أسباب مرض قسوة القلب وطرق علاجه

تحرير المحاضرات

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ النار

صدق الله العلي العظيم

إنطلاقاً من الآية المباركة نتحدث في:

  • المحور الأول: بيان حقيقةِ القلب.
  • المحور الثاني: تحديد مرض القلب بمرض القسوة والجفاف.
  • المحور الثالث: أسباب هذا المرض وطرق علاجه.
المحور الأول:بيان حقيقةِ القلب.

هناك مصطلحات تتردد في النصوص القرآنية، النفس، الروح، القلب. فما هو الفرق بين هذه المصطلحات؟

الإنسان مُركب من عنصرين: عنصر مادي وهو الجسد، وعنصر ملكوتي وهو النفس.

والدليل على أن الإنسان مٌركبٌ من هذين العنصرين: وجود المنقسم وغير المنقسم، كما يُعبر الفلاسفة، أي أن الإنسان يشعر شعوراً وجدانياً بأن هناك عنصرين: عنصر منقسم، وعنصر لا ينقسم.

العنصر الذي ينقسم: هو البدن، الإنسان إذا رأى بدنه رأى أنه ينقسم إلى يمين وشمال وفوق وتحت وظاهر وباطن، لكنه يرى عنصراً آخر لاينقسم وهو نفسه التي يشير إليها بكلمة أنا ويُعبر عنها بلفظة أنا، هذا العنصر الذي يعبر عنه بلفظ أنا لا يراه منقسماً لا إلى يمين أو يسار أو فوق أو تحت، كلمة أنا تعني شيئاً واحداً بسيطاً لا ينقسم إلى جهات. إذن مايشعر به الإنسان وجود عنصرين: عنصر منقسم وهو الجسد وعنصر لا ينقسم وهو المعبر عنه بكلمة أنا وهي النفس.

العنصر الأول ماديٌ: لأن كل مادي فهو يقبل القسمه ويقبل التجزئه، وأما الذي لاينقسم وهو الذي يشير إليه بلفظة أنا إذن هو غير مادي فهو وراء الماده.

وما علاقة النفس وهي الغير ماديه، والجسد وهو المادي؟

هناك شعاع تبثه النفس إلى الجسد هذا الشعاع يسمى بالروح، الفرق بين النفس والروح كالفرق بين الشمس وشعاع الشمس، الشمس ترسل أشعتها وضوئها إلى الأرض، أيضاً النفس غير الروح، فالنفس ترسل شعاعها وطاقتها إلى الجسد هذه الطاقة يسمى بالروح، فالروح شعاع النفس وكلمة الحياة التي تبثها النفس في الجسد، ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ الروح شعاع وطاقة تنفخ ﴿فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ. إذن الروح علاقة بين النفس والجسد هذه العلاقة تبقى فترة ثم ترفع وتُحجب عن الجسد حال الموت.

النفس لها عدة قوى فمن قواها:

القوة الأولى: النفس الأمارة: وهي الشهوة التي تُلح على الإنسان أن يُشبعها شهوة الطعام والجنس وشهوة اللذة ﴿وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ.

القوة الثانية: النفس اللوامة: وهي الضمير الموجود عند الإنسان الذي يؤنبه إذا إنحرف ويمدحه ويحسن عمله إذا إنضبط وإستقام ﴿لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ «1» وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ.

القوة الثالثه: القوة العاقله: التي تسيطر على تصرفات الإنسان ومسيرة الإنسان والتي عبر عنها القرآن بالنفس المطمئنه ﴿ياأيتها النفس المطمئنه إرجعي إلى ربك راضية مرضيه فأدخلي في عبادي وأدخلي جنتي.

القوة الرابعه: قوة القلب، هو قوة من قوى النفس شأنها الإنفعال وظيفتها أن تنفعل، تفرح وتحزن، تظن وتتيقن، تحب وتبغض، تنفر، هذه القوة التي وظيفتها الإستجابه إلى العوامل الخارجيه تسمى بالقلب.

المحور الثاني: تحديد مرض القلب بمرض القسوة والجفاف.

القلب إذا راجعنا الروايات القلب يذنب كما يُذنب الجسد بمعنى أن الذنب ينعكس أثره على الجسد وينعكس أثره على القلب القرآن يقول: ﴿وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ الإثم له أثر ظاهر وأثر باطن، إذا كذب الإنسان أو عق والديه إنعكس أثر الذنب على ظاهره وباطنه ﴿وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ ﴿َإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ يقول﴿وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ القلب يكتسب شيئاً من الذنب ويكتسب من آثاره.

