الدرس 119

الخلل الواقع في الصلاة

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين

من شرائط ساتر العورة: ان يكون طاهرا من النجاسة الخبثية.

ومن الفروع المترتبة على هذا الشرط: ما إذا صلى في الثوب النجس جهلا أو نسيانا. وقد تعرض لهذه المسألة سيد العروة في «بحث النجاسات»، وتعرض لذلك سيدنا «قده» في «الجزء3، من موسوعته، ص315».

والبحث يقع فعلا: في من صلى في الثوب النجس جهلا، وهنا مقامان: المقام الاول: يكون الجهل بالحكم. المقام الثاني: يكون الجهل بالموضوع.

والكلام في المقام الأول: وهو: ما إذا صلى في الثوب النجس جهلا بالحكم. وايضا هذا المقام له صورتان: إذ تارة: يكون الجهل قصورا. وأخرى: يكون الجهل تقصيرا.

والكلام في الصورة الأولى: وهي ما إذا صلى في الثوب النجس عن جهل قصوري بالحكم. وقد أفاد سيدنا «قده» أنه: تارة: يكون المصلي جاهلا بأصل الحكم بالنجاسة؛ وأخرى: يكون جاهلا بالاشتراط لا بأصل النجاسة. فمثلاً: تارة: يقوم المجتهد بالبحث عن دليل على نجاسة بول القط أو بول الأرنب، فلا يصل إلى دليل على نجاسته، فيجري أصالة الطهارة وفي طول جريان أصالة الطهارة يصلي في الثوب المتلبس ببول القط مثلا، فهنا قد صلى في الثوب النجس مع جهل قصوري بالحكم وهو الجهل بأصل النجاسة. وتارة يفحص المجتهد: هل أنه يشترط في صحة الصلاة ان لا يكون في الثوب دم بمقدار الدرهم أم لا؟ فهو قد وصل إلى ان الدم بأقل من درهم معفو عنه، والدم بأكثر من درهم غير معفو عنه ولكنه شك في الدم بمقدار الدرهم، هل ان الدم بمقدار الدم معفو عنه في الصلاة؟ فهو ليس جاهلا بالنجاسة، وإنما هو جاهل بالاشتراط، هل يشترط في صحة الصلاة خلو الثوب عن الدم بمقدار الدرهم أم لا يشترط؟. فإذا فحص ولم يجد دليلا على هذا الاشتراط واجرى البراءة عن الشرطية، وصلنا للثوب المبتلى بدم بمقدار الدرهم، وكان في الواقع مما لا يعفى عنه، فهل تصح صلاته أم لا؟. فمحل البحث: ما إذا صلى المكلف عن جهل قصوري اما بأصل النجاسة أو بالاشتراط. فهل يمكن تصحيح صلاته أم لا؟.

والكلام يتمحض: في أن حديث «لا تعاد» هل يشمل من صلى في النجس جهلا بالحكم أو جهلا بالاشتراط أو لا يشمل؟. فنحن عندنا عمومات تدل على مانعية النجاسة من صحة الصلاة، نظير: صحيحة ابن سنان: «سألت ابا عبد الله : عن رجل اصاب ثوبه جنابة أو دم؟ قال: إن كان قد علم أنه أصاب ثوبه جنابة أو دم قبل أن يصلي ثم صلى فيه ولم يغسله فعليه أن يعيد ما صلاه».

فيقال: مقتضى إطلاق هذه الصحيحة: فساد صلاة هذا المكلف، لأنه كان عالما بالموضوع وان كان جاهلا بالحكم. فهل حديث لا تعاد يخرجه عن إطلاق هذه النصوص أم لا؟. وهذا البحث بين سيدنا «قده» وتلامذته وبين المحقق النائيني والمحقق الحائري، حيث إن هؤلاء المحققين قالوا: باختصاص حديث «لا تعاد» بفرض النسيان، فلا يشمل فرض الجهل، ومقتضى ذلك: بطلان صلاة من صلى بالنجس جهلا. بينما ذهب سيدنا «قده» وتلامذته: إلى شمول حديث «لا تعاد» للجاهل، غاية ما في الباب قيّده سيدنا بالجاهل القاصر.

