الدرس 98

منجزية العلم الإجمالي

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلّى الله على سيّدنا محمد وآله الطاهرين

سبق وان قلنا: بأنّ مجرد احتمال أن الأصل هو منجزية العلم الإجمالي وأنّه في هذا المورد إنّما لم يلزم الإمام بالموافقة القطعية لأجل حديث لا ضرر وأنّ الملحوظ مرتبة وسط بين الموافقة القطعية والموافقة الاحتمالية المتحققة بالأخذ بالقرعة. ولكن هذا مجرد احتمال، وفي مقابله احتمال عدم مراعاة الشارع للزوم الموافقة القطعية ما دام يوجد إمارة تعبدية معينة للمعلوم في أحد الطرفين أو أصل محرز معين للمعلوم في أحد الطرفين. ومن الروايات التي استدل بها على منجزية العلم الاجمالي ما ورد في تحليل الخمس المختلط وبيانه ان الروايات الواردة في التحليل على صنفين:

الصنف الاول: ما كان نظره إلى الخمس المختلط بمال المكلف ومن هذا الصنف معتبرة يونس بن يعقوب قال: «كنت عند أبي عبد اللّه إذ دخل عليه رجل من القمّاطين، فقال: جعلت فداك تقع في أيدينا الأموال والأرباح وتجارات نعرف أنّ حقّك فيها ثابت، وأنّا عن ذلك مقصّرون فقال أبو عبد اللّه : ما أنصفناكم إن كلّفناكم ذلك اليوم». وأيضاً رواية الحارث بن المغيرة: «سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ عَنْ أَبِي عُمَارَةَ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ الْمُغِيرَةِ النَّصْرِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قُلْتُ لَهُ إِنَّ لَنَا أَمْوَالًا مِنْ غَلَّاتٍ وتِجَارَاتٍ ونَحْوِ ذَلِكَ وقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ لَكَ فِيهَا حَقّاً قَالَ فَلِمَ أَحْلَلْنَا إذا لِشِيعَتِنَا إِلَّا لِتَطِيبَ وِلَادَتُهُمْ وكُلُّ مَنْ وَالَى آبَائِي فَهُمْ فِي حِلٍّ مِمَّا فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ حَقِّنَا فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ».

وتقريب الاستدلال بهذا الصنف من الروايات: أن ظاهر سياقها عدم جواز التصرف بالمال المختلط بالخمس ما لم يقع تحليل من صاحب المال نفسه ومقتضى ذلك منجزية العلم الاجمالي بوجود الخمس في المال وان مقتضاه حرمة التصرف ما لم يحصل تحليل من مالك الخمس فقد يستدل بهذه الروايات على منجزية العلم الإجمالي لوجوب الموافقة القطعية. ولكن المبعد لذلك، أنّ هناك ارتكاز عقلائياً مع غمض النظر عن تصرف الشارع هو أنّ المال المختلط بمال الغير لا يتصرف فيه سواء تمت منجزية العلم الإجمالي أو لا فهذه مسالة مسلمة لدى العقلاء.

فلأجل الخصوصية في هذا المورد: يحتمل أن النصوص قالت المال المشتمل على الخمس لا يحل التصرف فيه إلّا لمن احللناه له، وبالتالي لا مجال لدعوى دلالة الرواية على كبرى منجزية العلم الاجمالي، نعم لدى المرتكز تفريق بين أن يكون مال الغير عينا أو يكون نقداً فإن كان عينا كشاة من الشياه منع من التصرف. وكذا إن كان نقدا ممتازا عن البقية، وأما إذا كان متحدا نوعا مع المال المختلط به، فإن ارتكازهم قائم على ضمان مقدار المال لا تجنب مقدار المال ما لم يقع تحليل من صاحب المال.

الصنف الثاني: ما إذا كان الخمس منبثاً في اموال الناس جميعاً لا انه موجود بالفعل في مال المكلف، ومن هذا الصنف صحيحة الفضلاء:

عَنْ زُرَارَةَ ومُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ وأَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ قَالَ: قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ : «هَلَكَ النَّاسُ فِي بُطُونِهِمْ وفُرُوجِهِمْ لِأَنَّهُمْ لَا يُؤَدُّونَ إِلَيْنَا حَقَّنَا أَلَا وإِنَّ شِيعَتَنَا مِنْ ذَلِكَ وأَبْنَاءَهُمْ فِي حِلٍّ».