إذن الذنوب تعكس آثارها على الجسد وتعكسها على القلب، إذا شرب الإنسان الخمر كان للخمر آثران: أثر جسدي وأثر قلبي، إذا قام الإنسان بالزنا له أثران: أثرٌ جسدي وأثرٌ قلبي.

الذنب يعكس أثره على القلب، لماذا؟ لأن القلب كالبدن له أحوال وله أعراض، ورد عن الإمام أمير المؤمنين : ”إن للجسم 6 حالات: الصحه والمرض، والحياة والموت، والنوم واليقظه، وإن للروح 6 حالات: فحياة الروح علمها، وموتها جهلها، وصحتها يقينها، ومرضها شكها، ونومها غفلتها، ويقظتها حفظها“ إذن هناك أعراضاً تمر بالقلب كما أن هناك أعراضاً تمر بالجسد.

وكما أن الجسد يتعرض للمرض أيضاً القلب يتعرض للمرض القرآن الكريم يقول: ﴿فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا قد يصاب الإنسان أحياناً بالقلق وهذا مرض قلبي، أو يصاب بالحسد، وقد يصاب بسوء الظن يشكك دائماً في شخصيات الآخرين وهذا مرض، وكما أن مرض الجسد يمنع من الراحه فإن مرض القلب يمنع من الراحه.

إذا تألم الإنسان في بطنه أو أسنانه فإنه لا يستطيع أن يستقر أو يرتاح، فكذا إذا عاش الإنسان مرض الحسد فإنه لا يرتاح أن يرى الناس متنعمين وهو يعيش في حالة أخرى، إذا إبتلى الإنسان بمرض سوء الظن لايستطيع أن يحقق صداقه أبداً لأنه يشك في الناس دائماً لا تستقر له زوجه ولا زوج، ولا صديق ولا صاحب لأنه يعيش الشك دائماً.

وكما أن الجسد يموت فإن القلب يموت، وإن موت القلب أشدُ من موت الجسد، موت الجسد يحرم الإنسان من لذة مؤقته فهو إذا مات حُرم من لذات، من بضعة أيام أو بضع سنين يعيشها على الأرض حُرم منها لأنه مات جسده، أما إذا مات القلب فإنه يحرم الإنسان من السعادة الأبديه ومن الحياة الأخروية الدائمه المستقرة، فإذا مات القلب فأي حياة ترجى بعد موته.

لذلك كما نحتاج لعلاج أمراض الجسد ننشئ المستشفيات ونقيم معامل الأدوية لعلاج أمراض الجسد، فإننا أيضاً نحتاج لعلاج أمراض القلب وعلاجها بمجالسة العلماء الروحانيين والربانيين والعلماء الذين يذّكرون بالله، كما ورد في الحديث: ”العالم إذا رأيته ذكّرك الله“ قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ وكما ورد عن أمير المؤمنين : ”الناس ثلاثه: عالمٌ رباني، ومتعلمٌ على سبيل نجاة، وهمجٌ رعاع ينعقون مع كل ناعق“ الجلوس مع العالم الرباني الذي يُذكرك بالله وبالآخرة من طرق وأدوات علاج مرض القلب.

المحور الثالث: من أشد أمراض القلب مرضُ الجفاف

أن الإنسان يشعر بالجفاف الروحي هذا المرض الذي عبر عنه القرآن بالقسوة ﴿ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِأما القلوب المتحجره والتي تعيش جفافاً روحياً فإنها لا ينبض منها ماء ولا حياة ولا ينبض منها وجل أشدُ من الحجارة قسوة، ﴿أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ.

القسوة، قسوة القلب ومرض الجفاف الروحي من الأمراض المنتشره فينا والمستحكمه علينا ومنتشره في مجتمعاتنا، هذا المرض نتحدث عنه من خلال أسباب ومناشئ هذا المرض، وطرق علاج هذا المرض وماهي أعراضه؟ كيف أعلم أنني مبتلى بمرض القسوة؟

هناك أربعة أعراض:

العرض الأول: روح التحدي، بمعنى أن الإنسان يجد نفسه مُستغرقاً بالذنوب والمعصيه، لايبالي بالمعصيه، يصنع الرذيله ويلتفت إلى أنها رذيله لكنه لا يندم ولا يتحسر أو يتأسف ولا أشعر بلسعة المعصيه، أنا عندي روح التحدي لا أبالي بالذنوب، ورد عن النبي : ”من سائته سيئته وسرّته حسنته فهو مؤمن“ أما أنا الذي لا تسوئني السيئة فلا أندم عليها ولا أتحسر بفعلها، فأنا لستُ مؤمناً إيماناً حقيقياً، لأنني أعيش الجفاف الروحي.

