الدرس 118

منجزية العلم الإجمالي

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلّى الله على سيّدنا محمد وآله الطاهرين

ذكرنا أن سيدنا «قده» في مثال: من علم إجمالا أما بزيادة ركوع في الصلاة السابقة او نقيصة ركوع بالصلاة التي بيده بعد تجاوز المحل، انه تتعارض قاعدة الفراغ في السابقة مع قاعدة التجاوز مما بيده وتصل النوبة لاستصحاب عدم الزيادة في السابقة واستصحاب عدم الزيادة في السابقة واستصحاب عدم الركوع مما بيده فينحل العلم الاجمالي بالصلاة السابقة ولا يجب عليه اعادتها.

واورد على ذلك السيد الشهيد «قده»: بأن هذه النتيجة تامة لا على مسلك الاقتضاء ولا على مسلك العلية.

اما على مسلك الاقتضاء: فلأن المفروض ان انحلال العلم الاجمالي بالأصل اللزومي الا وهو استصحاب عدم الاتيان بالركوع مبني منه على ان الأصل الطولي موجب للانحلال، والسر في ذلك: انه في طرف الصلاة التي بيده لا انحلال لوجود أصل الزامي الا وهو استصحاب عدم الاتيان بالركوع فمقتضاه اعادة الصلاة. وأما في الصلاة التي مضت حيث يجري فيها استصحاب عدم الزيادة الا ان استصحاب عدم الزيادة داخل ضمن المعارضة، اي: ان المعارضة ثلاثية، باعتبار ان قاعدة التجاوز في الصلاة التي بيده تعارض اصلين ترخيصين بالصلاة الماضية، وهما قاعدة الفراغ واستصحاب عدم الزيادة، لما ذكره نفس سيدنا «قده» عندما بحثنا هل ان العلم الاجمالي ينحل بالأصل الطولي او لا ينحل ذكر هناك: انه لا ينحل، وذلك: لأنه نكتة المعارضة متحققة بين الأصل العرضي في طرف واصلين بالطرف الاول. باعتبار أن نقطة المعارضة هي ان الجمع بين الترخيصين ترخيص في المخالفة القطعية وجريان احدهما دون الآخر ترجيح بلا مرجح وهذه النكتة موجودة، فإن الجمع بين قاعدة التجاوز في الصلاة التي بيده وقاعدة الفراغ او استصحاب عدم الزيادة في الصلاة الماضية الجمع بينهما ترخيص في المخالفة القطعية وجريان احدهما دون الاخر ترجيح بلا مرجح، فمقتضى ذلك استحكام المعارضة بين اصلين ترخيصيين في الصلاة الماضية واصل ترخيصي في الصلاة التي بيده فالعلم الاجمالي غير منحل ومنجز.

واما وجود أصل الزامي في الصلاة التي بيده وهو: استصحاب عدم الركوع فلا ينجي الأصول من المعارضة إذ المفروض انه أصل طولي اي لا تصل النوبة اليه فالمفروض انه في رتبة سابقة وهي رتبة جريان قاعدة التجاوز في الصلاة التي بيده وقعت المعارضة، فإذا كانت هناك معارضة بين قاعدة التجاوز واصلين في الصلاة الماضية فإن هذه المعارضة لا ترتفع بوجود أصل طولي الزامي في الصلاة التي بيده، اذن فعلى مسلك الاقتضاء الذي هو يراه لا ينحل العلم الاجمالي.

وأما على مسلك العلية: فإن القائلين بالعلية يقولون: بأن العلم الاجمالي لا يتنجز إذا كان في أحد طرفيه منجز ولو كان ذلك المنجز اصلا طوليا، ففي المقام نقول: يوجد في الطرف الثاني أصل منجز وهو: استصحاب عدم الاتيان بالركوع، وهذا الأصل وان كان اصلا طوليا لكنه مع ذلك مانع من منجزية العلم الاجمالي من الاساس، والسر في ذلك:

