الدرس 97

الخلل الواقع في الصلاة

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلّى الله على سيّدنا محمد وآله الطاهرين

الجهة الثالثة: في حكم من علم بانحرافه عن القبلة أثناء الصلاة. وفي هذه الجهة مطلبان:

المطلب الاول: ما إذا علم بانحرافه والوقت باق وقد أفاد جمع من الاعلام منهم السيد الخوئي والسيد الامام: أنّ مقتضى موثق عمار «في رجل صلى على غير القبلة فيعلم وهو في الصلاة قبل ان يفرغ من صلاته قال ان كان متوجها فيما بين المشرق والمغرب فليحول وجهه الى القبلة ساعة يعلم، وإن كان متوجها الى دبر القبلة فليقطع الصلاة ثم يحول وجهه الى القبلة ثم يفتتح الصلاة».

وظاهرها: إنّه إن كان الانحراف الى ما بين المشرق والمغرب صحت الاجزاء الماضية من الصلاة كما إن المراد بدبر القبلة كون الانحراف أكثر من المشرق والمغرب سواء كان مستقبلا للقبلة أم لم يكن بمقتضى قرينة المقابلة. أفاد سيدنا: أنّه قد يقال مقتضى خبر القاسم بن الوليد «سالته عن رجل تبين وهو في الصلاة إنّه على غير القبلة قال يستقبلها إذا ثبت ذلك وان كان فرغ منها فلا يعيدها»، قد يقال أنّ مقتضى إطلاقه بطلان صلاة من انكشف له الانحراف أثناء الصلاة سواء كان الانحراف ما بين اليمين واليسار أم أكثر من ذلك ولكن لا يمكن الاستدلال بهذه الرواية على بطلان صلاة من انكشف له انه ما بين اليمين واليسار أولاً لضعف سندها بالقاسم بن الوليد فلا توثيق له، وأنها مطلقة وقد فصلت موثقة عمار بين كون الانحراف ما بين اليمين واليسار أو أكثر من ذلك يحمل المطلق على المقيد.

وثالثاً: ما ذكره سيدنا «أنّ المنافاة مبنيّة على إرجاع الضمير في «يستقبلها» إلى الصلاة، أي يستفتح الصلاة إلى القبلة ويستأنفها فيدل حينئذ على البطلان، لكنّه خلاف الظاهر، بل مقتضى عود الضمير إلى الأقرب إرجاعه إلى القبلة، أي يتوجه حينئذ إلى القبلة ويتم الصلاة، فيوافق الموثق حينئذ، غايته تقييد الإطلاق بما إذا كان الانحراف ما بين المشرق والمغرب بقرينة التصريح به في الموثق. فالخبر لولا ضعف سنده معاضد للموثق لا معارض له كما لا يخفى». ولكن، قد يقال تعقيب ذلك بالحديث عن الصلاة، حيث قال «سيستقبلها إذا ثبت ذلك وان كان فرغ منها فلا يعيدها» فإنّ تعقيب ذلك بهذه الجمل التي تعود ضميرها الى الصلاة مانع من استظهار عود الضمير الى القبلة، بل مقتضى قرينية السياق عود الضمير الى الصلاة نفسها. وعلى فرض عدم ظهور الرواية في أي منهما فهي بصالح من ينكر صحّة الاستدلال بالراوية.

المطلب الثاني: ثم إنّه لو التفت في الأثناء إلى استدباره أو انحرافه إلى نقطتي المشرق والمغرب لا إشكال حينئذ في البطلان ولزوم استئناف الصلاة بمقتضى الموثق المتقدم مع سعة الوقت لذلك، وأما لو لم يسع للإعادة كما لو التفت إلى استدباره وهو في التشهد الأخير من صلاة العصر مثلًا، وكان الوقت ضيقاً بحيث لو أراد الاستئناف لم يدرك الوقت حتى بمقدار ركعة فهل الصلاة حينئذ محكومة بالصحة فيتمها مستقبلًا، أو أنها باطلة فيقضيها خارج الوقت؟ وجهان: اختار أولهما المحقق الهمداني «قده» وجماعة، بل ذكر «قده» أنّه لو لم يتمكن من الاستقامة ورعاية الاستقبال في بقية الصلاة لمانع خارجي فاضطر إلى إيقاع الصلاة بتمامها مستدبراً صحت، وسقط اشتراط الاستقبال، فضلًا عن مثل المقام الذي يتمكن فيه من رعايته في بقية الأجزاء فيستعدل ويتم مستقبلًا. ودليله «قده» مركب من مقدمتين:

المقدمة الاولى: إذا ضاق الوقت فإن شرطية الاستقبال ساقطة لوجهين:

الوجه الاول: أنّ نفس دليل استقبال القبلة قاصر لفرض الشمول لفرض الاضطرار الى غير القبلة فهو منصرف عن فرض عدم القدرة على الاستقبال. أو إذا قلنا انه الدليل مجرد ارشاد الى شرطية القبلة وليس أمراً مولويا كي ينصرف عن فرض القدرة ولكن عندنا مجموعة من الروايات يستفاد من مجموعها عدم شمول الشرطية لفرض الاضطرار: الصنف الاول: ما ورد في صلاة المريض مضطجعا: «مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى عَنْ حَرِيزٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع عَنِ الرَّجُلِ والْمَرْأَةِ يَذْهَبُ بَصَرُهُ فَيَأْتِيهِ الْأَطِبَّاءُ فَيَقُولُونَ نُدَاوِيكَ شَهْراً أَوْ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً مُسْتَلْقِياً كَذَلِكَ يُصَلِّي فَرَخَّصَ فِي ذَلِكَ وقَالَ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بٰاغٍ ولٰا عٰادٍ فَلٰا إِثْمَ عَلَيْهِ‌. فإنّ مقتضى الصلاة مضطجعا أن لا يتمكن من استقبال القبلة وبالتالي فمفاد الرواية سقوط شرطية الاستقبال بهذا المقدار مراعاة لاضطراره. الصنف الثاني: من يصلي على الدابة في يوم مطير: «عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ فَضَّالٍ عَنْ ظَرِيفِ بْنِ نَاصِحٍ عَنْ مُصَبِّحٍ عَنْ مَنْدَلِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع يَقُولُ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ ص عَلَى رَاحِلَتِهِ الْفَرِيضَةَ فِي يَوْمٍ مَطِيرٍ‌. وعن سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ جَمِيلِ بْنِ دَرَّاجٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ ص الْفَرِيضَةَ فِي الْمَحْمِلِ فِي يَوْمِ وَحَلٍ ومَطَرٍ» ‌. فيقال: أن مقتضى العادة إنّ الدابة إذا سارت في وحل ومطر أنّ الدابة لا تنضبط في جهة فتنحرف للقبلة، ومع ذلك لم تتعرض الرواية الى أنّ النبي كان يوجه نفسه كلما انحرفت الدابة عن القبلة، فمقتضى الإطلاق المقامي عدم مراعاة القبلة بهذا الحد في فرض الاضطرار. الصنف الثالث: ما ورد في صلاة الخوف: «مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنِ الْعَمْرَكِيِّ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَخِيهِ أَبِي الْحَسَنِ ع قَالَ سَأَلْتُهُ عَنِ الرَّجُلِ يَلْقَى السَّبُعَ وقَدْ حَضَرَتِ الصَّلَاةُ ولَا يَسْتَطِيعُ الْمَشْيَ مَخَافَةَ السَّبُعِ فإنّ قَامَ يُصَلِّي خَافَ فِي رُكُوعِهِ وسُجُودِهِ السَّبُعَ والسَّبُعُ أَمَامَهُ عَلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ فإن تَوَجَّهَ إِلَى الْقِبْلَةِ خَافَ أَنْ يَثِبَ عَلَيْهِ الْأَسَدُ كَيْفَ يَصْنَعُ قَالَ فَقَالَ يَسْتَقْبِلُ الْأَسَدَ ويُصَلِّي ويُومِئُ بِرَأْسِهِ إِيمَاءً وهُوَ قَائِمٌ وإِنْ كَانَ الْأَسَدُ عَلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ‌. «وعن عَلِيٌّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع فِي الرَّجُلِ يَكُونُ فِي السَّفِينَةِ فَلَا يَدْرِي أَيْنَ الْقِبْلَةُ قَالَ يَتَحَرَّى فإن لَمْ يَدْرِ صَلَّى نَحْوَ رَأْسِهَا».

فالمتحصل: أن دليل شرطية الاستقبال لا شمول فيه لفرض الاضطرار وإنّما الكلام في الصغرى ان من ضاق الوقت عليه هل ذلك من صغريات الاضطرار ام لا.

