الدرس 114

الخلل الواقع في الصلاة

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلّى الله على سيّدنا محمد وآله الطاهرين

ذكر سيد العروة: أنّه إذا حصل انكشاف للعورة أثناء الصلاة غفلة اما من جهة عورة الرجل أو بروز شيء من جسد المرأة، كما لو ظهر شعرها والفت المصلي إلى ذلك فبادر إلى الستر فورا، ففي هذا الآن الذي اضطر المصلي فيه لبروز شيء من العورة هل تبطل صلاته أم لا؟!.

وقد تعرض سيد العروة لهذه المسالة في موردين:

المورد الأول: «مسألة سبعة» من مسائل الستر؛ والمورد الثاني: كرر المطلب في المسألة «الحادي عشر»، والكلام في هذا الفرع كما سبق بيانه من جهات ثلاث:

الجهة الاولى: أن نبحث في أنّ دليل شرطية ستر العورة هل له إطلاق يشمل فرض الاضطرار لانكشاف العورة أم أنّه منصرف من الاصل عن هذا الفرض؟!، فإذا قلنا بشمول دليل الشرطية لفرض الانكشاف الاضطراري، فمقتضى ذلك: فساد الصلاة؛ وإن قلنا بانصراف دليل الشرطية عن هذا الفرض وهو فرض الانكشاف الاضطراري فالصلاة في نفسها صحيحة بلا حاجة إلى البحث عن مصحح، وبالنظر إلى النصوص التي استدل بها على شرطية ستر العورة قد يدعى انصرافها عن الانكشاف الاضطراري.

منها: صحيح مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، قَالَ: «رَأَيْتُ أَبَا جَعْفَرٍ ع صَلَّى فِي إِزَارٍ وَاحِدٍ لَيْسَ بِوَاسِعٍ قَدْ عَقَدَهُ عَلَى عُنُقِهِ فَقُلْتُ لَهُ مَا تَرَى لِلرَّجُلِ يُصَلِّي فِي قَمِيصٍ وَاحِدٍ فَقَالَ إذا كَانَ كَثِيفاً فَلَا بَأْسَ بِهِ والْمَرْأَةُ تُصَلِّي فِي الدِّرْعِ والْمِقْنَعَةِ إذا كَانَ الدِّرْعُ كَثِيفاً يَعْنِي إذا كَانَ سَتِيراً قُلْتُ رَحِمَكَ اللَّهُ الْأَمَةُ تُغَطِّي رَأْسَهَا إذا صَلَّتْ فَقَالَ لَيْسَ عَلَى الْأَمَةِ قِنَاعٌ».

ومقتضى الشرط: أنّه إن كان رقيقا فإن الصلاة فيها بأس فهل لهذه الشرطية إطلاق يشمل حتّى آنات الصلاة أم ان الشرطية ناظر لأفعال الصلاة؟.

وبعبارة أخرى: إنّ الرواية قالت: «الرجل يصلي في القميص الواحد»، فهل ان عنوان الصلاة عنوان حتّى للآنات المتخللة بين الافعال فما يدل على انّه شرط في الصلاة يدل على انه شرط في الآنات أيضاً؟ أم ان عنوان الصلاة حاك عن الافعال لا عن الآنات ولا اقل من الشك في مبرزية عنوان الصلاة للانات وحينئذٍ يقال غاية ما يستفاد من هذه الصحيحة ان شرطية الكثافة في ساتر العورة ناظر لأفعال الصلاة واما انه شرط حتّى في الآنات لا يستفاد من هذه الشرطية باعتبار ان مصبها عنوان الصلاة ولا نحرز مبرزية العنوان للآنات؟، وعلى فرض شمول هذه الصحيحة حتّى للآنات كما لو فرضنا ان المصلي انكشفت عورته بين الركوع والسجود فهو في آن من الآنات وليس في فعل من افعال الصلاة لو فرضنا ان دليل شرطية الستر يشمل حتّى الآنات ولا يختص بالأفعال فهل ان دليل شرطية الستر يشمل موارد الاضطرار القهري لانكشاف العورة كما لو فرضنا انه انكشفت بين الركوع والسجود غفلة والتفت فبادر للستر فإن المبادرة حصل فيه انكشاف قهري، فهل دليل الشرطية يشمل هذا الفرض بحيث تفسد صلاته فنقول غاية ما يستفاد من هذه الرواية ان شرطية الغلظة والستر إنّما هي في فرض الالتفات والاختيار وأما شمولها حتّى لفرض الاضطرار فلا يحرز إطلاق الرواية لمثل ذلك خصوصا ان الرواية ليست في مقام البيان من هذه الجهة حتّى تشمل مورد الاضطرار.