فالبحث يقع فعلا في الشمول لفرض الجهل وعدمه. وقد ذكرت وجوه لمنع شمول حديث «لا تعاد» لفرض الجهل:

الوجه الاول: ما ذكره المحقق النائيني «قده»: في كتاب «الصلاة، ج2، ص194»: ومحصله: ان سياق «لا تعاد» في قوله: «لاتعاد الصلاة إلا من خمسة» ظاهر في أن الموضوع: من كان قابلاً لأن يخاطب ب «أعد»، فينفى خطابه ب «أعد» بقوله «لا تعاد»، فإن ظاهر قوله: «لا تعاد الصلاة إلا من خمسة»: أن المكلف بحد ذاته لولا هذا الحديث لكان مخاطبا ب «أعد»، ولكن ببركة هذا الحديث صارت صلاته صحيحة، فأُخذ في موضوع جريان هذا الحديث أن المكلف قابلٌ لأن يخاطب بالإعادة. وحينئذٍ: إذا رجعنا للمكلف الذي صلى مخلّاً بالشرط، فتارة: يكون مخلا بالشرط نسيانا، وأخرى: يكون مخلا بالشرط جهلا:

فإن كان اخلاله بالشرط نسيانا: فهو قابل لأن يخاطب ب «أعد». والسر في ذلك: ان الأمر الأول لا يشمله، لأنّ الناسي غير قابل لانبعاث عن التكيف، فقول المولى: «اقم الصلاة مع ساتر طاهر» هذا الخطاب لا يتوجه للناسي لانه لا يقبل الانبعاث عنه، فلا محالة الأمر الأول وهو: «اقم الصلاة مع ثوب طاهر» غير متوجه للناسي، لانه لا يقبل الانبعاث عنه، فإذا التفت إلى انه كان ناسيا للنجاسة وقد صلى في الثوب النجس أو لا اقل بعض الصلاة وقعت في الثوب النجس نسيانا والتفت الآن، فبمجرد ان يلتفت يخاطب بالإعادة لا بالأمر الاول، فإن الأمر الأول لم يتوجه له من الأساس لعدم قابليته للانبعاث عنه، فالمتوجه إليه بعد التفاته هو الأمر بالإعادة بأن يقول له المولى: أعد صلاتك. فحيث إن الناسي قابل لأن يخاطب بالإعادة شمله حديث «لا تعاد الصلاة». في مقابل خطاب «أعد».

وأما إذا كان الإخلال عن جهل: الذي هو محل كلامنا. كالمجتهد الذي صلى بالثوب جاهلا بنجاسته أو جاهلا بالاشتراط، فإن الجاهل يخاطب بنفس الأمر الاول. لان التكاليف شاملة للعالم والجاهل، بلحاظ ان الجاهل وان لم يكن عالما بفعلية الحكم الا انه قابل للانبعاث، ولو بأن يحتاط، فإذا شك المكلف في أن بول القط طاهر أم نجس؟ فهو قابل لان ينبعث عن التكليف الواقعي بأن يحتاط، لكنه لم يحتط وأجرى أصالة الطهارة، أو شك المكلف في ان الدم بمقدار الدرهم هل هو معفو عنه أم لا؟ فهو قابل لأن ينبعث عن التكليف الواقعي بأن يحتاط لكنه لم يحتط، وأجرى أصالة البراءة وصلى. فبما أن الجاهل قابل للانبعاث عن التكليف الواقعي فالتكليف الواقعي يشمله، إذن فالجاهل مخاطب بالأمر الأول وليس مخاطبا باعد، وحيث انه مخاطب بالأمر الأول فهو خارج موضوعا عن حديث «لا تعاد»، لان موضوع «لا تعاد»: من كان قابلا لان يخاطب بالإعادة والجاهل ليس قابلا لان يخاطب بالإعادة بل يتعين عليه امتثال الأمر الاول. والنتيجة: عدم شمول حديث «لا تعاد» كان قاصرا أم مقصرا، فلابّد من الرجوع إلى المطلقات الدالة على مانعية النجاسة.

