الدرس 99

الخلل الواقع في الصلاة

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلّى الله على سيّدنا محمد وآله الطاهرين

ذكرنا أنّ من التفت إلى أنّه صلّى إلى دبر القبلة أثناء الصلاة وكان ذلك عن خطأ أو نسيان فهل يمكن تصحيح صلاته بحديث الرفع أم لا؟ وذكرنا ان السيد الإمام «قده» ذكر: ان في الاستدلال بحديث الرفع عدة ايرادات تعرض لها واجاب عنها:

الايراد الاول: إنّ التمسك بفقرة «رفع عن امتي ما اضطروا إليه» فرع صدق الاضطرار وصدق الاضطرار منوط بوجود أمر بالصلاة وامر بإتمامها، إذ لولا الأمر بالإتمام لما صدق عنوان الاضطرار فإذا شك المكلف في وجود الأمر فقد شك في صدق الاضطرار، ومعه يكون التمسك بحديث الرفع تمسكا بالدليل في الشبهة المصداقية لموضوعه.

وأجاب عنه: بأنّ المكلف مأمور بإتمام الصلاة كما هو ظاهر الروايات ويمكن ان يقال: بأنّ صدق الاضطرار لا يتوقف على احراز الأمر في رتبة سابقة على الصلاة بل يكفي في صدق الاضطرار، العمل لتصحيح الصلاة فمن التفت لصلاته وكان الوقت ضيقا فإن توجهه للقبلة مصداق للاضطرار وان لم يحرز أمراً بهذه الصلاة فيكفي في صدق الاضطرار انه لا طريق له لتصحيح صلاته وادراجها تحت الأمر الا ان يقوم بهذا العمل.

الايراد الثاني: الذي أورده: أنّ المرفوع بحديث الرفع كما في فقرة الخطأ هل هو شرطية الاستقبال أم مانعية الاستدبار فإنّ كان المرفوع شرطية الاستقبال فهو مما لا يصح لان المرفوع بحديث الرفع ما تعلق به الخطأ والنسيان والجهل والمفروض ان الخطأ لم يتعلق بأصل الشرطية وانما تعلق بالجهة الخارجية. وان كان المرفوع مانعية الاستدبار: فإنّ الاستدبار ليس له أثر شرعي لان ما له الأثر هو الاستقبال حيث إنّه شرط واما الاستدبار فليس موضوعا لأثر شرعي كي يكون مرفوعا. وأجاب عن ذلك «قده» بأجوبة ثلاثة:

الجواب الاول: أنّ ظاهر كثير من الروايات أن الالتفات عن القبلة قاطع وأدلة اشتراط القبلة لا يفهم منها إلّا لزوم الاستقبال حال الاتيان بالصلاة فلا يفهم منها شرطية الاستقبال في أكوان الصلاة وإنّما يفهم منها شرطية الاستقبال في ذات الصلاة فإنّها هي الاذكار والافعال المعتبرة فيها فقوله: «لا صلاة الا للقبلة» ظاهر نفس الصلاة إلى القبلة أي اشتراط الأفعال والأقوال، وأما الأكوان المتخللة بين الاجزاء فليست من الصلاة حتّى يكون ما دل على شرطية القبلة دالا على شريطته فيها إذا فاحتجنا لو استدبر عن القبلة في أكوان الصلاة لا في افعال الصلاة إلى دليل آخر يدل على البطلان، وهذا الدليل الآخر ما دلَّ على قاطعية الاستدبار والالتفات عن القبلة فالحكم بقاطعية الاستدبار غير الحكم بشرطية الاستقبال.

وبالجلمة هاهنا دليلان: دليل اشتراط القبلة ودليل الالتفات؛ وارجاع الثاني إلى الأول لا وجه له، فنلتزم بأنّ هناك حكمين فإذا شك في قاطعية الاستدبار أثناء الخطأ أي الاستدبار الخطئي رفع قاطعيته بحديث ارفع.

ولكن هذا الجواب غير عرفي؛ فإنّ هذين الدليلين لو عرضا على العرف فقيل صل إلى القبلة فإذا استدبرت كان استدبارك قاطعا، فإنّ العرف يفهم من الثاني الحكومة على الأول لأنّ الثاني بنظر العرف ناظر للأول موسع لشرطيته لفرض الاكوان أيضاً فإذا كان الأول وهو قوله: «لا صلاة الا إلى القبلة» لا دلالة له على أكثر من اشتراط نفس الأفعال بالاستقبال فقوله الاستدبار قاطع موسع لدائرة الشرطية بحيث تثبت حتّى في الأكوان فهذا هو المنفهم عرفا عند تلقي الدليلين لا أنّ الثاني جعل مستقل عن الأول.

الجواب الثاني: قال: أنّ دليل الرفع يرفع لازم المجعول وقاطعية الاستدبار لازم شرطية القبلة، أي أنّ مقتضى شرطية القبلة وجود لازم شرعي وهذا اللازم الشرعي قاطعية الاستدبار فحديث الرفع إن لم يرفع شرطية الاستقبال فهو يرفع لازمه وهو قاطعية الاستدبار.

