الدرس 109

الخلل الواقع في الصلاة

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلّى الله على سيّدنا محمد وآله الطاهرين

تعقيب متضمن لعدة تعليقات على ما مضى، بيانه:

التعقيب الأول: قد يقال: بأن هناك جمعا عرفيا بين ما دلّ على مطلوبية الصلاة في الثوب المتنجز وما دلّ على مطلوبية الصلاة عرياناً إذا لم يمكن تطهير الثوب فلا تصل النوبة لدعوى التعارض واحكامه، والوجه في ذلك: كما اشار اليه سيدنا:

ان هناك شاهد جمع بين الطائفتين، قال سيدنا: «ج3، ص361»: «ثم لو سلّمنا المعارضة بين الطائفتين فقد يتوهم أن هناك شاهد جمع بين الطائفتين وهو رواية محمد الحلبي قال: «سألت أبا عبد اللّٰه : عن الرجل يجنب في الثوب أو يصيبه بول وليس معه ثوب غيره؟ قال: يصلي فيه إذا اضطرّ إليه».

بدعوى: أنّها تقتضي حمل الصحاح المتقدمة على صورة الاضطرار إلى لبس الثوب المتنجس، وحمل الطائفة المانعة على صورة التمكن من نزعه. وهذا الجمع وإن كان لا بأس به صورة إلّا أنه بحسب الواقع لا يرجع إلى محصل صحيح:

أمّا أوّلًا: فلأن الرواية ضعيفة من جهة القاسم بن محمد.

وأمّا ثانياً: فلأنه لم يثبت أنّ الاضطرار في الرواية أُريد به الاضطرار إلى لبس المتنجس، لاحتمال أن يراد به الاضطرار إلى الصلاة في الثوب لما قد ارتكز في أذهان المتشرعة من عدم جواز إيقاع الصلاة من دون ثوب، فهو مضطر إلى الصلاة فيه لوجوبها كذلك بالارتكاز فاضطراره مستند إلى وجوب الصلاة لا أنه مضطر إلى لبسه، وبما أنه لم يفرض في الرواية عدم تمكن المكلّف من الغسل، فلا محالة يتمكن من الصلاة في الثوب الطاهر بغسله ولا يكون مضطراً إلى إيقاع الصلاة في الثوب المتنجس.

ولكن هذا محل تأمل، لارتكازية عدم صحّة الصلاة عارياً اما ثابتة أو لا فإن كانت ارتكازية عدم صحّة الصلاة عاريا ثابتة فلا وجه للتعليق لأنّ يقول يصلي فيه إذا اضطر اليه لأنّه لا محالة لابّد ان يصلي فيه فأنّه إذا كان المتركز لا تصح مع العري فلابّد ان يصلي فيه لا ان يصلي فيه ان اضطر اليه، وان لم يكن هذا الإرتكاز ثابتا فلا يكون مضطرا إليه.

«وأمّا ثالثاً: فلأن الاضطرار لو سلمنا أنّه بمعنى الاضطرار إلى لبس المتنجس لا يمكننا حمل الصحاح المتقدمة على صورة الاضطرار، لأن فيها روايتين صريحتين في عدم إرادتها، إحداهما: صحيحة علي بن جعفر قال: «سألته عن رجل عريان‌ وحضرت الصلاة... إلى أن قال ولم يصلِّ عرياناً»، «فظاهر صدر الرواية عدم الاضطرار لأنّه كان عريانا اصلا، فهذه الصحيحة»، صريحة في عدم اضطرار الرجل إلى لبس الثوب المتنجس».

فمقتضى الجمع بينهما: ان المسوغ للصلاة في الساتر النجس اما لأنّه مضطر للصلاة فيه نتيجة البرد فلو طهره وتبلل الثوب زاد برده فالمسوغ في الصلاة فيه اضطراره اليه وان كان متمكنا من تطهيره أو ان المسوغ عدم التمكن من تطهيره وان لم يكن مضطرا إلى لبسه.

فتلخص من ذلك: ان لا جمع عرفي بين الطائفتين، فتستقر المعارضة.

التعليقة الثانية: ذكر سيدنا في «ج12، ص91»: «غاية المعارضة سقوط هذه الفقرة من الصحيحة عن الحجية لأجل المعارضة، دون الفقرة الأُولى التي هي محل الاستشهاد في المقام، لسلامتها عن المعارض فيؤخذ بها».

فإنّ صحيحة بن جعفر مشتملة على فقرتين: الفقرة الاولى: إن وجد ماءً غسله. الفقرة الثانية: وإن لم يجد ماءً صلى فيه ولم يصل عريان.

فالمعارض لمعتبرة سماعة الفقرة الثانية، وهي قوله: «ولم يصل عريانا»، فتسقط هذه الفقرة للمعارضة ونرجع إلى قوله: «ان وجد ماءً غسله»، فظاهره: ان اشتراط ستر العورة لا يسقط فنتمسك بالفقرة الأولى لإثبات شرطية ستر العورة.

ولكن ذكرنا: ان هذه الفقرة ليست في مقام بيان شرطية ستر العورة، فتدل بالمدلول الالتزامي على المفروغية عن اشتراط الساتر، وبما ان الرواية ليست في مقام البيان من جهة المدلول الالتزامي فلا اطلاق له لفرض ما إذا اضطر لكشف العورة آناً ما وان لم يكن من افعال الصلاة.

