الدرس 122

الطولية بين العلوم الإجمالية

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلّى الله على سيّدنا محمد وآله الطاهرين

من تنبيهات العلم الاجمالي: البحث في الشبهة غير المحصورة. حيث يظهر تسالم الأعلام على ان الشبهة غير المحصورة لا يكون العلم الاجمالي الا منجزا لوجوب الموافقة القطعية. وإن اختلفوا في أنه منجز لحرمة المخالفة القطعة ام لا؟. ومحور البحث: فأن مجرد كثرة الاطراف هل يرفع منجزية العلم الأجمالي لوجوب الموافقة القطعية؟ ام أن كثرة الاطراف لا دخل له في ذلك؟.

ولقد سيقت وجوه لإثبات عدم منجزية العلم الاجمالي بسبب كثرة الاطراف:

الوجه الاول: ما يرجع الى عدم توفر الشرط، فإن من شروط منجزية العلم الاجمالي على مسلك الاقتضاء عدم شمول أدلة الاصول لأطراف العلم الاجمالي، والمدعى في المقام أن أدلة الأصول تشمل اطراف الشبهة غير المحصورة. وبيان ذلك:

بأن مقتضى إطلاق أدلة الأصول، نحو: اصالة الطهارة، او: اصالة الحل، هو شمولها لأطراف الشبهة محصورة او غير محصورة. فما هو المانع وما هو الرافع لذلك؟.

فيقال: بأن المانع من شمول أدلة الأصول لأطراف الشبهة المحصورة غير موجود في الشبهة غير المحصورة، وبيان ذلك: أن المانع المتصور أحد امرين:

الأمر الاول: إن المانع من جريان الاصول في تمام اطراف الشبهة هو استلزام جريانها في جميع الاطراف الترخيص في المخالفة القطعية، والترخيص في المخالفة القطعية قبيح، فهذا المانع العقلي هو الذي يمنع جريان الأصول في الشبهة المحصورة، لكن هذا المانع غير موجود في الشبهة غير المحصورة والسر في ذلك: ان الاطراف لكثرتها وسعتها كما لو علم اجمالا في وجود ماء نجس في ارض قم مثلا مما لا يتيسر فيها الوقوع في المخالفة القطعية، فبما انه لا يتيسر للمكلف الوقوع في المخالفة القطعية فاجراء الاصل في اطراف الشبهة غير المحصورة على طبق القاعدة، لان المقتضي له وهو الإطلاق موجود، والمانع منه وهو: استلزام الجريان للترخيص في المخالفة القطعية المانع مفقود، اذ المكلف لا يقع في المخالفة القطعية في الشبهة غير المحصورة، فبما ان المقتضي موجود والمانع مفقود، اذن فمقتضى ذلك: فجريان الاصل كأصالة الطهارة مثلا، او اصالة الحل مثلا في اطراف الشبهة غير المحصورة، وبذلك يسقط العلم الاجمالي عن المنجزية. لعدم توفر شرطه وهو عدم جريان الاصل.

ولكن سيدنا الخوئي «قده» في «مصباح الاصول»: افاد بان هذا المانع ليس بمانع اي ان التيسر وعدم التيسر ليس مانعا في الشبهة المحصورة كي يكون مانعا في الشبهة غير المحصورة، والوجه في ذلك: ان القدرة على المخالفة القطعية او عدم القدرة عليها ليس دخيلا في ثبوت القبح ولا في رفعه، لان الملاك في عدم جريان الأصول في الشبهة المحصورة ليس هو الترخيص في المخالفة القطعية، كي يقال: مع العجز عن المخالفة القطعية فلا مانع من الترخيص، بل المانع من جريان الأصول في الشبهة المحصورة الترخيص القطعي في المخالفة لا الترخيص في المخالفة القطعية، فان ملاك القبح في الترخيص القطعي في المخالفة وان لم تتحقق مخالفة قطعية، وبيان ذلك: مثلا: اذا علم المكلف اجمالا بحرمة الجلوس في احدى الغرفتين في هذا الآن، كما لو فرضنا ان احدى الغرفتين موطن التهمة او مائدة الخمر او ما اشبه ذلك فعلم المكلف اجمالا بانه في هذا الآن يحرم عليه الجلوس في احدى الغرفتين، فمن الواضح ان العلم الاجمالي هنا منجز، ولا تجري الاصول في اطرافه اي اصالة البراءة عن حرمة الجلوس في غرفة الف واصالة البراءة، لان المكلف غير قادر على المخالفة القطعية، اذ لو اراد ان يخالف المعلوم بالاجمال لم يقدر على الجلوس في الغرفتين معا في آن واحد، فمع انه غير قادر على المخالفة القطعية مع ذلك لم تجر الاصول في اطراف هذا العلم الاجمالي، وكان منجزا. فيتبين بذلك: ان السر في منجزية العلم الاجمالي وعدم جريان الاصول في اطرافه ليس هو استلزام جريان الاصول للمخالفة القطعية كي يقال: بان المخالفة القطعية غير مقدورة في المقام، بل السر هو قبح الترخيص القطعي في المخالفة فان المولى: حيث إن لديه غرضا لزوميا في المقام وهو وجود مفسدة لزومية في احدى الغرفتين، فمع وجود هذا الغرض اللزومي فلو قال المولى: رخصت لك في الجلوس في اي من الغرفتين وإن طابقت المفسدة الواقعية، فإن هذا الترخيص يتضمن اللا مبالاة من المولى لغرضه اللزومي، لذلك يقال: الترخيص القطعي في المخالفة يعني عدم مبالاة المولى بغرضه اللزومي وهذا يعد نقضا لغرضه، فيكون قبيحا، فالنكتة في عدم جريان الاصول في اطراف العلم الاجمالي قبح الترخيص القطعي في المخالفة وان لم تقع مخالفة قطعية لقبح نقض الغرض، وبناء على ذلك: فالاصول لا تجري في الشبهة المحصورة وان لم يقدر المكلف على المخالفة القطعية فلا تجري في الشبهة غير المحصورة وان لم يقدر المكلف على المخالفة القطعية لكثرة الاطراف وسعتها، فهذا المانع لا يصلح مانعا.