وهذا الجواب أيضا غير تام؛ فإنّ قاطعية الاستدبار إن كان جعلا مستقلا فهو ليس لازما لشرطية الاستقبال، وإن لم يكن جعلا مستقلا فهو لازم عقلي وليس شرعيا اي ان مقتضى شرطية الاستقبال عقلاً قاطعية الاستدبار فإذا كانت القاطعية لازما عقليا فلا معنى لرفعه بحديث الرفع.

الجواب الثالث: قال: مع أنّ رفع الاستدبار راجع إلى رفع شرطية الاستقبال فلا ينبغي الاشكال من هذه الجهة، فإذا كان مرجعه إلى رفع شرطية الاستقبال إذا فليس في البين إلّا جعل واحد وهو شرطية الاستقبال.

فإن قلت: بأن الخطأ لم يتعلق بالشرطية كي تكون متعلقا للرفع.

كان الجواب: إنّ الشك في عموم الشرطية وان ما دل على شرطية الاستقبال هل يعم فرض الخطأ في الموضوع وهذه شبهة حكمية يتكفل لها حديث الرفع من خلال فقرة «ما لا يعلمون» لا من خلال فقرة الخطأ كي يقال أنّ الخطأ لا يتعلق بالشرطية وإنما يتعلق بالموضوع الخارجي فهذا صحيح لو أردنا التمسك بفقرة «رفع عن امتي الخطأ»، حيث إنّ الخطأ لا يتعلق بالكبرى وإنما يتعلق بالموضوع الخارجي، ولكن بناءً على مسلكه من صحّة التمسك بفقرة «ما لا يعلمون» يكون المورد شبهة حكمية حيث لا ندري هل ان الشرطية تمتد إلى فرض الخطأ أو الاضطرار أو النسيان فيرفع هذا الامتداد بمقتضى «رفع عن امتي ما لا يعلمون» أم لا؟!.

الايراد الثالث: ما هو في «فوائد الاصول، ج3، ص353» تقريرات المحقق النائيني: أنّ المكلف إذا استدبر فإنَّ المفسد لصلاته حقيقة هو عدم الاستقبال وليس هو الاستدبار وبما أنّ عدم الاستقبال عدم فالعدم لا يقبل الرفع فإن المرتفع حال عدم الاستقبال هو الاستقبال لا ان العدم مرفوع بحديث الرفع.

وهنا جوابان للسيد الإمام:

الجواب الاول: أن يقال: أن المرفوع ليس عدم الاستقبال بل شرطية الاستقبال في هذا المورد.

الجواب الثاني: أنّ الرفع هنا اعتباري لا تكويني كي يقال أن الرفع لا يعقل تعلقه بالاعدام فإن هذا في الرفع التكويني الحقيقي بل في الحقيقة كما هو كرر مرارا ليس معنى حديث الرفع ليس الا الاخبار عن ضيق المجعول من أول الأمر فهو إخبار عن ضيق المجعول صيغ بصياغة الرفع والا فليس هناك رفع في الحقيقة.

الاشكال الرابع: ما ذكره المحقق الحائري في صلاته «ص 296» وأشار إليه تلميذه السيد الإمام في عدة موارد من كتاب «الخلل» وهي:

أنّه بعد جعل الشرطية للاستقبال لا معنى محصل لجعل المانعية لاستدبار فلا معنى لصدور جعل شرطية للاستقبال ومانعية للاستدبار أو كما يقال شرطية للطهارة ومانعية للحدث أو شرطية للطهارة ومانعية للنجاسة وأجاب السيد الإمام كما في «ص121» قال: أنّ مناط الشرطية يباين مناط القاطعية والمانعية، ولا يعقل إرجاع أحدهما للآخر، فالشرط دخيل في وجود المصلحة والاقتضاء والقاطع مزاحم لتحقق المأمور به في الخارج اعتبارا ولا يعقل ان يكون عدمه شرطا ودخيلا في المصالح وقد تقدم في بعض المباحث ان ما قيل - كما عن المحقق النائيني - من أنّ مانعية الشيء ترجع إلى ان عدمه شرط كلام خال عن التحقيق ولعله مأخوذ من ظاهر كلام بعض أهل النظر - أي أهل الحكمة - من أن عدم المانع من أجزاء العلة التامة وهو كلام صوري لو صدر من أهل الفن لا يراد منه ظاهره «من ان للعدم دخلا».