العرض الثاني: إنصراف النفس عن الموعظه، لاحظوا أنفسكم، أنا إذا قرأت نفسي هل أحب الموعظه أم أن نفسي منصرفه عن الموعظه، أنا أُحب أن أجلس مع أصدقائي جلسة الفكاهه وجلسة الموده وأحب أن أشترك في مباراة كرة القدم، وأحب أن أشاهد الفلم الكوميدي وأحب النزهة ومِتعة الطبيعه، لكنني هل أحب أن أستمع الموعظه؟ هل إذا سمعة الموعظه أقبلتُ عليها؟ هل إذا سمعت ذكرى الموت أو ذكرى الآخره أقبلتُ عليه؟ لا أحب أن أسمع الموعظه بل أحب أن أبقى كما أنا، عجيبٌ مني إذا دخلتُ المسجد وسمعت الخطيب يتحدثُ عن الآخرة وعن الموعظه أحاول أن أشُغل نفسي ألا أسمعها وأن أقنع نفسي بأنه لست أنا المقصود غيري، أنا ليس فيّ شئ إنما أنا إنسان صالح، لأن الموعظه ستخسرني اللذة وهي لذة المعصيه، العلاقة مع المرأة الأجنبية لها لذة، الموسيقى المطربه لها لذة، لذلك لا أريد أن أسمع الموعظه لأنها تذكرني بالله وتبعّدني عن لذة المعصيه المؤقته لأجل اللذة الدائمة الأخرويه.

العرض الثالث: الإستغراق في الأجواء الماديه، كيف بنا من الصباح إلى المساء في الأسهم والبيع والشراء، في القضايا الماديه كلها نعود إلى البيت مُرهقين نتيجة العمل والكدح نصرفّ 15 ساعه في الأجواء الماديه، ونصرف ربع ساعه في الأجواء الروحيه، إذا جمعت جميع الصلوات كلها في اليوم يساوي ربع ساعه أو أقل.

الإستغراق في الأجواء الماديه يُميت القلب والإستغراق فيها وعدم التعادل بين هذا الطرف وبين طرف غذاء الروح يُساعد على قسوة القلب، ورد عن النبي : ”مثلُ الحريص على الدنيا كمثل دودة القز كلما إزدادة على نفسها لفاً كان أبعد لها من الخروج“ إذا إستغرقت في الماديات والثروة وإستغرقت في الدنيا وتجارتها ونعيمها صار خروجها من ذلك وطلبها لغذاء الروح بعيداً بل محالً كان أبعد لها من الخروج.

إذن الإستغراق في الأجواء الماديه من أعراض قسوة القلب، ورد عن النبي : ”من الشقاء إحتباس الذنب وقسوة القلب والحرص في طلب الدنيا والإصرار على الذنب“ من شقائي أنني إذا سمعت الموعظه لا تنهمر دمعتي وإذا قرأتُ الدعاء لا أتفاعل معه، ومن شقائي وبُعدي وقسوة قلبي حرصي على طلب الدنيا ومن أعراضها كما يذكر النبي : ”نبوغ الرحمه“ أنا أسمع عن الأيتام والمساكين في العراق ولبنان ومناطق أخرى لايتحرك قلبي ولا تتأثر روحي أبداً ولا أقول بأن هذه الثروة الطائله التي أعطاني إياها ربي لماذا أبخل بواحد من المليون أو المليار منها لأجل بعض هؤلاء الأيتام لأفرح قلوبهم أو لأثلج صُدورهم أو لأغير بعض أحوالهم. نبوغ الرحمة من قلبي دليل على أني أعيش مرض القسوة والجفاف الروحي.

أسباب مرض قسوة القلب:

لماذا أنا مبتلى بقسوة القلب؟ لماذا لا أتفاعل مع دعاء ولا موعظه ولا مع ذكر؟ لماذا أصر على المعاصي من دون تراجع ومن دون ندم؟ ماهي الأسباب:

السبب الأول: ترادف الذنوب من دون توبه.

