الدرس 108

الخلل الواقع في الصلاة

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلّى الله على سيّدنا محمد وآله الطاهرين

وقع البحث في فروع الخلل بالساتر الصلاتي. والخلل في الساتر الصلاتي يتصور من جهات:

الجهة الاولى: في الاخلال بأصل الستر وفي هذه الجهة ذكر سيد العروة في المسألة «الحادية عشر» المتعلقة بشرطية ستر العروة:

«إذا بدت العورة كلا أو بعضاً لريح أو غفلة لم تبطل الصلاة لكن إن علم به في أثناء الصلاة وجبت المبادرة إلى سترها وصحت أيضاً، وإن كان الأحوط الإعادة بعد الإتمام خصوصاً إذا احتاج سترها إلى زمان معتد به».

المقصود بكلا أو بعضا ليس كل العورة أو بعضها وإنما في تمام الصلاة أو بعضها.

ذكر سيدنا: في موسوعة الإمام الخوئي، «ج12، ص: 120‌»:

ان في المسألة صور:

الصورة الاولى: ما لو علم بالبدوّ بعد الفراغ، ولا إشكال حينئذ في الصحة، لحديث لا تعاد، ولصحيحة علي بن جعفر المتقدمة، فإن المتيقّن منها هو هذه الصورة.

الصورة الثانية: أمّا إذا كانت العورة المعلوم كشفها مستورة حال العلم فلا ينبغي الإشكال في الصحة أيضاً، لما عرفت من حديث لا تعاد والصحيحة المزبورة التي لا قصور في شمول إطلاقها لهذه الصورة كما سبق.

الصورة الثالثة: وأمّا إذا كانت مكشوفة في هذه الحالة «اي حال الالتفات» فالظاهر البطلان، سواء احتاج الستر إلى زمان طويل أم قصير، مع فعل المنافي أم بدونه، إذ الحديث لا يشمل صورة العلم والعمد».

أقول: لابّد ان نبحث المسألة من ثلاث جهات:

الجهة الاولى: هل ان دليل شرطية ستر العورة له اطلاق في نفسه بحيث يشمل هذا الفرض وهو فرض من اضطر لكشف العورة آناً ما إذ حين التفت إلى انها مكشوفة وبادر إلى سترها فهو اخل بالساتر اضطرارا.

الجهة الثانية: على فرض اطلاق دليل ستر العورة فهل هناك دليل خاص على صحّة صلاته في هذا الفرض.

الجهة الثالثة: على فرض عدم وجود دليل خاص على تصحيح صلاته في هذا الفرض، هل ان مقتضى حديث لا تعاد صحّة صلاته أم لا؟!.

الكلام في الجهة الأولى:

فقد تعرض سيدنا في الموسوعة «ج12، ص90»: إلى الادلة التي استدل بها على شرطية ستر العورة فهل لها اطلاق أم لا؟.

ومن هذه الادلة صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى قال: «سألته عن رجل عريان وحضرت الصلاة فأصاب ثوباً نصفه دم أو كلّه دم، يصلّي فيه أو يصلي عرياناً؟ قال: إن وجد ماءً غسله، وإن لم يجد ماءً صلّى فيه، ولم يصلّ عرياناً».

استدل بها سيدنا على شرطية ستر العورة واطلاق هذه الشرطية ببيان ان الإمام لم يرخص في الصلاة عريانا، لا في فرض التمكن من الغسل لوجدان الستر مع الطهارة ولا فرض عدم امكان التطهير فعدم الترخيص لا في هذا الفرض ولا ذاك شاهد على ان شرطية ستر العورة مطلقة ونظير هذه الرواية ما ذكره سيدنا في مبحث النجاسات في الموسوعة «ج3، ص358». قال:

منها: صحيحة الحلبي قال: «سألت أبا عبد اللّٰه عن رجل أجنب في ثوبه وليس معه ثوب غيره «آخر» قال: يصلي فيه فاذا وجد الماء غسله».

ومنها: صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه «أنه سأل أبا عبد اللّٰه عن الرجل يجنب في ثوبه ليس معه غيره ولا يقدر على غسله، قال: يصلِّي فيه».

