الدرس 100

منجزية العلم الإجمالي

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلّى الله على سيّدنا محمد وآله الطاهرين

من الروايات التي استدل بها على عدم منجزية العلم الاجمالي: معتبرة ابو بصير الواردة في اشتراط كون المبيع مملوكا أو ماذوناً:

«عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ وأَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ جَمِيعاً عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ سَأَلْتُ أَحَدَهُمَا ع - عَنْ شِرَاءِ الْخِيَانَةِ والسَّرِقَةِ فَقَالَ لَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ قَدِ اخْتَلَطَ مَعَهُ غَيْرُهُ فَأَمَّا السَّرِقَةُ بِعَيْنِهَا فَلَا إِلَّا أَنْ تَكُونَ مِنْ مَتَاعِ السُّلْطَانِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ».

وتقريب الاستدلال بها: ان ظاهرها جواز شراء ما اختلط بالسرقة ما لم تعلم السرقة بيعنها فمع العلم الإجمالي بوجود مال سرقة مع ذلك يجوز شراء المختلط به.

واجيب عن هذا الاستدلال بوجوه حيث تعرض الاعلام لهذه الرواية في المكاسب المحرمة:

الوجه الاول: ما ذكره السيد الإمام في المكاسب المحرمة، من ان الاختلاط موجب للحلية الواقعية وانتقال المال واقعا من ملك المسروق منه إلى ملك من وقع بيده، فمع فرض دلالتها على الحلية الواقعية أي ان مجرد الاختلاط محلل واقعا فلا يصح الاستشهاد بها على عدم منجزية العلم الاجمالي، إذ المفروض ان الحلية فيها واقعية لا ظاهرية.

نعم تكون معارضة لما دل على المنع بالعموم من وجه كما في الحديث واحد من نفس هذا الباب: «وَمَنِ اشْتَرَى خِيَانَةً وهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهَا خِيَانَةٌ فَهُوَ كَمَنْ خَانَهَا فِي عَارِهَا وإِثْمِهَا».

فإنّ مقتضى اطلاقه: ان من اشترى خيانة أو سرقة وهو يعلم ذلك وان لم يعلم ما هي الخيانة بعينها فانه ممنوع فمقتضى اطلاقها عدم جواز شراء الخيانة علمت بعينها ام لا، ومقتضى هذه الرواية جواز شراء المختلط سواء علمت السرقة بعينها ام لا فبينهما عموم من وجه.

ولكن يلاحظ عليه: ان ظاهر الرواية هو الحلية الظاهرية لاحتفاها بالمرتكز العقلائي والمتشرعي القائم على ان مجرد الاختلاط لا يوجب خروج الملك عن مالكه إلى ملك من وقع بيده المالك المختلط. مضافا إلى ان النسبة بين الطائفتين عموم وخصوص مطلق لا عموم وخصوص من وجه، وفما دل على المنع عن بيع السرقة مخصص بما دل على جوازه ما لم يعلم بعينه.

الوجه الثاني: ذكره في المكاسب المحرمة أيضاً ان المنظور في هذه النصوص هو الحكم الوضعي لان مصب السؤال الشراء وعدمه وظاهره السؤال عن الصحّة لا عن الحكم التكليفي وانما صح الشراء أي شراء المال المختلط بالسرقة مع العلم ان فيه سرقة لإمكان تطهير الماء اما بإخراج الخمس اما بالمصالحة مع المالك واما بالصدقة بالمقدار المختلط عن المالك فمادام يمكن تطهير المال لذلك صح الشراء وضعا فلا دلالة فيها على عدم منجزية العلم الاجمالي، بل لخصوصية في المقام وهو امكان تطهير المال.

ولكن هذا الحمل أيضاً خلاف ظاهر الروايةفإن ظاهرها حصول الحلية بمجرد الشراء ولا حاجة إلى التطهير حيث قال سألته عن شراء الخيانة والسرقة قال لا الا ان يكون قد اختلط معه غيره فشراء المختلط محلل لا ان وجه حليته انه يمكن تطهيره.

الوجه الثالث: ما ذكره بعض المعلقين على مكاسب الشيخ الاعظم ان النهي منصب على شراء ما علم انه شراء سرقة لا على المختلط وفرق بينهما فانه لو دلت الروايات على جواز تناول المختلط بالسرقة بأن يجوز اكله وما اشبه ذلك لقيل بأن فيها دلالة على عدم منجزية العلم الإجمالي، ولكن مدلول المعتبرة انه ما علم انه شراء سرقة بعينها فلا يجوز وما لم يعلم انه شراء سرقة فيجوز وهذا لا يتنافى مع منجزية العلم الاجمالي فانه إذا اشترى المختلط بالسرقة فقد علم شراء السرقة وهذا داخل في المنع وليس داخلاً في الجواز، وانما يكون فرض الجواز إذا اشترى طرفاً من المختلط حيث لا يعلم انه شراء سرقة فالمدار في المنع والجواز على صدق العلم بشراء السرقةفإن علم ذلك لم يجز وهذا يصدق على شراء المختلط وان لم يعلم انه اشترى سرقة جاز كما لو اشترى بعضه فليس مدلول الرواية انه يجوز شراء المختلط ما لم يعلم السرقة بعينه بل مدلول الرواية يجوز شراء ما لم يعلم انه شراء سرقة.

ولكن هذا الحمل خلاف ظاهر الرواية، فقد قال: «سألته عن شراء الخيانة والسرقة قال لا الا ان يكون قد اختلط معه خيره» فانه ظاهر إذا اختلط معه غيره جاز شراء المختلط لا شراء ما لم يعلم انه سرقة ويدل على ذلك:

«مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنِ الْعَبَّاسِ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ زُرْعَةَ عَنْ سَمَاعَةَ قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ شِرَاءِ الْخِيَانَةِ والسَّرِقَةِ فَقَالَ إذا عَرَفْتَ أَنَّهُ كَذَلِكَ فَلَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ شَيْئاً اشْتَرَيْتَهُ مِنَ الْعَامِلِ».

