حقيقة الإعجاز في القرآن الكريم

تحرير المحاضرات

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ

صدق الله العلي العظيم

المقصود بالنصر في الآية المباركة - نصر النبي والذين آمنوا - إنما هو بإظهار المعجزة على يديه، فكل نبي ينتصر بإظهار المعجزة على يديه التي تثبت صدق نبوته وصحة مدعاه، لذلك نتحدث عن حقيقة الإعجاز الذي يقوم به كل نبي من أجل تحقيق دعوته ونبوته، ونتكلم هنا عن أمور ثلاثة.

الأمر الأول: الحاجة إلى المعجزة.

النبي لماذا يقيم المعجزة؟ لماذا يقوم بأمر خارق للعادة؟ ليس الهدف من إقامة المعجزة إثبات المعارف الإلهية، فإن المعارف الإلهية لا تثبت بإقامة المعجزة، النبي عندما يأتي ينبّه الناس على أن هناك خالقًا قادرًا حيًا عالمًا، وعلى أن الدين مجموعة من القيم، ومجموعة من الأفعال والأخلاق، هذه المعارف التي يدعو إليها الأنبياء لا تثبت بالمعجزة؛ لأنها معارف فطرية عقلية، تثبت بتأمل العقل، سواء أقام النبي المعجزة أو لم يقم المعجزة. مثلًا: القرآن الكريم يقول: ﴿أَفِي اللهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، هذه السماوات والأرضون بتمام دقائقها وتفاصيلها تدل على وجود خالق قدير حي عالم، سواء أقام النبي المعجزة أو لم يقم المعجزة، هذا أمر فطري.

وقال تعالى في آية أخرى: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا، الدين بمعنى الأخلاق والقيم، هذه أمور فطرية، كل إنسان بفطرته يدرك أن العدل جميل والظلم قبيح والأمانة جميلة والخيانة قبيحة، الدين هو عبارة عن القيم والأخلاق التي يدركها كل إنسان بفطرته إذا توجه إليها، بلا حاجة إلى أن يقيم النبي أي معجزة. إذن، إقامة المعجزة ليس الهدف منها إثبات المعارف الدينية؛ فإن المعارف الدينية أمور فطرية يدركها العقل لو تأمّل. إنما الهدف من إقامة المعجزة تأييد دعواه بأنه متصل بالسماء.

النبي بشر كسائر البشر، لكنه الفارق بينه وبين البشر أنه متصل بالسماء، هناك اتصال غيبي، على إثر هذا الاتصال الغيبي ينكشف له عالم الملكوت، ﴿وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ، النبوة عبارة عن الاتصال بعالم الملكوت، هذا هو الذي يميز النبي عن غيره، وهذا ما قصدته الآية المباركة: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ لكن ﴿يُوحَى إِلَيَّ، أنا متصل بعالم الملكوت وأنتم غير متصلين بعالم الملكوت.

من هنا، يأتي التساؤل: إذا كان هذا الشخص البشر متصلًا بعالم الملكوت، والاتصال بعالم الملكوت أمر غير عادي، أمر خارق للعادة، أمر خارق لنواميس الطبيعة، إذن حتى يثبت لنا أنه متصل بعالم الملكوت فليأتِ بأمر خارق للعادة؛ لأن الأمثال فيما يجوز وما لا يجوز واحد، إذا كان قادرًا على الاتصال بعالم الملكوت، والاتصال بعالم الملكوت خارق للعادة، إذن هو قادر على الأمور الأخرى الخارقة للعادة. إذن، الهدف من إقامة المعجزة إثبات أنه متصل بعالم الملكوت، إثبات أن هناك اتصالًا غيبيًا بين قلبه وبين عالم الملكوت، بما أن هذا الاتصال أمر خارق للعادة، فيأتي النبي بأمور خارقة للعادة، تؤيد وتؤكد دعواه في الاتصال بالسماء.

الأمر الثاني: المعجزة لا تتنافى مع مبدأ العلية.

