الدرس 118

الخلل الواقع في الصلاة

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلّى الله على سيّدنا محمد وآله الطاهرين

ذكرنا فيما سبق: ان السيد الحكيم «قده» أفاد في المستمسك: بأنه: تارة نشك في اعتبار الهيئة بعد المفروغية عن قابلية اللبس، كما إذا شككنا في ان التستر بالورق هل هو كاف في صحة لا صلاة أم لا؟ فيقال: ان قابلية الورق للبس امر مفروغ عنه، والشك انما هو في اعتبار صفة وهو صفة المخيطية أو المنسوجية واعتبار هذه الصفة مجرى للبراءة. وتارة نشك في ساترية ما ليس قابلا للبس، كما إذا شككنا: هل تصح الصلاة بستر العروة بالطين أم لا؟ فالطين هنا ليس قابلا للبس، وبالتالي فالشك في صحة الصلاة بالطين مع عدم قابليته للبس يرجع إلى الشك في أنه هل يتعين علينا التستر بما هو قابل للبس؟ كالثوب والقميص والورق أم اننا مخيرون بين ما هو قابل للبس وما ليس قابلا، فإن المهم ستر العورة. فيكون الامر من قبيل دوران الامر بين التعيين والتخيير ومقتضى القاعدة هو التعيين. وقلنا: أن كلامه «قده» مناقشا كبرى وصغرى، مضى الكلام في الكبرى.

وأما الكلام من حيث الصغرى: فيقال هنا: بأنّه الصورة الثانية من دوران الأمر بين الاقل والاكثر لا من دوران الامر بين التعيين والتخيير، والسر في ذلك: اننا نحرز ان المأمور هـ الصلاة بشرط ساتر للعورة هذا امر نحرزه، ونشك في شرطية الزائدة وهي: هل يعتبر في صحة الصلاة مضافا إلى اشتراطها بستر العورة ان يكون الساتر مما هو قابل للبس؟ أم لا يعتبر؟ فتجري البراءة عن الاعتبار، فالمسالة من دوران الامر بين الاقل والاكثر لأننا احرزنا في رتبة سابقة انه تجب الصلاة بساتر للعورة وانما شككنا في شرط زائد هو انه هل يشترط زيادة على ذلك ان يكون الساتر للعورة قابلا للبس أم لا يشترط؟ فتجري البراءة عن الشرطية كسائر موارد الاقل والاكثر الارتباطيين. وإن ابينا عن ذلك واصررنا على ان المسألة من دوران الامر بين التعيين والتخيير لا من دوران الامر بين الاقل والاكثر فيأتي فيها ما ذكره سيدنا «قده» من التحليل في «مصباح الاصول» حيث قال: حتى في دوران الامر بين التعيين والتخيير لابّد ان نفرق بين صورتين: 1 - إذ تارة يكون المحتمل التخيير العقلي، 2 - وتارة يكون المحتمل التخيير الشرعي. فإذا وجد جامع عرفي بين المحتملين فالتخيير مرجعه التخيير العقلي، وإن لم يوجد جامع عرفي فمرجع التخيير إلى التخيير الشرعي، وقال: إنما يتصور الخلاف والنزاع في الثاني، وهو: ما إذا لم يكن جامع عرفي بحيث يكون التخيير المحتمل شرعيا فهنا يتصور النزاع هل تجري البراءة أو تجري قاعدة الاشتغال؟. اما إذا وجد جامع عرفي بين المحتملين فلا محالة حصل ليدنا يقين بذلك الجامع العرفي وشك في اعتبار الخصوصية، ومحل الكلام من هذا القسم حيث يوجد جامع عرفي بين التستر بالطين أو التستر بالقميص أو الورق أو القطن، فإن الجامع بينهما ساتر العورة، فنقول: لدينا يقين تفصيلي بصحة الصلاة في ساتر للعورة وشك بدوي في اعتبار الخصوصية واعتبارها مجرى للبراءة. فحتى لو تنزلنا وقلنا بأن هذه الصورة داخلة في دوران الامر بين التعيين والتخيير، الا انها من القسم الذي يكون جريانا البراءة فيه واضحا، لأنّ من مرجعه إلى وجود جامع عرفي والشك في قيد من قيوده. ولذلك ذكر السيد الخوئي في مناقشة سلفه السيد الحكيم «قده»: قال: ويندفع بأن المرجع هو البراءة إذ الخصوصية التي يحتمل معها التعيين مشكوكة فتدفع بالأصل، فإن المتيقن من التكليف إنما هو الطبيعي الجامع بينهما والخصوصية المشكوكة مدفوعة بأصالة البراءة كما هو الحال في الأقل والأكثر الارتباطيين، بل ان احدهما عين الآخر ولا فرق الا في مجرد التعبير. هذا تمام الكلام في بيان ما هو مقتضى القاعدة، اي إذا شككنا في ساتر في اعتباره فمقتضى القاعدة هو البراءة عن التعيين. ولكن، ما هو مقتضى النصوص؟ فهل يستفاد من النصوص اعتبار القابلية للبس أو لا يعتبر؟ يكفي اي ساتر للعورة ولو بالطين مثلا؟. فقد ادعى سيدنا كالسيد الحكيم وغيرهما: انه يشترط في صحة الصلاة ان يكون الساتر مما هو قابل للبس لا مطلقا. واستدل على ذلك بمجموعة من النصوص:

الرواية الأولى: صحيحة علي بن جعفر عن اخيه موسى قال: «سألته عن رجل عريان وحضرت الصلاة فأصاب ثوبا نصفه دم أو كله دم، يصلي فيه أو يصلي عريانا؟ فقال: ان وجد ماء غسله، وان لم يجد ماء صلى فيه ولم يصل عريانا». ما هو وجه الاستدلال في هذه الرواية؟. ووجه الاستدلال بها: احدى نكتتين:

النكتة الاولى: التي تعرض لها سيدنا «قده»: قال: بأن الامام افاد: «ولم يصلي عريانا» وليس المراد بالعريان من بدت عورته، بل المراد بالعريان: من لم يلبس وإن كانت عورته مستورة، وبيان ذلك: كما في الشرح: «ج12، ص127 من الموسوعة»: قال: من الواضح ان ستر العورة من غير المنسوج كالحشيش لا يقال لبس - اذا تستر بالحشيش أو الطين - بل هو عار وإن كانت عورته مستورة، فإن العاري مقابل اللابس، وحيث لم يكن لابسا فهو بالطبع مصداق للعاري، وقد منع في الصحيحة عن الصلاة عاريا مع التمكن من اثوب طاهر لأنه قال: «ان وجد ماء غسله» اي يتعين الصلاة فيه ولا يجوز له الصلاة عاريا.

وقد يقال في مقابل ما أفاد: بأن الظاهر من عنوان العاري عرفا من بدت عورته وليس ظاهره من لم يلبس أو انه مجمل بل ظاهر عنوان العاري من بدت عورته، ويؤكد ذلك: ان النصوص عندما تعبر عن هذا العنوان «عنوان العاري» فإن ظاهرها بحسب ما وجدناه: من لم يكن متسترا لا من يكن متسترا.

فلاحظ: «الوسائل: ج3، ص 486، حديث1»: موثقة سماعة: قال: «سألته عن رجل يكون في فلاة من الأرض وليس عليه إلا ثوب واحد وأجنب فيه وليس عنده ماء كيف يصنع؟ قال: يتيمم ويصلي عريانا قاعدا يومي ايماءً».

1 «حديث 2» معتبرة ابي مسكان عن ابي جعفر : «في رجل عريان ليس معه ثوب، قال: إذا كان حيث لا يراه احد فليصلي قائماً».

2 أيضا: «الوسائل: ج4، ص449، حديث 3»: ما رواه ابن مسكان عن ابي عبد الله : «في الرجل يخرج عريانا فتدركه الصلاة، قال: يصلي عريانا قائما ان لم يره احد، فإن رآه احد صلى جالسا».

3 «وحديث 6 من نفس هذا الباب»، صحيحة زرارة عن ابي جعفر : «رجل خرج من سفينة عريانا أو سلب ثيابه ولم يجد شيئا يصلي فيه؟ فقال: يصلي ايمائا وإن كانت امرأة جعلت يدها على فرجها وإن كان رجلا جعل يده على سوئته ثم يجلسان فيومئان إيماءً ولا يسجدان ولا يركعان فيبدو ما خلفهما، وإن كانا في بحر لجي لم يسجدا عليه وموضوع عنهما التوجه فيه يومئان في ذلك إيماءً رفعهما توجه ووضعهما».

4 وأيضا: «ص451، حديث 1»، رواية ابي البختري عن جعفر ابن محمد عن أبيه «عليهما السلام» انه قال: «من غرقت ثيابه فلا ينبغي له ان يصلي حتى يخاف ذهاب الوقت فإن لم يجد صلى عريانا جالسا يومي ايماءً يجعل سجوده اخفض من ركوعه، فإن كانوا جماعة تباعدوا في المجالس ثم صلوا كذلك فرادى».

فالمتحصل: أنه ظاهر التعبير بالعاري في النصوص كما هو ظاهره عرفا في انه من لم يتستر لا من لم يلبس ولذلك يقال من ستر عورته بالحشيش أو الطين هل هو عاري، يقال لا ليس عاريا ولكن ليس عليه ثوب لا نه عار في نظر العرف، بل يكفينا في رد استدلاله اجمال العنوان.

النكتة الاخرى في الاستدلال بهذه الرواية: ان قال: إن السائل عبّر في سؤاله بالثوب، حيث قال: «وحضرت الصلاة فأصاب ثوبا، فقال: الامام : ان وجد ماء غسله - غسل الثوب - وإن لم يجد ماء صلى فيه - في الثوب -»، فيقال: ان مقتضى ظهور تطابق الجواب مع السؤال ان عنوان الثوب ملحوظ في جواب الامام فكأنه قال: صلى في الثوب، ومقتضى ذلك ان يكون قابلا للبس.

