الدرس 107

الخلل الواقع في الصلاة

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلّى الله على سيّدنا محمد وآله الطاهرين

أن محل الكلام في الصورة الثالثة: من شكّ بعد الفراغ من الصلاة في ان الوقت دخل في أثناء الصلاة أم لا، ولهذا الشك فرضان:

أحدهما: ان يشك في ان الوقت دخل من حين الشروع في الصلاة أم لم يدخل.

ثانيهما: أن يعلم بعدم دخول الوقت حين الشروع في الصلاة ولكن يحتمل انه دخل في اثنائها ففي كلا الفرضين يكون شاكا في ان الصلاة التي فرغ منها هل هي واجدة لشرط صحتها وهو الوقت ولو بدخوله في أثناء الصلاة. وقد ذكر السيد الإمام اشكالاً على جريان قاعدة الفراغ في كلا الفرضين، ومحصل هذا الاشكال: انّ موضوع قاعدة الفراغ الشك في الامتثال أو ان المصحح لجريان قاعدة الفراغ الموجب لرفع لغويتها الشك في الامتثال، ومقتضى ذلك: ان يكون المكلف قد احرز الأمر حين العمل ويشك في امتثاله وحيث إنَّ المكلف في محل كلامنا لم يحرز دخول الوقت في أثناء الصلاة التي فرغ منها فهو لم يحرز الأمر وبالتالي فجريان قاعدة الفراغ منتف بانتفاء موضوعه.

وأجيب عن هذا الاشكال بأحد وجهين:

الوجه الأول: نقاش صغروي: على فرض التسليم بالكبرى - أي لو سلمنا بهذه الكبرى وهي انه يعتبر في جريان قاعدة الفراغ في العمل احراز الأمر وتمحض الشك في الامتثال - فإن التسليم بهذه الكبرى يقتضي التفصيل في المقام لا أنّنا نمنع جريان قاعدة الفراغ مطلقا وذلك بأن يقال أن المكلف ان كان حين الالتفات محرزا لوجود أمر بالصلاة فيكون شكه في الصلاة السابقة شكا في سقوط الأمر بها وعدمه، فيكون مجرى لقاعدة الفراغ. وبعبارة أخرى: يكون المورد حينئذٍ محققا لموضوع قاعدة الفراغ وللمصحح لجريانها حيث إنَّ جريانها حينئذٍ ليس لغوا.

وأما إذا افترضنا أنّ المكلف حين الالتفات لم يكن محرزا للأمر نظير من شكّ في غسل الجنابة لأجل شكه في انه جنب فإن هذا ليس مجرى لقاعدة الفراغ لعدم تمحض الشك في الامتثال، هذا هو الجواب الاول عن كلامه، وهو جواب صغروي.

الجواب الثاني: انكار الكبرى: أي: لا يعتبر في جريان قاعدة الفراغ احراز الأمر لا حين العمل ولا حين الالتفات وانما يكفي في جريان قاعدة الفراغ ان يكون مؤداها تنقيح المقبولية وهذا ما ذهب اليه المحقق الحائري «قده» في صلاته، ومحصله: ان موضوع قاعدة الفراغ هو المضي.

وما ذكره المحقق الحائري في صلاته مؤلف من مقدمتين: كبروية وصغروية.

المقدمة الكبروية: انه لا يعتبر في جريان الفراغ احراز الأمر لان موضوعها المضي بمقتضى قوله في صحيحة بن مسلم: «كل ما شككت فيه مما قد مضى من صلاتك وطهورك فأمضه»، غاية ما في الباب لا يمكن جريان قاعدة الفراغ في كل ما مضى وإن لم يترتب عليها أثر، فمقتضى هذا المقيد اللبي وهو اشتراط جريان الفراغ بوجود أثر ان لا يكون جريانها لغوا، وحيث يكفي في رفع اللغوية ان يترتب على جريانها احراز المقبولية إذا لا حاجة إلى احراز الأمر بل يكفي في جريانها وجود أثر وهو احراز المقبولية هذا بالنسبة إلى المقدمة الكبروية.

المقدمة الصغروية: فهي ان المستفاد من رواية ابن رباح ان مقبولية الصلاة تعتمد على ركنين: ان يدخل فيها بانيا على انه في وقت، وان يدخل الوقت أثناء الصلاة وهو قد دخل في الصلاة بانيا على انه في وقت، غاية ما في الباب انه شك بعد الفراغ في ان الوقت قد دخل أم لا فببركة جريان قاعدة الفراغ يحرز صغرى مفاد راوية ابن رباح وان هذه الصلاة مما جمعت الركنين للمقبولية، وهما الشروع فيها مع احراز انه في وقت ودخول الوقت في اثنائها هذا ما افاده «قده».