الوجه الثاني، للمحقق الهمداني: قال أنّ الأمر حينئذ دائر بين رعاية الوقت أو الاستقبال، ولا ريب أنّ الأول أولى، لوجيهن: الوجه الاول: إذا استبان أنك على غير القبلة وأنت في وقت فأعد وإن فاتك الوقت فلا تعد؛ فإن المدلول الالتزامي أنّه إنما يلزمك مراعاة القبلة بإعادة الصلاة إذا لم يفتك الوقت وأما إذا فاتك الوقت فلا يلزمك. إذاً فدلالة هذه الصحيحة بالمطابقة على أنّه إن تبين له الانحراف أثناء الوقت أعاد وإن تبين بعد الوقت لم يعد، والمدلول الالتزامي له إنّ الوقت مقدم، ولذلك قال: إن لم تتمكن من مراعاة القبلة إلّا بفوت الوقت فلا يلزمك الاعادة. وإذا لم يتم هذا المدلول الالتزامي؛ فالوجه الثاني: ما دلَّ على أنّ الصلاة لا تسقط بحال، فالمدار على الوقت والاخلال بسائر الشرائط عن عذر لا يسقط الصلاة، أي لا يسقط الصلاة في الوقت بلحاظ الامر الادائي. فتبين بذلك أنّ المكلف إذا دار أمر بين مراعاة القبلة والوقت فهو من مصاديق المضطر لترك الاستقبال. المقدمة الثانية ان من التفت اثناء الصلاة الى أنّه منحرف عن القبلة إلى أكثر ما بين اليمين واليسار فبالنسبة لما مضى من صلاته فصلاته صحيحة لأنّه مضطر لعدم الاستقبال لما مضى حيث إنه لو أراد الاعادة لخرج الوقت، فالأجزاء الماضية تصح لسقوط شرطية الاستقبال لكونه مضطرا إما الباقية فإن أمكنه الاستقبال وإلّا فالنكتة واحدة.

ولكن سيدنا علق على كلام المحقق الهمداني بعدة ملاحظات:

الملاحظة الاولى: إنّ موثق عمار المتضمن للأمر بالقطع الراجع إلى فساد الأجزاء السابقة وعدم صلاحيتها لانضمام اللاحقة بها غير قاصر الشمول للفرض.

فإن قلت: بأن موثقة عمار منصرفة عن فرض ضيق الوقت؛ والسر في الانصراف قوله «بعد ذلك فليقطع الصلاة ثم يحول وجهه الى القبلة ثم يفتتح الصلاة فإنّ الأمر بافتتاح الصلاة إنّما يتصور في فرض سعة الوقت وإلّا فإن كان الوقت ضيقا وقد خرج الوقت فلا معنى لأن يقال له ثم يفتتح الصلاة، فلأجل أن قوله «فليقطع الصلاة» متعقب بقوله «يفتتح الصلاة» كان مقتضى السياق انصراف الرواية عن الصلاة في سعة الوقت. ولكن في هذه الفقرة يوجد فيها ثلاثة احتمالات:

الاحتمال الاول: أن يكون قوله «فليقطع الصلاة» مجرد استطراق الى قوله «يفتتح الصلاة» فلا موضوعية لقوله «فليقطع الصلاة» فكأنه قال من البداية إذا انكشف انه مستدبر استأنف الصلاة وبما ان الامر بالاستئناف منصرف الى سعة الوقت كان موجبا لانصراف الرواية عن ذلك، وهذا ما يبنى عليه كلام المحقق الهمداني.

الاحتمال الثاني: ما ذكره سيدنا من ان الرواية قد تضمّنت حكمين: وجوب القطع ولزوم التوجه إلى القبلة وافتتاح الصلاة. والحكم الثاني وإن سلّم انصرافه عن مثل فرض ضيق الوقت، لكن لا مقتضي لرفع اليد عن إطلاق الامر الاول وبمقتضاه يحكم بالفساد كما عرفت.

والمحتمل الثالث: وهو أن يقال: أنّ كليهما ارشاد لا انه أمر مولوي كي يدعى انصرافه الى سعة الوقت فهو يريد أن يقول أنه من تبين انه استدبر الصلاة فصلاته باطلة وهذا المفاد من الواضح عدم الفرق فيه بني سعة الوقت وضيقه، وعليه يتم كلام سيدنا مقابل ما فاده المحقق الهمداني.

والحمدُ لله ربِّ العالمين.