الدرس 116

منجزية العلم الإجمالي

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلّى الله على سيّدنا محمد وآله الطاهرين

ما زال الكلام في انه إذا كان في أحد طرفي العلم الاجمالي خطاب مختص فهل ينحل به العلم الاجمالي أم لا؟.

وذكرنا ان هناك صورتين: ووقع الكلام في الصورة الثانية، وهي: ما إذا كان الخطاب المختص هو الأصل الحاكم. كما إذا ذكرنا اجمالا بنجاسة اجمالا وكان في أحد المائين استصحاب للطهارة، فهل أن أصالة الطهارة في المائين تسقط بالاجمال وتصل النوبة إلى جريان استصحاب الطهارة في ماء ألف بلا معارض، فينحل به العلم الاجمالي، كما أفاده السيد الشهيد. وتنقيح البحث: ان المعارضة بين استصحاب الطهارة في الماء ألف واصالة الطهارة في ماء باء فرع تمامية الشروط لجريان أصالة الطهارة في ماء الف، اي إذا كان المقتضي موجودا والشرط متحققا والمانع مفقودا فحينئذ ستحصل المعارضة بين أصالة الطهارة في ماء باء واستصحاب الطهارة في ماء الف. فلابد ان ندقق هل ان أصالة الطهارة في ماء باء واجدة للمقتضي والشرط وفاقدة للمانع كي تتحقق المعارضة بينها وبين استصحاب الطهارة في ماء ألف أم لا؟.

والكلام اولا: حول وجوب المقتضي: هل ان المقتضي لأصالة الطهارة موجود أم لا؟ والمقتضي هو عبارة عن أصل الظهور اي هل ان دليل أصالة الطهارة له ظهور في الإطلاق بحيث يشمل بإطلاقه جريان أصالة الطهارة في ماء باء أم لا إطلاق له؟. ويبتني هذا البحث على النظر إلى ماء ألف، حيث ان في ماء ألف أصلاً حاكما وهو استصحاب الطهارة فيأتي السؤال هل ان وجوب الأصل الحاكم في مورد رافع للظهور أم رافع للفعلية؟ يعني هل ان دليل أصالة الطهارة لا إطلاق له لماء ألف لوجود أصل حاكم؟ أم ان الإطلاق منعقد لكن لا فعلية له لا حجية له مع وجود الأصل الحاكم، فهل الأصل الحاكم مانع من أصل الظهور أم انه مانع من الحجية؟ والذي يترتب على هذا السؤال هو وجود المقتضي في طرف باء وعدمه فوجود المقتضي في طرف باء يتوقف على تنقيح هذا النقطة في طرف الف. فإن قلنا: بأن الأصل الحاكم رافع لأصل الظهور اي ان استصحاب الطهارة مع جريانه يمنع أصل الإطلاق لدليل أصالة الطهارة فلا إطلاق للدليل بحيث يشمل طرف ألف لان فيه أصلاً حاكما إذا من الاساس دليل أصالة الطهارة لا ظهور له في الشمول لطرف ألف اصلا، لان فيه أصلاً حاكما فاذا لم يكن له ظهور من الأصل في الشمول لطرف ألف اذن ظهوره في الشمول لطرف باء لا مانع له حيث ان ظهوره في الشمول لطرف باء فرع عدم ظهوره للشمول في طرف الف، اذ لو كان ظاهرا في الشمول لكليهما لحصل له اجمال له إذ لا يمكن ان يكون شاملا لطرفي العلم الاجمالي في ان واحد فاذا لم يشمل أحد طرفيه فشموله للآخر متحقق، اذن إذا قلنا بأن استصحاب الطهارة أصلاً يمنع ظهور دليل أصالة الطهارة في الشمول لطرف ألف فلا شمول له لهذا الطرف من الاساس فلا مانع حينئذ شموله لطرف باء إذ بالنتيجة دليل أصالة الطهارة لم يشمل طرفي العلم الاجمالي كي يسقط بالاجمال الداخلي كما يقول السيد الشهيد، فاذا شمل طرف باء حصلت المعارضة بينه وبين استصحاب الطهارة في طرف الف. اما إذا قلنا كما هو الصحيح: بأن الأصل الحاكم لا يرفع الظهور وانما الأصل الحاكم يمنع لحجية فلا حجية للأصل المحكوم مع جريان الأصل الحاكم لا ان دليله لا ظهور له في الشمول لهذا المورد، فغاية ما يترتب على استصحاب الطهارة في طرف ألف ان لا حجية لأصالة الطهارة في هذا الطرف لا انه لا ظهور لها، وعدم حجيتها لا يعني عدم الظهور، اذن ما زال دليل أصالة الطهارة ظاهرا في نفسه لولا المانع في شمول الطرفين اي طرف باء وطرف الف، فاذا كان دليل أصالة الطهارة كذلك، إذن يأتي فيه كلام السيد الشهيد فيقول: بأن احتفاف هذا الدليل، نعم لولا هذا الاحتفاف لكان شاملا لهما لكن احتفاف هذا الدليل بالارتكاز العقلائي على ان لا يضحى بغرض لزومي لأجل غرض ترخيصي فلا محالة حينئذ يسقط دليل أصالة الطهارة في كلا الطرفين فيجري استصحاب الطهارة في طرف ألف بلا معارض وينحل به العلم الاجمالي وهذا ما ذهب اليه السيد الشهيد.