نحن عندنا مبدأ، نظام استقر عليه هذا الكون كله، واستقر عليه هذا الوجود كله، وهو نظام العلية، لكل معلول مادي سبب، بمعنى أن كل أمر مادي يستتبع في حركته أمرًا آخر، هذا المشي يستتبع حرارة، يستتبع نشاط الطاقة، هذه النار تستتبع احتراقًا، كل أمر مادي يستتبع أثرًا، يستتبع نتيجة، وهذا ما يسمى بمبدأ العلية، لكل معلول علة، لكل مسبَّب سبب، لكل أمر مادي أثر يتولد عن حركته، ويتولد عن ديمومته. إذن فبالنتيجة: هناك مبدأ عقلي استقر عليه نظام الوجود، وهو مبدأ العلية، فهل المعجزة تخرق هذا النظام؟ هل المعجزة توجد مسبَّبًا بدون سبب؟ توجد معلولًا بدون علة؟

لا، مستحيل. المعجزة ليست بمعنى وجود أمر محال، مثلًا: اجتماع النقيضين محال، لا يمكن أن يكون الشيء موجودًا ومعدومًا في وقت واحد، لا يمكن أن يكون الشيء إنسانًا وليس بإنسان في آن واحد، هذا اجتماع النقيضين أمر محال، والمعجزة لا تتضمن محالًا، المعجزة لا تأتي بأمر محال غير ممكن، كاجتماع النقيضين مثلًا، أو وجود المسبَّب بدون سبب.

مثلًا: ﴿قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ، هذه معجزة للنبي إبراهيم، أنه أوقع في لجة النار، هذه النار الضخمة التي أعدت لإحراق إبراهيم، ومع ذلك كان إبراهيم في وسط النار تصطك أسنانه من شدة البرد، هل هذا المعلول حدث بدون علة، بدون سبب؟ وجود البرودة في قلب النار، هل هو مسبَّب بدون سبب؟ لا، لا محالة له سبب. الإعجاز لا يعني خرقًا لنظام السببية وخرقًا لنظام العلية، ليس كذلك. مثال آخر: ﴿فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ، يعني هذه الحية وُجِدَت بدون سبب وبدون علة؟! لا، وُجِدت بعلة.

إذن، الإعجاز ليس خرقًا لنظام العلية والسببية؛ لأن الإعجاز لا يتضمن أمرًا محالًا؛ فإن المحال لا يقع من نبي ولا من غيره، الأمر المحال لا يقع. إذن ماذا يعني الإعجاز؟ هنا نأتي للأمر الثالث.

الأمر الثالث: حقيقة الإعجاز.

هناك نظريتان في علم الكلام حول حقيقة الإعجاز.

النظرية الأولى: المعجزة تعود إلى سبب مادي خفي لا سبب مادي ظاهر.

الذين يتبنون هذه النظرية يقولون: إذا رجعنا إلى مجموعة من الآيات القرآنية، مثلًا: قوله تعالى: ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ، ما معنى القدر؟ أو مثلًا قوله تعالى: ﴿خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا، ما معنى قدره تقديرًا؟ أو مثلًا قوله تعالى: ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ، ما معنى كلمة قدر؟ معنى التقدير الربط الوجودي، أي موجود مادي فهو مربوط بأسباب كثيرة، لا يوجد معلول مادي إلا وهو مرتبط ارتباطًا وجوديًا بعدة من الأسباب، بسلسلة من الأسباب، نحن لا ندركها، نحن لا نتوصل إليها، هذا معنى التقدير.

التقدير هو ربط الموجودات المادية بسلسلة من الأسباب، فمثلًا: أنتم ترى أن هذا الجنين يتكون في بطن أمه، هذا مسبَّب له سبب، السبب الظاهري هو لقاء الذكر بالأنثى الذي أنتج إلقاء نطفة في رحم هذه المرأة، فتولّد الجنين، هذا سبب ظاهري، لكن ليس هذا هو السبب الوحيد في تولّد هذا الجنين، تولّد هذا الجنين قُدِّر تقديرًا، رُبِط بسلسلة من الأسباب نحن ندرك السبب الظاهر منها، وإلا هناك مجموعة أسباب خفية نحن لا ندركها، هي دخيلة في تكوّن هذا الجنين وفي تولّد هذا الجنين.

إذن، المنظار العلمي التجريبي يدرك السبب الظاهري، لكنه لا يدرك سلسلة من الأسباب دخيلة في تحقق هذا المسبّب، ودخيلة في تحقق هذا الشيء. عندما يأتي النبي ويقوم بمعجزة، فهو يوجد هذه المعجزة بسبب مادي أيضًا، ولكن بسبب مادي خفي غير منظور، لأن كل مادي مرتبط بسلسلة من الأسباب والعلل، النبي يوجد هذا المسبَّب، يوجد هذه المعجزة، عن سبب مادي لكن خفي علينا، لم يظهر لنا.