وفي كلامه ملاحظتان:

الملاحظة الاولى: منع كلتا المقدمتين، اما المقدمة الكبروية: وهي دعوى انّ موضوع قاعدة الفراغ مطلق ما مضى بشرط ان لا يكون جريانها لغوا غير تام، بل المستفاد من سياق روايات قاعدة الفراغ ان موضوعها الشك في مطابقة المأتي به للمأمور به، وذلك لقرينتين:

القرينة الاولى: التعبير بالإمضاء، حيث قال: «كلما شككت فيه مما قد مضى فأمضه»، فإن ظاهر الامضاء هو التنفيذ والتنفيذ وهو يتصور فرع وجود أمر يقال له هل ما اتيت به نافذ لأنّه طابق امره أم لا، فيقال: إذا شككت فنفذه بخلاف ما لو قال كلما شككت فيه مما قد مضى فأمضه، ولم يقل فأمضه أو لا تعتن به.

القرينة الثانية: قوله في موثقة بكير هو حين يتوضأ: «اذكر منه حين يشك» فإن التعليل بالأذكرية انما يتناسب مع فرض الشك في الامتثال، فيقال: ان المكلف اذكر للامتثال حين العمل منه حين الشك لا ما إذا كان الشك في أصل الأمر فانه لا معنى حينئذٍ لتعليل بالأذكرية، فبما ان المستفاد من هاتين القرينتين ان موضوع قاعدة الفراغ الشك في المطابقة والامتثال فلا يكفي مجرد المضي مع عدم كون الجريان لغوا.

واما المقدمة الثانية: حيث ادعي انّ ظاهر رواية ابن رباح هو بيان مقبولية الصلاة إذا جمعت هذين الركنين، ولكن يقال: في قباله أن ظاهر رواية بن رباح الحكومة وتوسعة شرطية الوقت لما يشمل دخول الوقت أثناء الصلاة لا انها مجرد بيان ان ما اتيت به وان لم يكن واجبا للشرط الا انه مقبول ومجز بل ظاهر الرواية ان ما اتى به واجد لشرطه وهو شرطية الوقت ويؤكد هذه الاستفادة انه لا يعقل التصرف في مقام الامتثال، فإن التصرف في مقام الامتثال لا محالة راجع للتصرف في مقام الجعل. واما ان يعتبر المولى ان مقام الجعل لا يشمل هذا العمل ولكن مع ذلك فهو مقبول وان لم يشمله مقام الجعل، فهو أمر غير معقول كما سبق تحريره وهو ان التصرف في مقام الامتثال راجع في التصرف في مقام الجعل وهو ان الشرط أي شرطية الوقت واسعة لما يشمل دخول الوقت أثناء الصلاة.

الملاحظة الثانية: ما ذكره السيد الإمام في مناقشة شيخه حيث اشكل على كلام شيخه الحائري بإشكالين:

الإشكال الاول: اننا وان سلمنا معه انه لا يعتبر في موضوع قاعدة الفراغ احراز الامر، فلا محالة سوف يكون موضوع قاعدة الفراغ هو المقبولية أي ما احرز امره فهو موضوع لسائر الاصول الترخيصية ومنها قاعدة الفراغ ومع الشك في ان الصلاة الماضية هل دخل الوقت اثنائها أم لا فمرجعه إلى الشك في المقبولية ومع الشك في المقبولية لا يمكن التمسك بدليل قاعدة الفراغ لكونه تمسكا بالدليل بالشبهة المصداقية لموضوعه بل لا يمكن اثبات الحكم لموضوعه فالحكم هو جريان قاعدة الفراغ والموضوع هو المقبولية ونحن نشك في الموضوع فهل يمكن اثبات الموضوع بنفس الحكم فإن هذا دور واضح لان فعلية الحكم فرع فعلية موضوعه فكيف يمكن اثبات الموضوع بنفس الحكم. هذه الملاحظة الاولى التي اوردها، ولكن هذا لا يتم ما لم يناقش ما ادعاه شيخه من موضوع قاعدة الفراغ حيث إنَّ هذا مصادرة على ما ذكره شيخه حيث إنَّ ما قاله شيخه ان موضوع قاعدة الفراغ ليس المقبولية بل المضي مع ان لا يكون الجريان لغوا، وبالتالي بما ان موضوعها هو هذا فإذا شك في المقبولية فليس هو شك بالموضوع كي يقال ان التمسك بالدليل في الشبهة المصداقية بل الموضوع متحقق وجدانا لا، الموضوع الشك فيما مضى مع عدم كون الجريان لغوا غايته انه لكي ترتفع اللغوية فبجريان الفراغ نحرز المقبولية فقول السيد في مقابله بأن موضوع قاعدة الفراغ المقبولية وعدم الشك في المقبولية كيف تجري القاعدة مصادرة، فلابد من مناقشته في أصل المدعى وهو تنقيح موضوع قاعدة الفراغ.