فالمسألة بنظر السيد الشهيد تبتني على هذه النكتة: وهي: أن وجود أصل حاكم في الطرف الآخر هل هو مانع من أصل الظهور أو مانع من الحجية؟ فإن كان مانعا من أصل الظهور، اذن بالنتيجة: ظهور دليل أصالة الطهارة في طرف باء فعلي، ومقتضى كونه ظاهرا في الشمول لطرف باء معارضته لاستصحاب الطهارة في طرف الف، واما إذا كان الأصل الحاكم في طرف ألف لا يمنع من الظهور بل يمنع من الحجية إذن فدليل أصالة الطهارة لولا الارتكاز العقلائي ظاهر في الشمول لكلا الطرفين، وببركة الارتكاز سقط بالانصراف فيجري استصحاب الطهارة في طرف ألف وينحل به العلم الاجمالي لا ما فهمه المقرر من كلامه وأشكل عليه، فراجع ودقق.

ولكن يلاحظ على ما أفاده: من ان دليل أصالة الطهارة لا يشمل الطرفين بالانصراف أو ما يعبر عنه بالاجمال الداخلي وذلك ببركة احتفاف دليل الأصل بالارتكاز العقلائي القائم على انه لا يضحى بغرض لزومي من اجل غرض ترخيصي. وهنا نتساءل، وقد ذكرنا هذا الاشكال في بحث «الترخيص المشروط»: وهو انه هل يستفاد من دليل الأصل العملي الترخيص المشروط أم لا؟ ذكرنا هذا السؤال في ذلك المورد. وهو ان مؤدى كلام السيد الشهيد «قده»: هل هو سقوط الإطلاق الاحوالي ببركة احتفافه بالارتكاز العقلائي أم سقوط الإطلاق الافرادي؟، اي هل ان مدعى السيد الشهيد ان نتيجة احتفاف دليل الأصل بهذا الارتكاز العقلائي بأنه أصلاً لا يشمل الطرفين فهو منصرف لمورد العلم الاجمالي؟ أم ان نتيجة كلامه ان الإطلاق الاحوالي لدليل الأصل سقط، يعني شمول دليل أصالة الطهارة لطرف باء ليس له إطلاق احوالي بحيث يشمله حال شموله لطرف الف، فالساقط هو هذا الإطلاق لا شمول له لطرف باء حال شموله لطرف ألف فالساقط هو الإطلاق الاحوالي واما الاطلاق الاحوالي وهو ان يكون شاملا في طرف باء في نفسه لا بقيد شموله لطرف ألف فهذا مما لا مانع منه. ومن الواضح ان الاحتفاف بالارتكاز العقلائي غاية ما يمنع الإطلاق الاحوالي، لأنّ الارتكاز العقلائي يقول لا يضحى بغرض لزمي لأجل غرض ترخيصي، ومن الواضح ان هذه التضحية انما يتصور مع وجود إطلاق احوالي، اي يشمل طرف باء حال شموله لطرف الف، اما إذا سقط الإطلاق الاحوالي وكان شاملا لطرف ألف في نفسه لا بقيد شموله لطرف باء فالارتكاز العقلائي حينئذ لا يمانع من ذلك. إذن فغاية ما يترتب على كلامه سقوط الإطلاق الاحوالي. ولكن هل المعارضة تنتفي بسقوط الإطلاق الاحوالي أم ان المعارضة باقية؟ اي ان الإطلاق الاحوالي لدليل أصالة الطهارة بعد سقوطه هل يرفع المعارضة بين استصحا بالطهارة في ماء ألف واصالة الطهارة في ماء باء، أم ان المعارضة تبقى؟.

