الدرس 96

منجزية العلم الإجمالي

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلّى الله على سيّدنا محمد وآله الطاهرين

لازال الكلام في تخريج وجوه بيع المختلط بالميتة على من يستحله.

والوجه الاخير: أن يقال بأن الوجه في الجواز هو ما دلَّ على جواز بيع الميتة أو جواز الانتفاع بها، وهنا مطلبان تعرض له سيدنا في «مصباح الفقاهة، ص65»:

المطلب الأول: جواز الانتفاع بالميتة: الحسن الوشاء قال سألت أبا الحسن فقلت جعلت فداك ان أهل الجبل تثقل عندهم أليات الغنم فيقطعونها فقال حرام هي - في الوافي هي ميت - فقلت جعلت فداك فيستصبح بها فقال: أما علمت انه يصيب اليد والثوب وهو حرام. بناءً على تمامية سندها يقال بعد ان كان عندا طائفتان مانعة ومجوزة فمقتضى الجمع العرفي اما ان تُقيد المانعة بصورة الانتفاع بها بمثل المذكى أي ما دلَّ على المنع ناظر للانتفاع بالميتة كالمذكى أي يرتب على الميتة آثار الطهارة والتذكية وما دلّ على الجواز فهو ناظر للانتفاع بها لا بنحو ان يترتب عليها اثار الطهارة والتذكية، أو أن يقال بأن الطائفة المانعة محمولة على الكراهة والمجوزة على الترخيص لقرينية النص على الظاهر حيث إنَّ الطائفة المجوزة صريحة في الجواز فتقدم على المانعة بقرينية النص على الظاهر من باب الجمع الحكمي في فرض تعذر الجمع الموضوعي وذلك بتقييد الطائفة المانعة بغير هذه الصورة.

المطلب الثاني: بالنسبة الى حرمة البيع أيضاً لدينا طائفتان: مانعة ومجوزة:

إمّا المانعة: «قال كتبوا الى الرجل جعلنا اللّه فداك انا قوم نعمل السيوف وليست لنا معيشة ولا تجارة غيرها ونحن مضطرون إليها وإنما علاجنا من جلود الميتة من البغال والحمير الأهلية لا يجوز في أعمالنا غيرها فيحل لنا عملها وشرائها وبيعها ومسها بأيدينا وثيابنا ونحن نصلي في ثيابنا ونحن محتاجون الى جوابك في هذه المسألة يا سيدنا لضرورتنا إليها؛ فكتب اجعلوا ثوبا للصلاة».

مجهولة لأبي القاسم الصيقل. فاقتصار الإمام على مطلوبية ثوب طاهر للصلاة امضاء منه لما ذكره السائل بالتعامل مع جلود الميتة بالبيع والشراء لا كما استفاد الشيخ الاعظم من ان الإمام لعله كان في مقام التقية فذكر الجواب مجملا واقتصر على ثوب للصلاة ولم ينظر الى ما ذكره السائل مع انه من المسائل المهمة الابتلائية.

