الدرس 100

الخلل الواقع في الصلاة

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلّى الله على سيّدنا محمد وآله الطاهرين

قد ذكر السيد الإمام مجموعة من الفروع ترتبط بمن علم بالاستدبار في فرض ضيق الوقت:

الفرع الاول: إذا صلى الظهرين ثم علم بالاستدبار في خصوص الظهر ولم يبق من الوقت الا مقدار أربع ركعات فهل يسقط وجوب قضاء الظهر أم يجب قضاؤها إذ المفروض انّه علم بالاستدبار في صلاة الظهر في وقت لا يسع الا أربع ركعات بحيث تكون وظيفته متعينة في العصر، فهنا يفصل بين القول بالاختصاص والقول بالاشتراك؛ فإن قلنا بالاختصاص كما نسب الى المشهور بمعنى ان آخر الوقت بمقدار أربع ركعات لا يصح فيه الا العصر، حتّى لو كان قد صلى العصر قبل ذلك فمقتضى هذا خروج وقت صلاة الظهر فيشملها قوله «وان فاتك الوقت فلا تعد، فلا يجب عليه القضاء».

وامّا إذا قلنا بالاشتراك بمعنى ان كل جزء جزء مشترك الا ان الشارع قدم العصر على الظهر تعبدا لا انه إذا صلى الظهر فإنّها باطلة، فبناء على ذلك: يقال انه يجب عليه الاتيان بالظهر لان الوقت مشترك والشارع انما قدم الظهر على العصر تعبدا في فرض عدم ادائه صلاة العصر والمفروض انه اداها صحيحة، وانما الاشكال في صلاة الظهر حيث صلاها مستدبرا، إذاً بما ان الوقت مشترك وهو قادر على الاتيان بالظهر صحيحة، فمقتضى ذلك: أن يكون الأمر بالظهر فعليا في حقه فعليه الاتيان بالظهر وان خالف الترتيب الا ان شرطيته ساقطة فيما لو اخل به سهوا أو غفلة كما في المقام.

الفرع الثاني: إذا صلى الظهر فقط وبقي من الوقت مقدار أربع ركعات فهل يسقط قضاء الظهر أم يجب عليه قضاؤها لأنّه ما زال في وقت، فأفاد «قده» في «ص84» من كتاب «الخلل» بأنه: على القول بالاختصاص يسقط قضاء الظهر إذ المفروض ان مقدار أربع ركعات من آخر الوقت لا تصح فيه الا العصر، فمقتضى ذلك: إن وقت الظهر قد خرج فهو ممن استبان له الاستدبار وقد فاته الوقت فليس عليه قضاء.

ولكن، إذا قلنا بأن الوقت مشترك وان كان الشارع يقدم العصر تعبدا، فهل يجب عليه بعد اداء العصر هل يجب عليه قضاء الظهر لأنّه صلاها مستدبرا أم لا؟. فقد يدعى سقوط القضاء بوجهين:

الوجه الاول: ما سبق ان ذكرناه في تحليل مفاد صحيحة عبد الرحمن: «ان استبان لك وانت في وقت فاعد وان فاتك الوقت فلا تعد» أنّ معناها ليس هو خروج الوقت التكويني وعدم خروجه وانما منظورها فوات الفرصة - اي ان استبان لك الاستدبار وانت ممن يمكنك الاداء فيجب عليك الاداء - واما إذا استبان لك الاستدبار وانت ممن لا يمكنه الاداء فلا يجب عليك وليس العبرة في خروج الوقت التكويني أو بقائه، فبناءً على ذلك يقال: قد استبان للمكلف انه صلى الظهر مستدبرا ولكن ليس في وقت يكفيه للأداء إذ المفروض ان الوقت مطالب فيه بإيقاع العصر تعبدا فلأجل ذلك يسقط عنه الأمر بقضاء الظهر.

واشكل على ذلك السيد الإمام، فقال: ان الظاهر من ذهاب الوقت وفوته خروج الوقت المقرر للصلاة لا خروج وقت تصح الصلاة فيه وانما حملنا روايات داوود على ذلك بقرينة روايات اخرى واما دلالة الروايات المفصلة بين ذهاب الوقت وعدمه فمما لا ينبغي الاشكال فيه اي الاشكال في ان المراد به خروج الوقت الحقيقي.