ذكرنا هناك في مسالة الترخيص المشروط: ان الاعلام بحثوا هذه النقطة في تعارض الادلة في «أواخر الاصول، بحث: التعادل والتراجيح»:

حيث ذهب البعض: بأنه إذا تعارض خبران: خبر يدل على وجوب الجمعة تعيينا، وخبر يدل على وجوب الظهر يوم الجمعة تعيينا، إذا تعارض الخبران فالمعروف بينهم ان دليل الحجية لا يشمل المتعارضين ولا يشمل احدهما المعين لأنه ترجيح بلا مرحج، فطرح في مقابل ذلك بانه أي مانع بأن نقول: حجية أحدهما مشروطة فيرتفع التعارض، لان التعارض بينهما تعارض بين الاطلاقين، يعني بين إطلاق دليل الحجية للخبر الاول وان كان الثاني حجة واطلاق دليل الحجية في الخبر الثاني وان كان الاول حجة، فالتعار في الواقع بين الاطلاقين اي ان الإطلاق الاحوالي لدليل الحجية لأي منهما يعارض الإطلاق الاحوالي لدليل الحجية في الاخر، فلا يمكن ان يقال ان ألف حجة وإن كان باء حجة لان يلزم منه التعبد بالمتعارضين وباء حجة وان كان ألف حجة لانه يلزم منه التعبد بالمتعارضين فبما أن التعارض بين الإطلاقين الأحواليين، فنتخلص بهذا التعارض برفع اليد بأحد الاطلاقين في أحد الطرفين.

فنقول: دليل الحجية يشمل ألف ولكن لا يشمل باء الا عند ترك الاخذ بألف أو لا يشمل باء الا عند اختيار باء فيكون دليل الحجية بالنسبة له مشروطا ويبقى دليل الحجية بالنسبة لألف مطلق، إذ المشكلة بين الإطلاقين الاحواليين، فإذا سقط احدهما بالاشتراط بأحدهما ارتفعت المشكلة.

واجيب عن هذا الطرح في مورده: بأن هذا لا يجدي، والسر في ذلك: حتى لو كانت الحجية في باء مشروطة، فإنّ إطلاق الحجية في طرف ألف يتعارض مع الحجية في طرف باء حين تحقق شرطه، فيتعارض الإطلاق الاحوالي في طرف ألف مع الإطلاق الافرادي في طرف باء لأننا غاية ما صنعنا ان رفعنا اليد عن الإطلاق الاحوالي في طرف باء ولكن الإطلاق الافرادي بمعنى أصل شمول دليل الحجية له ما زال باقيا، فيقال حينئذ: ان الحجية في طرف ألف بما انها مطلقة يتعارض اطلاقها مع أصل الحجية في طرف باء الذي ثبت بالاطلاق الافرادي. فمثلا لوكان الشرط ان لا يأخذ بأن قال: ان ألف حجة مطلقا وباء حجة ان لم تأخذ بألف، ففي فرض عدم الاخذ بألف صار باء حجة وفي هذا الفرض ألف مطلق في الحجية فيقع التعارض بين فعلية الحجيتين في هذا الظرف. ونفس الكلام نقوله: في الاصول العملية في اطراف العلم الاجمالي فإذا أردنا ان نطبقه على محل البحث، فنقول:

ان المفروض ان استصحاب الطهارة في طرف ألف حجيته مطلق لأنّ الإطلاق الاحوالي لاستصحاب الطهارة في طرف ألف لا موجب لسقوطه فيقول دليل الحجية بأن الإطلاق الاحوالي لاستصحاب الطهارة في طرف ألف تام، ولكن الإطلاق الاحوالي لأصالة الطهارة في طرف باء ساقط الا ان الإطلاق الافرادي باق، ولكننا قلنا مثلا بأن دليل أصالة الطهارة يجري في طرف باء في نفسه. وجريان أصالة الطهارة في طرف باء في نفسه مع غمض العين في جريان شيء في طرف ألف هل يرفع التعارض؟ لا يرفع التعارض لأنه يبقى التعارض بين إطلاق الترخيص في طرف ألف وأصل الترخيص في طرف باء بين إطلاق التعبد بالطهارة في طرف ألف وأصل التعبد بالطهارة في طرف باء فإن نكتة التعارض وهي قبح الترخيص في المخالفة القطعية واحدة فإذن تخلص السيد الشهيد «قده» من الإطلاق الأحوالي لدليل أصالة الطهارة بلحاظ احتفافه بالمرتكز العقلائي لا يخلص الباب من المعارضة بحيث يكون موجبا لانحلال العلم الاجمالي بل يبقى التعارض بين الإطلاق الاحوالي لاستصحاب الطهارة في طرف ألف وأصل جريان أصالة الطهارة في طرف باء المستفاد من الإطلاق الافرادي. هذا كله فيما يتعلق بالمقتضي. هل ان هناك مقتضي لجريان أصالة الطهارة في طرف باء أو لا يوجد مقتضي؟ قلنا المقتضي موجود.

الامر الثاني: فلنفترض ان المقتضي موجود لكن قد يدعى بأن الشرط أي شرط جريان أصالة الطهارة في طرف باء غير موجود هذا الشرط والمقصود بالشرط هل ان أصالة الطهارة في طرف باء متأخر وجوداً عن استصحاب الطهارة في طرف ألف كي لا يكون معارضا معه أو ليس متأخر ا وجودا إذ قد يدعى في بعض الكلمات: التأخر الوجودي، بأن يقال: لا تجري أصالة الطهارة في طرف باء حتى تسقط أصالة الطهارة في طرف ألف لأنه مع جريان أصالة الطهارة في طرف ألف سوف يحصل التعارض بين أصالة الطهارة بين أصالة الطهارة في طرف ألف واصالة الطهارة في طرف باء، اذن جريان أصالة الطهارة في طرف باء فرع سقوط أصالة الطهارة في طرف ألف وسقوط أصالة في طرف ألف فرع جريان الأصل الحاكم وهو استصحاب الطهارة لأنه إذا جرى سقطت أصالة الطهارة فيه. فالنتيجة: ان أصالة الطهارة في طرف باء متأخر عن استصحاب الطهارة في طرف الف، إذ ببركة جريان استصحاب الطهارة في طرف ألف سقطت أصالة الطهارة فيه واذا سقطت أصالة الطهارة فيه جرت أصالة الطهارة في طرف باء، فجريان أصالة الطهارة في طرف باء متأخر عن جريان استصحاب الطهارة في طرف ألف وما كان وجوده متوقفا على وجود شيء فكيف يكون معارضا له؟!، فإذا كان جريان أصالة الطهارة في طرف باء متوف على استصحاب الطهارة في طرف ألف فكيف يكون معارضا له والمعارضة فرع المعاصرة في الوجود، فاذا كان هو متوقف عليه فكيف يكون معارضا له.؟ قد يقال هكذا.

ولكن الصحيح. يأتي بحثه.

والحمدُ لله ربِّ العالمين