مثلًا: بالنسبة إلى النبي عيسى «عليه وعلى نبينا وآله أفضل الصلاة والسلام»: ﴿وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللهِ أوجد الطير بدون سبب؟! لا، أوجده بسبب مادي، لكنه سبب خفي علينا، لم يصل إليه المنظار العلمي التجريبي، ﴿وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ، كل هذا بأسباب، لكن بأسباب مادية خفية، هذا هو معنى الإعجاز.

هذه النظرية الأولى عليها ملاحظات:

الملاحظة الأولى: بناء على هذه النظرية، لا يوجد فرق بين المعجزة وبين السحر. الساحر أيضًا يأتي بسحر، وهذا السحر له سبب، وهذا السبب مادي خفي علينا، فأي فرق بين الإعجاز وبين السحر؟! يستطيع كل ساحر أن يدعي النبوة لأنه يأتي بأمر خارق للعادة، مثلًا: إذا شاهدتم برنامجًا في التلفزيون عن السحر والشعوذة في الهند مثلًا، تجدون هذا الساحر يدخل نارًا، يدخل داخلها ويخرج منها من دون أن يحترق، أو يأكل الزجاج ويبتلعه، أو يبتلع الحديد مثلًا، فكيف يتحقق ذلك؟! هو بالنتيجة أتى بأمر خارق للعادة، وليس ذلك بدون سبب، بل بسبب، ولكن بسبب مادي خفي علينا، نحن لا ندركه بالمناظير العلمية التجريبية، فأي فرق بين السحر وبين المعجزة حتى نقول: هذه معجزة تثبت دعوى النبوة، وهذا سحر لا يثبت دعوى النبوة؟! أي فرق بينهما؟! هذه الملاحظة الأولى.

الملاحظة الثانية: إذا كانت المعجزة عبارة عن الإتيان بمسبَّب استنادًا إلى سبب مادي خفي، معنى ذلك أن المعجزة أمر نسبي، من لم يطلع على السبب يكون هذا الأمر معجزة في حقه، لكن من اطلع على السبب لا تكون هذه معجزة في حقه، هذا معناه أن الإعجاز أمر نسبي. من جهل بالسبب ولم يتوصل إليه يعتبر الأمر معجزة في حقه، لكن من اكتشف السبب وصار السبب ميسورًا له لم يكن الأمر معجزة في حقه، والإعجاز ليس أمرًا نسبيًا، بل الإعجاز يبقى إعجازًا بالنسبة إلى كل البشر، وبالنسبة إلى كل المجتمعات، وبالنسبة إلى جميع الأزمنة، وبالنسبة إلى جميع الحضارات، المعجزة معجزة بالنسبة إلى الجميع، وليست أمرًا نسبيًا؛ لأن الإعجاز - كما ذكرنا - هو برهان على صدق النبوة، فلا بد أن يكون برهانًا في حق الجميع، ولا بد أن يكون دليلًا بالنسبة إلى جميع البشرية، في جميع الأزمنة، وفي جميع المجتمعات.

الملاحظة الثالثة: القرآن يصرّح أن الإعجاز نصرٌ، أي أن سبب الإعجاز سبب غير مغلوب، سبب الإعجاز دائمًا سبب غالب، ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ، ﴿كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي، ما يأتي به الرسل والأنبياء من المعاجز ترجع لأسباب غالبة، أسباب لا تغلب أبدًا، أسباب قاهرة، ولو كان السبب سببًا ماديًا فإن السبب المادي أحيانًا يكون غالبًا وأحيانًا يكون مغلوبًا، الأسباب المادية متزاحمة، ونتيجة تزاحمها في عالم المادة قد تكون أحيانًا غالبة وقد تكون أحيانًا مغلوبة، مع أن سبب الإعجاز دائمًا سبب غالب. إذن، هذه النظرية غير تامة.

النظرية الثانية: أن المعجزة سببها ومبدؤها إرادة النفس القدسية.