التعليقة الثالثة: ذكرنا انه على فرض تعارض الطائفتين وعدم وجود المرجح تصل النوبة إلى الاصل العملي ومقتضاه التخيير لدوران الامر بين التعيين والتخيير، حيث يشك في انه هل يتعين عليه احدهما أو انه مخيّر بينهما ومقتضى البراءة عن التعيين التخيير.

ولكن، قد يقال بلزوم الجمع بينهما بأن يصلي تارة في الثوب المتنجس واخرى عريانا، والوجه في ذلك ليس من باب منجزية العلم الاجمالي، إذ لا يوجد لديه علم اجمالي لاحتمال التخيير وجدانا فانه وجدانا ان احدهما متعين ويحتمل انه مخيّر بينهما، فلا يوجد لديه علم اجمالي بتعين احدهما كي يكون مقتضى منجزية العلم الاجمالي الجمع بينهما، وليس من باب التشبث بالمدلول الالتزامي بأن يقال كلتا الروايتين تعارضتا في المدلول المطابقي واتفقتا في المدلول الالتزامي فالمدلول المطابقي هو هل يتعين عليه الصلاة في الثوب المتنجز أو يتعين عليه الصلاة عاريا وهنا تعارضت الروايتان حيث إنَّ احدهما دلت على تعين في الصبي المتنجز والأخرى على تعين الصلاة عرينا فتعارضا بالمدلول المطابقي ولكنهما اتفقا في المدلول الالتزامي وهو عدم التخيير حيث إنَّ مآلهما معا إلى انك لست مخيرا بل يتعين عليك احدهما فنتمسك بالمدلول الالتزامي لهما ومقتضاهما ان لا تخيير في المقام وعليه مقتضى القاعدة الجمع بينهما، لعدم العلم بما هو المتعين.

ولكن، هذا مبني على عدم تبعية المدلول الالتزامي للمطابقي في الحجية واما بناء على التعيينية فكما سقط المطابقي لكل منهما بالمعارضة سقط الالتزامي تبعا له.

ولكن نقول بالجمع بينهما، لما ذكرنا في «بحث الاصول»: من قيام الحجة الاجمالية حيث ذكرنا: ان مقتضى اطلاق دليل الحجية شموله لاحدهما لا بعينه فإذا تعارضت فتويان لفقيهين متساويين في العلم أو لم يحرز اعلمية احدهما فنتيجة المعارضة ان كان هناك علم اجمالي بالتكليف كما إذا افتى احدهما بأن من سافر لغير العمل فوظيفته القصر وافتى الآخر بأن كثير اسفر يتم سواء كان للعمل أو لغيره فحيث تعارضت الفتويان فيتساقطان ويرجع المكلف لعلمه الاجمالي وهو يعلم في هذا الفرض اما يجب عليه القصر أو التمام ومقتضى منجزية العلم الاجمالي ان يجمع بينهما، وتارة ليس للمكلف علم اجمالي ولكن قامت الحجة الاجمالية على التكليف كما لو افتى أحد الفقهين بوجوب الجمعة تعيينا يوم الجمعة والآخر بوجوب الظهر تعيينا يوم الجمعة فالمكلف لو رجع إلى وجدانه فليس لديه علم اجمالي اما بتعين الظهر ا الجمعة لأنّه يحتمل التخيير وجدانا، ولكن يقول ان دليل الحجية وهو قوله «خذ بقول الفقيه» لا يشمل كليهما لأنّه تعبد بالمتعارضين، وهو قبيح ولا يشمل احدهما المعين وهو فتوى الفقيه الف أو باء لأنّه بلا مرجح فمقتضى إطلاقه ان يشمل احدهما لا بعينه، وشموله لاحدهما لا بعينه له ثمرة عملية وهي حجية المدلول الالتزامي فحيث علمنا ان احدهما حجة بمقتضى اطلاق دليل الحجية وحدهما له مدلول مطابقي سقط بالمعارضة وله مدلول التزامي فببركة حجية احدهما نتشبث به لإثبات نفي التخيير وانك ليت مخيرا بين الجمعة والظهر بل يتعين عليك احدهما لان احد الفقيهين الذي فتواه حجة افتاك بتعين احدهما، وبعد ان قامت حجة على عدم التخيير فمقتضى الموافقة القطعية لهذه الحجة ان يجمع بينهما وهذا كما ينطبق على الفتويين المتعارضتين ينطبق على الخبرين المتعارضين كما في محل كلامنا فإن مقتضى اطلق دليل الحجية وهو قوله خذ بخبر الثقة شموله لاحدهما لا بعينه ومقتضى حجية احدهما لا بعينه عدم التخيير في المقام وبناءً على عدم التخيير فلابّد من الجمع بين الصلاة عاريا والصلاة في الثوب النجس من أجل تحصيل الموافقة القطعية للحجة الاجمالي، وعليه بناء على مسلك السيد الاستاذ الذي اخترناه من ان العمومات تشمل الأحد لا بعيه توجد في المقام حجة اجمالية مقتضاها الجمع بين الامرين.

فتحصل من ذلك: ان الدليل الاول على شرطية ستر العورة في الصلاة والطواف لا يحرز اطلاقه لما إذا اضطر لكشف العورة انا ما كما إذا التفت إلى انكشاف عورته فبادر إلى سترها فهذا الان إذا توسط بين الان والستر حصل الانكشاف عليه قهرا لا باختياره ولا نحرز اطلاق ما دل على ستر هذه العورة في هذا الفرض.

والحمدُ لله ربِّ العالمين.