ويلاحظ على ذلك انه: قد ذكرنا ان مقتضى المقابلة ان المراد بفوت الوقت فوت فرصة الاعادة والاداء وليس مجرد خروج الوقت التكويني وهذا هو مقتضى مناسبة الحكم للموضوع.

الوجه الثاني: محصله: ان الأمر الوارد في الصحيحة المفصلة هو الأمر بالإعادة وعدم الأمر بالإعادة، حيث قال: «ان استبان لك وأنت في وقت فاعد وان فاتك الوقت فلا تعد» فمقتضى ان ما رتبه الإمام على بقاء الوقت وفوته هو الأمر بالإعادة وعدم الأمر بالإعادة، فيقال: إذاً انما يجب عليه القضاء في وقت يمكنه الاعادة، والمفروض أنّ من طولب بصلاة العصر لأجل ضيق الوقت فليس مأمورا بالإعادة إذاً مقتضى ظاهر هذه الروايات التي عبرت ب «أعد أو لا تعد» انه انما يسقط القضاء إذا كان في وقت ليس مأمورا بالإعادة وانما يطالب بالقضاء إذا كان في وقت يؤمر فيه بالإعادة فلا يشمل محل كلامنا.

وقد اشكل عليه «قده» بإشكالين: الإشكال الاول: قال إنّ قوله «فليعد ولا اعادة» كناية عن البطلان والصحّة والجمل التي يؤتى بها كناية اي ارشاد لا يراد معانيها الحقيقية كقولنا فلان كثير الرماد وقد ذكرنا سابقاً انه لا يراد من هذه الجمل معانيها الحقيقية بل هي كناية عن الصحّة والفساد فليس الأمر بالإعادة قرينة على ما ذكر. وهذا كلام متين.

الاشكال الثاني: على هذا الوجه مكون من مقدمتين:

المقدمة الاولى: ان الإعادة هي الإتيان بالشي‌ء. ثانيا: سواء كان في الوقت أو فى خارجه ولهذا استعمل لفظها بالنسبة إلى خارج الوقت‌، فقال : «وإن كان قد مضى الوقت فلا يعد أو لا اعادة عليه»، فيصير المعنى على فرض الاستعمال الحقيقي، انه إذا علم بالاستدبار في الوقت يجب عليه الإعادة.

المقدمة الثانية: وإطلاقه، اي قوله: «إن استبان لك وانت في وقت فاعد» يعم الإعادة خارج الوقت، فالظاهر على القول بالاشتراك هو وجوب قضاء الظهر لو استبان في الوقت الضيق الذي يجب عليه العصر.

والملاحظة على ما افاده:

إنّ الأمر بالإعادة أما ارشاد للفساد وهو رجوع لإشكاله الاول، واما أمر مولوي فاذا كان امرا مولويا فمقتضى ظاهر الرواية فعليته بفعلية الاستبانة أي من استبان انه استدبر وهو في وقت كان الأمر بالإعادة فعليا في حقه ولا يتصور ان يكون هناك امرا فعليا في حقه مع امره بصلاة العصر فعلا، إذا فمجرد تعميم الإعادة لما يصدق على التكرار في الوقت وخارجه لا يحل المشكلة انما يحل المشكلة إذا قلنا انه أمر ارشادي وهو رجوع لإشكاله الاول لا اشكال اخر. فنفس الأمر بالإعادة بما انه مولوي قرينة على انما يجب القضاء إذا تمكن على الطبيعة.

الفرع الثالث: لو صلى العصر ثم استبان قبل غروب الشمس بمقدار ما يسع لثلاث ركعات أو أقل أنه كان مستدبرا فيها، بحيث لو أعادها كانت مشمولة لقاعدة من أدرك، وكذا لو صلى الظهرين ثم تبين استدباره للظهر في الوقت المذكور فهل صحت صلاة عصره مطلقا وكذا ظهره في الفرض الثاني على الاشتراك أولا، والمسألة مبنية على كيفية استفادة الحكم من قاعدة من أدرك.