الإنسان عندما يصنع الذنب ويبادر إلى التوبه ﴿تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عندما يبادر إلى الندم تأنيب النفس وتقريعها يسهل عليه أن يرجع، ولكن عندما تترادف الذنوب ذنبٌ وذنب، أكذب وأغتاب، أعقُ والديّ وأقيم علاقات غير مشروعه، أظلم الناس وأأكل الحرام، لا أخرج الحقوق الشرعيه، ذنبٌ على ذنب، خطيئه على خطيئه ومعصيه تليها معصيه، عندما تترادف الذنوب ينجم عنها قسوة القلب، ورد عن الإمام الباقر : ”إذا أذنب الإنسان خرج في قلبه نُكتةٌ سوداء فإن تاب إنمحت وإن عاد عادت حتى تغلبَ على قلبه فلا يُفلح بعدها أبدا وذلك قوله تعالى﴿كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ“ صار القلب مصبوغ بالرين وهو الصبغ الأسود، صار قلبي قطعة سوداء لا نور فيها ولا حياة فيها نتيجة ترادف الذنوب وأنا أحتاج أن يكون قلبي قطعة مشرقة بيضاء نتيجة الندم على الذنوب والحسرة عليها.

السبب الثاني: التعلق بالملذات.

حياتنا كلها حياة ترف وملذات وحياة ماديه ليس فيها روح ولا نبضٌ أخروي كُلها من قرعها إلى قدمها منغمسه في الحياة الماديه، لماذا؟ لأننا مشغولون بأشكالها وبصورها ومشغول بشكلي بأن أتجمل وأتلطف وخصوصاً إذا كنتُ شاباً وعنفوان المراهقه أكون مشغولٌ بتحسين مظهري أو مشغولٌ ببطني بأن أفكر ماذا أأكل؟ بدل أن أفكر ماذا أذنبت وماذا أخطئت، فأنا أركز على الأكل اللذيذ ولا أركز على الذنب والمعصيه وماذا صنعت وماذا فعلت؟ أكون مشغول ببطني والسيارة الجميله والبيت، الأثاث الجميل أركز دائماً على جمال المظهر والشكل ولا أركز على جمال الروح وعلى جمال النفس ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ وورد عن النبي : ”لا تميتُ القلوب بكثرة الطعام والشراب فإن القلوب تموت كما يموت الزرع إذا كثر عليه الماء“ أنكم تركزون على الملذات.

السبب الثالث: صديق السوء.

هل أسأل نفسي من هم أصدقائي؟ هل أصدقائي يذكرونني بالله وأنهم يذكرونني بالآخرة؟ أم أنهم لا يذكرونني إلا بالفلم الكوميدي ومباراة كرة القدم والأسهم وماذا صار ومالم يصر، ما سمعتُ من أصدقائي أنهم يذكرونني بالمسجد، ويقولون هل حضرت صلاة الجماعه؟ هل يذكرونني بالقبر وبالآخرة؟

صديق السوء هو المنغمس في العالم المادي يغمسُني معه ويجرني معه فأنا أعيشُ في أجوائاً الماديه كما يعيشها، لذلك ورد عن النبي : ”خمس خُصال يُقسين القلب: الإصرار على الذنب، ومجاراة الأحمق، وكثرة مناقشة النساء، والوحده، ومجالسة الموتى“ قيل يارسول الله منهم الموتى؟ قال: ”كل مترفٍ فهو ميت وكل من يُصر على معصية ربه فهو ميت“

مجاراة الأحمق: الأحمق الذي يستفزني ويُثيرني أنا أجاريه فأغضب وأستفز والغضبُ جمرة الشيطان توقد في قلب إبن آدم.

مناقشة النساء: عندما أدخل معها في اللجاج والشداد فهي تسيطر عليها عواطفها، المرأة قد تغضب وتنفعل وتحاسب زوجها عن الصغيرة والكبيرة بمنطق عاطفي فأنا بدل أن أدخل معها في مناقشات التي قد تبحر في العاطفه أغض النظر عن ذلك.

الوحده: بأنه لا يبالي بمشورة الآخرين ولا نصحهم.

أنظر إلى صديقك ورفيقك؟ هل يفكر بالأمور الماديه أو يفكر بالمعصيه؟ إذن هو ميت، مجالسة الموتى تُقسي القلب.

السبب الرابع: عدم إغتنام الفرصه وعدم الإستعداد للآخرة.