سبب المعجزة سبب غيبي لا مادي، فمثلًا: موسى يضع العصا فتنقلب حية تسعى، انقلاب العصا حية تسعى سببه إرادة نفس موسى، موسى أراد ذلك فصار ذلك بإذن الله «تبارك وتعالى»، سببه سبب غيبي، وهو إرادةٌ من النفس القدسية، وهذا ما يعبّر عنه بالولاية التكوينية. العلماء يقولون: الولاية التكوينية ثابتةٌ للأنبياء أو ثابتةٌ للأئمة أو ثابتةٌ للأولياء، ما معنى الولاية التكوينية؟ الولاية التكوينية هي إرادة النفس القدسية، هذا المعصوم له نفس قدسية، وهذه النفس القدسية إرادتها تكون سببًا لحدوث الكرامات والمعاجز والأمور الخارقة للعادة. كيف نوفّق بين سببية إرادة النفس القدسية وبين سببيته «تبارك وتعالى» لجميع الأشياء؟

هناك مقتضٍ - كما يقولون - وهناك شرط، كما في النار والاحتراق مثلًا، عندما نقرّب ورقة من النار فإنها تحترق، هناك مقتضٍ وهناك شرط، المقتضي هو ما منه الأثر، ما منه المدد، وهو النار، النار فيها طاقة حرارية ضخمة، هذه الطاقة الحرارية إذا اقترب منها جسم تحرقه، النار هي المقتضي؛ لأنها هي التي تمتلك الطاقة الحارقة، ولكن الاحتراق يحتاج إلى عنصر آخر، لا يكفي المقتضي، والعنصر الآخر هو أن تكون الورقة غير مبللة، أن تكون الورقة قريبة، لو كانت الورقة مبللة أو كانت الورقة بعيدة لم تحترق، فنحن نحتاج إلى مقتضٍ - وهو النار - ونحتاج إلى شرط، وهو الاقتراب، وألا تكون الورقة مبللة.

كذلك أيضًا في عالم الوجود، المقتضي لوجود كل شيء هو الله، ﴿ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ، لا يوجد شيء إلا والمقتضي لوجوده هو الله، هو الذي أفاض عليه الوجود، هو الذي أفاض عليه المدد، هو الذي أفاض عليه الحياة، المقتضي هو الله، لكن هناك شرطًا وعنصرًا آخر يحتاج إلى الوجود، المقتضي لوجود الجنين هو الله، لكن الشرط اقتراب الذكر من الأنثى، هذا شرط يضمُّ إلى المقتضي فيؤثر أثره.

كذلك أيضًا بالنسبة إلى معاجز الأنبياء. المقتضي لوجود المعجزة، كانقلاب العصا حية، وكإبراء الأكمه والأبرص، وكإحياء الموتى، وكوجود القرآن الكريم، هذه المعاجز المقتضي لوجودها الله «تبارك وتعالى»، لكن العنصر الثاني - وهو الشرط في وجودها - إرادة النفس القدسية، إرادة النبي أو الرسول أو المعصوم - المعبّر عنها بالولاية التكوينية - شرطٌ في حدوث المعجزة، عنصرٌ آخر ينضم إلى الاقتضاء الإلهي فيؤثر أثره في حصول المعجزة.

إذن، المعجزة ليست سحرًا؛ لأنها لا تستند إلى سبب مادي، لا سبب مادي ظاهري ولا سبب مادي خفي، المعجزة إفاضةٌ وجوديةٌ من الله «تبارك وتعالى» بمبدأ غيبي، وذلك المبدأ الغيبي هو إرادة النفس القدسية.

وهذا ما يتحدث عنه القرآن الكريم في عدة آيات، كما في قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ، ما هو هذا الرزق؟ ليس رزقًا ماديًا أو رزق أموال أو أولاد، بل الرزق مطلق الرزق، يشمل هذه الأمور، ويشمل أنواع الرزق، وهو أن يعطى إرادة وولاية تكوينية، الولاية التكوينية أعظم أنواع الرزق، من يتق الله يجعل له مخرجًا ويعطيه ولاية تكوينية، بحيث تكون إرادة نفسه مبدأ لحصول الأمور الخارقة للعادة، ومبدأ لحصول الكرامات.

قال تعالى: ﴿أَلَيْسَ اللهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ، وقال تعالى: ﴿وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ، وقال تبارك وتعالى: ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا أي: نعطيهم ولاية تكوينية ينتصرون بها نتيجة نفوسهم القدسية. إذن، الإعجاز الذي يكون مؤيِّدًا ومؤكِّدًا لدعوى النبوة أمرٌ خارقٌ للعادة، لكنه ليس محالًا؛ لأنه لا يخرق نظام السببية، وليس سببه أمرًا ماديًا خفيًا، وإنما مرجع الإعجاز إلى إفاضة من الله بشرط إرادة من النفس القدسية، ألا وهي نفس النبي أو نفس الولي أو نفس الحجة.