الاشكال الثاني: الذي اشكل به على شيخه، قال: مضافا إلى ان الاستصحاب حاكم على القاعدة رافع لموضوعها، وبيان ذلك: اننا لو سلمنا مع الاستاذ ان موضوع قاعدة الفراغ المضي مع عدم اللغوية فلا ريب ان المكلف لو علم بأن الصلاة لم يدخل الوقت فيها فليست مجرى لقاعدة الفراغ، فكما ان المكلف لو علم ان الوقت لم يدخل في أثناء الصلاة فإن قاعدة الفراغ لا تجري فكذلك لو شك في ان الوقت دخل أم لا بمقتضى استصحاب عدم الدخول فحيث يشك المكلف ان الوقت دخل أثناء الصلاة أم لا يجري استصحاب عدم دخول الوقت إلى حين انقضاء الصلاة وببركة استصحاب عدم الدخول يتنقح لنا ان هذه الصلاة صلاة لم يدخل الوقت فيها فلا تكون موضوعاً لجريان قاعدة الفراغ حيث ارتفع الشك بدخول الوقت باستصحاب عدم الدخول ومع جريان الاستصحاب ينتفي موضع التقبل وموضوع قاعدة الفراغ فلا موضوع قاعدة الفراغ متحقق ولا الأثر الذي يراد الوصول اليه وهو التقبل متحقق الموضوع بعد ثبوت ان هذه الصلاة مما لم يدخل الوقت فيها.

إن قلت: إن القاعدة حاكمة على الاستصحاب كما قرر في الاصول، فمقتضى ذلك: جريان قاعدة الفراغ لا الاستصحاب.

قلت: أولاً: ان حكومة القاعدة على الاستصحاب في فرض ورودهما على موضوع واحد نظير من كان جنبا فصلى ثم شك بعد الصلاة انه اغسل بعد الجنابة أم لا فموضوع الاستصحاب واحد وهو الشك في صحّة الصلاة، ومحل كلامنا ان موضوع الاستصحاب الشك في الدخول موضوع قاعدة الفراغ الشك في مقبولية هذه الصلاة لأجل الشك في موضوع اخر وهو دخول الوقت فإذا تنقح ببركة الاستصحاب عدم الموضوع الأول بأن جرى استصحاب عدم دخول الوقت إلى حين انقضاء وقت الصلاة انتفى موضوع قاعدة الفراغ لان هذه الصلاة قد احرز عدم دخول الوقت فيها.

ثانيا: عنده مبنى في بحث الاستصحاب قال الصحيح عندنا ان وجه تقدم قاعدة الفراغ على الاستصحاب ليس هو الحكومة كما قال به المحقق النائيني بحيث ان قاعدة الفراغ بمثابة العلم الرافع لموضوع الاستصحاب، وليس الوجه في تقدم الفراغ على الاستصحاب انها بمثابة الاخص من دليل الاستصحاب فتقدم عليه بل عندنا نكتة ثالثة وهي ان جريان الاستصحاب وتقديمه على قاعدة الفراغ موجب لاستهجانها إذ لا يبقى لها الا موارد قليلة فيكون تشريعها مستهجنا، فبما ان النكتة هي الاستهجان فيتقدم على الاستصحاب في مورد لا يترتب عليه الاستهجان، ومن الواضح ان جريان الاستصحاب في المقام وهو استصحاب عدم دخول الوقت لا يوجب استهجان جريان قاعدة الفراغ لان اجتماعهما في موضوع واحد كثير فحينئذٍ يجري الاستصحاب ويرتفع بذلك موضوع جريان قاعدة الفراغ.

ويلاحظ على كلا الجوابين:

اما الجواب الاول: فمن الواضح ان موضوعها واحد، فموضوع الاستصحاب والفراغ هو الشك في دخول الوقت، لان موضوعهما الشك في الشرط وهو دخول الوقت في الاثناء فموضوعهما واحد لا ان لكل منهما موضوعا واحد الموضوعين سابق رتبة على الاخر، الا ان يدعي ان موضوع قاعدة الفراغ هو المقبولية فيكون مرجع هذا الاشكال إلى الاشكال السابق.

واما الجواب الثاني: وهو ان النكتة في عدم جريان قاعدة الفراغ في موارد الاستصحاب استهجانها فمن الواضح ان استهجان تشريعها لقلة مواردها موجب لان تكون قاعدة الفراغ اقوى ظهورا في مورد الاجتماع من الاستصحاب ولأجل أقوائية ظهروها تكون بمثابة الأخص فتقدم عليه بنكتة الاخصية، ومقتضى ذلك عدم الفرق بين الموارد سواء ترتب على جريانه الاستهجان أم لا، فعلى اي حال هي اقوى ظهورا منها وعليه تتقدم عليه بنكتة الاخصية.

والحمدُ لله ربِّ العالمين.