ومحصله: أنّ ما يظهر من كلام المحقق النائيني من أنّ مرجع المانعية في المركبات الاعتبارية إلى شرطية العدم لأورد عليها السيد الإمام إيرادين:

الإيراد الاول: أنّ مقتضى الصناعة أن يكون مقام الجعل متطابقا مع مقام الملاك وإذا لاحظنا مقام الملاك وجدنا أنّ ما هو الشرط غير ما هو المانع، فبلحاظ مقام الملاك عندنا ما منه الوجود وهو المقتضي وهو عبارة عن الاجزاء وما به فعلية الوجود وهو الشرط كالاستقبال والاطمئنان والطهارة وما هو مزاحم للملاك حين وجوده وهو المعبر عنه بالمانع فبلحاظ عالم الملاك يوجد ثلاثة أنحاء، فمقتضى تطابق عالم الجعل مع عالم الملاك أن يكون هناك جعل للمانعية كما أنّ هناك جعلا للشرطية.

الإيراد الثاني: أن هذا الكلام وهو أن عدم المانع جزء أو شرط صوري وإذا صدر من بعض أهل الفن كالمحقق السبزواري فإن المقصود منه مجرد التقريب وقد أشار اليها الملا هادي قال: كذلك في الاعدام لا علية وأنّ بها فاهوا فتقريبية، أي إن قالوا أن في العدم علية أو جزءا من العلية فالمقصود تقريب الفكرة، والا فلا يعقل ان يكون للعدم جزء كما في بعض الكلمات ان عدم الملكة له حظ من الوجود...

ولكن، يلاحظ على ما أفيد أن مقصود المحقق النائيني وتلامذته أنّه وإن كان بحسب عالم الملاك كما تقولون أنّ هناك مقتضي وهو الاجزاء وهناك شرط ومزاحم ومانع ولكن بحسب عالم الاعتبار والجعل لا يعقل جعل المانعية مستقلا عن جعل الشرطية، والسر في ذلك: أن المولى لو أمر بالمركب كالصلاة ونظر إلى أمر ولنفترضه الاستدبار أو الحدث فإما أن يكون المركب بالنسبة إليه لا بشرط أو بشرط شيء أو بشرط لا وليس للماهية اعتبار رابع، فإنّ اعتبارات الماهية ثلاثة، وحيث إنّه لا يمكن ان يكون على نحو اللابشرط فإن اللابشرطية تتنافى مع كونه مانعا ولا يمكن أن يكون بشرط شيء والا لصار الاستدبار دخيلا في صحّة الصلاة فتعين ان يكون بشرط لا، فلأجل أن وعاء عالم الاعتبار وعدم تصور شق ثالث لاعتبارات الماهية تعين أن يكون مرجع مانعية أي شيء في الصلاة إلى شرطية العدم فهذا لأجل ما يقتضيه وعاء الاعتبار وإلّا ففي عالم الملاك يمكن ان يكون الوجود مزاحما.

وثانيا: قد يدعى ان جعل المانعية للاستدبار بعد جعل الشرطية للاستقبال لغو لا أثر له.

ويمكن رفع اللغوية لو بنينا على شرطية الاستقبال تختص بالافعال ومانعية الاستدبار اعم من ذلك ولكن بناءً على وحدة المورد فإن جعل الثاني لغو.

قال: «فتحصل مما ذكر أنّ تصحيح الصلاة بدليل الرفع مما لا مانع منه، هذا كله لو لم نقل باستفادة البطلان من موثقة عمار كما تقدم». حيث إنَّ الموثقة قالت «إذا التفت انه مستدبر للقبلة أثناء صلاته فليقطع صلاته»، فيكون مفاد حديث الرفع غير كاف في إثبات الصحّة مع وجود موثق عمار.

ولكن على مسلكه «قده» فقد ذكر في «ص55»: أن النسبة بين حديث لا تعاد وحديث الرفع العموم من وجه، لأننا نلاحظ كل فقرة من حيث الرفع وحدها من فقرات لا تعاد، فبناءً على ذلك تكون النسبة بين حديث الرفع وموثقة عمار عموما من وجه، فإنّ الموثقة تقول من التفت للاستدبار أثناء الصلاة يعيد سواء كان استدباره عن خطا أو نسيان وجهل وفقرة «رفع عن امتي الخطأ» تقول ان ما أخطأ فيه المكلف مرفوع سواء كنا في باب الصلاة أو غيرها فالنسبة بينهما عموم ومن وجه، ومقتضى ذلك: المعارضة والمرجع بعد سقوط المتعارضين ما دلّ على شرطية الاستقبال، وبناءً على كلامه، في «ص111»، حيث التزم بالحكومة وقال إنّ حديث الرفع حاكم على جميع الأدلة، فمقتضى ذلك: أنّ يقدم على موثق عمار.

ولكن على مسلكنا حيث قلنا بالاخصية، فنقول: بها الآن لأن المتجه عرفا ملاحظة حديث الرفع بتمام فقراته كلاما واحداً وإذا لوحظ بتمام فقراته واحداً كانت موثقة عامر أخص منه لا محالة لورودها في خصوص من علم بالاستدبار أثناء صلاته.

والحمدُ لله ربِّ العالمين.