ولكن الكلام: انّ الصحاح هذه مشتملة على شقين الاول ان وجد ماءً غسله وهي دالة بالمدلول الالتزامي على شرطية ستر العورة فإن مدلولها المطابقي شرطية الطهارة ومدلولها الالتزامي شرطية ستر العورة اي ان وجود ساتر للعورة امر مفروغ منه وانما يعتبر فيها الطهارة فبما ان استفادة شرطية ستر العورة مدلول التزامي وليست الرواية في مقام بيانه فليس لها اطلاق نتمسك به عند الشك في شمول الشرطية لفرض الاخلال بستر العورة اضطراراً.

الشق الثاني من الصحيحة: قال: «وان لم يجد ماءً صلى فيه ولم يصل عريانا»، فقد يقال: ان هذا مدلول مطابقي حيث قال «ولم يصل عريانا» فإنّه يدل بالمطابقة انه يدل على شرطية ستر العروة حتّى في فرض النجاسة الا ان هذا الشق من الصحيحة مورد المعارضة بمضمرة سماعة قال: «سألته عن رجل يكون في فلاة من الأرض وليس عليه إلّا ثوب واحد وأجنب فيه وليس عنده ماء كيف يصنع؟ قال: يتيمم ويصلي عرياناً قاعداً يومي إيماء».

وظاهرها: سقوط شرطية الستر في حال النجاسة، ويؤيدها: رواية محمد بن علي الحلبي عن أبي عبد اللّٰه «في رجل أصابته جنابة وهو بالفلاة وليس عليه إلّا ثوب واحد وأصاب ثوبه مني؟ قال: يتيمم ويطرح ثوبه ويجلس مجتمعاً فيصلي ويومي إيماء».

وهنا وقع الكلام في تحصيل الجمع العرفي بين الطائفتين، وعلى فرض استقرار التعارض بينهما فما هو الراجح منهما، اما الامر الأول وهو تحصيل الجمع العرفي، فقد افاد سيدنا: «فالصحيح في وجه المعالجة أن يقال: إن لكل من الطائفتين نصاً وظهوراً، ومقتضى الجمع العرفي بينهما أن نرفع اليد عن ظاهر كل منهما بنص الأُخرى على ما هو الضابط الكلي في علاج المعارضة بين الدليلين، حيث يقدم ما هو أقوى دلالة على الآخر فالأظهر يتقدّم على الظاهر والنص يتقدّم على الأظهر وهذا جمع عرفي لا تصل معه‌ النوبة إلى الترجيح، وحيث إنّ الطائفة الثانية صريحة في جواز الصلاة عارياً وظاهرة في تعينها «تعين الصلاة عريانا»، فإن الإطلاق في صيغ الأمر والجملات الخبرية وسكوت المتكلم عن ذكر العدل في مقام البيان يقتضي التعيين. والطائفة المتقدمة صريحة في جواز الصلاة في الثوب المتنجس وظاهرة في تعينها، فنرفع اليد عن ظهور كل منهما بنص الأُخرى لا محالة والنتيجة هي التخيير، وأنّ المكلّف لا بدّ من أن يأتي بأحدهما فاما أن يصلي في الثوب المتنجس وإما أن يصلي عارياً كما ذهب إليه جمع من المحققين».

ويلاحظ على ما افيد: ما ذكرناه مرارا: من ان مجرد نصوصية وصراحة احد الدليلين لا يعني تحقق الجمع العرفي فإن المناط في الجمع العرفي ليس على صراحة احدهما وظهور الآخر، وانما المناط فيه ان تكون الصراحة قرينة عرفية على التصرف في الظهور، وانما يتأتى ذلك لو جمعا في سياق واحد فرؤيا متلائمين، واما لو جمعناهما فراءيناهما متنافرين فمجرد صراحة احدهما لا يصلح قرينة على ظهور الآخر.

