منجزية العلم الإجمالي

الدرس 97

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلّى الله على سيّدنا محمد وآله الطاهرين

من الروايات التي استدل بها على منجزية العلم الاجمالي معتبرة صفوان:

روى صفوان بن يحيى عن أبي الحسن قال: «كتبت إليه‌ أسأله عن رجل كان معه ثوبان أصاب أحدهما بول ولم يدر أيهما هو وحضرت الصلاة وخاف فوتها وليس عنده ماء كيف يصنع؟ قال: «يصلي فيهما جميعا»». وظاهر الرواية: أنّ وظيفته تكرار الصلاة مع كل من الثوبين وهذا واضح الدلالة على منجزية العلم الاجمالي لوجوب الموافقة القطعية ولكن الاشكال ان هذا من العلم الإجمالي في مقام الامتثال لا في مقام الجعل حيث علم المكلف تفصيلا بوجوب الصلاة مع الطهارة الخبثية للساتر ومقتضى الاشتغال اليقيني الفراغ اليقيني، فلعله لأجل ذلك أمر الامام بالصلاة في الثوبين لا لأنّ العلم الاجمالي مطلقا منجز للموافقة القطعية. والرواية الثانية ما ورد في جريان القرعة في الغنم الموطوءة:

«عَنْهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنِ الرَّجُلِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ نَظَرَ إلى رَاعٍ نَزَا عَلَى شَاةٍ قَالَ إِنْ عَرَفَهَا ذَبَحَهَا وأَحْرَقَهَا وإِنْ لَمْ يَعْرِفْهَا قَسَمَهَا نِصْفَيْنِ أَبَداً حَتَّى يَقَعَ السَّهْمُ بِهَا فَتُذْبَحُ وتُحْرَقُ وقَدْ نَجَتْ سَائِرُهَا‌». وقد وقع الكلام في هذه الرواية سندا ودلالة، فهنا جهتان:

الجهة الاولى: جهة السند؛ حيث إنَّ الشيخ الطوسي في التهذيب روى هذه الرواية بطريق معتبر إلى محمد بن عيسى، ولكن قال: «عن محمد بن عيسى عن الرجل سالته عن رجل... الخ». وهنا ذكر الشهيد الثاني في المسالك: إنّ هذه الرواية لا تخلو من ضعف أو ارسال اما الضعف فلاشتراك محمد بن عيسى بين الاشعري واليقطيني، واليقطيني لم تثبت وثاقته، واما الارسال فإن كان المراد بالرجل هو الكاظم فمن الواضح أنّ الاشعري واليقطيني لم يدركاه، فلابّد من سقوط واسطة بينهما، واما ان اريد به من تأخر أي الجواد أو الهادي أو العسكري ، فالرواية مقطوعة حيث لم يصرح بالمروي عنه أو المسؤول، وبالتالي فإن قامت الشهرة فالجابر لضعفها عمل المشهور، وهذا ما صرح به صاحب الجواهر «قده» من ان الرواية منجبرة بعمل الاصحاب. لكن صاحب البحار المجلسي أفاد: بأن الظاهر من مقتضى القرائن ان الراوي هو اليقطيني: الا انه ثقة، ولم يُقم دليلا واضحا على وثاقته، قال واما المسؤول فبملاحظة الطبقات يعرف انه ليس الإمام الكاظم بل اما الجواد أو الهادي أو العسكري الا ان هذا لا يرفع كون الرواية مقطوعة ما لم تتم رواية تحف العقول التي صرحت ان المسؤول هو الهادي وحيث انها لم تتم سندا ومن المحتمل ان يكون المسؤول احد اصحاب الائمة ، فما دام هذا الاحتمال واردا يبقى احتمال المقطوعية في الراوي قائما.

اما من ناحية الدلالة فإن في الرواية محتملات أربعة:

المحتمل الاول: أن يقال ان مفاد الرواية منجزية العلم الاجمالي لوجوب الموافقة القطعية لظهور الرواية في انه ليس للمكلف أكل أيّ شاة من هذا القطيع ما لم يجري القرعة فالمنع من تناول أي شاة شاهد على منجزية العلم الاجمالي لوجوب الموافقة القطعية. ولكن هذا المحتمل محل تأمل والسر في ذلك انه لعل منشأ عدم جواز التناول الا بعد اجراء القرعة لخصوصية في المورد لا لان العلم الاجمالي منجز فمن المحتمل ان مثل هذا المورد مما يمكن تعيين الواقع فيه تعيينا تعبدياً وذلك عن طريق القرعة بما ان الشارع مهتم بهذا الواقع المجهول ويمكن تعيينه بواسطة القرعة وان كان تعبدياً لا وجدانيا ولذلك الزم بعدم تناول أي طرف من أطراف العلم الاجمالي الا بعد اجراء القرعة لا لان العلم الإجمالي منجز في كل شبهة محصورة بل لان هذا الواقع في مورد الرواية محل اهتمام الشارع وحيث يمكن تعيينه تعبدا الزم بإجراء القرعة قبل التناول.

المحتمل الثاني: كما عن المجلسي: أن مورد الرواية جريان القرعة في مورد العلم الاجمالي، وان العلم الاجمالي منجز تعبدا بالقرعة فكأن الشارع جعل منجزية للعلم الاجمالي ولكن عن طريق القرعة. وهذا المحتمل محل تأمل لانّ الملاكات للاحكام الشرعية على ثلاث درجات فبعضها في غاية الاهمية ومقتضى اهميته كموارد الدماء والاعراض هو مراعاة العلم الاجمالي بالموافقة القطعية.