أمامنا مسيرة طويله نحنُ نفكر في الغد ماذا أفعل وماهو عملي بالوظيفة غداً؟ دائماً نظرُنا قصير نُفكر في اليوم الآتي ماذا نصنع فيه؟ علينا أن نفكر في السفر الطويل، الدنيا دار ممر والآخرة دار مقر، أمامنا سفرٌ غامض مبهم لا نعرف عن هذا السفر شيئاً، عندما أريد أن أسافر إلى أوروبا أو إيران أو أي دوله أعرف أسفري، لكن هناك سفراً لا أعرفُ عنه شيئاً، كيف يبدأ وكيف ينتهي؟ وكيف أكون فيه؟ أمامي مسيرةٌ طويله فهل أعددتُ لهذه المسيرة شيئاً، هل إغتنمتُ فرصة العمر في التوبه والإنابة؟

النبي يُخاطبُ أباذر: ”يا أباذر كن على عُمرك أشح منك على درهمك ودينارك“ كن بخيل على الوقت وإغتنم وقتك في التوبه والإنابه ”يا أباذر إن كل يومٍ يمر على إبن آدم يخاطبه أنا يومٌ جديد وأنا عليك شهيد فقل فيّ خيرا، وإعمل فيّ خيرا أشهدُ لك بذلك يوم القيامه“ هذه الدقائق التي تمرُ علينا ونحنُ ساهون لاهون وغارقون في أشياء أخرى، علينا أن نستيقظ من سباتنا ومن نومنا نستثمر الوقت في التوبة والإنابة لربنا ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى والتقوى موطنها القلب إنه لن ينال الله لحومها ولا دمائها ولكن يناله التقوى منكم والتقوى هي المدار، عدم إغتنام الفرصه يؤدي إلى مرض قساوة القلب والجفاف الروحي.

السبب الخامس: الغفلة عن ذكر الله.

﴿وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا يسمع الموعظه لكن لا يتأثر، يتأثر مادام في المسجد فإذا خرج إنتهى الأثر كله ﴿وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ الغفلة عن ذكر الله، أنا غافل لا أقرأ قرآن ولا أحضر صلاة جماعه ولا أستمع موعظه بعيد عن مواطن ذكر الله كلها، خمسة دقائق لقراءة القرآن أبخل على نفسي بها، عشر دقائق أقرأ بها دعاء أبخل على نفسي بها، صلاة نافله. إذا كنت بعيداً عن ذكر الله فمن الذي يحل محل ذكر الله؟ تحل محله القسوة والجفاف وكذلك الشعور بالمعصيه وترادف الذنوب، إذن الغفلة عن ذكر الله سببٌ من أسباب هذا المرض.

بعض طرق علاج مرض القسوة في قلوبنا:

الطريق الأول: الخلوه.

نحن لا نخلو مع أنفسنا نحن نسترسل مع العمل ومع الأهل والأولاد والدنيا، نحن لا نبحث عن خلوةٍ لأنفسنا. إذا جلسنا نتحدث عن السياسة ونتحدث عن الدنيا وعن الأسهم والتجارة وكأنه ليس في حياتنا إلا هذا، هل يوماً من الأيام في مجالسنا نتناول ذكر الله نذكر موعظه وحكمه من حكم الأئمه إننا لاهون وساهون، علينا أن نخلو بأنفسنا جميلٌ بالإنسان أن يخلو بنفسه، يترك الزوجه والأولاد والبيت والهاتف ويترك كل مُتعلقات الدنيا، يخلو مع نفسه في ظلام الليل 10 دقائق أفكر في نفسي، ماذا صنعت؟ ماذا فعلت أنا منذ بلوغي إلى الآن؟ كم جريمة وكم معصيه إرتكبتها؟ كم مصيبه تعمدتها؟ هل أفكر في خطي وشريط أعمالي هذا الشريط الأسود المظلم الذي لو إطلع عليه الناس لهجروني وتركوني، فكيف يصبر عليّ رب العالمين وأنا سائر بلا حياء ولا ندم وبلا حسرةٍ وأسف في هذا الخط الأسود المُظلم ولو ليلة الجمعه، ورد عن النبي : ”حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوها قبل أن توزنوا“.

الطريق الثاني: ذكر الموت.