انه قبل هذا الأصل الطولي توجد قاعدة التجاوز في الصلاة التي في يده، فلو جرت قاعدة التجاوز في الصلاة التي بيده ما وصلت النوبة للأصل الطولي وهو استصحاب عدم الإتيان بالركوع، لكن المفروض ان قاعدة التجاوز لا تجري في الصلاة التي بيده للعلية، فانه بناء على مسلك العلية فإن نفس العلم الاجمالي مانع من جريان الأصل الترخيصي في اي طرف من اطراف العلم ولو لم يكن له معارض، فبما أن نفس العلم الاجمالي يمنع من جريان قاعدة التجاوز في الصلاة التي بيده بناء على مسلك العلية فلا محالة تصل النوبة للأصل الطولي الالزامي وهو استصحاب عدم الركوع، فإذا وصلت النوبة اليه كان في أحد طرفي العلم الاجمالي منجز ومتى ما كان في أحد طرفيه منجز لم يكن متنجز إذ يعتبر في منجزية العلم الاجمالي ان يكون صالحا في تنجيز متعلقه على كل تقدير فإذا كان أحد طرفيه متنجز والمتنجز لا يتنجز اذن العلم الاجمالي غير قابلا للتنجيز فاذا لم يكن قابلا للتنجيز. فالنتيجة: انه في الطرف الاول - الا وهو الصلاة السابقة - تجري قاعدة الفراغ بلا حاجة لحل العلم الإجمالي باستصحاب عدم الزيادة كما ذكر سيدنا «قده». بل ان العلم الاجمال ينحل لا بجريان قاعدة الفراغ بل بوجود أصل منجز في أحد طرفيه فمتى ما وجد الأصل المنجز وانحل العلم الاجمالي جرت قاعدة الفراغ بلا مانع.

فما ادعاه: من ان هناك تعارض في رتبة سابقة ثم تصل النوبة لاستصحاب عدم الزيادة وبه ينحل العلم الاجمالي غير تام على مسلك العلية؛ بل ان الانحلال على مسلكهم بوجود أصل منجز في الطرف المعارض.

والنتيجة: بأن على مسلك الاقتضاء لا ينحل العلم الاجمالي بينهما على مسلك العلية ينحل العلم الاجمالي، فانه على مسلك العلية لوجود أصل منجز في أحد الطرفين لم يكن العلم الاجمالي منجزا، فلا مانع من جريان قاعدة الفراغ في الصلاة السابقة ولا حاجة لاستصحاب عدم الزيادة.

بينما على مسلك الاقتضاء: تكون قاعدة التجاوز في الصلاة التي بيده معارضة لأصلين ترخيصيين في الصلاة الماضية وهما قاعدة الفراغ واستصحاب عدم الزيادة، فمقتضى المعارضة تنجز العلم الاجمالي. أن يكون مسلك الاقتضاء اشد بحسب النتيجة من مسلك العلية؟.

ولكن يلاحظ على ما افاده «قده»: ملاحظتان:

الملاحظة الاولى: انه على مسلك العلية يلزم من وجود الأصل عدمه وما يلزم من وجوده عدمه فهو محال، والسر في ذلك:

انه في اطراف الثاني وهو الصلاة التي في يده يوجد أصل الزامي وهو استصحاب عدم الركوع، هذا الاستصحاب لا يجري الا إذا تنجز العلم الاجمالي، إذ لو لم يكن عندنا علم اجمالي وكانت شبهة بدوية كما إذا دخلنا في الصلاة فلما دخلنا في الركعة الثانية شككننا انه هل أتينا بركوع الركعة الأولى ام لا؟ فإنه تجري قاعدة التجاوز ولا تصل النوبة لاستصحاب عدم الاتيان بالركوع. إذن لا يجري استصحاب عدم الإتيان بالركوع لو كانت الشبهة بدوية، لكن إذا وجد علم اجمالي وتنجز كانت المنجزية بناء على مسلك العلية مانعا من جريان قاعدة التجاوز فإذا لم تجر قاعدة التجاوز وصلت النوبة لاستصحاب عدم الاتيان بالركوع، فاستصحاب عدم الركوع لا يجري الا بعد المفروغية عن منجزية العلم الإجمالي فكيف يكون سببا لانحلاله؟!، فإذا كان استصحاب عدم الاتيان بالركوع لا يمكن جريانه الا بعد منجزية العلم الاجمالي فكيف يمكن جريانه موجبا لانحلال العلم الإجمالي؟ فإنه اذا انحل العلم الاجمالي بجريانه لم يجر. فما يلزم من وجوده عدمه هو محال.