الرواية الثانية: الْحُسَيْنُ بْنُ سَعِيدٍ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ أُذَيْنَةَ عَنْ زُرَارَةَ، قَالَ: «سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ ع - عَنْ أَدْنَى مَا تُصَلِّي فِيهِ الْمَرْأَةُ قَالَ دِرْعٌ ومِلْحَفَةٌ فَتَنْشُرُهَا عَلَى رَأْسِهَا وتَتَجَلَّلُ بِهَا».

ذهب جمع من الأعلام: ان هذه الرواية افضل ما دلَّ على شرطية الستر للمرأة فهل لها دلالة على الستر حتّى في آنات الصلاة أم لا إطلاق لها للانات خصوصاً ان عنوان الصلاة ورد في سؤال سائل، وهي ليست في مقام بيان الشرطية حتّى يكون لها إطلاق لفرض الاضطرار لأنّها في مقام بيان أدنى ما يفي لا شرطية الستر حتّى نتمسك بإطلاق الستر حتّى لفرض الاضطرار. فأصل دليل شرطية ستر العورة لا نحرز اطلاقه لفرض الاضطرار، وبذلك يندفع ما ذكره سيدنا «ج12، ص112» من موسوعته، حيث قال:

«ويندفع: بأن مقتضى الإطلاق في أدلة اعتبار الاختمار لزوم رعايته من ابتداء الصلاة إلى اختتامها، والتخصيص بالأفعال عارٍ عن الدليل ومنافٍ للإطلاق المزبور كما لا يخفى».

الجهة الثانية: هل توجد روايات صحيحة تخرج فرض الاضطرار عن عموم دليل الشرطية أم لا؟.

ذكر بعض، ومنهم صاحب المستمسك: أنّه قد يدعى وجود بعض المخصصات، مثل: صحيحة مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ عَنِ الْعَمْرَكِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَخِيهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ ، قَالَ: «سَأَلْتُهُ عَنِ الرَّجُلِ صَلَّى وفَرْجُهُ خَارِجٌ لَا يَعْلَمُ بِهِ هَلْ عَلَيْهِ إِعَادَةٌ أو مَا حَالُهُ قَالَ لَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ وقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ».

فيقال: أن مقتضى إطلاقها: ان من بان فرجه من دون تعمد فإنّ هذا لا يضر بصحة صلاته سواء التفت لذلك أثناء الصلاة أو بعدها، وسواء عندما التفت لذلك كان الفرج منسترا أم ظاهراً.

وناقش في ذلك السيد الخوئي «ص113»:

«وفيه: أنّ إطلاق الصحيحة وإن لم يكن قاصر الشمول لصورة الالتفات في الأثناء، ولا يختص بما بعد الفراغ كما لو علم بعد القيام بالكشف حال السجود إلا أنّه لم يفرض فيها الكشف حين الالتفات الذي هو محلّ الكلام ليتعدّى إلى المقام ودعوى الإطلاق حتى من هذه الناحية عهدتها على مدعيها، بل هي في حيّز المنع كما لا يخفى.

وبالجملة: لا نضايق من شمول الصحيحة لمن التفت حال الجلوس مثلًا إلى وجود ثقب في ثوبه أوجب كشف عورته حال السجود، إلا أنّ استدامة الكشف إلى حال الالتفات والعلم ليكون نظير المقام يحتاج إلى مزيد عناية لم تفرض في الرواية، ولأجله لا تصلح للاستدلال بها لما نحن فيه. والمتحصّل: أنّ الأظهر في هذه الصورة بطلان الصلاة».

ويلاحظ على ما أُفيد:

أن قول السائل «صلى وفرجه خارج لا يعلم به»، اما منصرفة إلى عدم العلم اثناء الصلاة بحيث لم يعلم الا بعد الصلاة، وبالتالي لا يصح الاستدلال بها على صحّة حتّى لمن انكشف له اثناء الصلاة ولكن الانكشاف لفعل سابق لأنّ منظورها من لم يعلم حتّى فرغ من صلاته.

وأمّا أن نقول: بأن قوله «صلى وفرجه خارج لا يعلم به» مطلق، أي من برز فرجه غفلة منه فإنّ بروز فرجه غفلة منه لا يوجب فساد صلاته سواء التفت لذلك بعد الصلاة أم اثنائها سواء كان حين الالتفات اثناء الصلاة أم بعدها فالتفصيل بين الانكشاف في فعل سابق والانكشاف الحالي غير تام.