وفي محل كلامنا: لو جمعنا اللسانين في سياق واحد، ففي صحيحة عبد الرحمن، قال: «ولم يصل عريانا»، وفي معبرة سماعة: «يتمم ويصلي عريانا»، فإنّهما بنظر العرف متنافران، لأن ظاهر الاول الارشاد إلى امتداد شرطية الستر حتّى لفرض النجاسة، وظاهر الثاني الارشاد إلى امتداد مانعية النجاسة حتّى لفرض عدم وجود ساتر غيره، ومع هذين الظهورين يكون الجمع بالحمل على التخيير ليس عرفياً.

ولكن سيدنا في «صفحة360»: قال: والذي يوهن الطائفة الثانية أن روايتي سماعة مضمرتان، وليس سماعة في الجلالة والاعتبار كمحمد بن مسلم وزرارة وأضرابهما حتى لا يحتمل سؤاله عن غير الإمام، ولعلّه سأل غيره ولو ممن رآه أهلًا للسؤال، ومن المحتمل أن يكون قد سأل شخصين آخرين غير الإمام . ويؤكده اختلاف الروايتين في الجواب حيث ورد في إحداهما: «إنه يصلِّي قاعداً» ودلت الأُخرى على أنه يصلي قائماً، ومعه كيف يمكن الجزم بأن المسئول في الروايتين هو الإمام . فالروايتان ساقطتان عن الاعتبار.

ولكن ما افيد محل تأمل، بلحاظ ان سماعة وان لم يكن في الجلالة بمثابة الجيل الاول كمحمد بن مسلم وزرارة ولكن نقل روايته من قبل اصحاب الاصول في ازمنة الائمة ضمن الروايات الواردة عن الائمة شاهد على قيام قرينة ارتكازية لديهم على كون المسؤول هو الإمام، ولم يعهد من سماعة وان لم يكن بتلك الجلالة كزرارة ان يستند لغير الامام . كما ان رواية الحلبي بنفس مضمون رواية سماعة.

الجهة الثانية: على فرض تماميتهما من حيث الاخبار عن الإمام ، وعدم امكان الجمع العرفي بينهما ووصول النوبة إلى احكام التعارض فهل يرجح صحيحة علي بن جعفر على معتبرة سماعة أم لا؟.

فهنا ذكر سيدنا «ص359»: «فمن الأصحاب من رجح الطائفة السابقة على الثانية، لاشتمالها على المرجح الداخلي أعني صحتها وكونها أكثر عدداً من الثانية‌ - اي ما دل على الصلاة في الثوب المتنجس اكثر عددا - ومنهم من عكس الأمر لاشتمال الطائفة الثانية على المرجح الخارجي أعني عمل المشهور على طبقها، ومنهم جمع ثالث قد أخذوا بكل واحدة من الطائفتين لما فيهما من المرجحات، ومن هنا ذهبوا إلى التخيير بين الصلاة عارياً وبين الإتيان بها في الثوب المتنجس. وذهب صاحب المدارك إلى عدم المعارضة بين الطائفتين، لأن الطائفة الأُولى صحاح بخلاف الثانية ولا اعتبار بغير الصحيحة ولو كان موثقة. وما ذكره «قده» متين على ما سلكه من عدم حجية غير ما يرويه الإمامي العدل أو الثقة، وأما بناء على ما هو الصحيح المعمول به من كون الموثقة كالصحيحة في الاعتبار فلا وجه لما أفاده، لأن الطائفتين حينئذ على حد سواء ولا يكون وصف الصحة مرجحاً أبداً ومعه لا مزيّة في البين والطائفتان متعارضتان».

أقول: ولكن المرجحين وان كان احدهما داخلي والآخر خارجي كلاهما يرجع إلى مرجح صدوري فلا موجب لتقديم احدهما على الآخر.

فإن قلنا: بأن الطائفة الثانية وهي ما دل على الصلاة عارياً مخالفة للعامة باعتبار ما حكي عن الحنابلة واحمد بقولهما بالصلاة في الثوب المتنجس كانت الطائفة الثانية هي المتقدمة والا تصل النوبة للأصل العملي ومقتضاه التخيير لدوران الامر بين التعيين والتخيير، اي هل المتعين احدهما أم ان الشرط هو الجامع بينهما، ومقتضى البراءة عن التعيين هو ان الشرط هو الجامع بينهما.

والحمدُ لله ربِّ العالمين.