الزوجان يتبادلان المحبه والعطف والرحمه والمودة كان الأولاد مُستقرين هادئيين واستقرارهم ينعكس على أبناءهم وأحفادهم، أنت بالرحمه مع زوجتك تخلُق أجواء من الهدوء تمتد إلى أجيال وأجيال، أنت تزرع الهدوء وينتج هذا الهدوء أجواءاً من الإستقرار إلى أجيال وأجيال، ولذلك البيت الذي يعيش الرحمه يكون أبناءه مظاهر للرحمه ومظاهر للعطف، ولذلك ترى بيوت النبوه بيوت النبي وأهل بيته بيوت الرحمه والعطاء، بيوت البذل لأنها بيوتٌ بُنيت على تلك العلاقة الزوجية الحميمه وعلى منطق الرقه والعطف ولم تُبنى على منطق الوظيفه والواجب، لذلك أبناء أهل البيت كأهل البيت يعيشون رقةً وعطفاً ورحمه.

نحن إذا نمر على أحداث كربلاء نراها عِلاقه غريبه بين الحسين وأولاده من أين أتت؟ لأن البيت بيت الرحمه وبيت الرقه والعاطفه، مدى عمق العلاقه بين الحسين وعلي الأكبر وعمقها بين الحسين وسكينه، ومدى عمق العلاقه بين الحسين وعبدالله الرضيع.