وكذلك: ما عن مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنِ النَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ جَرَّاحٍ الْمَدَائِنِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: لَا يَصْلُحُ شِرَاءُ السَّرِقَةِ والْخِيَانَةِ إذا عُرِفَتْ. فإن المدار ان تعرف بعينها.

الوجه الرابع: ما ذكره صاحب الوسائل قال «أَقُولُ: هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا كَانَ مِنْ مَتَاعِ السُّلْطَانِ وعُلِمَ أَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ جَمِيعاً مِثْلُ حَاصِلِ الْأَرْضِ الْمَفْتُوحَةِ عَنْوَةً أو مِنْ مَالِ الْإِمَامِ كَالْأَنْفَالِ أو نَحْوِهِمَا مِمَّا فِيهِ رُخْصَةٌ لِلشِّيعَةِ كَمَا مَضَى».

ولكن ظاهر استثناء متاع السلطان حيث قال فأما السرقة بعينها فلا يجوز الا ان يكون من متاع السلطان فلا بأس بذلك، وظاهر الرواية انها قضية حقيقية تفيد جواز شراء المختلط بالسرقة الا ان يكون من متعا السلطان أي من الموارد التي رخص فيها الإمام بولايته ترخيصا واقعيا فحملها على تلك الموارد خلاف الظاهر.

فالانصاف: دلالة الرواية على عدم منجزية العلم الاجمالي بوجود السرقة في المال المختلط وبالتالي فيتعدى بمفاد هذه الرواية إلى الموارد التي هي من هذا القبيل أو دونه من حيث المحذور؛ نعم التعدي بها لمثل العلم الاجمالي بالميتة من حيث جواز الاكل أو التعدي بها للعلم الاجمالي بوجود الخمس مع التغليظ الشديد في الروايات مشكل ولكن التعدي بها لموارد الحقوق أي حقوق الاخرين ليس بعيدا، فهذه من الروايات الدالة على عدم منجزية العلم الاجمالي في الشبهات الموضوعية ولا شمول فيها للشبهات الحكمية في موارد الاموال والحقوق أي حقوق الاخرين.

ومن تلك الروايات موثقة سماعة وكذا وردة عن ابي عبيدة: «ابْنُ مَحْبُوبٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ سَأَلْتُهُ عَنِ الرَّجُلِ مِنَّا يَشْتَرِي مِنَ السُّلْطَانِ مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ وغَنَمِ الصَّدَقَةِ وهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَأْخُذُونَ مِنْهُمْ أَكْثَرَ مِنَ الْحَقِّ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِمْ قَالَ فَقَالَ مَا الْإِبِلُ والْغَنَمُ إِلَّا مِثْلَ الْحِنْطَةِ والشَّعِيرِ وغَيْرِ ذَلِكَ لَا بَأْسَ بِهِ حَتَّى تَعْرِفَ الْحَرَامَ بِعَيْنِهِ قِيلَ لَهُ فَمَا تَرَى فِي مُصَدِّقٍ يَجِيئُنَا فَيَأْخُذُ صَدَقَاتِ أَغْنَامِنَا فَنَقُولُ بِعْنَاهَا فَيَبِيعُنَاهَا فَمَا تَرَى فِي شِرَائِهَا مِنْهُ قَالَ إِنْ كَانَ قَدْ أَخَذَهَا وعَزَلَهَا فَلَا بَأْسَ قِيلَ لَهُ فَمَا تَرَى فِي الْحِنْطَةِ والشَّعِيرِ يَجِيئُنَا الْقَاسِمُ فَيَقْسِمُ لَنَا حَظَّنَا ويَأْخُذُ حَظَّهُ فَيَعْزِلُهُ بِكَيْلٍ فَمَا تَرَى فِي شِرَاءِ ذَلِكَ الطَّعَامِ مِنْهُ فَقَالَ إِنْ كَانَ قَبَضَهُ بِكَيْلٍ وأَنْتُمْ حُضُورُ ذَلِكَ الْكَيْلِ فَلَا بَأْسَ بِشِرَاهُ مِنْهُ بِغَيْرِ كَيْلٍ».

فلو كنا نحن والروايات الاخرى الواردة في نفس هذا الباب لقلنا بالجواز مطلقا كما في رواية مُعَاوِيَةَ بْنِ وَهْبٍ: «قَالَ قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع أَشْتَرِي مِنَ الْعَامِلِ الشَّيْ‌ءَ وأَنَا أَعْلَمُ أَنَّهُ يَظْلِمُ فَقَالَ اشْتَرِهِ مِنْهُ».

كما انه بهذا الذيل وهو حتّى تعرف الحرام بعينه لكان مدلولها انه يجوز ان تشتري من الظالم لا انه يجوز ان تشتري المال المختلط بالحرام.

فظاهر الذيل: انه ما لم يحصل معرفة للحرام بعينه فانه يجوز ولو علم اجمالا وجود الحرام في المال.

ولكن ذكر الاعلام ومنهم سيدنا: ان هناك خصوصية للزكاة ولو احتمالا حيث إنَّ منع الشيعة من شراء الاموال الزكوية مع وفرتها حرج عليهم، فمن هذا المال اعمل الإمام ولايته على الاموال فأجاز شرائها واقعا لا ظاهرا وان علم اجمالا وجود مال الغير وبالتالي فلا يربط لهذه الرواية في مورد منجزية العلم الاجمالي لان التحليل فيها واقعي لا ظاهري.

والحمدُ لله ربِّ العالمين