وقد التفت «قده» الى الإشكال، فادعى: ان جريان الأصل الالزامي وهو استصحاب عدم الركوع ليس متفرعا على المنجزية الفعلية للعلم الإجمالي كي يقال: بانه اذا كان متوقف على المنجزية الفعلية فكيف يكون سببا في عدمها؟، بل هو متوقف على المنجزية الولائية، بأن يقال: هذا المورد لولا الأصل الإلزامي لتنجز العلم الاجمالي، وهذه القضية الشرطية، وهي: لولا وجود اصل إلزامي لتنجز هي التي يتوقف عليها جريان الاصل الإلزامي. ومن الواضح ان القضية الشرطية تصدق حتى مع عدم طرفيها. فيقال: العلم الاجمالي في المقام غير منجز، ولكن لولا هذا العلم الاجمالي لتنجز، فهذه القضية الولائية هي الشرط في جريان الأصل الإلزامي، فكل مورد صدق عليه لولا الأصل الإلزامي لتنجز العلم الإجمالي جرى فيه الأصل الالزامي وبجريانه يمتنع العلم الاجمالي عن المنجزية فلا يلزم من وجوده عدمه، لان الموقوف عليه غير الموقوف عليه. حيث إن جريان الأصل الإلزامي موقوف على المنجزية الولائية والمتوقف على جريان الأصل الالزامي عدم المنجزية الفعلية، فحيث اختلف الطرفان لم يلزم من جريانه عدم جريانه كي يكون محالا.

ولكن بالتأمل يظهر: أن الأصل الالزامي وهو استصحاب عدم الاتيان بالركوع متوقف على المنجزية الفعلية لا على المنجزية الولائية، إذ المفروض انه: لو لم يكن العلم الاجمالي منجزا اما لان الشبهة بدوية، او لأنها وإن كانت مقرونة بالعلم الإجمالي إلا ان العلم الإجمالي غير منجز، بمجرد ذلك يجري الأصل الحاكم الا وهو قاعدة التجاوز، فانه لا مانع من جريانها ابدا ما دام دليلها ظاهرا ومطلقا في الشمول للمورد الا منجزية العلم الاجمالي، فإذا لم يكن العلم الإجمالي منجزاً جرت قاعدة التجاوز فلا رافع لها بحيث تصل النوبة إلى استصحاب عدم الاتيان بالركوع الا المنجزية الفعلية، وإلا المنجزية الولائية لا ترفع جريان قاعدة التجاوز.

فالنتيجة: ان استصحاب عدم الاتيان بالركوع يتوقف جريانه على وجود العلم الاجمالي المنجز بالفعل، فإذا توقف جريانه عليه فمنجزيته - منجزية الاصل - متأخرة رتبة عن منجزية العلم الاجمالي، وحيث ان منجزيته متأخرة عن منجزية العلم الاجمالي فلا تكون سببا في انحلال العلم الاجمالي، فلا يبقى ثمة فرق بين مسلك الاقتضاء ومسلك العلية في عدم المنجزية، فنحن لسنا مع سيدنا «قده» في دعوى الانحلال بل نقول بالمنجزية، لكن لسنا مع السيد الشهيد الذي يفرع بين مسلك الاقتضاء ومسلك العلية، بل الصحيح هي المنجزية مطلقا.

الملاحظة الثانية: لو كان العلم الاجمالي ينحل بالأصل الطولي الالزامي: فحينئذ لا فرق بين الطرفين فكما انه في الصلاة التي بيده يوجد أصل الزامي شرعي وهو استصحاب عدم الاتيان بالركوع ويدعى ان العلم الاجمالي ينحل، به فكذلك في الصلاة السابقة يوجد أصل الزامي عقلي الا وهو قاعدة الاشتغال، إذ المفروض انه ان لم تجر قاعدة الفراغ فيه تصل النوبة لاستصحاب عدم الزيادة، فإذا قلنا بمعارضة استصحاب عدم الزيادة في قاعدة التجاوز في الصلاة التي بيده وصلت النوبة فيه - في الصلاة الماضية - إلى قاعدة الاشتغال وهو أصل الزامي طولي، فحينئذ يقال: ان كان وجود الأصل الالزامي سببا في انحلال العلم الاجمالي ولو كان طوليا فلماذا قلتم بانحلال العلم الاجمالي في الصلاة الماضية دون الصلاة التي بيده هو لم تعكسه الأمر، فإن دعوى الانحلال بالأصل الإلزامي بهذا الطرف دون هذا الطرف ترجيح بلا مرجح، فالنتيجة: ما أفيد من دعوى الانحلال بناء على أحد المسلكين وهو العلية دون الآخر غير تام. هذا تمام ما ذكره سيدنا «قده» في هذه الصورة وما أورده السيد الشهيد «قده». ويأتي الكلام غدا في الطولية في بحث جديد في الطولية بين أطراف العلم الإجمال.

والحمدُ لله ربِّ العالمين