ويمكن ان يجاب عن كلام المحقق النائيني بعدة وجوه:

الوجه الاول: لا فرق بين الناسي والجاهل من حيث فعلية التكليف واشتراكه، فكما ان الأمر الأول شامل للجاهل، فكذلك هو شامل للناسي؛ والسر في ذلك: ما ذكر في «بحث الاصول» محررا، من ان المناط في فعلية التكليف هل هو امكان الباعثبة بالفعل أو امكان الباعثية على فرض الوصول؟. فإذا قلنا: بأن التكليف الفعلي ما كان ممكن الباعثية فعلا، فالناسي مما لا يمكن انبعاثه فعلا، إذن فالتكليف غير فعلي في حقه، لأنّ المقوم لفعلية التكليف: ان يكون التكليف مقتضيا للباعثية بالفعل، والناسي اصلا لا يمكن انبعاثه بالفعل فالتكليف لا اقتضاء فيه للباعثية بالفعل فالتكليف غير فعلي في حق الناسي.

واما إذا قلنا كما هو الصحيح: بأن المقوم لفعلية الحكم هو أن يكون مقتضيا للباعثية على فرض الوصول، متى وصل كان باعثا، فحينئذ: الذي يخرج عنه هو العاجز، ويبقى تحته الناسي والجاهل، فإن العاجز هو الذي لو وصله التكليف لم يمكنه الانبعاث عنه، فالتكليف لا يقتضي باعثيته على فرض الوصول فليس فعليا في حقه، واما الناسي والجاهل فمتى وصله التكليف امكنه الانبعاث عنه، إذن التكليف فعلياً في حقه من الأول. وعلى الأقل لابد من التفصيل بين النسيان المستوعب والنسيان غير المستوعب؛ بأن يقال: ان الذي لا يمكن انباعثه عن التكليف هو ما كان نسيانه طمس، فإذا كان النسيان مستوعبا للوقت فيقال: بأن الأمر الادائي وهو امره بالصلاة مع الشرائط مثلا، لا يقتضي انباعثه لانه ناسي طول الوقت، واما من كان نسيانه طارئا غير مستوعب فهو قابل لانبعاث ومع قابليته للانبعاث فنفس الأمر الأول شامل له، لانه ليس مأمورا بالفرض وإنما هو مأمور بطبيعي الصلاة بين الحدين، فالامر بطبيعي الصلاة مع الشرائط بين الحدين مقتضٍ لباعثية هذا الناسي. لأنّ المفروض ان نسيانه غير مستوعب. إذن: فلا وجه لما افاده الميرزا النائيني «قده»: من ان الناسي غير قابل للخطاب الأول فيتعين خطابه بالاعادة.

ثانيا: لو سلمنا ان الناسي خارج عن دائرة الخطاب لعدم قابليته للانبعاث، فالجاهل المركب كذلك، إذ كما لا يمكن انبعاث الناسي لا يمكن انبعاث من هو قاطع بانه عالم. فالجاهل المركب لا يقبل الانبعاث عن الحكم، فشأنه شأن الناسي، ومقتضى ذلك: ان يلتزم المحقق النائيني بشمول حديث «لا تعاد» للجاهل المركب، بأن الجاهل المركب ليس قابلا لأنّ يخاطب بالأمر الأول فيختص خطابه بالإعادة فيكون من افراد حديث «لا تعاد». فلابد من التفصيل.

ثالثا: ما ذكره سيدنا «قده» في الجواب عنه، «ص319»: حيث قال: ان الجاهل على نحوين:

أحدهما: من التفت للخلل قبل تجاوز المحل. والثاني: من التفت للخل بعد تجاوز المحل. فمن التفت للخلل قبل تجاوز المحل وكان التدارك ممكنا، فمثلا: من بنى على أن الفاتحة مثلا: يصح ان يقرئها: الحمد لله رب العالمين، مليك يوم الدين. فكان بانيا على انه يصح ان يقرأ الفاتحة ب «مليك يوم الدين». أو كان بانيا على أنه: لا يجب تعيين البسملة بالسورة التي بعد الفاتحة. لكنه بعد ان قرأ «مليك» أو بعد ان ترك تعيين البسلمة ارتفع جهله، فاصبح عالما بالحكم، والمفروض انه علم بالحكم قبل تجاوز المحل اي قبل الدخول في الركوع وكان التدارك ممكنا حيث لا يستلزم التدارك زيادة عمدية في الصلاة، فمثل هذا الجهال يخاطب بالأمر الاول، فيقال: صل بفاتحة الكتاب، صل مع السورة، ما زال مخاطب بالأمر الاول. لأنه يمكنه امتثاله.