ذكرنا فيما سبق ان في كلام السيد الشهيد «ص227» كلاما يحتاج الى البيان: في قوله: «الرابعة: لو افترضنا امكان حصول العلم الاجمالي.....» ثم يشكل السيد «قده» على المحقق العراقي.

المانع الثاني: ان يقال: ان المانع من جريان الاصول في اطراف الشبهة المحصورة هو المناقضة بين الغرض اللزومي والغرض الترخيصي، حيث ان الارتكاز العقلائي قائم على ان لا يضحى بغرض لزومي لاجل غرض ترخيصي. وهذا الارتكاز العقلائي بمثابة القرينة المتصلة بأدلة الأصول العملية المانع من شمولها لاطراف العلم الاجمالي، وهذا المانع - كما يقول السيد الشهيد - غير قائم في الشبهة غير المحصورة، وبيان ذلك: ان الشبهة غير المحصورة لكثرة اطرافها يحتمل العقلاء ان يضحى بغرض لزومي لاجل اغراض ترخيصية، فان الشبهة غير المحصورة نتيجة كثرتها وسعة اطرافها فان من المحتمل وان كان في البين غرض لزومي الا انه قد يضحى به ويتنازل عنه لاجل وجود اغراض ترخيصية عديدة. فإذن: إباء الارتكاز العقلائي التضحية بالغرض اللزومي لاجل غرض ترخيصي انما يتصور في الشبهة المحصورة، اما في الشبهة غير المحصورة فهذا المانع الارتكازي غير محرز، لاننا نحتمل بالوجدان ان يضحي الشارع بغرض لزومي وهو وجود نجاسة بأرض قم لأجل اغراض ترخيصية كثيرة بكثرة الاطراف، فمع هذا الاحتمال لا يبقى مانع من اطلاق دليل الاصل لشمول اطراف الشبهة غير المحصورة، فيسقط العلم الاجمالي عن المنجزية.

ولكن ما افاده «قده» محل تأمل: والسر في ذلك: أننا ما لم نحرز تجويز العقلاء التضحية فالاطلاق غير منعقد، وبيان ذلك: اننا تارة نحرز ان العقلاء لا يضحون بغرض لزومي لاجل غرض ترخيصي كما في الشبهة المحصورة فدليل الاصل لا يشمله، وتارة نحرز ان العقلاء يضحون بغرض لزومي لاجل غرض ترخيصي، كما لو افترضنا: ان في اجتناب جميع الاطراف كلفة ومؤنة بحيث يكون غرض التسهيل ورفع الحرج مقاوما ومعادلا من حيث الأهمية للغرض اللزومي وهو مفسدة النجاسة، فإن رفع الحرج عن المكلف يعادل اهمية مفسدة النجاسة فاحرزنا التضحية.

واما اذا شككنا لمجرد اننا علمنا اجمالا بوجود نجاسة في ارض قم، وشككنا هل أن الشارع هنا يعادل بين الاغراض الترخيصية والاغراض اللزومية من حيث الأهمية ام لا؟ فالاطلاق لم ينعقد، لان المفروض ان المانع من انعقاد الاطلاق لدليل الاصل هو: احتفافه بالارتكاز العقلائي، فمع الشك في الاحتفاف يقع الشك في الإطلاق نفسه، لان المفروض ان دليل الاصل مع احتفافه بالارتكاز لا إطلاق له من الأصل، فمع الشك في الاحتفاف يقع الشك في الاطلاق. وهذا على مبنى السيد الشهيد من اوضح الامور لان على مبناه الشك في القرائن الانتزاعية مانع من اصل الظهور. فالنتيجة: لم يحرز اطلاق ادلة الاصول لاطراف الشبهة غير المحصورة ما لم يحرز التعادل من حيث الأهمية، واذا احرز التعادل من حيث الاهمية فجريان الاصل حينئذ لا لكون شبهة غير محصورة، بل لاحراز التعادل وهذا يأتي حتى في الشبهة المحصورة حتى في فرض التعادل.

والحمدُ لله ربِّ العالمين