وكذلك: عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ ضُرَيْسٍ الْكُنَاسِيِّ قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : «مِنْ أَيْنَ دَخَلَ عَلَى النَّاسِ الزِّنَا قُلْتُ لَا أَدْرِي جُعِلْتُ فِدَاكَ قَالَ مِنْ قِبَلِ خُمُسِنَا أَهْلَ الْبَيْتِ إِلَّا شِيعَتَنَا الْأَطْيَبِينَ فَإِنَّهُ مُحَلَّلٌ لَهُمْ لِمِيلَادِهِمْ».

وتقريب الاستدلال بهذا الصنف: أنّ وجود الخمس هو الذي اوجب الحرمة التكليفية التي عبر عنها بهلك الناس أو الوضعية التي عبر عنها من اين دخل على الناس الزنا وظاهره: إنّ العلم الاجمالي بوجود الخمس في اموال الناس هو حرمة التصرف تكليفا ووضعا. ولكن في مقابل ذلك يذكر إشكالان مانعان من التمسك بالكبرى: الإشكال الاول: أنّ ظاهر هذه الروايات انها عامة للشبهة غير المحصورة والمحصورة التي خرج اطرافها أو بعضه عن محل الابتلاء لأنّها ناظرة للخمس الموجود في أموال الناس عموما والقدر المتيقن أو الفرض المتعارف لهذه الشبهة إن تكون غير محصورة أو خرج بعض اطرافها عن محل الابتلاء، وبالتالي إخراج الشبهة بهذا النحو عن عموم هذه الروايات مستهجن لأنّه هو الفرد المتعارف، وإن كانت المحصورة متعارفة أيضاً إلّا أن إخراج غير المحصورة أو التي خرج بعض اطرافها عن محل الابتلاء مستهجن.

وهذا منبه على أن هناك خصوصية في هذه الروايات لا لأجل منجزية العلم الاجمالي على نحو الكبرى فمن المرتكزات الواضحة عدم منجزية العلم الاجمالي في فرض كون الشبهة غير محصورة فهذا منبه على ان في هذه الروايات خصوصية لا انه ارشاد إلى منجزية العلم الاجمالي، خصوصا بعد قيام الروايات الخاصة على جريان امارية اليد في فرض وجود العلم الاجمالي بوجود مال محرم كروايات جائزة السلطان وموردها العلم الاجمالي بوجود مال محرم اما في المال الذي اخذه المكلف أو المال الذي تحت يد السلطان فمع وجود علم اجمالي اجرى الإمام امارية اليد لإثبات ان ما يقبض المكلف من السلطان ملك للسلطان فللمكلف ان يتصرف به تكليفا ووضعا فمع وجود هذه الروايات في فرض العلم بالغصب أو العلم بوجود مال حرام فلا معنى حينئذٍ لان يكون هناك علم اجمالي منجز بوجود مال للإمام في اموال الناس على نحو الشبهة غير المحصورة أو المحصورة التي خرج بعض اطرافها عن محل الابتلاء، فهذا منبه اخر على ان في مورد هذه الروايات خصوصية لا انها من باب المصداق لمنجزية العلم الاجمالي ولو في النجاسات أو الميتة. والاشكال على هذه الروايات: إنّ ظاهرها ان منشأ الحلية هو التحليل بحيث لولاه لوقع الناس في المحذور وهذا لا يناسب منجزية العلم الاجمالي فانه مقتضى منجزيته ان انحلاله باي جريان لأمارة أو أصل شرعي فإذا أحد الطرفين بلا معارض.

والمتلخص من ذلك: أنّ لخمس اهل البيت خصوصية اي ان للعمل اجمالي لوجود الخمس في المال خصوصية لا لأجل كبرى منجزية العلم الاجمالي كما ورد في بعض الروايات: «ما أيسر ما يدخل به العبد النار من أكل من مال اليتيم درهما ونحن اليتيم يا ابا بصير».

المورد الاخير: ما ورد في اشتباه المال بين مالكين وهي عدة روايات منها موثقة السكوني: رَوَى السَّكُونِيُّ عَنِ الصَّادِقِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ آبَائِهِ فِي رَجُلٍ اسْتَوْدَعَ رَجُلًا دِينَارَيْنِ واسْتَوْدَعَهُ آخَرُ دِينَاراً فَضَاعَ دِينَارٌ مِنْهُمَا قَالَ يُعْطِي صَاحِبَ الدِّينَارَيْنِ دِينَاراً ويَقْتَسِمَانِ الدِّينَارَ الْبَاقِيَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ». فيكون لصاحب الدينارين دينار ونصف ولصاحب الدينار نصف دينار فقد يستدل بها على منجزية العلم الاجمالي وأنّه لولا منجزيته لوجوب الموافقة القطعية لما ألزم بتنصيف الدينار الباقي بينهما لأجل احراز وصول بعض المال لمالكه فتكون هذه الرواية وأمثالها دليلا على منجزية العلم الإجمالي.