فهنا بحث «قده»: هل تشمله قاعدة من أدرك لا لأجل ان يصلي بل لأجل اثبات انه في وقت، اي لتنقيح الموضوع. وبعبارة اخرى: مفروض كلامنا من صلى العصر واستبان له انه مستدبر وقد بقي مقدار ثلاث ركعات ولم يصل الى ان انقضى الوقت، فهل يجب عليه القضاء أم لا؟، وثبوت وجوب القضاء عليه فرع تنقيح ان استبانة الاستدبار كانت في وقت أم لا؟ فنريد الان ان ننقح موضوع ثبوت القضاء وسقوطه، فإن موضوع ثبوت القضاء ان الاستبانة في وقت وموضوع سقوطه ان الاستبانة بعد الوقت، فلو استفدنا من «من أدرك انه في وقت» وحيث انه لم يعد يجب عليه القضاء.

وقد افاد «قده»: اننا ذكرنا في تحليل مفاد من أدرك خمس معاني نقتصر على ذكر أربع:

اذ تارة نقول: ان مفادها التوسعة الواقعية وان وقت الصلاة واسع واقعا لما يشمل مقدار ركعة، فمقتضى ذلك: انه في وقت لان مقتضى قاعدة من ادرك الاخبار عن سعة الوقت واقعا لما يشمل مقدار ركعة وهذا ممن استبان له الاستدبار وهو في وقت واقعا فيجب عليه القضاء لأنّه لم يعد صلاته في الوقت. وكذا إذا قلنا ان مفاد قاعدة من أدرك تنزيل ادراك ركعة منزلة ادراك الصلاة بلحاظ جميع الاثار، ومنها هذا الأثر وهو انه في وقت.

واما على المباني الأُخر وهي ان مفادها التنزيل ولكن لا بلحاظ جميع الاثار بل بلحاظ كون الصلاة أداء لا اكثر فهو يقول من صلى ركعة كان بمنزلة من صلى أربع من حيث وقوع الصلاة اداءً فلا يثبت انه في وقت كي يتنقح موضوع صحيحة عبد الرحمن إذا استبان لك وانت في وقت فإنه لا نظر لها في اثبات ذلك أو نفيه. وكذلك إذا قلنا انها تنزيل بلحاظ جميع الآثار لكن للمضطر لا للمختار فهي تنزل مقدار ركعة منزلة أدرك جميع الصلاة من جميع الآثار لكن للمضطر فلا يصح التمسك بها في المقام لأننا لا نحرز ان هذا مضطر وهو قد صلى العصر غاية الأمر انه صلاها لعذر أو رجاء فلا نحرز انه مضطر. وكذا ان قلنا ان مفادها انه لا يعتبر في اداء الصلاة إلّا إدراك ركعتين فليس مفادها لا الاخبار عن التوسعة ولا التنزيل وإنما بيان حكم شرعي وهو لا يعتبر في وقوع الصلاة اداءً اكثر من ادراك ركعة في الوقت فهي ليست في مقام البيان الا من هذه الجهة لا من جهات اخرى حتّى تنقح موضوعا لحكم اخر فلم يثبت بناءً على هذه المبان الثلاثة انه قد استبان له الاستدبار وهو في وقت كي يجب عليه القضاء.

ولكن قد يقال: بناء على كلامه السابق حيث لم يقل لما استظهرناه من صحيحة عبد الرحمن وقال بأن ظاهر الروايات المفصلة بين الانكشاف داخل الوقت وخارجه ان منظورها الوقت الحقيقي المقرر للصلاة شرعا فمقتضى كلامه السابق ان يقول في المقام بوجوب القضاء شملته قاعدة من اردك أو لا، فلا ربط للبحث بشمول قاعدة من أدرك لأنّه وجدانا استبان له انه مستدبر وهو في وقت وان كان لا يسعه الاعادة وان لم تشمله من أدرك الا ان البحث لا يتبني على شموله وانما يبتني على ما هو المستفاد من الروايات المفصلة وحيث انه استفاد منها ان المدار على الوقت الحقيقي فمن استبان له الاستدبار والوقت الحقيقي باق امكنه الاعادة أم لا فانه يجب عليه القضاء ومن استبان له بعد الوقت الحقيقي فلا يجب عليه القضاء.

والحمدُ لله ربِّ العالمين