والقسم الثاني: من الملاكات ما كان وسطاً فلا هو بدرجة ما يلزم موافقته القطعية ولا هو بدرجة ما يكتفى بالموافقة الاحتمالية فيه مثل مورد اشتباه الاموال والحقوق كما لو اشتبه مال زيد بمال بكر أو حق عمرو بحق خالد ففي موارد اشتباه الاموال أو الحقوق ووقع التنازع فيها أو عدمه يكون هذا المورد من الملاكات التي راعاها الشارع ولكن لا بحد لزوم الموافقة القطعية فأجرى القرعة في هذه الموارد تحفظا على مقدار من الواقع، ولذلك فإن موارد تطبيق روايات القرعة لمن لاحظها كلها جارية في موارد تحديد الاموال أو الحقوق المجهول فلعل للأموال والحقوق المجهولة رتبة متوسطة من الملاك.

القسم الثالث: التي نحتمل فيها ان لا يراعيها الشارع حتّى بهذا المقدار وانه يكتفي في مواردها بالموافقة الاحتمالية كمسالة الطهارة والنجاسة وبالتالي فمجرد امر الشارع بإجراء القرعة في محل الكلام كما لا يكشف عن منجزية العلم الاجمالي فانه لا يكشف عن ان الوظيفة في موارد العلم الاجمالي المنجزية التعبدية عن طريق القرعة بل لعل لان هذا النوع من الواقع المجهول هو من القسم الوسط فراعاه الشارع عن طريق القرعة ولعل العلم الاجمالي في موارد اخر لا يكون منجزا اصلا ويكتفي فيه بالموافقة الاحتمالية.

المحتمل الثالث: ان مفاد الرواية الاكتفاء بالموافقة الاحتمالية والقرعة صغرى ومصداق من مصاديق الموافقة الاحتمالية فكان الرواية تقول العلم الإجمالي بحكم الزامي ليس منجزا ويكفي في مراعاته الموافقة الاحتمالية والقرعة من موارد الموافقة الاحتمالية هذا في الشبهات الموضوعية كاشتباه اللحم بين حرام وحلال أو الثوب ما بين طاهر ونجس لا في الحكمية لقيام المرتكز على عدم جريان القرعة في الشبهات الحكمية وان كان دليلها مطلقا كقوله كل مجهول ففيه القرعة.

ولكن هذا المحتمل محل تأمل، وهو ان يدعى ان الوظيفة في موارد العلم الاجمالي الاكتفاء بالموافقة الاحتمالية وان القرعة من صغرياته، وذلك لان ظاهر الرواية تعين العمل بالقرعة وإن لا طريق لحل المشكلة في موردها الا عن طريق القرعة وبالتالي فلإجراء القرعة في هذا المورد خصوصية فلعل العلم الاجمالي في مورد اخر منجز لوجوب الموافقة القطعية أو ليس منجزا وتكفي الموافقة الاحتمالية باي نحو ولكن لهذا المورد خصوصية وهو كونه من موارد الحقوق والاموال المشتبهة ولذلك عين الشارع علاجه عن طريق القرعة.

المحتمل الرابع: وهو مؤلف من مقدمات:

المقدمة الاولى: أنّ مقتضى دليل لا ضرر جريانه حتّى في موارد العلم الاجمالي إذا كانت موافقته القطعية مستلزمة للضرر فحيث ان في اجتناب سائر الشياه ضررا على مالك الشياه فلأجل ذلك كان مقتضى لا ضرر عدم وجوب الاحتياط شرعا في سائر أطراف العلم الاجمالي فلا ضرر كما ترفع الحكم الضرري ترفع الامتثال الضرري اي لو كان في احراز موافقة المعلوم بالإجمال ضرر لكان مقتضى لا ضرر عدم وجوب الاحتياط أو ترخيص الشارع في عدم لزوم الموافقة القطعية.

المقدمة الثانية: أن لا ضرر إنّما ترفع منجزية العلم الاجمالي بمقدار الضرر أي لا أنّها تبيح المخالفة القطعية ولأن أنّها تبيح الاكتفاء بالموافقة الاحتمالية بل ترفع منجزية العلم الاجمالي بمقدار الضرورة أي بمقدار ما يرتفع به الضرر فلأجل ذلك قلنا ان العلم الاجمالي بشاة موطوءة مراعى الا بمقدار ما تكون مراعاته مستلزمة للضرر فمقتضى لا ضرر ارتفاع لزوم المراعاة ولذلك ينفتح المجال بانه ان كانت موافقة قطعية كانت ضررا وان كانت احتمالية فهذا خلاف المعلوم بالإجمال فلابد من درجة وسطة بين الموافقة القطعية والاكتفاء بالموافقة الاحتمالية فجاءت الحاجة إلى اجراء امارة أو أصل محرز معين لذلك المعلوم بالإجمال لذلك الطرف، ولذا اتينا إلى ان مقتضى جريان القرعة باعتبار ان لها جهة حكائية للواقع وهي وظيفة عملية فهي جامعة بين ملاك الامارية والاصل العلمي، فلأجل ذلك يكون جريان القرعة في موارد الاشتباه محرزا ومعينا للمعلوم بالإجمال في مورد وهذا النوع من التعيين حد وسط بين لزوم الموافقة القطعية والاكتفاء بالموافقة الاحتمالية فلأجل ذلك نقول العلم الاجمالي منجز غاية ما في الباب لما كانت موافقته القطعية ضررا في المقام راعى الشارع حد الوسط في مجال موافقته.

والحمدُ لله ربِّ العالمين