ولكن في مقابل هذا التقريب يقال بأنه هنا إشكالان: الإشكال الأول: بأنّ منجزية العلم الإجمالي في فرض تعّين الامتثال بطرف مما لا كلام فيه لدى أحد وإنّما البحث في منجزية العلم الاجمالي في فرض تعدد أطراف الامتثال مثلاً لو علم اجمالا بنجاسة أحد الإنائين فإن أطراف الامتثال متعددة ولا تتحقق الموافقة القطعية الا بتركهما أو فيما لو علم اجمالا اما بوجوب الجمعة والظهر فهنا لا يحرز الامتثال حتّى يأتي بالفريضتين، أما إذا علم أنّ هذا الإناء إمّا خمر أو نجس فالأطراف ليست متعددة فلا محالة يتعين امتثال هذا العلم الاجمالي باجتناب هذا الإناء ففي مثل هذا الفرض إذا تعين امتثال العلم الاجمالي في طرف ولم يتعدد فلا كلام في المنجزية، كذلك في مورد الرواية حيث بقي درهم فتعين الإمتثال بهذا الدرهم ولا يوجد طرف ثالث، فإنه إمّا أن يسلم لهذا أو ينصف فلا يقاس عليه بقية موارد العلم الاجمالي التي يتعدد فيها أطراف الامتثال فهذا هو القدر المتيقن من منجزية العلم اجمالي فلا يقاس عليه بقية الموارد.

الاشكال الثاني: على الاستدلال بهذه الرواية أنّه بحسب المرتكز العقلائي أنّ الطريقة للتحرز من مخالفة المعلوم بالإجمال هي إحدى ثلاثة: إمّا أن تجب الموافقة القطعية ولو بضمان دينار آخر بأن يسلم لكل منهما ديناراً فيضمن دينارا من عنده، ومقتضى لا ضرر عدم ثبوت الضمان عليه فالمفروض انه ليس متعديا ولا مفرط، وإمّا أن تجري القرعة لتعيين مالك المال ولا مجال لجريانها مع وجود طريق شرعي أو عقلائي لتحديد الوظيفة أو ينصف المال وهو ما يعبر عنه بمقتضى قاعدة العدل والانصاف. وبهذا تتحقق موافقة قطيعة للمعلوم بالإجمال بإيصال بعض المال إلى مالكه، وبالتالي حيث يوجد في مورد الروايات طريق لتحقيق الموافقة القطعية بالارتكاز العقلائي فلا يتعدى لكل مورد يكون المكلف حائرا في كيفية مراعاة المعلوم بالاجمال.

فإن قلت: إنّ ظاهر الرواية بأنّ الموافقة القطعية لازمة وإن حصلت مخالفة قطعية لأنّه إذا نصف الدرهم قطع بانه خالف الواقع لأنّه يقطع بأنه أوصل نصف درهم لغير مالكه جزما فكيف تكون الراوية دالة على منجزية العلم الاجمالي لوجوب الموافقة القطعية وهي دالة على جواز المخالفة القطعية. والجواب: إنّ تجويز الرواية التصرف في بعض الدرهم بإيصاله لبعض مالكه لا لأجل تجويز المخالفة القطعية بل لتوقف إيصال المال إلى مالكه على إتلاف بعضه ولا مشكل في ذلك عند المرتكز فهذا لا يتنافى مع منجزية العلم الاجمالي.

فالمتحصل من مجموع الروايات: أنّه لم تقم عندنا رواية شاهدة على منجزية العلم الاجمالي مطلقا وفي سائر الموارد من دون مراعاة للخصوصية الا موثقة سماعة في المائين المشتبهين وما ورد في الثوبين المشتبهين وقد قلنا أنها واردتان في مورد الشك في الامتثال مضافا لما احتمله بعض أستاذنا انها ناظرة في مورد قلة الأطراف وإلّا لو كانت النجاسة في «عشرين آنية» هل كان الإمام يقول يهريقهم؟، هذا غير معلوم إذا ما دام احتمال قلة الأطراف وارداً فلأجل لا يصح التعدي لسائر موارد منجزية العلم الإجمالي في فرض الشك في الامتثال. لكن، لو تمت دلالة الروايات على الكبرى لمنعت من الترخيص في بعض الطراف العلم الاجمالي سواء كان ترخيصا مشروطا أو في الجامع فإنّ مقتضى تماميتها هو ذلك ولكنه لم يتم.

والحمدُ لله ربِّ العالمين