ومن الروايات التي استدل بها على جواز البيع: «عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِسْحَاقَ الْعَلَوِيِّ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ الدَّيْلَمِيِّ عَنْ عَيْثَمِ بْنِ أَسْلَمَ النَّجَاشِيِّ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنِ الصَّلَاةِ فِي الْفِرَاءِ قَالَ كَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ رَجُلًا صَرِداً لَا تُدْفِئُهُ فِرَاءُ الْحِجَازِ لِأَنَّ دِبَاغَتَهَا بِالْقَرَظِ فَكَانَ يَبْعَثُ إِلَى الْعِرَاقِ فَيُؤْتَى مِمَّا قِبَلَهُمْ بِالْفَرْوِ فَيَلْبَسُهُ فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ أَلْقَاهُ وأَلْقَى الْقَمِيصَ الَّذِي تَحْتَهُ الَّذِي يَلِيهِ فَكَانَ يُسْأَلُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ إِنَّ أَهْلَ الْعِرَاقِ يَسْتَحِلُّونَ لِبَاسَ الْجُلُودِ الْمَيْتَةِ ويَزْعُمُونَ أَنَّ دِبَاغَهُ ذَكَاتُهُ». ‌فيظهر من هذه الرواية ان الإمام كان يشتري جلود الميتة. فحيث ان عندنا طائفتين: مانعة ومجوزة، فإمّا ان نقدم الطائفة المجوزة باعتبار ان الطائفة المانعة موافقة للعامة، كما نقل ابن قدامة ان المشهور بينهم هو المنع من بيع الميتة، وحينئذٍ اذا قدمنا الطائفة المجوزة صار مقتضى القاعدة هو جواز بيع الميتة، أو يقال بأنّ الطائفة المجوزة صريحة بالجواز والمانعة ظاهرة في المنع ومقتضى قرينية النص على الظاهر حمل الطائفة المانعة على الكراهة. ولكن بناء على ذلك وهذه النقطة لم يعالجها سيدنا، ولكن بناء على ذلك سوف يقع تعارض بين الطائفة المجوزة وما هو محل الاستدلال وهو صحيحة الحلبي الدالة على جواز بيع المختلط بالميتة من المستحل فلو كان القرار على تقديم الطائفة المجوزة بحيث صار مقتضى القاعدة بيع الميتة، فأي وجه لتقديم جواز بيع المختلط بالمستحل الا ان يحمل التقييد على انه ارشاد لما في الخارج من ان الذي يشتري الميتة هو المستحل، وقلنا: إنّه خلاف الظاهر، فمقتضى مفهوم هذا القيد وقوع التعارض بين الروايات المجوزة ومثل هذه الرواية، اما إذا قدمنا الروايات المانعة بدعوى ان الروايات المانعة موافقة للكتاب كما ذكر بعض أساتذتنا حيث افاد إن قوله «حُرّمت عليكم الميتة..» ظاهر في اطلاق التحريم، أي ان جميع التقلبات في الميتة والدم أمر محرم ومنها بيعه والانتفاع به لا أن الآية ناظرة لخصوص الأثر البارز وهو الاكل فمقتضى اطلاق الآية كون اطلاقها مرجحا للطائفة المانعة على المجوزة على فرض التعارض والتساقط بين المانعة والمجوزة فالمرجع هو عموم الآية وهو قوله «حرمت عليكم الميتة» وحينئذٍ فتعتبر صحيحة الحلبي الدالة على جواز بيع المختلط بالميتة للمستحل مخصصاً فإنّ عندنا روايات مطلقة أو آية مطلقة تدل على حرمة بيع الميتة خرجنا عن هذا الاطلاق في فرض الاختلاط من حيث بيعها لخصوص المستحل فيقيد المطلقات بمثل صحيحة الحلبي ولا محذور حينئذٍ في العمل بها ما دامت نسبتها نسبة المقيد للمطلق، ونقول بأن مفادها الحلية الواقعي لا الحلية الظاهرية كما هو ظاهرها.

ولكن الكلام في المطلب الاخير من البحث حول الرواية: وهي أنّه هل يصح الاستدلال بصحيحة الحلبي على منجزية العلم الاجمالي مطلقا أم لا؟!، الذي هو محل بحثنا فربما يشكل على الاستدلال بها على منجزية العلم الاجمالي مطلقا بوجهين:

الوجه الاول: إنّ مفاد صحيحة الحلبي حيث سأله عن بيع المختلط قال يبيعه ممن يستحل الميتة ويأكل ثمنه، مفادها هو بيع المختلط على المستحل وهذا لا يستفاد منه حرمة بيع أي منهما فإن الممنوع من بيعه لغير المستحل المختلط بما هو مختلط حيث إنَّ بيعه هو بيع للميتة التي في مضنه فمحط المنع من الرواية المستفاد من المفهوم، حيث إنَّ منطوق الرواية هو جواز بيع المختلط للمستحل والمفهوم المنع من بيع المختلط للمستحل فغاية المفهوم حرمة بيع المختلط بما هو مختلط لا بيع أي منهما منفصلا عن الآخر، فإن الرواية لا تدل على منعه، فغاية مفادها منجزية العلم الاجمالي لحرمة المخالفة القطعية لا لوجوب الموافقة القطعية وبالتالي لا يمكن الاستدلال بها على المنجزية مطلقا. والاشكال الثاني: اننا لو سلمنا دلالة الرواية على منجزية العلم الاجمالي حتّى من حيث وجوب الموافقة القطعية الا اننا نحتمل ان للميتة خصوصية وهو ما دلّ على التغليظ في بيع الميتة حيث ورد لا ينتفع منها بإهاب ولا عصب وان ثمنها سحت فعل للحرمة المؤكدة للميتة خصوصية، وبالتالي راعى الشارع للعلم الاجمالي للميتة فمنع من بيع المختلط منها لغير المستحل، وهذا لا يعني منجزية العلم الاجمالي في بقية الموارد كما لو علم بنجاسة احد الإنائين. فتحصل انه لا يجوز الاستدلال بصحيحة الحلبي على منجزية العلم الاجمالي مطلقا.

رد الرد على الكل إعادة توجيه

والحمدُ لله ربِّ العالمين