ولكن، مجرد أن الامام الزمه بالصلاة فيه ان وجد ماء لغسله لا يعني انه اخذ الثوب على نحو الموضوعية فلعله باعتبار ان الثوب ساتر للعورة لا لكوننه ثوبا الزم بالصلاة فيه.

الرواية الثانية: النصوص التي دلت على أن أدنى ما يصلي فيه الرجل قميص أو المرأة درع أو ملحفة أو خمار ومقنعة وما شاكل ذلك.

نأتي إلى هذه النصوص التي استدل بها سيدنا «قده»:

1 - «الجزء 4، ص389، باب 22، من ابواب لباس المصلي، الحديث الأول»: صحيحة محمد ابن مسلم: «رأيت ابا جعفر صلى في ازار واحد ليس بواسع قد عقده على عنقه، فقلت له: ما ترى في الرجل يصلي في قميص واحد؟، فقال: إذا كان كثيفا فلا باس به». فإن ظاهره المفروغية عن اعتبار القميص وما هو قابل للبس.

2 «حديث 2»: ايضا صحيحة محمد بن مسلم، عن احدهما: «سألته عن الرجل يصلي في قميص واحد أو قباء طاق أو قباء محشو وليس في أزار؟ فقال: إذا كان عليه قيص صفيق أو قباء ليس بطويل الفرج فلا باس والثوب الواحد يتوشح به والسراويل كل ذلك لا بأس به، وقال ع: إذا لبس السراويل فليجعل على عاتقه شيئا ولو حبلا حتى يمسكها عن السقوط». فإن ظاهر كلام الامام المفروغية عن اعتبار ما هو قابل للبس من قباء أو قميص أو ثوب أو سراويل.

3 وكذلك: «حديث4» وهي صحيحة جميل بن دراج: سأل مرازم أبا عبد الله وأنا معه حاضر، عن الرجل يصلي في إزار مئتزرا به؟، قال: يجعل على رقبته منديلا أو عمامة يتردى بها.

4 «حديث 5»: رواية سفيان ابن الصمط، عن أبي عبد الله : «قال: الرجل إذا أتزر بثوب واحد إلى ثندوته صلى فيه».

وهذه الروايات هي في مقام بيان: عدم اعتبار التعدد لا انها في مقام اعتبار الثوبية أو ما هو قابل للبس، فكلها واردة في هذا السياق، هل يكفي واحد أو لابد من متعدد فمادها انه لا يعتبر في الساتر ان يكون متعدداً بل يكفيه واحد ما دام ساترا للعورة. وأما بالنسبة لما دل في موارد المرأة فلا محل له في محل كلامنا. هذا الاستدلال الثاني.

الرواية الثالثة: صحيحة أخرى عن علي بن جعفر عن أخيه موسى : قال: «سالته عن الرجل قطع عليه أو غرق متاعه فيبقى عريانا وحضرت الصلاة كيف يصلي؟ قال: أن اصاب حشيشا يستر به عورته اتم صلاته بالركوع والسجود وإن لم صب شيئا يستر به عورته أومأ وهو قائم».

ووجه الاستدلال بها كما ذكرنا سيدنا «قده»: حيث يظهر منها بوضوح ان المرتكز في ذهن السائل انه لو كان عنده متاعه - يعني اللباس موجود - لزمته الصلاة لابسا بحيث كأنه أمر مفروغ عنه، ولذا سأل عن حكم صورة العجز عن اللباس مما يدل على ان المرتكز في ذهنه المفروغية عن اعتبار كون الساتر لبسا، لذلك قال: «اذا لم يجد لباسا كيف يصنع» ولم يقل إذا لم يجد ساترا كيف صنع؟. وقد أقره الامام على ذلك ومن ثم لم يتعرض للجواب الا في حكم هذه الصورة، اي صورة ما إذا لم يجد لباسا، قال: «إن وجد كذا وكذا وإلا فلا...»، فيكون الارتكاز بضميمة التقرير كاشفا عن اعتبار اللبس في حال الاختيار. ويمكن الجواب عن الاستدلال بأن يقال: عدم طرح السائل السؤال عن فرض العجز عن وجود حشيش أو طين أو ما شاكل ذلك هو: ان عدم تعارف التستر به اوجب خفاء هذا الفرد فاتجه إلى ما هو المتعارف التستر به فلا دلالة في كلام السائل على أن المرتكز في ذهنه ان لو أراد ان يصلي فيما هو ساتر من دون أن يكون لباسا ان تصح الصلاة فيه أم لا؟.

ندخل غدا في شرط آخر من شروط الساتر وهو شرط الطهارة والإباحة.

والحمدُ لله ربِّ العالمين.