واما الجاهل الذي لم يلتفت الا بعد تجاوز المحل، بحيث لو رجع للزم اعادة الصلاة، فمن لم يلتفت لشرائط القراءة الا بعد الركوع، أو من لم يلتفت لشرائط الركوع إلا بعد ان سجد سجدتين، أو من لم يلتفت لشرائط السجود إلا بعد أن ركع الركعة الثانية، فمثل هذا الشخص لو أراد ان يتدارك للزم بطلان صلاته، فمثل هذا الشخص لا يعقل خطابه بالأمر الاول، بل يتعين خطابه بالاعادة، فمثله مثل الناسي تماماً. فلو سلمنا بمقالة المحقق النائيني «قده»: من ان حديث «لا تعاد» لا يشمل الجاهل، لأنّ الجاهل مخاطب بالأمر الأول لا بالإعادة ويختص بالناس. لقلنا: أن مقتضى هذه المقالة أن تفصل في الجاهل بين الجاهل الذي لم يتجاوز المحل وكان يمكنه التدارك، وبين الجاهل الذي تجاوز المحل أو لا يمكنه التدارك فإن في مثله لا يمكن خطابه بالأمر الأول بل يتعين خطابه بالإعادة وبالتالي فهو مندرج تحت موضوع «لا تعاد».

الوجه الثاني: - الذي افيد لمنع شمول حديث لا تعاد للجاهل -: ما افاده المحقق الحائري، في كتاب «الصلاة، ص316»، قال: لو قلنا بشمول حديث «لا تعاد» للجاهل لكان مقتضاه احد محذورين:

1 - اما محذور اختصاص الحكم للعالم به، لأنّ من جهل جزئية السورة فليست جزءا في حقه بحديث لا تعاد، ومن جهل جزئية الطهارة في ساتر العورة فليست شرطا في حقه بحديث «لا تعاد»، فلازم ذلك اختصاص الحكم بالجزئية والشرطية بالعلم به، واختصاص الحكم بالعلم به محال.

2 - أو بأن تقولوا: بأن الشرط والجزء عام للجاهل والعالم، غاية ما في الباب إذا اتى المكلف بالصلاة ناقصة من جزء أو شرط فصلاته صحيحة من باب الاسقاط لا من باب الاختصاص، والا فالشرطية شاملة له، اي أن الشرطية شاملة لهذا المكلف، غاية ما في الباب أن الإتيان بالصلاة الناقصة لخلوها من شرط أو جزء مسقطة للتكليف وإلا فالتكليف عام للعالم والجاهل، فإذا قلتم هكذا يترتب على ذلك محذور إثباتي، وهو: ان هذا يتنافى مع ظاهر «لا تنقض السنة الفريضة» فإن ظاهر قوله: «لا تنقض السنة الفريضة» ان عمله تام ليس فيه اي نقص، أي: ان عدم الاتيان بالسنة لا اثر له في انتقاض الفريضة، والفريضة تامة؛ فلو قلنا بأن عمله ناقص ولكنه مسقط للتكليف، فهذا مناف لظهور هذه الرواية في تمامية عمله، بل ورد في بعض الروايات الأخرى: «وقد تمت صلاته».

فنحن بين خيارين: إما محذور ثبوتي، أو محذور إثباتي. فإن قلتم بأن الشرطية خاصة بالعالم: ففيه محذور ثبوتي. وإن قلتم بأن الشرطية عامة للجاهل لكن عمله مسقط: ابتليتم بمحذور اثباتي.

والحمد لله رب العالمين.