الجهة الثالثة: بناءً على عدم تمامية دلالة صحيحة علي بن جعفر على من انكشف عورته اثناء الصلاة فبادر إلى سترها، نقول:

هل يوجد دليل عام يصحح صلاته؟ أم لان الدليل العام هو حديث لا تعاد؟.

فهل يصح الاستدلال بحديث لا تعاد على ان انكشاف العورة اثناء الصلاة غير ضائر بصحة صلاته أم لا؟.

وأمّا حديث «رفع عن امتي ما اضطروا اليه» فلا يصلح للاستدلال كما بنى عليه السيد الإمام، والوجه في ذلك: أمّا خلل في الموضوع أو المحمول.

اما الخلل في الموضوع: فهو عنوان الاضطرار، فقد لا يصدق عليه انه مضطر لأنّه ما وجب عليه هو طبيعي الصلاة بين الحدين، فإذا صلى وفي اثناء صلاته انكشفت العورة واضطر إلى هذا الآن من الانكشاف فلا يقال بأنّه مضطر لأن يصلي منكشف العورة، لأنّه بإمكانه أن يوجد فرداً للامتثال فمن بدت عورته اضطرارا في فرد من أفراد الصلاة لا يصدق عليه انه مضطر لأن يصلي منكشف العورة فما هو متعلق الامر وهو الطبعيي بين الحدثين لا اضطرار لايقاعه منكشف العورة وما هو مشطر لإيقاعه منكشف العورة ليس متعلقا لأمر لأنّه فرد من افراد الامتثال.

نعم، لو فرضنا ان المصلي كان في ضيق الوقت واضطر لانكشاف عورته آنا ما حيث ليس له مجال لإعادة الصلاة، فهنا قد يصدق عليه انه اضطر لان يوقع الصلاة منكشف العورة.

وأمّا الخلل في المحمول: فهو خلاف مبنائي مع السيد الإمام، وقد ذكرناه سابقاً: ان حديث الرفع لا يثبت صحّة الصلاة فغاية ما يستفاد من حديث الرفع أن الأمر بالصلاة مستور العورة ساقط في حق هذا المكلف لاضطراره إلى مخالفته فبما انه مضطر لمخالفة هذا الامر، فالأمر بالصلاة مستور العورة ساقط وسقوطه لأجل اضطراره لا يثبت صحّة المركب الناقص الذي أتى به.

فالمناسب في المقام: هو الاستدلال ب «حديث لا تعاد» كما هو استدل به وليس حديث «ما اضطر اليه» فهل «حديث لا تعاد» تام أم لا؟.

فقد استدل جمع من الأعلام على صحّة صلاة المكلف في هذا الفرض بحديث لا تعاد؛ والوجه في ذلك: أن المناط في حديث لا تعاد على الكبرى المذكورة في الذيل وهي قوله : «لا تنقض السنة الفريضة»، وظاهرها: ان الاخلال بسنة عن عذر لا يوجب بطلان الفريضة والمفروض ان هذا المكلف الذي بدت عورته غفلة فبادر إلى سترها مضطر لانكشاف العور ة انا ما فإخلاله بالساتر اخلال بسنة عن عذر وهو الاضطرار والاخلال بالسنة عن عذر لا يوجب نقض الفريضة فصلاته صحيحة.

ولكن سيدنا الخوئي في «ص120» قال: «يريد به بقرينة المقابلة ما لو علم بالبدوّ بعد الفراغ، ولا إشكال حينئذ في الصحة، لحديث لا تعاد، ولصحيحة علي بن جعفر المتقدمة، فإن المتيقّن منها هو هذه الصورة.

وأمّا إذا كانت مكشوفة في هذه الحالة فالظاهر البطلان، سواء احتاج الستر إلى زمان طويل أم قصير، مع فعل المنافي أم بدونه، إذ الحديث لا يشمل صورة العلم والعمد، كما أنّ الصحيح منصرف عنها أو قاصر الشمول لها على ما تقدّم ومعه لا مناص من البطلان، للإخلال بالستر المعتبر حتّى في الأكوان المتخلّلة بمقتضى إطلاق الأدلّة. ومن ثم يحكم بلزوم المبادرة لو التزمنا بالصحة، نعم يحكم بها عند ضيق الوقت لأهميته الموجبة لسقوط اعتبار الستر حينئذ، وقد تقدّم في الأمة المعتقة في الأثناء ما ينفع المقام فلاحظ».

والحمدُ لله ربِّ العالمين.