أيننا عن ذكر الموت نحن نبغضه لأنه نهايه للحياة الجميله الممتعه، نبغضه لأن ذكره يُنغص علينا الحياة مع أنه لا علاج لنا إلا ذكره الإمام أمير المؤمنين يقول: ”إحذروا الموت وسكرته وأعدوا له عدته فإن الموت يفجأكم بأمر عظيم بخيرٍ لا شر معه أو بشرٍ لا خير معه، فأكثروا من ذكر الموت وكفى بالموت واعظه، فقد قال رسول الله : أكثروا من ذكر الموت فإنه هادمٌ للذات وحائلٌ بينكم وبين الشهوات ومفرقٌ للجماعات، قيل يارسول الله وماهو أشد من الموت؟ قال: وأشدُ من الموت القبر فأذكروا ضيقه وضنكه وظلمته وغربته فإن القبر يُخاطب إبن آدم كل يوم“ قبري الذي سأدفن فيه يومٌ من الأيام يُخاطبني كل يوم أنا بيت الغربه وأنا بيت الوحشه، أنا بيت الآخرة، قبري ينتظرني.

ولذلك بعض العلماء يشتري الكفن ويُعلقه أمامه حتى يتذكر قبره، يُواظب على زيارة المقبره لكي يتذكر قبره، كما ورد عن النبي : ”إذا وضع الميت في قبره يلتفت إلى ثلاثه: إلى أمواله، إلى أولاده، وإلى أعماله“

يلتفت إلى أمواله: الآلاف والملايين التي كانت عنده هذه الأموال التي تعبتُ وشقيتُ عليها وصرفتُ عُمري في جمعها ماذا تعطيني هذه الأموال؟ أنا الآن في بيت الظلمة والغربه وفي بيت الوحشه في التربه ماذا تعطيني هذه الأموال؟ فتجيبه أمواله مالك عندنا غير سترةٍ بيضاء تواري بها عودتك، فيتحسر.

ويلتفت إلى أولاده: أولادي ربيتكم وتعبتُ عليكم ماذا تعطوني وأنا الآن في هذا البيت المظلم الموحش؟ فيجيبه أولاده نشيّعك إلى قبرك ونواريك في حفرتك فيندم.

ويلتفت إلى أعماله: يقول أعمالي هذا الشريط الأسود والبغيض المملوء بالذنوب والمعاصي الذي لا أريد أن أذكره، ماذا يُعطيني عملي؟ فيقول: أنا قرينك في قبرك وصاحبك عند نشرك فإن كان حسناً كان قبرهُ روضة من رياض الجنة، وإن كان سيئاً كان قبره حُفرةً من حفر النار، علي بن أبي طالب ينادينا ”ياعبيد الدنيا وعُمال أهلها إذا كُنتم بالنهار تحلِفون وبالليل تنامون ومابين ذلك أنتم غافلون فمتى تُجهزون الزاد وتُهيئون للمعاد“

الطريق الثالث: ذكر الآخرة.

﴿وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ﴿إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ.

أتى جبرئيل إلى رسول الله يوماً عابساً قاطباً قال: ياجبرئيل كنت تأتيني مُبتسماً فلماذا أتيت اليوم عابساً؟ قال يارسول الله: لقد وضعتُ منافخ النار، قال: وما منافخ النار؟ قال: إن الله أمر بالنار فنفخت ألف عامٍ حتى إبيضت، ونُفخ فيها ألف عامٍ حتى إحمرت، ونُفخ فيها ألف عامٍ حتى إسودت فهي سوداء مُظلمة، لو قطر من ضريعها قطرة على شراب أهل الأرض لمات كُلهم من نتنها، ولو عُلق سِربال من سرابيل النار بين السماء والأرض لمات أهل الأرض كُلهم من حر ذلك السربال،

إن أهل النار إذا أتوا يوم القيامه وزُوجوا فيها هوو مسيرة سبيعين يوماً، فإذا رجعوا وأرادوا أن يخرجوا منها قمعوا بمقامع من حديد وأعيدوا فيها، ﴿كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ. وهذا الجسم كيف يتحمل؟ أنا لو أخذت عود كبريت وأشعلته ووضعته على إصبعي هل أتحمل؟ أنا لا أتحمله فكيف أتحمل أن أكون في قلب النار، ﴿كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ كيف أتحمل الذنوب كلها وهي نار؟ أنا أمشي في الدنيا وأنا لا أشعر لكن على ظهري نار أمشي بها، كذبي وغيبتي، عقوقي لوالديّ وإساءة خُلقي مع زوجتي وأولادي ومع الزوج، كل هذه نار أحملها على ظهري وعلى صدري، فبادر إلى التوبة والإنابه ليلة الجمعه ﴿تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا بادر إلى تذكر الموت وأنظر إلى الذين شغلوا حياتهم بذكر الموت، دائماً ذكر الموتِ على ألسنتهم وشفاههم وذكره هو الذي يرسمونه أمام أعينهم.